الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
4- باب في عدة أم الولد
78-
(5) عن عمرو بن العاص رضي الله عنه، أنه قال:"لا تَلْبِسُوا عَلَيْنَا سُنَّة نَبِيِّنَا، عِدَّةُ المتوفى عنها: أَرْبَعَة أَشْهُرٍ وَعَشْرَاً" يعني أم الولد.
استدل بهذا الحديث من ذهب إلى أن عدة أم الولد هي عدة الحُرَّة، وقد استعرض ابن القَيِّم رحمه الله الأقوال في المسألة، ثم بَيَّنَ أن الصواب من ذلك: أنها تعتد بحيضة واحدةٍ؛ فإن هذا إنما هو لمجرد الاستبراء لزوال الملك عن الرقبة، فلذلك كان كسائر استبراءات المعتقات، والمسبيات، والمملوكات، ثُمَّ أَخَذَ في بيان ضَعْفِ حديث عمرو بن العاص، فَذَكَرَ أن فيه عللاً:
أحدها: انقطاعه بين قبيصة بن ذؤيب وعمرو بن العاص؛ فإنه لم يسمع منه.
ثانيها: أن الصواب فيه الوقف على عمرو بن العاص.
ثالثها: اضطرابه، فقد رُوِيَ عن عمرو بن العاص على ثلاثة أوجه1.
قلت: هذا الحديث أخرجه: أبو داود، وابن ماجه في (سننيهما) 2، وابن أبي شيبة في (مصنفه) 3- ومن طريقه: ابن حبان في
1 زاد المعاد: (5/721 - 723)، وانظر تهذيب السنن:(3/203 - 204) .
2 د: (2/730) ح 2308. جه: (1/673) ح 2083، كلاهما في: ك الطلاق، باب عدة أم الولد.
(5/162) ك الطلاق، باب ما قالوا في عدة أم الولد.
(صحيحه) 1، وابن الجارود في (المنتقى) 2 - والدارقطني، والبيهقي في (سننيهما) 3، والحاكم في (المستدرك) 4، كلهم من طريق:
سعيد بن أبي عروبة، عن مطر بن طهمان5، عن رجاء بن حيوة، عن قبيصة بن ذؤيب6، عن عمرو بن العاص رضي الله عنه به. واللفظ المتقدم لفظ أبي داود، ولفظ ابن أبي شيبة، وابن حبان، وابن الجارود:"لا تلبسوا علينا سنة نبينا، عدة أم الولد عدة المتوفى عنها زوجها". وليس عند ابن الجارود كلمة: "زوجها". ووقع عند ابن ماجه: "لا تُفْسِدُوا علينا سنة نبينا، عدة أم الولد أربعة أشهر وعشراً".
وقد ضُعِّفَ هذا الإسناد من أجل مطر بن طهمان، فقال المنذري:"وفي إسناده مطر بن طهمان أو رجاء الورَّاق، وقد ضعفه غير واحد"7.
1 الإحسان: (6/250) ح 4286.
2 ح (769) .
3 قط: (3/309) ح 246. هق: (7/447 - 448) .
(2/209) .
5 الوَرَّاق، أبو رجاء السُّلَمِي مولاهم، الخراساني، سكن البصرة، صدوقٌ كثيرُ الخطأ، وحديثه عن عطاء ضعيف، من السادسة، مات سنة 125هـ، ويقال: 129هـ/ خت م 4. (التقريب 534) .
6 ابن حلحلة الخُزَاعي، أبو سعيد أو أبو إسحاق، المدني، نزيل دمشق، من أولاد الصحابة، وله رؤية، مات سنة بضع وثمانين/ ع. (التقريب 453) .
7 مختصر السنن: (3/205) .
ولم يوافق ابن القَيِّم رحمه الله على تضعيف الحديث به، فإنه نقل أقوال بعض العلماء في تضعيفه، ثم قال:"وبعد، فهو ثقة، قال أبو حاتم الرازي: صالح الحديث. وذكره ابن حبان في كتاب (الثقات) ، واحتجَّ به مسلم، فلا وجه لِضَعْفِ الحديثِ به"1.
والحقُّ: أن مطراً هذا قد ضَعَّفَهُ الأكثرون، واحتمله بعضهم، ولا يصل بحالٍ إلى رتبة الثقة، كما قال ابن القَيِّم، فقد شَبَّهَهُ يحيى القطان بابن أبي ليلى في سوء الحفظ، ووافقه على ذلك الإمام أحمد2. وضَعَّفَهُ غير واحد من الأئمة في عطاء خاصة3. وقال ابن سعد:"كان فيه ضَعفٌ في الحديث"4. وقال النسائي: "ليس بالقويّ"5. وقال أبو داود: "ليس هو عندي بحجة، ولا يُقْطَعُ به في حديث إذا اختلف"6. وسئل عنه أبو زرعة، فقال: "صالح". قال ابن أبي حاتم: "كأنه لَيَّنَ أمره"7. وقال ابن حبان: "ربما أخطأ"8.
1 زاد المعاد: (5/722) .
2 تهذيب التهذيب: (10/168) .
3 تهذيب التهذيب: (10/168) .
4 تهذيب التهذيب: (10/169) .
5 الضعفاء والمتروكين: (ص98) .
6 تهذيب التهذيب: (10/169) .
7 الجرح والتعديل: (4/1/288) .
