الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
19-
من كتاب الفضائل
1 - باب في فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم
121-
(1) عن عامر بن ربيعة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال:"مَنْ صَلَّى عَلَيّ صَلاةً لَمْ تَزَل الملائكةُ تُصَلِّي عليه ما صَلَّى عَلَيَّ، فَلْيُقِلَّ عَبدٌ من ذلك أو لِيُكْثِرْ".
أورد ابن القَيِّم رحمه الله هذا الحديث من طريق الإمام أحمد، بإسناد فيه عاصم بن عبيد الله، ثم أورده من طريق عبد الرزاق: عن عبد الله بن عمر العمري بلفظ قريب، ثم قال:"وعاصم بن عبيد الله بن عاصم بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وعبد الله بن عمر العُمَرِي، وإن كان في حديثهما بعض الضعف، فرواية هذا الحديث من هذين الوجهين المختلفين، يدلُّ على أن له أصلاً، وهذا لا ينزل عن وسط درجات الحسن"1.
قلت: هذا الحديث أخرجه ابن ماجه في (سننه) 2، وأحمد والطيالسي في (مسنديهما) 3، وإسماعيل بن محمد الأصبهاني في (الترغيب والترهيب) 4 وإسماعيل بن إسحاق القاضي في (فضل الصلاة على
1 جلاء الأفهام: (ص 29) ح 46، 47.
(1/ 294) ح 907، ك إقامة الصلاة، باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.
3 حم: (3/ 445) . طس: (ح 1142) .
(2/ 686) ح 1652، باب الترغيب في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.
النبي) 1 - وأخرجه أبو نعيم في (الحلية) 2 من طريق الطيالسي - كلهم من طريق: شعبة، عن عاصم بن عبيد الله، عن عبد الله بن عامر، عن أبيه عامر بن ربيعة، عن النبي صلى الله عليه وسلم به. واللفظ المذكور هو لفظ الإمام أحمد، وفيه قول عامر بن ربيعة: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يخطب يقول
…
فذكره، وألفاظ الباقين بنحوه.
وهذا الإسناد ضعيف من أجل عاصم بن عبيد الله؛ فإن الجمهور على ضعفه3، بل قال فيه البخاري4، وأبو زرعة، وأبو حاتم5:"منكر الحديث". وقال الدارقطني: "مدنيٌّ يترك هو مُغَفَّلٌ"6.
قلت: وكأنَّ الكلام فيه من قِبَلِ حفظه، فقد كان يخطئ ويَهِمُ، ومع ذلك فقد احتمله البعضُ، قال العجلي:"لا بأس به"7. وقال ابن عدي: "روى عنه ثقات الناس واحتملوه، وهو مع ضَعْفِهِ يُكْتَبُ حديثه"8. وقد جعله بعضُ الأئمة في مرتبة عبد الله بن محمد بن عقيل،
1 انظره مع تخريج الألباني: (ص 27) ح6.
(1/ 180) .
3 انظر ترجمته في: الميزان: (2/353 - 354) . وتهذيب التهذيب: (5/46 - 49) .
4 الضعفاء الصغير: (ص 180) .
5 الجرح والتعديل: (3/ 1/ 348) .
6 سؤالات البرقاني للدار قطني: (ص 49) رقم 339.
7 الثقات: (بترتيب الهيثمي) : (ص 241) .
8 الكامل: (5/ 228) .
فقال يحيى القطان: "هو عندي نحو ابن عقيل"1. وقال الإمام أحمد: "ما أَقْرَبُهُمَا"2. والمعلوم أنَّ ابن عقيل صدوقٌ، قد احتمله بعض الأئمة، وقال البخاريُّ رحمه الله:"كان أحمد، وإسحاق، والحميدي يحتجون بحديثه"3. وقال الذهبي: "حديثه في مرتبة الحسن"4. فهذا حال عبد الله بن عقيل، وإذا كان عاصم - بمقتضى كلام هؤلاء الأئمة - في رتبته، فإن حاله يكون كحاله، وأمره يحتمل كأمره.
وقد روى عنه شعبة مع تشدده في الرجال، ولم يكن يروي إلا عن ثقة إلا في النادر، قال السخاوي: "
…
وعلى كل حال: فهو لا يروي - يعني شعبة - عن متروك، ولا من أجمع على ضعفه"5. وهذا الحديث من روايته عنه.
