الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والعادة فقط، مع أنَّها دون ذلك عند الله، كما تدل عليه هذه الآية.
روى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال:"ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم، رجل حلف على سلعة: لقد أعطي بها أكثر مما أعطى وهو كاذب، ورجل حلف على يمين كاذبة بعد العصر، ليقتطع بها مال امرئ مسلم، ورجل منع فضل ماله فيقول الله له: اليوم أمنعك فضلي ما منعت فضل ما لم تعمل يداك".
وروى مسلم عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم، قال: فقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات، فقلت: خابوا وخسروا من هم يا رسول الله؟ قال: المسبل، والمنَّان، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب".
وروى مسلم أيضًا عن أبي أمامة رضي الله عنه أنَّ رسول صلى الله عليه وسلم قال: من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه .. حرم الله علية الجنة، وأوجب له النار، فقالوا: يا رسول الله وإن كان شيئًا يسيرًا؟ قال: وإنْ كان قضيبًا من أراك".
78
- {وَإِنَّ مِنْهُمْ} ؛ أي: وإنَّ من اليهود {لَفَرِيقًا} ؛ أي: لطائفة {يَلْوُونَ} ؛ أي: يفتلون ويعطفون {أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ} ؛ أي: بقراءة الكتاب، فيميلونها عن المنزل إلى المحرف، ويبدلون المحرف عن المنزل، كتحريفهم حركات الإعراب في آية الرجم، واللفظة الدالة على نبوة صلى الله عليه وسلم، تحريفًا يتغير به المعنى {لتحسبوه}؛ أي: لتظنوا أيها المسلمون أنَّ ذلك المحرف {مِنَ الْكِتَابِ} ؛ أي: من كلام الله وتنزيله، يعني من التوراة {وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ}؛ أي: والحال أنَّ ذلك المحرف ليس من التوراة المنزل من عند الله، ولكنه من عند أنفسهم.
والمعنى (1): يلوون ألسنتهم ويعطفونها عن اللفظ المنزل إلى المحرَّف؛ لكي يظن السفلة أو المسلمون أنَّ المحرف من التوراة، وما هو من الكتاب؛ أي: والحال أن المحرف ليس من التوراة في نفس الأمر، وفي اعتقادهم {وَيَقُولُونَ
(1) المراح.
هُوَ}؛ أي: المحرف {منْ عِندِ اَللهِ} ، أي: موجود في كتب سائر الأنبياء، مثل شعياء وأرخياء وحيفوف {وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} فالأغمار الجاهلون بالتوراة نسبوا ذلك المحرف إلى أنَّه من التوراة، والأذكياء زعموا أنَّه موجود في كتب سائر الأنبياء الذين جاؤوا بعد موسى عليهم السلام، وعلم من هذا التفسير المغايرة بين اللفظين، فإنه ليس كل ما لم يكن في الكتاب لم يكن من عند الله، فإنَّ الحكم الشرعي قد ثبت تارة بالكتاب، وتارة بالسنّة، وتارة بالإجماع وتارة بالقياس، والكل من عند الله.
وفي "الخازن" قوله: {وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} وإنَّما كرر هذا بلفظين مختلفين مع اتحاد المعنى .. لأجل التأكيد؛ أي: إنَّهم (1) كاذبون فيما يقولون، وفي هذا تشنيع عليهم، بأن الجرأة قد بلغت بهم حدًّا عظيمًا، فهم لم يكتفوا بالتعريض والتورية، بل يصرحون بنسبته إلى الله كذبًا، لعدم خوفهم منه، واعتقادهم أنَّه يغفر لهم جميع ما يجترحون من الذنوب؛ لأنَّهم من أهل ذلك الدين.
وليس ذلك بالغريب عليهم، فإنَّا نرى كثيرًا من المسلمين اليوم يعتقدون أنَّ المسلم من أهل الجنة حتمًا، مهما أصاب من الذنوب؛ لأنَّه إنْ لم تدركه الشفاعة. أدركته المغفرة، ويجلِّي اعتقادهم ذلك قولهم: أمة محمَّد بخير.
فالمسلم في نظرهم من اتخذ الإِسلام دينًا، وإنْ لم يعمل بما جاء في كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، من صفات المسلمين الصادقين، بل ولو فعل فِعْل الكافرين والمنافقين.
{وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} أنَّهم كاذبون؛ أي: يتعمدون ذلك الكذب مع العلم، وهذا تأكيد وتسجيل عليهم بأنَّ ما افتروه على الله .. كان عن عمد لا عن خطأ.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما (2): هم اليهود الذين قدموا على كعب بن
(1) المراغي.
(2)
المراغي.
الأشرف، وغيروا التوراة، وكتبوا كتابًا بدلوا فيه صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أخذت قريظة ما كتبوا، فخلطوه بالكتاب الذي عندهم، وقد جاء في كتب السيرة والحديث: أنَّ اليهود كانوا إذا سلَّموا على النبي صلى الله عليه وسلم يمضغون كلمة السلام، فيخفون اللام ويقولون: السام عليكم غير مفصحين بالكلمة؛ لأنَّهم يريدون معنى السام وهو الموت، وجاء في سورة النساء قوله تعالى:{مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَقْوَمَ} فهؤلاء وضعوا {غَيْرَ مُسْمَعٍ} مكان "لا أسمعت مكروها" التي تقال عادة عند الدعاء و {راعنا} مكان انظرنا التي يقولها الناس لمن ينتظرون معونته ومساعدته، وإنَّما قالوا:{غَيْرَ مُسْمَعٍ} لأنَّها قد تستعمل في الدعاء على المخاطب، بمعنى لا سمعت، وقالوا:{راعنا} لأنَّ هذه الكلمة عبرانية أو سريانية، كانوا يَتَسابون بها.
وقرأ الجمهور (1): {يَلْوُونَ} مضارع لوى الثلاثي، وقرأ أبو جعفر بن القعقاع، وشيبة بن نصاح، وأبو حاتم عن نافع شذوذًا:{يَلْوُونَ} بالتشديد، مضارع لوّي مشددًا، ونسبها الزمخشري إلى أهل المدينة، والتضعيف للمبالغة والتكثير، لا للتعدية، وقرأ حميد شاذًّا:(يلوُن) بضم اللام، ونسبها الزمخشري إلى أنَّها رواية عن مجاهد وابن كثير، ووجهت على أنَّ الأصل يلوون، ثمَّ أبدلت الواو همزة، ثم نقلت حركتها إلى الساكن قبله، وحذفت هي.
وقرأ الجمهور: {لِتَحْسَبُوهُ} والمخاطب المسلمون وقرىء شاذًا: {ليحسبوه} بالياء وهو يعود على المسلمين أيضًا، كما هم المراد بالمخاطبين في قراءة العامة، والمعنى: ليحسب المسلمون أنَّ المحرف من التوراة.
ولمَّا بيَّن الله سبحانه وتعالى فيما سلف افتراء اليهود على الله الكذب، ونسبتهم إليه ما لم يقله .. أردف ذلك بذكر افترائهم على الأنبياء صلوات الله وسلامه علهيم أجمعين فقال:
(1) البحر المحيط.