الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
3 - باب ما جاء في الرجل يزني بجارية امرأته
97-
(3) عن النعمان بن بشير رضي الله عنه في رَجُلٍ وَقَعَ عَلَى جَارِيَةِ امْرَأَتِهِ، أَنَّهُ قَال: لأَقْضِيَنَّ فيكَ بِقَضِيَّةِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم: "إِنْ كَانَتْ أَحَلَّتْهَا لَكَ جَلَدْتُكَ مِائَة، وإن لم تكن أحلتها لك رَجَمْتُكَ بِالْحِجَارِةِ"، فوجدوه قد أحلتها له، فَجَلَدَهُ مائة.
ذكر ابن القيم هذا الحديث، وعزاه إلى (المسند) و (السنن الأربعة)، ثم نقل كلام الأئمة في تضعيفه: فالترمذي والنسائي أعلَاّه بالاضطراب، والبخاري قال بانقطاعه، وأعله أبو حاتم بجهالة خالد بن عُرْفُطَة. ثم ذكر عن الإمام أحمد رحمه الله أنه أخذ بهذا الحديث في ظاهر مذهبه. ثم أخذ رحمه الله في الدفاع عن هذا الحديث والتوجه إلى تقويته، فقال:"فإن الحديث حسنٌ، وخالد بن عرفطة قد روى عنه ثِقَتَان: قتادة، أبو بشر، ولم يُعرفْ فيه قدحٌ، والجهالة ترتفع عنه برواية ثقتين"1.
قلت: هذا الحديث مداره على حبيب بن سالم2، عن النعمان بن بشير رضي الله عنه، ويرويه عن حبيب بن سالم جماعة:
1 زاد المعاد: (5/37 - 38) .
2 الأنصاري، مولى النعمان بن بشير وكاتبه، لا بأس به، من الثالثة/ م 4. (التقريب151) .
فأخرجه الترمذي في (جامعه) 1، والنسائي وابن ماجه في (سننيهما) 2، وأحمد في (مسنده) 3، من طريق: قتادة، عن حبيب بن سالم، أنه قال: رُفِعَ إلى النعمان بن بشير رجلٌ وقع على جارية امرأته، فقال: لأقضين
…
الحديث، ووقع في رواية أحمد:"رُفِعَ إلى النعمان رجلٌ أَحَلَّت له امرأته جاريتها". أما لفظ النسائي عن النعمان: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في رجل
…
" بدون ذكر قصة الرجل الذي رُفع إليه.
وهذا الإسناد منقطعٌ؛ فإنَّ قتادة لم يسمع هذا الحديث من حبيب ابن سالم، كما قال البخاري4 رحمه الله، وقد سأله عنه الترمذي؟ فقال:"أنا أنفي هذا الحدث، إنما رواه قتادة، عن خالد بن عرفطة، عن حبيب ابن سالم"5.
وحديث قتادة، عن خالد بن عرفطة هذا: أخرجه أبو داود، والنسائي في (سننيهما) 6، وأحمد، والدارمي في (مسنديهما) 7، كلهم من طريق:
(4/54) ح 1451 ك الحدود، باب الرجل يقع على جارية امرأته.
2 س: (6/124) ك النكاح، باب إحلال الفرج. جه:(2/853) ح 2551 ك الحدود، باب من وقع على جارية امرأته.
(4/272) .
4 انظر: جامع الترمذي: (4/54) .
5 علل الترمذي: (2/614) .
6 د: (4/604) ح 4458. س: (6/124) .
7 حم: (4/275 - 276)، مي:(2/102) ح 2334.
أبان بن يزيد العطار، عن قتادة، عن خالد بن عرفطة1، عن حبيب ابن سالم: أن رجلاً يقال له عبد الرحمن بن حنين وقع على جارية امرأته، فرفع إلى النعمان
…
الحديث، وفي آخره: قال قتادة: "كتبتُ إلى حبيب ابن سالم فكتب إليَّ بهذا".
وخالد بن عرفطة: جَهَّلَهُ أبو حاتم، والبزار2، قال أبو حاتم:"خالد بن عرفطة مجهولٌ، لا نعرف أحداً يقال له خالد بن عرفطة إلا واحد، الذي له صحبة"3. وقال الذهبي: "لا يُعرف"4.
