الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2- باب المبتوتة: هل تجب لها السكنى والنفقة
؟
76 -
(3) قوله صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت قيس: "إِنَّمَا النَّفَقَةُ والسُّكْنَى لِلْمَرْأَةِ إِذَا كَانَ لِزَوْجِهَا عَلَيْهَا الرَّجْعَةُ".
ذهب ابن القَيِّم إلى أن المبتوتة لا نفقة لها ولا سُكْنى، مُسْتَدِلاً بهذا الحديث، فقال:"وروى النسائي في سننه هذا الحديثَ بطرقه وألفاظه، وفي بعضها - بإسناد صحيح لا مَطْعَنَ فيه -: فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: "إنما النفقة والسُّكنى للمرأة إذا كان لزوجها عليها الرجعة". ورواه الدارقطني، وقال: فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكرت ذلك له، قالت: فلم يجعل لي سكنى ولا نفقة، وقال: "إنما السُّكنى والنفقة لمن يملك الرجعة". وروى النسائي - أيضاً - هذا اللفظ، وإسنادهما صحيح"1.
قلت: هذا الحديث الذي ذكره ابن القَيِّم رحمه الله مداره على الشعبي، عن فاطمة بنت قيس رضي الله عنها.
ويرويه عن الشعبي جماعةٌ:
فأخرجه الدارقطني في (سننه) 2، والخطيب في (الفصل للوصل
1 زاد المعاد: (5/525 - 526) .
(4/23) ح 67.
المدرج في النقل) 1، كلاهما من طريق: يعقوب بن إبراهيم2.
وأخرجه الطبراني في (الكبير) 3من طريق: أبي عبيد القاسم بن سلَاّم4. كلاهما عن:
هشيم بن بشير5، عن: سَيَّار6، وحصين7، ومغيرة8، وأشعث9، وداود10، ومجالد، وإسماعيل بن أبي خالد11، كُلُّهم عن:
(2/860) ح 110.
2 ابن كثير بن زيد بن أفلح العَبْدِي مولاهم، أبو سيف الدَّوْرَقي، ثقة، من العاشرة، مات سنة 252هـ، وكان من الحفاظ/ ع. (التقريب 607) .
(24/379) ح 938.
4 البغدادي، ثقةٌ فاضلٌ، مُصَنِّفٌ، من العاشرة، مات سنة 224هـ / خت د ت. (التقريب 450) .
5 ابن القاسم بن دينار السُّلَمِي، أبو معاوية، الواسطي، ثِقَةٌ ثَبْتٌ كثير التدليس والإرسال الخفيِّ، من السابعة، مات سنة 183هـ/ ع. (التقريب 574) .
6 ابن أبي سَيَّار العنزي، ثقةٌ، وليس هو الذي يروي عن طارق بن شهاب، من السادسة، مات سنة 122هـ/ ع. (التقريب 262) .
7 ابن عبد الرحمن السلمي، أبو الهذيل الكوفي.
8 ابن مقسم الضَّبيّ مولاهم، أبو هشام الكوفي، الأعمى، ثقةٌ متقن، إلا أنه كان يُدَلِّس، ولاسيما عن إبراهيم، من السادسة، مات سنة 136هـ/ع. (التقريب 543) .
9 ابن سوَّار الكندي، النجار، الأفرق، الأثرم، صاحب التوابيت، قاضي الأهواز، ضعيف، من السادسة، مات سنة 136هـ/ بخ م ت س ق. (التقريب 113) .
10 هو: ابن أبي هند القشيري.
11 الأحمسي مولاهم، البجلي، ثقةٌ ثبت، من الرابعة، مات سنة 146هـ/ ع. (التقريب 107) .
الشعبيِّ قال: دخلت على فاطمة بنت قيس، فسألتها عن قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالت: طَلَّقَهَا زوجها ألبتة، فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له، قالت: فلم يجعل لي سكنى ولا نفقة، وقال:"إِنَّمَا السّكْنَى والنَّفَقَة لِمَن يَمْلِكُ الرَّجعة". هذا سياق الدارقطني، ولفظ الباقين بنحوه.
وقد ضَعَّفَ الأئمة هذه الزيادة، وَوَهَّمُوا فيها مجالد بن سعيد، وأنه انفرد بها دون هؤلاء الجماعة الذين رووه عن الشعبي، وإن شاركوا مجالداً في روايته للحديث كما مضى.
