الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
6 - باب ما جاء في ذَم الغناء
110-
(8) عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، أنه قال:"الغِنَاءُ يُنْبِتُ النِّفَاقَ في القَلْبِ".
ذكر ابن القَيِّم رحمه الله هذا الحديث في (إغاثة اللهفان) 1، فقال: "وقال شعبة: حدثنا الحكم، عن حماد، عن إبراهيم قال: قال عبد الله بن مسعود
…
" فذكره.
ثم قال: "وهو صحيحٌ عن ابن مسعود من قوله. وقد رُوِيَ عن ابن مسعود مرفوعاً، رواه ابن أبي الدنيا في ذَمِّ الملاهي قال: أخبرنا عصمة بن الفضل، حدثنا حرمي بن عمارة، حدثنا سلاّم بن مسكين، حدثنا شيخٌ عن أبي وائل، عن عبد الله بن مسعود، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: "الغناءُ ينبت النفاقَ في القلب كما ينبت الماءُ البقل" ".
قال: "وقد تابع حَرَمِيَّ بن عمارة عليه بهذا الإسناد والمتن: مسلمُ بن إبراهيم" ثم ساقه من طريقه عند ابن الْمُنَادى في أحكام الملاهي، ثم قال:"فمداره على هذا الشيخ المجهول. وفي رَفْعِهِ نظرٌ، والموقوف أصح".
(1/248) .
وقال في كتابه (الكلام على مسألة السماع) 1: "صحَّ ذلك عنه - أي ابن مسعود - ومن الناس من يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، والصحيح أنه موقوف".
قلت: أما الموقوف على ابن مسعود، فقد أخرجه البيهقي في (سننه) 2 عن ابن أبي الدنيا، وذلك من طريقين:
الطريق الأول: - وهو الذي ساقه ابن القَيِّم - عن غندر3، عن شعبة، عن الحكم4، عن إبراهيم5، عن ابن مسعود6.
وهذا الإسناد صحيحٌ، إلا أنه منقطع بين إبراهيم وابن مسعود؛ لأنه لم يلقه على قول أكثر أهل العلم7، ولكن احتملَ بعض الأئمة مراسيله وقَدَّمَها على مراسيل غيره، قال يحيى بن معين:"مراسيل إبراهيم أحبُّ إليَّ من مراسيل الشَّعْبِيِّ"8. ونقل العلائي عن الإمام أحمد بن حنبل
(ص 473) .
(10/223) .
3 هو: محمد بن جعفر الهُذَلي، ثقةٌ صحيح الكتاب إلا أنَّ فيه غفلةً/ ع. (التقريب 472) .
4 هو: ابن عتيبة، الكوفي.
5 هو: النخعي.
6 وانظر: ذم الملاهي: (ص 38) ح 13.
7 انظر: المراسيل لابن أبي حاتم: (ص 8-10)، وجامع التحصيل:(ص 168) .
8 تاريخ الدوري عن يحيى: (2/18) .
أنه قال: "مرسلاتُ إبراهيم النخعي لا بأس بها"1. ثم قال: "وخَصَّ البيهقي ذلك بما أرسله عن ابن مسعود دون غيره"2.
وعلى كلِّ حالٍ فإن إبراهيم لم ينفرد برواية ذلك عن ابن مسعود، وإنما تابعه عليه محمد بن عبد الرحمن بن يزيد، وهو:
الطريق الثاني: أخرجه البيهقي - أيضاً - في (سننه) 3 من طريق ابن أبي الدنيا، عن: علي بن الجعد4، عن محمد بن طلحة5، عن سعيد ابن كعب المرادي، عن محمد بن عبد الرحمن بن يزيد6، عن ابن مسعود رضي الله عنه، أنه قال:"الغناءُ ينبتُ النفاق في القلبِ كما ينبتُ الماءُ الزرعَ، والذِّكْرُ ينبت الإيمان في القلب كما ينبت الماء الزرع"7.
وهذا الإسناد رجاله ثقاتٌ، إلا سعيد بن كعب؛ فإنه - فيما فتشت - لم يرو عنه غير محمد بن طلحة، وذكره ابن أبي حاتم في (الجرح
1 جامع التحصيل: (ص 99) .
2 المصدر السابق، وانظر (ص 168) .
(10/223) .
4 ابن عبيد الجوهري، البغدادي، ثقةٌ ثبتٌ رُمِي بالإرجاء، من صغار التاسعة، مات سنة 230هـ / خ د. (التقريب 398) .
5 ابن مُصَرِّف اليامي، كوفيٌّ، صدوقٌ له أوهام، وأنكروا سماعه من أبيه لصغره، من السابعة، مات سنة 167هـ/ خ م د ت عس ق (التقريب 485) .
6 ابن قيس النَّخَعي، أبو جعفر الكوفي، ثقةٌ، من السادسة/ بخ 4. (التقريب 493) .