وأما ما قاله ابن القيم رحمه الله، من أن خالداً هذا روى عنه ثقتان، وبذلك تزول عنه الجهالة: فإنه غير مُسَلَّم؛ لأنه وإن ارتفعت عنه جهالة العين برواية أكثر من واحد، فإنه يبقى مجهول الحال؛ لأنه لم يوثقه أحد، فالحكم بصحة هذا الإسناد أو حسنه متوقف على العلم بحال خالد هذا، نعم وثقه ابن حبان5، ولكن قد علم أن ابن حبان لا يعتمد قوله في ذلك، لما عُرِفَ من توثيقه المجهولين، فكيف إذا عورض توثيقه بتجهيل مثل أبي حاتم، والبزار لهذا الرجل؟
وقد رُوي الحديث عن قتادة على غير هذين الوجهين:
1 مقبولٌ، من السادسة/ بخ د س. (التقريب 189) .
2 انظر: تهذيب التهذيب: (3/107) .
3 الجرح والتعديل: (1/2/340)، وعلل ابن أبي حاتم:(1/448) .
4 المغني: (1/204) .
5 الثقات: (6/258) .
فأخرجه النسائي في (الكبرى) 1، والبيهقي في (سننه) 2 من طريق:
همام بن يحيى، عن قتادة، عن حبيب بن سالم، عن حبيب بن يساف3: أن رجلاً وَطِئ جارية امرأته، فرفع إلى النعمان
…
الحديث.
وقد سُئِلَ أبو حاتم عن حديث همام عن قتادة، وحديث أبان عن قتادة الماضي، فقال:"حديث همام أشبه". ثم قال: "وحبيب بن يساف مجهولٌ، لا أعلم أحداً روى عنه غير قتادة هذا الحديث الواحد"4.
قلت: ومع جهالة حبيب بن يساف، فقد رواه هَمَّام من وجه آخر، فرواه عن قتادة، عن حبيب بن يساف، عن حبيب بن سالم، فعكسه. أخرجه البيهقي في (سننه) 5 بإسناده إلى همام.
فهذه أربعة أوجه عن قتادة في رواية هذا الحديث.
وقد روى من وجه آخر عن حبيب بن سالم، فأخرجه الترمذي في (جامعه) 6، و (علله) 7، والنسائي في (الكبرى) 8، والطيالسي في
(5/237) ح 5528.
(8/239) .
3 مجهولٌ، من الثالثة/ س. (التقريب 152) .
4 علل ابن أبي حاتم: (1/448) .
(8/239) .
(4/54) ح 1452.
(2/614) .
(5/237) ح 5527.
(مسنده) 1 - ومن طريقه البيهقي2 - كلهم من طريق:
هشيم، عن أبي بشر3، عن حبيب بن سالم: أن امرأة أتت النعمان بن بشير فقالت: إن زوجي وقع على جاريتي بغير إذني، فقال النعمان: إن عندي في هذا قضاءً شافياً أخذته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن لم تكوني أذنتِ له رجمته، وإن كنتِ أذنتِ له جلدته مائة".فقال لها الناس: ويحك! أبو ولدك يرجم؟ فجاءت فقالت: قد كنت أذنت له، ولكني حملتني الغيرة على ما قلت. فجلده مائة. وهذا سياق أبي داود الطيالسي.
وهذا الإسناد منقطعٌ أيضاً، قال الترمذي:"وأبو بشر لم يسمع من حبيب بن سالم هذا أيضاً، إنما رواه عن خالد بن عرفطة". وكذا قال البيهقي في (سننه) وفي (المراسيل) 4 لابن أبي حاتم، بإسناده إلى شعبة، أنه قال:"لم يسمع أبو بشر من حبيب بن سالم". وفي (تهذيب التهذيب) 5 قول يحيى بن سعيد: "كان شعبة يضعف أحاديث أبي بشر عن حبيب بن سالم".
(ح 796) .
2 في سننه: (8/239) .
3 هو: جعفر بن إياس، أبو بشر بن أبي وَحْشِيَّة، ثقةٌ، من أثبت النَّاس في سعيد بن جبير، وَضَعَّفَهُ شعبة في حبيب بن سالم وفي مجاهد، من الخامسة، مات سنة 125هـ وقيل: 126هـ / ع. (التقريب 139) .
(ص 26) .
(2/83) .
وقد رواه عنه شعبة نفسه متصلاً، فأخرجه أبو داود والنسائي في (سننيهما) 1، وأحمد، والدارمي في (مسنديهما) 2، والحاكم في (المستدرك) 3 - وأخرجه البيهقي4 من طريق أحمد - كلهم من طريق:
شعبة، عن أبي بشر، عن خالد بن عرفطة، عن حبيب بن سالم، عن النعمان بن بشير، عن النبي صلى الله عليه وسلم، وليس فيه ذكر قصة الرجل الذي وقع على جارية امرأته.
