المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌1- باب ما جاء في ميراث ذوي الأرحام - ابن قيم الجوزية وجهوده في خدمة السنة النبوية وعلومها - جـ ٣

[جمال بن محمد السيد]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الثالث

- ‌الباب الثالث: دراسة جملة من الأحاديث المختارة مما تكلم عليه ابن القيم

- ‌من كتاب الطلاق

- ‌1 ـ باب ما جاء في المحلل والمحلل له

- ‌2- باب المبتوتة: هل تجب لها السكنى والنفقة

- ‌3- باب من قال: إن لها السكنى والنفقة

- ‌4- باب في عدة أم الولد

- ‌ من كتاب البيوع

- ‌1 - باب ما جاء في أداء الأمانة واجتناب الخيانة

- ‌2- باب ما جاء من الرخصة في ثمن الكلب

- ‌3- باب ما جاء في بيع الْمُغنيات

- ‌4- باب ما جاء في النهي عن العينة

- ‌5- باب في بيع أمهات الأولاد

- ‌ من كتاب الأطعمة والصيد والذبائح

- ‌1- باب في الطافي من صيد البحر

- ‌2- باب الفأرة تقع في السمن فتموت فيه

- ‌3- باب في الأكل مع المجذوم

- ‌ من كتاب الأيمان والنذور

- ‌1 - باب النذر في المعصية، ومن رأى أن عليه الكفارة

- ‌ من كتاب العتق

- ‌1 - باب ما جاء فيمن ملك ذا رحم محرم

- ‌ من كتاب الحدود والديات

- ‌1 - باب الشفاعة في الحدود

- ‌2 - باب في قطع جاحد العارية

- ‌3 - باب ما جاء في الرجل يزني بجارية امرأته

- ‌4- باب فيمن تزوج بامرأة أبيه

- ‌5- باب في أنه لا يقتل المسلم بالكافر

- ‌6 - باب البدء في القسامة بأيمان المدعي

- ‌من كتاب الأدب

- ‌1 ـ باب كم مرة يشمت العاطس

- ‌2 - باب هل يجزئ عن الجماعة أن يسلم أو يرد أحدهم

- ‌3 - باب ما جاء في المصافحة

- ‌4 ـ باب الرجل يدعى إلى طعام، هل يكون ذللك إذنا له

- ‌5 - باب ما جاء في التنفير من الكذب

- ‌6 - باب ما جاء في ذَم الغناء

- ‌7 - باب في الأمر بتحسين الأسماء

- ‌8 - باب ما جاء في الديك

- ‌ من كتاب الفرائض

- ‌1- باب ما جاء في ميراث ذوي الأرحام

- ‌2 - باب ما جاء في ميراث الذي يسلم على يدي الرجل

- ‌ من كتاب الأذكار

- ‌1 - باب ما يقول من نسي التسمية في أول طعامه

- ‌2 - باب ما يقول إذا دخل السوق

- ‌3 - باب من قال: يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم عند العطاس

- ‌ من كتاب الفضائل

- ‌1 - باب في فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌ من كتاب التفسير

- ‌1 - باب في تفسير قوله تعالى: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ}

- ‌ من كتاب التوحيد والأسماء والصفات

- ‌1 - باب في علو الله - عزوجل - واستوائه على عرشه

- ‌2 - باب آخر منه

- ‌3 ـ باب ما جاء في نهي النبي صلى الله عليه عن اتخاذ قبره عيدا

- ‌4 - باب ما جاء في أطفال المشركين

- ‌مصادر ومراجع

الفصل: ‌1- باب ما جاء في ميراث ذوي الأرحام

17-

‌ من كتاب الفرائض

‌1- باب ما جاء في ميراث ذوي الأرحام

113-

(1) عن المقدام بن معدي كَرِب رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ تَرَكَ كَلاًّ1 فإليَّ - وَرُبَّما قال: إلى الله وإلى رسوله - وَمَنْ تَرَكَ مَالاً فَلِوَرَثَتِهِ، وَأَنَا وَارِثُ مَن لا وَارِثَ لَه: أَعْقِلُ له2، وأَرِثُهُ، والخالُ وارثُ من لا وَارِثَ له: يَعْقِلُ عنه، وَيَرِثُهُ ".

قال المنذري رحمه الله عَقِبَ هذا الحديث: "واخْتُلِفَ في هذا الحديث، فروي عن راشد بن سعد، عن أبي عامر الهوزني، عن المقدام. وروي عن راشد بن سعد: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال، مُرْسَلاً".

قال: "وقال أبو بكر البيهقي في هذا الحديث: كان يحيى بن معين يُضَعِّفُهُ، ويقول: ليس فيه حديث قويٌّ"3.

وقد تعقب ابن القَيِّم رحمه الله المنذري، فقال:"فهذا ما رُدَّ به حديث الخالِ، وهي بأَسْرِهَا وجوهٌ ضعيفةٌ".