قال الخطيب البغدادي: "أدرج يعقوب بن إبراهيم الدورقي رواية هذا الحديث، أو أدرجه هشيم له لما حَدَّثَ به، وذلك أن قوله: "إِنَّمَا السُّكْنَى والنَّفَقة لِمَن يَمْلِكُ الرَّجعة" لم يَذْكُرْهُ واحد من الجماعة الْمُسَمَّين عن الشعبي، إلا مجالد بن سعيد وحده"1
ومما استدلوا به على انفراد مجالد بذلك:
أولاً: أنَّ هذا الحديث يُروى عن هشيم بالإسناد السابق بعينه، وليس فيه هذه الزيادة. أخرج ذلك: مسلم في (صحيحه) 2: حدثني زهير ابن حرب، وأحمد في (مسنده) 3، كلاهما عن: هشيم، عن الجماعة الْمُسَمَّين قبل، عن الشعبي، عن فاطمة بالحديث السابق.
1 الفصل للوصل المدرج في النقل: (2/860) ح 110 - 1.
(2/1117) ح 1480 (42) . ك الطلاق، باب المطلقة ثلاثاً لا نفقة لها.
(6/416) .
ثانياً: أنَّ الحسن بن عرفة1رواه عن هشيم، عن هؤلاء النفر، عن الشعبي، عن فاطمة به، فَمَيَّزَ هذه الكلمات، وبَيَّنَ أنها عن مجالد وحده دون باقي الجماعة، أخرج ذلك ونبه عليه: الدارقطني في (سننه) 2، والخطيب في (الفصل) 3. فقال الدارقطني - عقب إخراجه رواية يعقوب بن إبراهيم المتقدم ذكرها -:"خالفه الحسن بن عرفة، جَعَل آخر الحديث عن مجالد وحده، عن الشعبي". ثم ساقه بإسناده إلى الحسن بن عرفة، بالإسناد السابق، وفي آخره:"قال هشيم: قال مجالد في حديثه: إنما السكنى والنفقة لمن كان لها على زوجها الرجعة".
ثالثاً: وُجدت هذه الرواية بهذه الزيادة عن مجالد وحده، غير مقرون مع الجماعة الماضي ذكرهم، وذلك من رواية جماعة عنه، منهم: شعبة، ويحيى القطان، وحماد بن زيد، وابن عيينة، وعبدة بن سليمان، وسعيد بن يزيد البجلي، ثم هشيم نفسه.
أخرج الحميدي في (مسنده) 4 رواية ابن عيينة، وأخرج الإمام أحمد في (مسنده) 5 رواية هشيم، وأخرج هو6والخطيب في (الفصل)
1 ابن يزيد العبدي، أبو علي البغدادي، صدوق، من العاشرة، مات سنة 257هـ/ ت س ق. (التقريب 162) .
(4/24) ح 68.
(ص 816) .
(1/176) ح 363.
(6/415) .
6 مسند أحمد: (6/416) .
(ص 815) .
رواية عبدة بن سليمان، وأخرج الطبراني في (الكبير) 1 رواية حماد بن زيد، ورواية شعبة، وأخرج كذلك رواية سعيد البجلي2، وأخرج الإمام أحمد رواية يحيى القطان3، كلهم عن: مجالد بن سعيد، عن الشعبي، فذكر الحديث بطوله، وفي بعض ألفاظه قول النبي صلى الله عليه وسلم: "انظري يا ابنة آل قيس: إنما النفقة السكنى
…
" 4.
قال ابن القطان رحمه الله بعد أن ساق روايتي سفيان بن عيينة، وعبدة بن سليمان -: "فهذه رواية مجالد، وإذا قُرِنَ بالجماعة تَوَّهم من يراه أن الزيادة المذكورة من رواية جميعهم، وقد تَبَيَّنَ أنهم لم يرووها، ولهشيم في التدليس صنعة محذورة في مثل هذا
…
"5.
ثم قال رحمه الله: "وإذا قد تَبَيَّنَتْ رواية الجماعة دون الزيادة، ورواية مجالد دونهم بالزيادة: تَحَقَّقَ فيها الرَّيْب، ووجب لها الضَّعْفُ بضعفِ مجالد المنفرد بها"6.
ومع ذلك فقد وُجدت لمجالد متابعات على روايته الحديث بهذه الزيادة، فمن هذه المتابعات:
(24/379) ح 936، 937.
2 المعجم الكبير: (24/382) ح 948.
3 المسند: (6/373، 416 - 417) .
4 لفظ رواية يحيى عند أحمد.
5 بيان الوهم والإيهام: (4/476) .
6 بيان الوهم والإيهام: (4/477) .
1-
ما أخرجه النسائي في (سننه) 1من طريق: سعيد بن يزيد2الأحمسي، حدثنا الشعبي، حدثتني فاطمة بنت قيس به.