فرجع الحديث بذلك إلى خالد بن عرفطة الماضي ذكره، وقد تَقَدَّمَ من كلام أبي حاتم، والبزار، والذهبي: أنه مجهول، فَيُتَعَجَّبُ حينئذٍ من الحاكم رحمه الله، إذ قال:"حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه". ووافقه الذهبي، مع قوله في خالد بن عرفطة:"لا يعرف". كما تقدم نقل ذلك عنه.
ويتلخص من ذلك: أن هذا الحديث يدور إسناده ما بين: الضعف، والانقطاع، والاضطراب، وقد تقدمت أقوال بعض الأئمة في ذلك، ويضاف هنا قول الترمذي - عقب تخريجه هذا الحديث -:"حديث النعمان في إسناده اضطراب". وقال النسائي: "أحاديث النعمان
1 د: (4/605) ح 4459. س: (6/123) .
2 حم: (4/277) . مي: (2/103) ح 2335.
(4/365) .
(8/239) .
هذه مضطربة"1. وقال الخطابي: "هذا حديث غير متصل، وليس العمل عليه"2.
ولذلك فإن حكم ابن القيم رحمه الله على هذا الحديث بالحُسْنِ فيه نظرٌ، ومع أنه قد وقف على أقوال الأئمة في إعلاله - بل ونقلها - إلا أنه لم يتعرض في جوابه إلا للقول بجهالة خالد بن عرفطة، مع أنَّ إعلاله بالاضطراب قوي، والله أعلم.
98-
(4) عن سلمة بن الْمُحَبِّق رضي الله عنه: "أَنَّ رَسول الله قَضى في رَجُلٍ وَقَع على جَارِيَةِ امرأته: إنِ كَانَ اسْتَكْرَهَهَا، فَهِي حُرَّةٌ، وعليه لسيدتها مثلها، وإن كانت طَاوَعَتْهُ، فهي له، وعليه لسيدتها مثلها".
ذكر ابن القيم هذا الحديث وَعَلَّقَ القول به على ثبوت صِحَّتِه، فقال:"وأما حديث سلمة بن المحبق، فإنْ صَحَّ، تَعَيَّنَ القولُ به ولم يعدل عنه". ثم نقل أقوال الأئمة: النسائي، وأحمد، وابن المنذر، والخطابي، والبيهقي في تضعيف هذا الحديث.
ثم بَيَّنَ رحمه الله أن جماعةً قبلوه، وهؤلاء فريقان: فريق قال بأنه منسوخ، وفريق ثانٍ قال هو مُحْكَمٌ، وَبَيَّنَ وجهه.
هكذا يعرض ابن القيم موقف العلماء من هذا الحديث، ويُبْدي تَوَقُّفَهُ فيه، على أنه - في نظره - إن صحَّ تعين القول به؛ لأنه موافق
1 تحفة الأشراف: (9 / 17 - 18) .
2 معالم السنن: (6/269) .
للقياس، ولا يضرُّ حينئذٍ كثرة المخالفين1.
على أنَّ ابن القيم رحمه الله في موضع آخر يرى احتمال تحسين هذا الحديث، فيقول:"وضعَّفه بعضهم من قِبَلِ إسناده، وهو حديثٌ حسنٌ، يَحْتَجُّون بما هو دونه في القوة، ولكن لإشكاله أقدموا على تضعيفه، مع لينٍ في سنده"2
والظاهر أن هذا الحكم الأخير هو اختياره؛ لأنه حتى حينما كان متوقفاً عن تصحيح هذا الحديث، نجد أنه كان يميل إلى العمل به، وأن العمل بمقتضاه هو الذي يوافق القياس.
قلت: هذا الحديث مداره على الحسن بن أبي الحسن البصري، واختلف عليه:
فقيل: عنه، عن سلمة بن المحبق. أخرجه أبو داود والنسائي في (سننيهما) 3، وأحمد في (مسنده) 4، والترمذي في (علله) 5 من طريق: سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة. وأخرجه أحمد في (المسند) 6، والطبراني في (الكبير) 7، والبيهقي في (السنن) 8 من طريق: عمرو بن دينار.
1 زاد المعاد: (5/39 - 40) .
2 إعلام الموقعين: (2/24) .
3 د: (4/607) ح 4461. س: (6/125) .
(5/6) .
(2/616) .
(5/6) .
(7/51) ح 6337، 6338.