قال: "أما قولهم: إن أَحَادِيثَهُ ضَعيفةٌ. فكلام فيه إجمالٌ، فإن أُرِيَد بها: أنها ليست في درجة الصحاح التي لا عِلَّة فيها: فصحيح، ولكن هذا لا يَمْنَعُ الاحتجاجَ بها، ولا يوجب انحطاطها عن درجة

1 الكَلُّ: الثِّقَلُ، والعِيَالُ، وهو أيضاً: اليتيم. المصباح المنير: (2/538) .

2 العَقْلُ: الدِّيَة، وعَقَلْتُ له دَمَ فلان: إذا تركتُ القَوَدَ للدِيَة. المصباح المنير: (2/423) .

3 مختصر السنن: (4/170) .

ص: 239

الحسن، بل هذه الأحاديث وأمثالها هي الأحاديث الحسان، فإنها قد تعددت طرقها، ورويت من وجوه مختلفة، وعرفت مخارجها، ورواتُها ليسوا بمجروحين ولا مُتَّهَمِين

"1.

ثمَّ ذكر رحمه الله أنه يُروى كذلك من حديث: عمر بن الخطاب، وعائشة رضي الله عنهما، ثم أخذ في بيان ما أُعِلَّت به، والجواب عن ذلك.

قلت: حديث المقدام هذا مداره على راشد بن سعد2، وَرُوِيَ عنه على أربعةِ أوجه:

أولها: ما أخرجه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه في (سننهم) 3، وأحمد في (مسنده) 4، وسعيد بن منصور في (سننه) 5، وابن حِبَّان في (صحيحه) 6، والطبراني في (الكبير) 7، والبيهقي في (سننه) 8، كلهم من طريق: شعبة.

1 تهذيب السنن: (4/170 - 171) .

2 الْمَقْرَئي، الحمصي، ثقةٌ كثير الإرسالِ، من الثالثة، مات سنة 108هـ، وقيل 113هـ/ بخ 4. (التقريب 204) .

3 د: (3/320) ح2899 ك الفرائض، باب في ميراث ذوي الأرحام. س: الكبرى (6/116) ح6322. جه: (2/914) ح 2738 ك الفرائض، باب ذوي الأرحام.

(4/131، 133) .

(3/1/72) ح 172.

6 الإحسان: (7/611) ح 6003.

(20/264) ح 625.

(6/214) .

ص: 240

وأخرجه: أبو داود، والنسائي في (سننيهما) 1، وأحمد في (مسنده) 2، وابن الجارود في (المنتقى) 3، والطبراني في (الكبير) 4، والدارقطني في (سننه) 5، والحاكم في (المستدرك) 6، والبيهقي في (سننه) 7 - من طريق أبي داود - كلهم من طريق: حماد بن زيد. كلاهما - حماد وشعبة - عن:

بُدَيْل بن ميسرة، عن عليِّ بن أبي طلحة8، عن راشد بن سعد، عن أبي عامر الهَوْزَنيِّ9، عن المقدام رضي الله عنه به.

واللفظ المذكور في مطلع البحث هو لفظ رواية شعبة، والسياق لأبي داود من بينهم، وأما لفظ رواية حماد بن زيد فهكذا: +

1 د: (3/320) ح 2900. س: الكبرى (6/116) ح 6321.

(4/133) .

(ح 965) .

(20/265) ح 626.

(4/85) ح 57، 58.

(4/344) .

(6/214) .

8 واسم أبي طلحة: سالم. مولى بني العباس، سكن حمص، أَرْسَلَ عن ابن عباس ولم يره، من السادسة، صدوقٌ قد يُخْطئ، مات سنة 143هـ / م د س ق. (التقريب402) .

9 هو: عبد الله بن لُحَيّ، الحِمْصي، ثقةٌ مخضرم، من الثانية/ د س ق. (التقريب319) .

10 فَسَّر أبو داود الضيعة عقب الحديث بِأَنَّهَا: العِيَال. قال المنذري في (مختصره 4/170) : "وقال غيره: ضيعة أي عيالاً ذوي ضيعةً، أي تُركوا فَضُيِّعوا، وهو مصدر، يقال: ضَاعَ عيالُ الرجلِ، ضيعةً، وضياعاً بالفتح

". وانظر النهاية: (3/107) .

ص: 241

وأنا مولى من لا مولى له: أرث ماله، وأفكُّ عَانَه1، والخال مولى من لا مولى له: يرث ماله، ويفك عانه". سياق أبي داود، والباقون بنحوه. وعند الدارقطني: "ضياعاً"، وعنده: "عانيه".

والحديث بهذا الإسناد حَسَّنَهُ أبو زرعة2، وقال الحاكم:"صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه" لكن تعقبه الذهبي، فقال:"عليٌّ: قال أحمد: له أشياء منكرات. قلت: لم يخرج له البخاريُّ"3.

