الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وذكر الأحكام الخاصة بالدين والتجارة والرهن. وكلها طرق شريفة لتنمية المال وزيادته بما فيه صلاح الفرد والمجتمع، وكون آية الدَّين أطول آيات القرآن على الإطلاق مما يدل على عناية الإِسلام بالنظم الاقتصادية.
أسباب النزول
وقد أخرج (1) عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ} قال: نزلت في السلم، في كيل معلوم إلى أجل معلوم.
وأخرج الشافعي وعبد الرازق وعبد بن حميد والبخاري وغيرهم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أشهد أن السلف المضمون إلى أجل مسمى أن الله أحله، وحرم الربا، وقرأ هذه الآية.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنه في هذه الآية قال: أمر بالشهادة عند المداينة؛ لكيلا يدخل في ذلك جحود ولا نسيان، فمن لم يُشْهِدْ على ذلك فقد عصى.
التفسير ووجه القراءة
282
- {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} بما جاء به محمَّد صلى الله عليه وسلم {إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ} ؛ أي: تعاملتم بالدين، وتبايعتم به على أيّ وجه كان من: سَلَم أو بيع، أو داين بعضكم بعضًا، وعامله نسيئة، معطيًا كان أو آخذًا. وإنما قال:{بِدَيْنٍ} بعد قوله {إِذَا تَدَايَنْتُمْ} مع أنه معلوم منه؛ ليعود الضمير عليه في قوله: {فَاكْتُبُوهُ} ؛ إذ لو ذكر ذلك لوجب أن يقال: فاكتبوا الدَّين، فلا يحسن النظم بذلك. وقيل: إنما ذكره للتأكيد. {إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} ؛ أي: إلى وقت معلوم الأول والآخر بالأيام والأشهر أو نحوهما، مما يرفع الجهالة، لا بالحصاد والدياس، وقدوم الحاج ونحوها مما لا يرفعها.
(1) فتح القدير.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، وهم يسلفون في التمر العام والعامين، فقال لهم:"من أسلف في تمر، ففي كيل معلوم أو وزن معلوم إلى أجل معلوم". متفق عليه. {فَاكْتُبُوهُ} أي: فاكتبوا ذلك الدين الذي تداينتم به وتحملتم به في ذممكم بيعًا كان ذلك التعامل، أو سلفًا بأجله؛ لأنه أوثق وأرفع للنزاع، والأكثرون على أن أمر هذه الكتابة أمر استحباب، فإن ترك فلا بأس، وهو أمر تعليم ترجع فائدته إلى منافع الخلق في دنياهم، فلا يثاب عليه المكلف إلا إن قصد الامتثال.
قال المفسِّرون: المراد بالمداينة: السلَم، فالله تعالى لما منع الربا في الآية المُتقدِّمَةِ .. أذن في السلَم في هذه الآية مع أن جميع المنافع المطلوبة من الربا حاصلة في السلم، ولهذا قال بعض العلماء: لا لذة ولا منفعة يوصل إليها بالطريق الحرام إلا وضع الله تعالى لتحصيل مثل تلك اللذة طريقًا حلالًا، وسبيلًا مشروعًا. والقرض غير الدين؛ لأن القرض: أن يقرض الإنسان دراهم أو دنانير أو حبًّا أو ثمرًا أو ما أشبه ذلك، ويسترد مثله، فلا يجوز فيه شرط الأجل بخلاف الدين، فيجوز فيه الأجل، فإن ذكر الأجل في القرض، فإن كان للمقرض فيه غرض أفسده، وإلا فلا يفسده، ولا يجب الوفاء به، لكنه يُستحب.
وقال أكثر المفسرين: إن البيوع على أربعة أوجه:
أحدها: بيع العين بالعين؛ وذلك ليس بمداينة البتة.
والثاني: بيع الدين بالدين، وهو باطل؛ فلا يكون داخلًا تحت هذه الآية.
والثالث: بيع العين بالدين، وهو ما إذا باع شيئًا بثمن مؤجل.
والرابع: بيع الدين بالعين وهو المسمى: بالسلم، وكلاهما داخلان تحت هذه الآية.