(8/240) .
وأخرجه ابن ماجه، والدارقطني في (سننيهما) 1 من طريق: عبد السلام بن حرب، عن هشام بن حسان. وأخرجه أحمد في (المسند) 2 من طريق: المبارك بن فضالة، كلهم عن:
الحسن البصري، عن سلمة بن الْمُحَبَّق، عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحو اللفظ المتقدم، لكن وقع عند أبي داود:"وإن كانت طاوعته فهي ومثلها من ماله لسيدتها". وكذا عند النسائي، لكن بلفظ: "
…
وإن كانت طاوعته فهي لسيدتها ومثلها من ماله". وأما لفظ هشام بن حسان عند ابن ماجه والدارقطني فهكذا: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رفع إليه رجل وقع على جارية امرأته، فلم يحدّه".
وهذا الإسناد منقطع؛ فإن بين الحسن وسلمة فيه: قبيصة بن حريث، قال الترمذي:"سألت محمداً - يعني البخاري - عن هذا الحديث؟ فقال: رواه الفضل بن دلهم، ومنصور بن زاذان، وسلام بن مسكين: عن الحسن، عن قبيصة بن حريث، عن سلمة بن المحبق، وهو أصحُّ من حديث قتادة"3. وقال ابن أبي حاتم في (علله) 4: "قلت - يعني لأبيه-: الحسن عن سلمة مُتَّصِل؟ قال: لا، حدثنا القاسم بن سلام، عن أبيه، عن الحسن، قال: حدثني قبيصة بن حريث، عن سلمة بن المحبق، عن النبي صلى الله عليه وسلم. فأدخل بينهما قبيصة بن حريث، فاتَّصَل الإسناد. قلت: -
1 جه: (2/853) ح 2552. قط: (3/84) ح 11.
(3/476) .
3 علل الترمذي: (2/616) .
(1/447 - 448) ح 1346.
القائل ابن أبي حاتم - الحسن سمع من سلمة، وقال1 محمد بن مسلم الطائفي: عن عمرو بن دينار، عن الحسن: سمعت سلمة بن المحبق؟ قال: هذا عندي غلط غير محفوظ".
ومما يؤكد ما ذهب إليه البخاري وأبو حاتم رحمهما الله: أنه وقع في رواية الطبراني - وهي من طريق علي بن المديني، عن عمرو بن دينار، عن الحسن -: قال علي بن المديني: فقلت لسفيان: فإنَّ قتادةَ يقول: عن الحسن، عن قبيصة بن حريث، عن سلمة بن المحبق؟ فقال لسفيان: قال عمرو: بينهما إنسان أو رجل؟ فقال له الهذلي - يعني أبا بكر الهذلي -: بينهما قبيصة بن حريث. قال سفيان: وإنما عُرِفَ هذا الهذلي أنه من قوم سلمة2.
وأخرج الحديث بهذا الإسناد المتصل: عبد الرزاق في (مصنفه) 3، عن معمر، عن قتادة، عن الحسن، عن قبيصة بن حريث4، عن سلمة بن المحبق رضي الله عنه به، باللفظ المذكور أول البحث. ومن طريق عبد الرزاق أخرجه: أبو داود، والنسائي في (سننيهما) 5، وأحمد في (مسنده) 6،
1 هذه الجملة واقعة موقع التعليل لما قبلها؛ فكأنه قال: لأن الطائفي قال: عن عمرو بن دينار
…
إلخ. والجملة في سياق السؤال.
2 المعجم الكبير: (7/52) .
(7/342) ح 13417.
4 ويقال: حريث بن قبيصة، والأول أشهر، الأنصاري، البصري، صدوقٌ، من الثالثة، مات سنة 67هـ / د ت س. (التقريب 453) .
5 د: (4/605) ح 4460. س: (6/124) .
(5/6) .
والطبراني في (الكبير)1. فثبت بذلك أنَّ قتادة عنده - أيضاً - فيه رواية متصلة، وأن ذلك هو الصحيح عنه.
وأخرجه الطبراني في (الكبير) 2، وابن أبي حاتم في (العلل) 3 عن أبيه، والبيهقي في (السنن) 4 من طريق: سلام بن مسكين5، عن الحسن، عن قبيصة، عن سلمة بن المحبق رضي الله عنه به، وفيه قصة، وهي: أن امرأة أرسلت جاريتها مع زوجها في سفر تخدمه، فوقع بالجارية، فأخبرت المرأة النبي صلى الله عليه وسلم
…
فذكره، وفي آخره:"ولم يقم فيه حَدّاً".