وأيضاً: فالترمذي رحمه الله يصحح كثيراً من حديثه، ولذلك فقد جعله الحافظ ابن رجب الحنبلي رحمه الله في قسم المختلف فيهم: هل هم ممن غلب على حديثهم الوهم والغلط أم لا؟ 6.
وما دامَ الرجلُ بهذه المثابة، وأنَّ بعضَ الأئمةِ قد احتملوه، ولم يُجْمِع أهل هذا الشأن على ضعفه، وروى عنه أئمة معتبرون،
1 تهذيب التهذيب: (5/ 47) .
2 المصدر السابق.
3 شرح علل الترمذي: (ص 249)، والميزان:(2/ 484) .
4 الميزان: (2/ 485) .
5 فتح المغيث: (1/ 314) .
6 شرح علل الترمذي: (ص 249) .
وصَحَّحَ - مع ذلك - له مثل الترمذي، فإن حديثه يكون مُحْتَمَلاً، وبخاصة إذا تابعه غيره ممن هو مثله أو أعلى منه رتبة، وسيأتي أنه توبع على هذه الرواية.
ولذلك فقد قَبلَ هذا الحديث بعضهم، وجعله حسناً، فقال المنذري رحمه الله:"وعاصم وإن كان واهي الحديث، فقد مشاه بعضهم وصحح له الترمذي، وهذا الحديث حسن في المتابعات"1. وَحَسَّنَه كذلك الحافظ ابن حجر2. ووافقهما على ذلك السخاوي3 رحمه الله.
وقد ذكر السخاويُّ أن عاصماً اختلف عليه في هذا الحديث، فقيل: عنه، عن عبد الله بن عامر، عن أبيه كما مضى. وقيل: عنه، عن عبد الله بن عامر، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه. لكن صحح السخاوي كونه عن عامر بن ربيعة، فقال:"وهو أصح"4.
وقد تُوبعَ عاصمٌ على رواية هذا الحديث، تابعه: عبد الرحمن بن القاسم5، وذلك فيما أخرجه عبد الرزاق في (مصنفه) 6 - ومن طريقه
1 الترغيب والترهيب: (2/ 500) ح 19.
2 القول البديع: (ص 121) .
3 المصدر السابق.
4 المصدر السابق: (ص 114) .
5 ابن محمد بن بكر الصديق، التيمي، أبو محمد المدني، ثقة جليل، من السادسة، مات سنة 126 هـ، وقيل بعدها / ع. (التقريب 348) .
(2/ 215) ح 3115.
أبو نعيم في (الحلية) 1 - عن:
عبد الله بن عمر2، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن عبد الله بن عامر، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال:"من صَلَّى عليّ صلاةً، صَلَّى الله عليه، فأكثروا أو أَقِلُّوا". وعند أبي نعيم: "من صَلَّى عليّ صَلاةً، صَلَّى الله عليه عشراً
…
".
وقد سقط من مصنف عبد الرزاق "عبد الرحمن بن القاسم" وجاء تاماً في (الحلية) ، وكذا ساقه ابن القَيِّم رحمه الله من طريق عبد الرزاق تاماً3.
فهذه متابعة جيدةٌ من عبد الرحمن بن القاسم - وهو إمام جليل - لعاصم بن عبيد الله، وهي وإن اختلف لفظها قليلاً عن لفظ رواية عاصم، إلا أن المعنى متقارب، وتشهد لها في الجملة.
وأما وجود عبد الله العمري في سند هذه المتابعة فإنه لا يَضُرُّ؛ لأنَّه وإن ضُعِّفَ، إلا أن أمره قد احْتُمِل، قال الحافظ الذهبي رحمه الله:"وحديثه يتردد فيه الناقد، أما إن تَابَعَه شيخ في روايته: فذلك حسن قوي إن شاء الله"4. ولَمَّا لم ينفردْ برواية هذا الحديث، وإنما جاء من وجهٍ
(1/ 180) .
2 ابن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب، أبو عبد الرحمن، العمري، المدني، ضعيف عابد، من السابعة، مات سنة 171 هـ/ م 4. (التقريب 314) .
3 جلاء الأفهام: (ص 29) ح 47.
4 سير أعلام النبلاء: (7/ 341) .
آخر كما تقدم، فإنَّ الأمر يكون على ما وصف الذهبي إن شاء الله، ويتأيد حينئذ قول ابن القَيِّم رحمه الله: "
…
فرواية هذا الحديث من هذين الوجهين المختلفين، يدلُّ على أن له أصلاً".
