المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

دين، وقالوا: أخرونا إلى أن تدرك الغلات، فأبوا أن يؤخروهم، - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ٤

[محمد الأمين الهرري]

الفصل: دين، وقالوا: أخرونا إلى أن تدرك الغلات، فأبوا أن يؤخروهم،

دين، وقالوا: أخرونا إلى أن تدرك الغلات، فأبوا أن يؤخروهم، فأنزل الله عزَّ

‌280

- وجلّ: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ} ؛ أي: وإن وجد من غرمائكم غريم ذو عسرة؛ أي: غريم صاحب إعسار وعجز عن أداء الحق الذي عليه {فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} ؛ أي: فإنظاره وإمهاله إلى وقت يساره، وقدرته على أداء حقكم واجبٌ عليكم أيها الدائنون، لا كما كان أهل الجاهلية يقول أحدهم لمدينه: إما أن تقضي، وإما أن تربي. {وَأَنْ تَصَدَّقُوا}؛ أي: وتصدقكم على المعسر برؤوس أموالكم بالإبراء منها {خَيْرٌ لَكُمْ} من التأخير والأخذ؛ لأنه يحصل لكم الثناء الجميل في الدنيا، والثواب الجزيل في الآخرة {إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} فضل التصدق على الإنظار والقبض فافعلوه.

وقرأ الجمهور (1): {ذُو عُسْرَةٍ} بالواو: على أن {كَانَ} تامة. وروي عن أُبي وابن مسعود وعثمان وابن عباس: {ذا عسرة} بالألف على أن {كَانَ} ناقصة. وقرأ الأعمش: {وإن كان معسرا} . وقرىء: {ومن كان ذا عسرة} ، وهي قراءة أبان بن عثمان، وحكى المهدوي: أن في مصحف عثمان {فإن كان} بالفاء وما عدا قراءة الجمهور شاذ.

وقرأ الجمهور: {فَنَظِرَةٌ} بوزن: نَبِقَة. وقرأ أبو رجاء ومجاهد والحسن والضحاك وقتادة: {فنظْرة} بسكون الظاء وهي لغة تميمية. يقولون في كَبِد: كَبْد. وقرأ عطاء: {فناظرة} على وزن فاعلة، وخرَّجه الزجّاج على أنه مصدر كقوله:{يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ} ، وقال: قرأ عطاء {فناظرة} بمعنى: فصاحب الحق ناظرهُ؛ أي: منتظرهُ، وعنه:{فناظِرْهُ} بصيغة الأمر بمعنى: فسامحه بالنظرة، وباشره بها. انتهى. وقرأ عبد الله:{فناظروه} ؛ أي: فأنتم منتظروه، فهذه ست قراءات كلها شاذة عدا قراءة الجمهور. ومن جعله اسم مصدر أو مصدرًا .. فهو يرتفع على أنه خبر مبتدأ محذوف تقديره: فالأمر أو الواجب على صاحب الدِّيْن نظرة منه لطلب الدين من المدين إلى ميسرة منه.

(1) البحر المحيط.

ص: 109

وقرأ نافع وحده {ميسُرة} بضم السين، والضم لغة أهل الحجاز، وهو قليل كمقبرة ومشرفة، والكثير مفعَلة بفتح العين، وقرأ الجمهور:{ميسَرة} بفتح السين على اللغة الكثيرة، وهي لغة أهل نجد. وقرأ عبد الله شذوذًا:{إلى ميسوره} على وزن مفعول مضافًا إلى ضمير الغريم، وهو عند الأخفش مصدر كالمعقول والمجلود في قولهم: ماله معقول ولا مجلود؛ أي: عقل وجلد. ولم يثبت سيبويه مفعولًا مصدرًا. وقرأ عطاء ومجاهد: شذوذًا أيضًا {إلى ميسرِهِ} بضم السين وكسر الراء، بعدها ضمير الغريم. وقرىء كذلك بفتح السين، وخرِّج ذلك على حذف التاء لأجل الإضافة، وهو مذهب الفراء. وقرأ الجمهور:{وَأَن تَصَّدَقُواْ} بإدغام التاء في الصاد، وقرأ عاصم:{تصَدقوا} بحذف التاء، وفي مصحف عبد الله شذوذًا:{تتصدقوا} بتائين، وهو الأصل، والإدغام تخفيف، والحذف أكثر تخفيفًا.

فصل في ذكر الأحاديث الواردة في فضل إنظار المعسر، والوضع عنه، وتشديد أمر الدَّين والأمر بقضائه

وعن أبي قتادة رضي الله عنه: أنه طلب غريمًا له، فتوارى عنه، ثم وجده فقال: إني معسر، قال: الله الله! فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: "من سرَّه أن ينجيه الله من كرب يوم القيامة .. فلينفِّس عن معسر، أو يضع عنه". أخرجه مسلم.

وعن أبي اليسر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: "من أنظر معسرًا أو وضع عنه .. أظله الله في ظله، يوم لا ظل إلا ظله". أخرجه مسلم.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "كان فيمن كان قبلكم تاجر يداين الناس، فإن رأى معسرًا .. قال لفتيانه: تجاوزوا عنه لعل الله أن يتجاوز عنا، فتجاوز الله عنه". متفق عليه.

وعن أبي موسى رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم

ص: 110

قال: "إن أعظم الذنوب عند الله أن يلقاه به عبدٌ بعد الكبائر التي نهى الله عنها: أن يموت رجل وعليه دين، لا يدع له قضاء". أخرجه أبو داود.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من أخذ أموال الناس يريد أداءها .. أدَّى الله عز وجل عنه، ومن أخذ أموال الناس يريد إتلافها .. أتلفه الله". أخرجه البخاري.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "مطل الغني ظلم". زاد في رواية: "وإذا أتبع أحدكم على ملىء فليتبع". متفق عليه.

وعن كعب بن مالك رضي الله عنه: أنه تقاضى ابن أبي حدرد دَينًا كان له عليه في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في المسجد، فارتفعت أصواتهما حتى سمعها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو في بيته، فخرج إليهما حتى كشف سجف حجرته، فنادى فقال:"يا كعب"، قلت: لبيك يا رسول الله، فأشار بيده: أن ضع الشطر من دينك، فقال كعب: قد فعلت يا رسول الله، قال:"قم فأقضه". متفق عليه.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان لرجلٍ على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سِنٌّ من الإبل، فجاءه يتقاضاه فقال:"أعطوه"، فطلبوا سِنَّهُ فلم يجدوا إلا سِنًّا فوقها، فقال:"أعطوه"، فقال: أوفيتني وفَّاك الله، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم:"إن خيركم أحسنكم قضاءً". وفي رواية: أنه أغلظ لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين استقضاه حتى همَّ به بعض أصحابه، فقال:"دعوه، فإن لصاحب الحق مقالًا"، ثم أمر له بأفضل من سنه. متفق عليه.

وعن أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أنه قام فيهم فذكر لهم أن الجهاد في سبيل الله، والإيمان بالله أفضل الأعمال، فقام رجل، فقال: يا رسول الله، أرأيت إن قُتلت في سبيل الله .. تكفر عني خطاياي؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:"نعم، إن قتلت في سبيل الله وأنت صابر محتسب مقبل غير مدبر"، ثم قال رسول الله صلى الله عليه

ص: 111