المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

دين الله، مع أن مرجعهم إليه تعالى. وقرأ أبو عمرو وحفص - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ٤

[محمد الأمين الهرري]

الفصل: دين الله، مع أن مرجعهم إليه تعالى. وقرأ أبو عمرو وحفص

دين الله، مع أن مرجعهم إليه تعالى.

وقرأ أبو عمرو وحفص وعياش ويعقوب وسهل (1): {يبغون} بالياء على الغيبة، وقرأ الباقون {تبغون} بالتاء على الخطاب، فالياء على نسق {هُمُ الْفَاسِقُونَ} ، والتاء على الالتفات من الغيبة إلى الخطاب، وقرأ الأعمش شاذًا:(كُرهًا): بضم الكاف والجمهور بفتحها.

وقرأ حفص وعياش ويعقوب وسهل {يرجعون} بالياء على الغيبة، فيحتمل أن يكون عائدًا على {من أسلم} ، ويحتمل أن يكون عائدًا على ضمير {يَبْغُونَ} ، فيكون على سبيل الالتفات على قراءة من قرأ:{تبغون} بالتاء، إذ يكون قد انتقل من خطاب إلى غيبة، وقرأ الباقون بالتاء، فإن كان الضمير عائدًا على {من أسلم} .. كان التفاتًا، أو على ضمير {تبغون} كان التفاتًا على قراءة من قرأ:{يَبْغُونَ} بالياء، إذ يكون قد انتقل من غيبة إلى خطاب.

ولمَّا ذكر الله تعالى في الآية المتقدمة، أنَّه إنَّما أخذ الميثاق على الأنبياء في تصديق الرسول الذي يأتي مصدقًا لما معهم .. بين الله تعالى من صفة محمد صلى الله عليه وسلم، كونه مصدقًا لما معهم فقال تعالى:

‌84

- {قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ} وإنَّما وحد الضمير في قوله: {قُلْ} وجمع في قوله: {آمَنَّا بِاللَّهِ} إشعارًا بأنَّه لا يبلغ هذا التكليف من الله تعالى إلى الخلق إلا هو، فلذلك وحد الفعل في قوله:{قُلْ} وتنبيهًا على أنه وافقه حين قال هذا القول أصحابه فلذا حسنًا الجمع في قوله: {آمَنَّا} .

ومعنى الآية: قل يا محمد {ءَآمَنَّا} ؛ أي: صدقت أنا ومن معي {بِاللَّهِ} ؛ أي: بوجود الله ووحدانيته، وتصرفه في الأكوان كلها، وأنَّه ربنا وإلهنا، لا إله لنا غيره، ولا رب سواه، والمراد؛ آمنا بالله وحده، لا كما آمن أهل الكتاب به على وجه التثليث؛ وإنَّما قدم الإيمان بالله على غيره لأنَّه الأصل {و} قل يا محمد

(1) البحر المحيط.

ص: 408

أيضًا صدقنا بـ {ما أنزل علينا} من وحيه وتنزيله؛ وإنَّما قدم ذكر القرآن لأنَّه أشرف الكتب المنزلة؛ لأنَّ المعيار عليه؛ ولأنَّه لم يحرف ولم يبدل، وغيره حرف وبدل؛ أي: آمنا بالقرآن المنزل عليه صلى الله عليه وسلم أولًا، وعلى أمته بتبليغه إليهم.

وإنَّما عدي الإنزال هنا بعلى، وفي البقرة بإلى؛ لأنَّه يصح تعديته بكل منهما، فله جهة علو باعتبار إبتدائه، وجهة انتهاء باعبتار آخره، وهو باعتبار ابتدائه متعلق بالنبي، وباعتبار انتهائه متعلق بالمكلفين، ولمَّا خص الخطاب هنا بالنبي .. ناسب الاستعلاء، ولما عمم هناك جميع المؤمنين .. ناسبه الانتهاء {وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ}؛ أي: وقيل يا محمد أيضًا: صدقنا بأنَّ الله أنزل على هؤلاء وحيًا لهداية أقوامهم، وأنَّه موافق في أصوله لما أنزل علينا؛ أي: آمنا بما أنزل على هؤلاء من الصحف والوحى، والأسباط هم بطون بني إسرائيل، المتشعبة من أولاد يعقوب، وإنَّما خص هؤلاء بالذكر؛ لأنَّ أهل الكتاب يعترفون بفضلهم وبنبوتهم، ولم يختلفوا فيهم {و} صدقنا بـ {ما أوتي} وأعطي {مُوسَى وَعِيسَى} من التوراة والإنجيل، وسائر المعجزات الظاهرة على أيديهم، كما ينبىء عنه إيثار الإيتاء على الإنزال الخاص بالكتاب، وإنَّما أفرد هذين النبيين بالذكر؛ لأنَّ الكلام مع اليهود والنصارى، ثم جمع جميع الأنبياء فقال:{وَالنَّبِيُّونَ} ؛ أي: وما أعطى النبيون {مِنْ رَبِّهِمْ} كداود، وسليمان، وأيوب، وغيرهم ممن لم يقص الله سبحانه علينا قصصهم {لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ} تعالى بالتصديق والتكذيب، فنصدق بالبعض، ونكفر بالبعض، كما فعل اليهود والنصارى، بل نؤمن بالكل.

فما مثل الأنبياء إلا كمثل الأمراء الأمناء الصادقين، يرسلهم السلطان على التعاقب للقيام بشؤون ولاية من ولاياته، وإصلاح أحوال أهلها، وعمل القوانين النافعة لحكمها، فقد يغير التالي بعض القوانين السابقة، بحسب ما يرى من تبدل طباع أهلها وعاداتهم، من شراسة إلى لين، ومن جهل إلى علم، ومن بداوة إلى مدينة وحضارة، وما المقصد من كل هذا إلا عمرانها، وبذل الوسع في سعادة أهلها، وإيصال الخير إليهم.

ص: 409