وقد قَوَّى الشيخ الألباني رحمه الله حديث عاصم السابق بهذه المتابعة، فقال:"ثم وجدتُ لعاصم متابعاً عند أبي نعيم في (الحلية) ، فالحديث حسن على الأقل"1. وحَسَّنَه كذلك في صحيح ابن ماجه2.
فتلخص من ذلك: أن الحديثَ وإن كان فيه بعض الضعف، فإنَّه يَتَقَوَّى بمجيئه من وجهين مختلفين، وأن ذلك لا يقل عن وسط درجات الحسن، كما قال ابن القَيِّم رحمه الله.
1 تخريج أحاديث فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم لإسماعيل القاضي: (ص 27) ح6.
(ح 379) .
2 -
باب ما جاء في فضل قراءة سورة الكهف يوم الجمعة
122-
(2) عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال:"مَنْ قَرَأ سورةَ الكهف يوم الجمعة، سَطَعَ له نور من تحتِ قدمه إلى عَنَانِ1 السَّمَاء، يُضيء به يوم القيامة، وغُفِرَ له ما بين الجمعتين ".
ذكر ابن القَيِّم رحمه الله هذا الحديث ضمن كلامه على خصائص يوم الجمعة، وصدره بصيغة التمريض:"رُوِي" ثم قال: "وذكره سعيد بن منصور من قول أبي سعيد الخدري، وهو أشبه"2.
قلت: أما حديث أبي سعيد، فقد أخرجه: الحاكم في (المستدرك) 3 - وعنه البيهقي في (سننه) 4 - من طريق: نعيم بن حماد5، عن هشيم، عن أبي هاشم6، عن أبي مجلز7،
1 العَنَانُ: السَّحَاب، وزناً ومعنىً، واحدته: عَنَانَة، وقيل: ما عَنّ لك منها، أي اعترض وبدا لك إذا رفعت رأسك. (النهاية 3/ 313، المصباح المنير ص 433 - عنن) .
2 زاد المعاد: (1/ 377 - 378) .
(2/ 368) .
(3/ 249) .
5 ابن معاوية بن الحارث الخُزَاعي، أبو عبد الله المروزي، نزيل مصر، صدوق يخطئ كثيراً، فقيه عارف بالفرائض، من العاشرة، مات سنة 228 هـ على الصحيح / خ مق د ت ق. (التقريب 564) .
6 الرُّمَّاني، الواسطي، واسمه: يحيى بن دينار، ثقة، من السادسة، مات سنة 122 هـ/ ع. (التقريب 680) .
7 هو: لاحق بن حميد بن سعيد السَّدوسي، البصري، مشهور بكنيته، ثقة، من كبار الثالثة، مات سنة 106 هـ وقيل: 109هـ/ ع. (التقريب 586) .
عن قيس بن عباد1: عن أبي سعيد رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"من قَرَأَ سورة الكهف يوم الجمعة، أضاء له من النور ما بين الجمعتين ".
قال أبو عبد الله الحاكم: "صحيح الإسناد، ولم يخرجاه". لكن تعقبه الذهبي فقال: "نعيم ذو مناكير".
وقد تابع نعيمَ بن حماد على هذه الرواية: يزيدُ بن مخلد بن يزيد2، عن هشيم، وقال فيه:"أضاء له من النور ما بينه وبين البيت العتيق". أشارَ إلى هذه المتابعة: البيهقي في (سننه)3.
وخالفهما: سعيد بن منصور، وأبو النعمان، وأبو عبيد، وأحمد بن خلف البغدادي، فرووه عن هشيم، فجعلوه موقوفاً على أبي سعيد من قوله.
أما حديث سعيد بن منصور: فهو في (سننه)، كما أشار البيهقي رحمه الله إلى ذلك4. ورواية أبي عبيد: أخرجها في (فضائل القرآن) 5 له، قال: حدثني هشيم. وأخرج الدرامي في (مسنده) 6 رواية
1 الضبعي، أبو عبد الله البصري، ثقة مخضرم، من الثانية، مات بعد سنة 80 هـ، ووهم من عده من الصحابة / خ م د س ق. (التقريب 457) .
2 له ترجمة في الجرح والتعديل: (4/ 2/ 291) وسكت عنه ابن أبي حاتم.
(3/ 249) .