{وَلْيَكْتُبْ} كتاب الدين {بَيْنَكُمْ} ؛ أي: بين الدائن والمديون، والبائع والمشتري. والبينية تقتضي أن لا ينفرد أحد المتعاملين بالكتابة؛ لأنه يتهم فيها، فإذا كانت واقعة بينهما كان كل واحد منهما مطلعًا على ما سطره الكاتب. {كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ}؛ أي: بالحق والإنصاف بحيث لا يكون في قلبه، ولا في
قلمه ميل لأحدهما على الآخر؛ أي: وليكتب لكم كاتب عادل مأمون، لا يجور على أحد الطرفين؛ بحيث لا يزيد في المال والأجل، ولا ينقص في ذلك، فهو أمر للمتداينين باختيار كاتب متصف بهذه الصفة، لا يكون في قلبه ولا في قلمه مساعدة لأحدهما على الآخر، بل يتحرى الحق بينهم، والعدل فيهم، وقرىء شذوذًا (1) بكسر لام:{ولِيكتب} وإسكانها.
قيل: إن فائدة هذه الكتابة هي: حفظ المال من الجانبين؛ لأن صاحب الدين إذا علم أن حقه مقيد بالكتابة .. تعذَّر عليه طلب زيادة، أو تقديم المطالبة قبل حلول الأجل. ومن عليه الدين إذا عرف ذلك .. تعذر عليه الجحود، أو النقص من أصل الدين الذي عليه، فلمَّا كانت هذه الفائدة في الكتابة .. أمر الله تعالى بها.
{وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ} ؛ أي: ولا يمنع أحد من الكتاب {أَنْ يَكْتُبَ} ؛ أي: من أن يكتب كتاب الدين بين الدائن والمديون {كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ} ؛ أي: على الطريقة التي علمه الله في كتابة الوثائق، من غير أن يبدل ولا يغير؛ ليقضي حاجة أخيه المسلم {فَلْيَكْتُبْ} تلك الكتابة التي علّمه الله إياها، أو كما علمه الله بقوله:{بِالْعَدْلِ} .
{وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ} ؛ أي: ولْيبين المديون الذي عليه الحق قدر ما عليه من الدَّين وجنسه ونوعه؛ لأنه المشهود عليه، فلا بد من أن يقر على نفسه بلسانه ليعلم ما عليه من الدين. {وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ}؛ أي: ولْيخش المديون ربه بأن يقر بمَبْلغ المال الذي عليه {وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا} ؛ أي: ولا ينقص مما عليه من الدين شيئًا في إلقاء الألفاظ على الكاتب {فَإِنْ كَانَ} المديون {الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ} والدين {سَفِيهًا} ؛ أي: ناقص العقل، مبذِّرًا يصرف المال في غير مصارفه {أَوْ ضَعِيفًا} في البدن، أو في الرأي لصغر، أو جنون، أو كبر مضعف للعقل؛ أي: أو كان صبيًّا، أو مجنونًا، أو شيخًا هرمًا {أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ}؛ أي: أو
(1) النهر.
عاجزًا لا يقدر أن يمل هو بنفسه على الكاتب، ولا يحسن الإسماع له بنفسه لخرس، أو عيٍّ، أو جهل باللغة، أو بما عليه وما له من الدين، أو حبس، أو غيبة لا يمكنه الحضور عند الكاتب، فهؤلاء كلهم لا يصح إقرارهم فلا بد من أن يقوم غيرهم مقامهم، كما ذكره بقوله سبحانه وتعالى:{فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ} ؛ أي: فليقر على الكاتب، ويبين له وليُّ كل واحد من هؤلاء الثلاثة: السفيه، والضعيف، وغير المستطيع {بِالْعَدْلِ}؛ أي: بالصدق والحق من غير زيادة ولا نقصان؛ لأنه يقوم مقامه في صحة الإقرار. والمراد بالولي لغة: هو من له ولاية عليه بأيِّ طريقٍ كان؛ كوالد ووصيٍّ وقيم ومترجم ووكيل. وقال (1) ابن عباس رضي الله عنهما: أراد بالولي صاحب الدين؛ يعني: إن عجز الذي عليه الحق عن الإملاء .. فليملل صاحب الحق؛ لأنه أعلم بحقه {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ} ؛ أي: واشهدوا ندبًا على حقوقكم مع كتابتها شاهدين {مِنْ رِجَالِكُمْ} ؛ أي: من أهل ملتكم أيها المؤمنون؛ يعني: من الرجال البالغين الأحرار المسلمين زيادة في التوثقة؛ لأن المقصود من الكتابة هو الإشهاد، فالبلوغ مستفاد من لفظ رجال، والإِسلام من الإضافة إلى كاف الخطاب، والحرية مستفادة أيضًا من لفظ رجال؛ لأنه ظاهر في الكاملين؛ لأن الأرقاء بمنزلة البهائم، فبقي اشتراط العدالة، المستفادة من قوله:{مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} ، وعند (2) شُريح وابن سيرين وأحمد: تجوز شهادة العبيد، وأجاز أبو حنيفة شهادة الكفار بعضهم على بعض.
{فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ} ؛ أي: فإن لم يكن الشاهدان رجلين؛ بأن لم يوجد أو لم يقصد إشهادهما {فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} ؛ أي: فليشهد رجل وامرأتان كائنون ممن ترضونه {مِنَ الشُّهَدَاءِ} لدينه وعدالته. وقوله: {أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى} على حذف لام التعليل المتعلقة بمعلول محذوف؛ تقديره: وإنما اشترط التعدد في النساء؛ لأجل أن تنسى إحدى المرأتين الشهادة؛ لنقص عقلهن وقلة ضبطهن، فتذكر إحداهما الذاكرةُ للشهادة المرأة الأخرى الناسية لها. والعلة في
(1) الخازن.
(2)
مراح.
الحقيقة التذكير، أي: وإنما اشترط التعدد؛ لأجل أن تذكِّر الذاكرةُ منهما الناسية للشهادة، ولكن لما كان الضلال سببًا له نزل منزلته؛ كقولهم: أعددت السلاح أن يجيء عدو فأدفعه. قرأ حمزة والأعمش (1): {إِنْ تَضِلَّ} بكسر الهمزة، وجعلها حرف شرط. {فتذكرُ} بالتشديد ورفع الراء، وجعله جواب الشرط. وقرأ الباقون: بفتح همزة أن، وهي الناصبة، وفتح راء {فتذكرَ} عطفًا على {أَنْ تَضِلَّ} ، وسَكَّن الذالَ وخفف الكاف ابن كثير، وأبو عمرو ويعقوب. وفَتَح الذال وشدد الكاف الباقون من السبعة. وقرأ الجحدري وعيسى بن عمران شذوذًا {تُضَل} بضم التاء وفتح الضاد مبنيًّا للمفعول بمعنى: تنسى. كذا حكى عنهما الداني، وحكى النقاش عن الجحدري شذوذًا:{أن تُضِل} بضم التاء وكسر الضاد بمعنى: أن تضل الشهادة. تقول: أضللت الفرس والبعير إذا ذهبا فلم تجدهما. وقرأ زيد بن أسلم شذوذًا: {فتذاكر} من المذاكرة.
{وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ} ؛ أي: إقامة الشهادة {إِذَا مَا دُعُوا} ؛ أي: ولا يمتنع الشهداء إذا دعوا إلى تحمل الشهادة وأدائها عند الحكام، فيحرم الامتناع عليهم؛ لأن تحمل الشهادة فرض كفاية مطلقًا، والأداء كذلك، إن زاد المتحملون على من يثبت بهم الحق وإلا ففرض عين. {وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ}؛ أي: ولا تملوا أن تكتبوا الدَّين؛ لكثرة وقوع المداينة على أي حال كان الدين {صَغِيرًا} كان {أَوْ كَبِيرًا} ، قليلًا كان أو كثيرًا، وعلى أي حال كان الكتاب مختصرًا أو مشبعًا حال كون ذلك الدَّين مستقرًا في ذمة المديون {إِلَى أَجَلِهِ}؛ أي: إلى وقت حلول أجله الذي أقر به المديون؛ أي: فاكتبوا الدين بصفة أجله، ولا تهملوا الأجل في الكتابة، فقوله:{وَلَا تَسْأَمُوا} معطوف على قوله: {فَاكْتُبُوهُ} . {ذَلِكُمْ} إشارة إلى {أَنْ تَكْتُبُوهُ} ؛ أي: ذلكم المذكور من كتابة الدين إلى أجله {أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ} ؛ أي: أكثر قسطًا وعدلًا في حكم الله، أو في علمه؛ لأنه أمر به، واتباع
(1) البحر المحيط.
أمره أعدل من تركه. {وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ} ؛ أي: أثبت وأحفظ للشهادة، وأعون للشاهد على إقامتها إذا نسي {وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا}؛ أي: وأقرب إلى أن لا تشكُّوا في جنس الدين وقدره وأجله والشهود ونحو ذلك؛ أي: أقرب إلى انتفاء شككم في ذلك، فإنه قد يقع الشك في المقدار والصفات وإذا رجعوا إلى المكتوب زال ذلك الشك. وقرأ السلَمِيّ شذوذًا:{ألا يرتابوا} بالياء، والمفضل عليه محذوف؛ تقديره: ذلك الكتاب المذكور أقسط وأقوم وأدنى أن لا ترتابوا من عدم الكتابة.