8 الثقات: (5/435) .
فهذه أقوال مُضَعِّفِيهِ، وقد وَثَّقَهُ آخرون: فقال ابن معين1، وأبو زرعة2:"صالح". وقال أبو حاتم: "صالح الحديث"3. وقال العجلي: "صدوق"4. وقال مرة: "لا بأس به"5. وقال البزار: "ليس به بأس
…
ولا نعلم أحداً ترك حديثه"6. وقال السَّاجي: "صدوق يهم"7. وقال الذهبي: "ثقة تابعيّ"8. وقال مرة: "
…
من رجال مسلم، حسن الحديث"9.
فَتَبَيَّنَ من هذه الأقوال: أن الرَّجُل وإن ضَعَّفَهُ جماعة، إلا أن مثله تُحْتَمَلُ روايته، وبخاصة إذا تابعه غيره، ممن هو مثله أو أعلى رتبة، أما إذا خالف وانفرد: فالتوقف فيه أولى، كما ذهب أبو داود رحمه الله إلى ذلك؛ فإنه كان كثير الخطأ والوهم، سيئ الحفظ، يَتَّضِحُ ذلك من وضع يحيى القطان، والإمام أحمد له في مرتبة ابن أبي ليلى، وهو سيئ الحفظ جداً. وأما كونه من رجال مسلم: فقد جعله الحاكم ممن أخرج لهم مسلم
1 تهذيب التهذيب: (10/168) .
2 الجرح والتعديل: (4/1/288) .
3 المصدر السابق.
4 تاريخ الثقات - ترتيب الهيثمي: (ص430) .
5 تاريخ الثقات - ترتيب الهيثمي: (ص430) .
6 تهذيب التهذيب: (10/168 - 169) .
7 المصدر السابق: (10/169) .
8 المغني: (2/662) .
9 الميزان: (4/127) .
في المتابعات دون الأصول1.
ولم ينفرد به مطرٌ هذا، وإنما تابعه قتادة، فأخرجه الإمام أحمد في (مسنده) 2، والبيهقي في (سننه) 3 من طريق: سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن رجاء بن حيوة بالإسناد الماضي، ولفظه بنحو ما تقدم.
وأخرجه الدارقطني في (سننه) 4 من طريق: سعيد، عن قتادة ومطر بن طهمان، كلاهما عن رجاء به. قال ابن حبان:"سمع هذا الخبر ابن أبي عروبة، عن قتادة ومطر الوراق، عن رجاء بن حيوة، فمرةً يُحَدِّثُ عن هذا، وأخرى عن ذلك"5.
وهذه المتابعة - لاشك - تُقَوِّي روايته وتشدها؛ ولذلك فإن إعلال الحديث بمطر غير مقبول، من جهة عدم انفراده به، لا أنه ثقة كما ذهب ابن القَيِّم رحمه الله.
لكن ماذا عن العلل الأخرى التي ذكرها ابن القَيِّم رحمه الله لهذا الحديث، ورأى أنها المؤثرة دون الكلام في مطر؟
أما انقطاعه بين قبيصة بن ذؤيب، وعمرو بن العاص: فقد أَعَلَّهُ
1 تهذيب التهذيب: (10/168) .
(4/203) .
(7/447 - 448) .
(3/309) ح 244.
5 الإحسان: (6/250) .
بذلك الدارقطني رحمه الله، فإنه قال:"وهو مرسل؛ لأنَّ قبيصة لم يسمع من عمرو"1 يعني أنه منقطع. ولم أر أحداً قال ذلك غير الدارقطني، - وتابعه ابن القَيِّم - بل روايته عن عمرو بن العاص مذكورة في (التهذيب) وغيره، وإنما تكلموا في روايته عن عمر بن الخطاب، ومع ذلك لم يجزموا بعدم سماعه منه، ففي (تهذيب الكمال) 2:"روى عن عمر بن الخطاب، ويقال: مرسل". فإذا كان سماعه من عمر بن الخطاب محتملاً - وقد تأخرت وفاته عن عمرو بن العاص بنحو عشرين سنة - فإمكان سماعه من عمرو من باب أولى. ولكن على القول باشتراط ثبوت اللقاء - وهو الأحوط - فإنه قد يتوجه الحكم بالانقطاع.
وأما القول بأن الصواب فيه الوقف: فقد قال به الدارقطني أيضاً، فإنه أخرجه في (سننه) 3 من طريق: حفص بن غيلان4، عن سليمان بن موسى، أن رجاء بن حيوة حَدّثه، أن قبيصة حدثه، أن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال:"عِدَّة أُمِّ الولد إذا تُوفي عنها سيدها: أربعة أشهر وعشراً، وإذا أُعْتِقَت: فعدتها ثلاثُ حِيَض". قال الدارقطني: "موقوف، وهو الصواب".
وأخرجه مرة أخرى من طريق: الوليد بن مسلم، عن سعيد بن
1 سنن الدارقطني: (3/310) . وانظر: (ص 309) .
(23/477) .
(3/310) ح 248.
4 أبو معيد - مُصَغَّر - وهو بها أشهر.
ساقطة
فَتَلَخَّصَ من ذلك: أن هذا الحديث لا يصحُّ رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وغايته أن يكون من كلام عمرو بن العاص رضي الله عنه، وقد اختار ابن القَيِّم رحمه الله إعلاله فأصاب، والله أعلم.