4 في سننه: (3/249) . ولم أقف عليه في القسم المطبوع من سنن سعيد بن منصور.
(2/52) ح 459.
(2/326) ح3410.
أبي النعمان1: حدثنا هشيم. وأما رواية أحمد بن خلف: فأخرجها ابن الضريس في (فضائل القرآن) 2 عن هشيم، والخطيب في (تاريخ بغداد) 3 بإسناده إلى هشيم. وجاء عند هؤلاء: "
…
أضاء له من النور ما بينه وبين البيت العتيق".
فهؤلاء الأربعة قد رووه موقوفاً، وفيهم إمامان جليلان: سعيد ابن منصور، وأبو عبيد، وأما أبو النعمان: فهو ثقة أيضاً، إلا أنه تغير بآخرة. وأحمد بن خلف: ذكره الخطيب في (تاريخه) 4، وقال:"وهو شيخ غير مشهور عندنا".
ولا شَكَّ أن رواية من وقفه أرجحُ من الأخرى؛ إذ هم أوثق، وأشهر، وأثبت ممن رفعوه، فنعيم بن حماد - أحد رواة الرفع - كثير الخطأ، ويزيد بن مخلد - مُتَابِعُهُ - شبه المجهول، فلا يقاومان هؤلاء الأئمة.
وقد وقع في بعض ألفاظه: "ليلة الجمعة" بدل: "يوم الجمعة"، وانفرد بذلك أبو النعمان دون سائر من رواه، وذلك فيما أخرجه الدارمي، ولعل ذلك من تخليط أبي النعمان المعروف بـ"عارم"؛ فإنه اختلط في آخر حياته.
1 هو: محمد بن الفضل السدوسي، لقبه: عارم، ثقة تغير في آخر عمره، من صغار التاسعة، مات سنة 223 أو 224 هـ /ع. (التقريب 502) .
(ص 164) ح 212.
(4/ 134 - 135) .
(4/ 134) .
ووقع فيه اختلاف آخر، إذ إن سائر الروايات قد وردت بلفظ: "
…
ما بينه وبين البيت العتيق". وخالف نعيم بن حماد وحده، فقال: "ما بين الجمعتين"، ولعلَّ ذلك من مناكيره؛ فإنه لم يوافقه على هذه اللفظة أحد، حتى أن يزيد بن مخلد - الذي تابعه على رفع هذا الحديث - جاء به موافقاً للفظ الجماعة، مما يؤكد أن نعيم بن حماد قد أخطأ في متنه كما أصابه الخطأ في سنده.
وقد تُوبع هشيمٌ على معنى هذا الحديث، تابعه: سفيان الثوري، وشعبة.
أما حديث سفيان: فأخرجه النسائي في (عمل اليوم والليلة) 1، وعبد الرزاق في (مصنفه) 2، والحاكم في (المستدرك) 3 - وأشار إليه البيهقي4 - كلهم من طريق: سفيان، عن أبي هاشم، بالإسناد الماضي إلى أبي سعيد رضي الله عنه أنه قال:"من قَرَأَ سورة الكهف كما أنزلت، ثم أدرك الدجال، لم يُسَلَّطْ عليه، أو لم يكن له عليه سبيل، ومن قرأ سورة الكهف كان له نوراً من حيث قرأها ما بينه وبين مكة". هذا لفظ النسائي، ونحوه لفظ عبد الرزاق، والحاكم، ووقع في أوله عند عبد الرزاق: "من توضأ ثم فرغ من وضوئه،
(ص 529) ح 954.
(3/ 378) ح 6023.
(1/ 564) ، (4/ 511) .
(3/ 249) .
ثم قال: سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك. خُتِمَ عليها بخاتم، فوضعت تحت العرش، فلا تكسر إلى يوم القيامة، ومن قرأ سورة الكهف
…
".
وهذا وإن لم يكن فيه النص على "يوم الجمعة"، إلا أنه في جملته يشهد لحديث هشيم الماضي، ويؤكد صحة من أتى به عنه موقوفاً، فقد اتفق عبد الرزاق، وعبد الرحمن بن مهدي على روايته عن سفيان موقوفاً على أبي سعيد.
قال أبو عبد الله الحاكم: "حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه". ووافقه الذهبي.