وقوله: {إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ} استثناء من الأمر بالكتابة؛ أي: ولا تسأموا أن تكتبوه في كل المعاملات إلا أن تقع تجارة حاضرة بحضور البدلين؛ أي: معاملة ومبايعة حالة ناجزة تتعاطونها وتقابضونها بينكم يدًا بيد بلا أجل؛ أي: إلا أن تتبايعوا بلا أجل يدًا بيد، فلا بأس في أن لا تكتبوه لبعده عن التنازع والنسيان. وقرأ عاصم:{تجارةً حاضرةً} بنصبهما على أن {كان} ناقصة، والتقدير: إلا أن تكون هي؛ أي: المعاملة. وقرأ الباقون {تجارةٌ حاضرةٌ} برفعهما على أن يكون {تَكُونَ} تامة، و {تِجَارَةً}: فاعل لـ {تَكُونَ} ، وأجاز بعضهم أن تكون ناقصة، وخبرها جملة قوله:{تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ} .
{فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا} ؛ أي: ليس عليكم مضرة في ترك الكتابة في المداينة الحاضرة؛ كأن باع ثوبًا بدرهم في الذمة بشرط أن يؤدي الدرهم في هذه الساعة؛ أي: لا بأس بعدم الكتابة في ذلك لبعده عن التنازع والنسيان. وعبارة "الخازن" هنا: وإنما رخص الله في ترك الكتابة في هذا النوع من التجارة؛ لكثرة جريانه بين الناس، فلو كلفوا الكتابة فيه لشق عليهم، ولأنه إذا أخذ كل واحد حقه في المجلس .. لم يكن هناك خوف الجحود، فلا حاجة إلى الكتابة انتهى.
{وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} هذا التبايع المذكور (1) وهو التجارة الحاضرة؛
(1) الشوكاني.
لأن الإشهاد يكفي فيها عن الكتابة. وقيل معناه: إذا تبايعتم؛ أيَّ تبايع كان حاضرًا أو كالئًا؛ لأن ذلك أدفع لمادة الخلاف، وأقطع لمنشأ التشاجر. والأوامر التي في هذه الآية للاستحباب عند أكثر الأئمة. وقيل: إنها للوجوب، ثم اختلف في أحكامها ونسخها فقيل: إنها منسوخة بقوله: {فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ} .
{وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ} يحتمل أن يكون مبنيًّا للفاعل، فالمعنى على هذا: ولا يضار كاتب صاحب الحق، أو من عليه الحق، فيأبى أن يكتب أو يزيد في الحق أو ينقص فيه، أو يحرِّف ما أملى عليه، ولا يضار شاهد صاحب الحق أو من عليه الحق فيأبى أن يشهد أو يزيد في شهادته أو ينقص، فعلى هذا يكون نهيًا للكاتب والشاهد عن إضرار من له الحق أو عليه الحق، ويدل على ذلك قراءة عمر رضي الله عنه شذوذًا:{ولا يضارِر} بالفك والكسر، واختار الزجاج هذا القول؛ لقوله تعالى:{وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ} ؛ وذلك لأن اسم الفسق بمن يحرف الكتابة، وبمن يمتنع عن الشهادة حتى يبطل الحق بالكليَّة أولى منه بمن أبرم الكاتب والشهيد؛ ولأنه تعالى قال فيمن يمتنع من الشهادة:{وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ} والآثم والفاسق متقاربان. وقال ابن عباس ومجاهد وعطاء: بأن يقولا علينا شغل ولنا حاجة.
ويحتمل أن يكون مبنيًّا للمفعول، فالمعنى على هذا:{ولا يضارَر} بفتح الراء الأولى {كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ} بأن يدعيا إلى ذلك، وهما مشغولان بمهمٍّ لهما ويضيق عليهما في الإجابة، ويؤذيا إن حصل منهما التراخي، أو يطلب منهما الحضور من مكان بعيد، وكأن يكلفا بما لا يليق في الكتابة والشهادة، ولا يعطى الكاتب جُعْله، ولا الشهيد مؤنة مجيئه حيث كانت، فإن لهما طلب الجُعْل، ولا يكلفان الكتابة والشهادة مجانًا، فعلى هذا يكون نهيًا لصاحب الحق أو من عليه الحق عن إضرار الكاتب والشاهد، ويدل على ذلك قراءة ابن مسعود شذوذًا:{ولا يضارَر} بالفك وفتح الراء الأولى، ولو كان هذا نهيًا للكاتب والشاهد لقيل: وإن تفعلا فإنه فسوق بكما.