الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
5 - باب ما جاء في التنفير من الكذب
109-
(7) عن عائشة رضي الله عنها: "ما كان شيءٌ أَبْغَضَ إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم من الكَذِبِ، وما جَرَّبَ على أَحَدٍ كَذِبَاً فَرَجَعَ إِليه مَا كَانَ حَتَّى يَعْرِفَ منه تَوْبَةً ".
قال ابن القَيِّم رحمه الله: "حديثٌ حسنٌ، رواه الحاكم في المستدرك من طريق: ابن وهب، عن محمد بن مُسْلم، عن أيوب، عن ابن سيرين، عن عائشة رضي الله عنها"1.
قلت: هذا الحديث يرويه: معمر، عن أيوب2، عن ابن أبي مُلَيْكَة3 أو غيره، عن عائشة رضي الله عنها.
أخرجه كذلك: عبد الرزاق في (مصنفه) 4: أخبرنا معمر به، ولفظه:"ما كان خُلُقٌ أبغضَ إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكذبِ، ولقد كانَ الرَّجُلُ يكذب عند رسول الله صلى الله عليه وسلم الكِذْبَة فما يزال في نَفسِهِ عليه، حتى يعلَم أنْ قد أحْدَثَ منها توبة ".
1 إعلام الموقعين: (1/119 - 120) .
2 هو السختياني.
3 عبد الله بن عبيد الله بن عبد الله بن أبي مليكة بن عبد الله بن جدعان، التيمي، المدني، أدرك ثلاثين من الصحابة، ثقةٌ فقيهٌ، من الثالثة، مات سنة 117هـ/ ع. (التقريب 312) .
(11/158) ح 20195.
ورواه عن عبد الرزاق: أحمد وابن راهويه في (مسنديهما) 1، وبلفظه، لكن قال فيه ابن راهويه: "ما كان خُلُقٌ أبغضَ إلى رسول الله
…
" وكذا هو عند ابن حبان في (صحيحه) 2 من طريق عبد الرزاق.
وتابع معمراً: محمدُ بن مسلم، عن أيوب، عن ابن أبي مليكة، عن عائشة رضي الله عنها. أخرج ذلك البيهقي في (سننه) 3 من رواية:
مروان بن محمد4، محمد بن مسلم5، عن أيوب، عن ابن أبي مليكة به، ولفظه هو الذي ذكرناه أول الباب.
وخالف ابنُ وهب مروانَ بن محمد، فرواه عن: محمد بن مسلم، عن أيوب، عن ابن سيرين، عن عائشة به.
أخرج ذلك الحاكمُ في (المستدرك) 6، ولفظه:"ما كان شيء أبغض إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكذب، وما جَرَّبه رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحد - وإنْ قَلَّ - فيخرج له من نفسه حتى يجدد له توبة" قال أبو عبد الله: "صحيح الإسناد ولم يخرجاه" ووافقه الذهبيُّ.
1 حم: (6/152)، سق:(3/654) ح 702.
2 الإحسان: (7/495) ح 5706.
(10/196) .
4 ابن حسان الأسدي، الدِّمشقي، الطَاطَري، ثِقَةٌ، من التاسعة، مات سنة210هـ/ م 4. (التقريب 526) .
5 الطائفي، صدوقٌ يخطئ من حفظه، من الثامنة، مات قبل التسعين/ خت م 4.
(4/98) .
ولكن سُئل أبو حاتم رحمه الله عن حديث مروان بن محمد هذا؟ فقال: "ما أدري ما هذا؟ إِنَّمَا يُرْوَى هذا الحديثُ عن أيوب، عن إبراهيم بن ميسرة1، عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلٌ. ومن يقول: عن ابن أبي مليكة، ليس بِمُصِيبٍ عندي". ثم حَدَّثَ في موضع آخر من (العلل) 2 بحديث ابن وهب، عن محمد بن مسلم - الذي سبق قبل قليل عند الحاكم - ثم قال:"إِنمَّا هو عن إبراهيم بن ميسرة، عن عائشة مرسلٌ".
وقد ذهب الحافظ الدارقطني رحمه الله إلى ذلك أيضاً، فذكر في (علله) 3 أوجه الاختلاف على أيوب، ثم ذكر أنَّ حماد بن زيد، وحاتم ابن وردان، ووهيب رووه عن أيوب، عن إبراهيم بن ميسرة مرسلاً، قال:"وهو الصواب".
والمراد بذلك: انقطاعه بين إبراهيم بن ميسرة وعائشة رضي الله عنها؛ فإنه لم يُعرف برواية عنها ولا أدركها، وإنما يَرْوي عن: سعيد بن جبير، وابن المسيب، وطاووس، ومجاهد وطبقتهم4.
فإذا ثبت أن الصواب في هذا الحديث: ما ذكره ابن أبي حاتم،
1 الطائفي: نزيل مكة، ثَبْتٌ حافظٌ، من الخامسة، مات سنة 132هـ / ع. (التقريب94) .
2 العلل: (2/236) ح 2198.
3 ج5 (ق 87) .
4 انظر: تهذيب الكمال: (2/221 - 222) .
والدارقطني، وأنه ليس لابن أبي مليكة ذكر فيه، فإنه يكون معلولاً بالانقطاع، مع ما تقدم من الاختلاف على أيوب في إسناده، وما جاء عند عبد الرزاق من الشك في إسناده، وقوله: عن ابن أبي مليكة أو غيره. وهذا الغير مجهول لا يُعرف، وهو يؤكد ما ذهب إليه ابن أبي حاتم وغيره من عدم صحة ذكر ابن أبي مليكة في إسناده.
وكذا الاختلاف في لفظه: فعند عبد الرزاق "ما كان خلقٌ أبغض إلى أصحاب رسول الله
…
". وعند غيره: "
…
أبغض إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ".
فإذا عُلِمَ ذلك، فإنَّ تحسينَ ابن القَيِّم رحمه الله له: لا يصحُّ، لما تقدم من حاله، والله أعلم.