فثبتَ بذلك اتصال الحديث من وجهين عن الحسن رحمه الله، وأن الأئمة: البخاري، وأبا حاتم رَجَّحَا هذه الرواية الموصولة، ورأيا أنها أصح من تلك.
فهذان وجهان عن الحسن في رواية هذا الحديث، وقد رُوي عنه على وجه ثالث، فأخرجه الطبراني في (الكبير) 6، والبيهقي في
(7/51) ح 6336.
(7/52) ح 639.
(1/247 - 248) .
(8/240) .
5 ابن ربيعة الأزدي، البصري، أبو روح، ثقةٌ رُمِيَ بالقدر، من السابعة، مات سنة 167هـ / خ م د س ق. (التقريب 261) .
(7/51) ح 6335.
(السنن) 1، من طريق: شعبة، عن:
قتادة، عن الحسن، عن جون بن قتادة2، عن سلمة بن المحبق به.
وجون هذا: قال عنه الإمام أحمد: "لا يُعرف"3. وذكره علي بن المديني ضمن المجهولين من شيوخ الحسن البصري4. ولعلَّ هذا من الاضطراب في هذا الحديث على قتادة، عن الحسن، وقد حكم عليه العقيلي بذلك كما سيأتي.
وقد تقدم معنا أن جماعةً من أهل العلم ضَعَّفُوا هذا الحديث ولم يثبتوه، وبالنظر إلى كلامهم، نجد أنهم حملوا في هذا الحديث على "قبيصة بن حريث" فذهب الإمام أحمد، والخطابي، والبيهقي إلى أنه لا يُعرف، وقال البخاري:"في حديثه نظر". كما نقل عنهم ذلك ابن القيم5 رحمه الله، ومن قبله المنذري6.
وقبيصة هذا: لم يرو عنه إلا الحسن، ولم يوثقه - مع ذلك -
(8/240) .
2 ابن الأعور بن ساعدة التميمي ثم السعدي، البصري، لم تصح صحبته، ولأبيه صحبة، وهو مقبول، من الثانية/ د س. (التقريب 143) .
3 الميزان: (1/427)، وتهذيب التهذيب:(2/122) .
4 تهذيب التهذيب: (2/122) .
5 زاد المعاد: (5/39) .
6 مختصر السنن: (6/271) .
أحدٌ إلا ابن حبان1، وذكر الحافظ ابن حجر رحمه الله أن أبا العرب التميمي نقل توثيقه عن العجلي2، ولم أجده في (ثقات) العجلي، وقد ذكره ابن أبي حاتم في (الجرح والتعديل) 3 ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً على عادته في أمثاله. فالظاهر - والله أعلم - أن الرجل مجهولٌ كما حَكَمَ به غيرُ واحد من الأئمة: أحمد، والخطابي، والبيهقي، وجهله كذلك: ابن القطان4، وضعفه ابن حزم5. بالإضافة إلى قول البخاري:"في حديثه نظر"6.
ولذلك ضَعَّفَ الأئمة هذا الحديث كما تقدم، وقال النسائي - وقد ساق الحديث من طرق-:"ليس في هذا الباب شيء صحيح يحتجُّ به"7. وقال ابن المنذر: "لا يثبت"8. وقال الخطابي: "منكر"9. وقال العقيلي: "حديث فيه اضطراب"10. هذا بالإضافة إلى ما تقدم من تضعيف الإمام أحمد والبخاري له.
1 الثقات: (5/319) .
2 تهذيب التهذيب: (8/346) .
(3/2/125) .
4 بيان الوهم والإيهام: (4/135) .
5 فقال: "ضعيف مطروح"(تهذيب التهذيب: 8/346) .
6 الميزان: (3/383) .
7 السنن الكبرى: (6/448) .
8 مختصر السنن: (6/272) .
9 معالم السنن: (6/271) .
10 الضعفاء: (3/484) .
فتلخص: أن هذا الحديث ضعيفٌ، كما ذهب إليه أكثر أهل العلم، وعلى هذا، فاحتمال تحسينه - كما يرى ابن القيم - تَبَيَّنَ مِمَّا قَرَّروهُ - أنه مرجوح، وربما ظهرَ له هذا أولاً ثم رجع عنه؛ فقد تقدم أنه رحمه الله توقف فيه مرةً، وعَلَّقَ القول به على ثبوت صحته، وبناءً على ذلك فلا يحكم بمخالفته رحمه الله لهؤلاء الأئمة، والله أعلم.