وأما شعبة: فقد اختلف عليه فيه، فأخرجه النسائي في (اليوم والليلة) 1 من طريق: غندر، عن شعبة، به موقوفاً. وأخرجه النسائي2 أيضاً، والطبراني في (الأوسط) 3، والحاكم في (المستدرك) 4، ثلاثتهم من طريق: يحيى بن كثير5، عن شعبة به مرفوعاً. ولفظه بنحو لفظ حديث الثوري، إلا أن عندهم: "
…
ومن قرأ بعشر آيات من آخرها، فخرج
(ص 528) ح 953.
(ص 528) ح 952.
(2/271) ح 1478.
(1/564) .
5 ابن درهم العنبري مولاهم، البصري، أبو غسان، ثقة، من التاسعة، مات سنة 206 هـ/ ع. (التقريب 595) .
الدجال
…
". وعند الطبراني زيادة دعاء الوضوء الماضي في حديث الثوري.
قال النسائي عقبه: "الصواب في هذا الحديث موقوف"1. وقال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث مرفوعاً عن شعبة إلا يحيى بن كثير". ومال الدارقطني إلى ترجيح الوقف أيضاً، فقال: "
…
وقيل
…
عن يحيى، عن شعبة مرفوعاً، ولم يثبت، ورواه غندر وأصحاب شعبة، عن شعبة موقوفاً"2.
فَتَبَيَّنَ من ذلك صِحَّة رواية الوقف عن شعبة، وبذلك توافق رواية الثوري وهشيم المتقدمتين، ويترجح بذلك كون الموقوف عن أبي سعيد أصحّ.
فإذا ثبت أنَّ الصواب في هذا الحديث الوقف، فإنَّه يكون من قبيل المرفوع، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:"ومثله لا يقال من قبل الرأي، فله حكم المرفوع"3.
هذا فيما يتعلق بحديث أبي سعيد.
وأما اللفظ الذي ذكره ابن القَيِّم رحمه الله، وهو: "من قَرَأَ سورة
1 وهذه العبارة ليست في المطبوع من (اليوم والليلة) لكن استدركها المحقق من هامش إحدى النسخ، وكذا نقلها عن النسائي: الهيثمي في مجمع الزوائد: (1/ 239) .
2 العلل: ج4 (ق 2/ أ) .
3 النكت الظراف: (3/447) .
الكهف يوم الجمعة، سَطَعَ له نورٌ من تحتِ قدمه إلى عنان السماء يضيء به يوم القيامة، وغُفِرَ له ما بين الجمعتين". فليس هذا من حديث أبي سعيد كما هو المتبادر من كلام ابن القَيِّم، وإنما هو من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
وقد عزاه ابن كثير في (تفسيره) 1 إلى ابن مردويه، فقال: "وروى الحافظ أبو بكر بن مردويه في تفسيره - بإسناد له غريب - عن خالد بن سعيد بن أبي مريم2، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما، أنه قال
…
" فذكره، وقال: "وهذا الحديث في رفعه نظر، وأحسن أحواله الوقف".
وأورده المنذري في (الترغيب والترهيب) 3، قال: "
…
بإسناد لا بأس به".
وترجيحُ الحافظ ابن كثير كونه موقوفاً لا يضره، بل يُقال فيه ما قيل في حديث أبي سعيد المتقدم: من أنه موقوف له حكم الرفع.
فالحاصل: أن حديثَ ابن عمر هذا يصلح شاهداً في الجملة لحديث أبي سعيد المتقدم، وبخاصة ما جاء في لفظ رواية نعيم بن حماد،
(3/70) .
2 المدني، مولى ابن جدعان، مقبول، من الرابعة/د ق. (التقريب 188) .
(1/ 513) ك الجمعة، باب الترغيب في قراءة سورة الكهف
…
ليلة الجمعة ويوم الجمعة.
عن هشيم عند الحاكم: "أضاء له من النور ما بين الجمعتين". فإنَّ كلاً منهما يشهد للآخر، ويتقوى به.
ويتلخص من ذلك: أن الحديثَ الذي أشارَ إليه ابنُ القَيِّم من رواية أبي سعيد صحيحُ الإسنادِ، إلا أنَّ الصوابَ فيه الوقفُ كما اختاره رحمه الله، ومع ذلك فإنَّ له حكم الرفع كما مضى. وله شاهدٌ من حديث ابن عمر، والراجحُ فيه الوقف أيضاً، فيكونُ هو الآخر في حكم المرفوع، وبمجموعهما يتأكد ثبوت الحديث، والله أعلم.