7 وانظر: ذَمّ الملاهي: (ص 38) ح 12.
والتعديل) 1 فلم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً، وذكره ابن حبان في (الثقات) 2، ساكتاً عنه أيضاً، فالظاهر - والله أعلم - أنه إلى الجهالة أقرب.
ولكن إذا ضُمَّ هذا الطريقٌ إلى طريق الحكم عن إبراهيم الماضي، تَقَوَّى كلّ منهما بالآخر، وقد تقدم أن ابن القَيِّم صَحَّحَ الموقوفَ، ونقل ابن حجر الهيثمي عن البيهقي قوله:"إن وقفه عليه هو الصحيح"3.
هذا فيما يتعلق بالرواية الموقوفة، وأما الرواية المرفوعة:
فأخرجها أبو داود في (سننه) 4، وابن المنادى في (أحكام الملاهي) 5 من طريق:
مسلم بن إبراهيم6، حدثنا سلاّم بن مسكين، عن شيخ شَهِدَ أبا وائل7 في وليمةٍ، فجعلوا يلعبون، يَتَلَعَّبُون، يُغَنُّونَ، فحلَّ أبو وائل
(2/1/57) .
(8/262) .
3 كَفُّ الرِّعَاعِ: (ص 65) .
(5/223) ح 4927 ك الأدب، باب كراهية الغناء والزمر.
5 انظر: إغاثة اللهفان: (1/248) .
6 الأزدي الفراهيدي، أبو عمرو البصري، ثقةٌ مأمونٌ مُكْثِرٌ، عَمِيَ بآخرة، من صغار التاسعة، مات سنة 222هـ/ ع. (التقريب 529) .
7 هو: شقيق بن سلمة.
حُبْوَتَه1، وقال: سمعت عبد الله - يعني ابن مسعود - يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "الغناء ينبت النفاق في القلب". هذا سياق أبي داود.
وتابع مسلمَ بن إبراهيم على هذه الرواية: حَرَمِيُّ بن عمارة2، قال: حدثنا سلاّم بن مسكين به3، أخرجه عنه: ابن أبي الدنيا في (ذم الملاهي) - ومن طريقه البيهقي في (سننه) 4 - ولفظه: "الغِنَاءُ ينبت النِّفَاقُ في القلب، كما ينبت الماء البقل ".
وهذا الإسناد رجاله رجال الصحيح، إلا أنَّ عِلَّتَهُ هذا الشيخ المجهول، فإنَّ مداره عليه، ولذلك ضَعَّفَهُ جماعةٌ، فقال الغزالي في (الإحياء) 5: "
…
ورفعه بعضهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو غير صحيح". قال العراقيُّ في تخريجه لأحاديث الإحياء - عقب كلام الغزالي -:"لأنَّ في إسناده من لم يُسَمِّ"6. وَضَعَّفَهُ ابن القَطَّان7. وقال النوويُّ: "لا يصحُّ".
1 قال أبو موسى في المجموع المغيث: (1/396) : "الاحتباءُ: جلسة الأعراب
…
وهو ضَمُّ الساقين إلى البطن بثوبٍ يلفونه عليهما". وقال في (لسان العرب) : (ص765) : "الحِْبْوَة والحُبْوة: الثوب الذي يَحْتَبِي به".
2 ابن أبي حفصة، العَتَكِي، البصري، أبو روح، صدوقٌ يَهِمْ، من التاسعة، مات سنة
201هـ / خ م د س ق. (التقريب 156) .
3 وسبق تنبيه ابن القَيِّم على هذه المتابعة.
(10/223) .
(2/283) .
6 المصدر السابق.
7 فيض القدير: (4/413) .
ووافقه الزركشي1. ورمز له السيوطي بالضعف في (الجامع الصغير) 2. وَضَعَّفَهُ الشيخ الألباني3. وقد سبق قولُ ابن القَيِّم رحمه الله: "في رَفْعِه نَظرٌ".
فتلخص من ذلك: أنَّ هذا الحديث لا يصحُّ رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وأنَّ الصواب وَقْفُهُ على ابن مسعود رضي الله عنه، وهذا ما قَرَّرَهُ ابن القَيِّم رحمه الله.
قال ابن حجر الهيتمي: "ومثله لا يقال من قِبَلِ الرأي؛ لأنه إخبارٌ عن أمرٍ غيبي، فإذا صحَّ عن الصحابة فقد صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم، كما هو مقررٌ عند أئمة الحديث والأصول4
…
وحينئذٍ فالحجة فيه دون سواه"5.
1 فيض القدير: (4/413) .
2 انظر: فيض القدير مع الجامع الصغير: (4/413) ح 5809.
3 ضعيف الجامع: (ح3941) .
4 انظر: حول ذلك: تدريب الراوي: (1/190) .
5 كفُّ الرِّعاع: (ص 65 - 66) .