وهذه الرواية هي التي أشار إليها ابن القَيِّم رحمه الله، وصحح إسنادها، وسبق نقل كلامه أول البحث.
ورواه قاسم بن أصبغ بالإسناد نفسه، كما نقل ذلك عنه ابن القطان3.
وسعيد بن يزيد هذا: قال فيه أبو حاتم: "شيخ، يروى عنه"4. وقال ابن معين: "ثقة"5. وذكره ابن حبان في (الثقات)6. وَضَعَّفَهُ ابن القطان، فقال: "لم تثبت عدالته"7. وَأَقَرَّهُ الذهبي8على ذلك، ولم ينقل فيه توثيق ابن معين، ونقل عن أبي حاتم كلمة "شيخ"فقط، فكأنه يختار ضعفه؟ وقال الحافظ ابن حجر: "وقد تابع بعض الرواة
…
مجالداً، لكنه أضعف منه"9. فلا أدري: هل يقصد سعيد بن يزيد هذا، أم غيره؟
(6/144) ك الطلاق، باب الرخصة في التطليق بثلاث مجتمعة.
2 البَّجَلي، ثم الأحمسي، الكوفي، صدوق، من السابعة/ س. (التقريب 242) .
3 بيان الوهم والإيهام: (4/477) .
4 الجرح والتعديل: (2/1/74) .
5 تاريخ الدوري عن يحيى: (2/209) .
(6/373) .
7 بيان الوهم والإيهام: (4/477) .
8 الميزان: (2/163) .
9 فتح الباري: (9/480) .
وعلى كل حال، فالذي يظهر من حال الرجل أنه إلى التوثيق أقرب منه إلى التضعيف، نعم ليس هو الدرجة العليا من التوثيق، كما يُشعر به كلام أبي حاتم، ولكنه - مع ذلك - لا يخرج عن كونه صدوقاً يُعتبر بحديثه ويستشهد به.
لكن أشار الحافظ الذهبي إلى إعلال هذه المتابعة، فقال في ترجمته: "
…
عن الشعبي بحديث فاطمة في المبتوتة
…
أتى في الحديث بألفاظ قد اختلف في ثبوتها"1. وتقدم كلام ابن حجر قبل قليل في غَمْزِ هذه المتابعة - إن كان يعنيها -.
2-
ما أخرجه الطبراني في (الكبير) 2من طريق: أبي نعيم، عن زكريا ابن أبي زائدة3، عن الشعبي، عن فاطمة بنت قيس بنحو ما تقدم.
وزكريا هذا وإن كان ثقة، فإنه مدلس، وقد أكثر منه عن الشعبي خاصةً، كما قال أبو زرعة:"صويلح، يُدَلِّس كثيراً عن الشعبي"4. وقال أبو حاتم: "لين الحديث، كان يُدَلِّس
…
ويقال: إن المسائل التي يرويها زكريا لم يسمعها من عامر - يعني الشعبي - إنما أخذها من أبي حريز"5.
1 الميزان: (2/163) .
(24/378) ح 935.
3 ابن ميمون بن فيروز الهمداني الوادعي، أبو يحيى الكوفي، ثقة، وكان يُدَلِّس، وسماعه من أبي إسحاق بآخرة، من السادسة، مات سنة 147هـ أو غيرها/ ع. (التقريب 216) .
4 الجرح والتعديل: (1/2/594) .
5 المصدر السابق.
ورماه بالتدليس غير هؤلاء1.
قلت: وقد عَنْعَنَ زكريا في هذا الإسناد، فاحتمال تدليسه قويٌّ، وبخاصة أن روايته هنا عن الشعبي.
فهذا هو حال هذه المتابعة، ولكنها إذا ضُمَّتْ إلى طرق هذا الحديث، فإنها تصلح لتقويته.
3-
وثمة متابعة ثالثة، وهي من رواية: جابر الجعفي، عن الشعبي به، أخرجه الدارقطني في (سننه)2. وجابر مكشوف الحال، لا يحتجُّ بمثله.
فيبقى من هذه المتابعات: رواية سعيد الأحمسي، ورواية زكريا ابن أبي زائدة، وهما وإن كانتا لا تخلوان من ضعف، فإنهما قد تصلحان لتقوية حديث مجالد في إثبات هذه الزيادة، فينتفي بذلك القول بتفرد مجالد برفع هذه الزيادة.
ولعلَّ ذلك ما يوضح وجه تصحيح ابن القَيِّم رحمه الله للحديث بهذه الزيادة، ولو جُعل من قبيل الحسنِ لكان أنسب، والله أعلم.
1 انظر: طبقات المدلسين: (ص62)، وتهذيب التهذيب:(3/330) .
(4/22) ح 62.