قلت: وعليُّ بنُ أبي طلحة قال فيه أبو داود: "هو إن شاء الله مستقيم الحديث"4. وقال النسائي: "ليس به بأس"5 وَوَثَّقَهُ العجليُّ6. وذكره ابن حبان في (الثقات)7. وقال ابن القطان: "ثقة"8.

فالرجل على هذا صالحُ الأمر، مستقيم الحال، ووجود بعض المنكرات في حديثه لا يخرجُهُ عن حَدِّ الاحتجاج به، ولا يَنْزِلُ بحديثه عن درجة الحسن،

1 قال الخطابي: "يريد: عانيه، فحذف الياء، والعاني: الأسير". (معالم السنن 4/107) .

2 علل ابن أبي حاتم: (2/50) ح 1636.

3 تلخيص المستدرك: (4/344) .

4 تهذيب التهذيب: (7/339 - 340) .

5 المصدر السابق.

6 المصدر السابق: (7/341) .

(7/211) .

8 بيان الوهم والإيهام: (3/541) .

ص: 242

ولا سيما إذا تُوبع على روايته - كما في هذا الحديث -،فالحكمُ ما حَكَمَ أبو زرعة رحمه الله من تحسين الحديث بهذا الإسناد.

الوجه الثاني من وجوه روايته عن راشد بن سعد: ما أخرجه النسائي في (الكبرى) 1،وأحمد في (مسنده) 2، والطبراني في (الكبير) 3- وأشار إليه أبو داود4 - من طريق:

معاوية بن صالح5، عن راشد بن سعد، عن المقدام بن معدي كرب بنحو ما تَقَدَّمَ، إلا أن الطبراني ليس عنده ذكر الخال.

هكذا رواه معاوية بن صالح، فأسقط منه أبا عامر الهوزني، وجعله عن: راشد، عن المقدام.

وقد حكم الدارقطنيُّ رحمه الله للرواية المتَّصِلَة، فنقل عنه صاحب (الجوهر النقي) 6 أنه ذَكَرَ: أن شعبة وحماداً وإبراهيم بن طهمان رووه عن بديل، عن عليِّ بن أبي طلحة، عن راشد، عن أبي عامر، عن

(6/115) ح 6320.

(4/133) .

(20/266) ح 628.

4 السنن: (3/321) .

5 ابن حُدَير، الحَضْرَمي، أبو عمر أو أبو عبد الرحمن، الحِمْصي، قاضي الأندلس، صدوقٌ له أوهامٌ، من السابعة، مات سنة 158هـ / ر م 4. (التقريب 538) .

(6/214) .

ص: 243

المقدام. وأن معاوية بن صالح خالفهم، فلم يذكر أبا عامر بين راشد والمقدام، ثم قال الدارقطني:"والأول أشبهُ بالصواب". وَأَيَّدَ ابن القطَّان كلام الدارقطني هذا، فقال:"وهو على ما قال؛ فإنَّ عليَّ بنَ أبي طلحة ثقة، وقد زاد في الإسناد من يتصلُّ به، فلا يضره إرسالُ من قَطَعَهُ ولو كان ثقةً، فكيف إذا كان فيه مقالٌ؟ فنَرَى هذا الحديث حديثاً صحيحاً"1.

الوجه الثالث: ما أخرجه ابن حبان في (صحيحه) 2، والطبراني في (الكبير) 3 - وأشار إليه أبو داود أيضاً - من طريق:

عبد الله بن سالم4، عن الزُّبَيْدِي5، عن راشد بن سعد، عن ابن عائذ6 عن المقدام به، بنحو ما تقدم في حديث حماد بن زيد.

1 بيان الوهم والإيهام: (3/541) ح 1319.

2 الإحسان: (7/611) ح 6004.

(20/265) ح 627.

4 الأشعري، أبو يوسف الحمصي، ثقةٌ رُمِيَ بالنَّصْبِ، من السابعة، مات سنة 179هـ / خ د س. (التقريب 304) .

5 هو: محمد بن الوليد بن عامر الزُّبَيْدي، أبو الوليد الحمصي، القاضي، ثقة ثبتٌ، من كبار أصحاب الزهري، من السابعة/خ م د س ق. (التقريب ص 511) .

6 سمَّاه ابنُ حبان - عقب إخراج روايته -: عبد الله بن عائذ، وبهذا الاسم ترجمة ابن أبي حاتم في (الجرح والتعديل 2/2/122) فقال: "عبد الله بن عائذ الثمالي، أبو الحجاج، له صحبة

". وذكره في (2/2/102) باسم: عبد بن عبد الثمالي، وقال: "روى عن النبي صلى الله عليه وسلم". وَجَزَم ابنُ حجر في (الإصابة 2/339) بأنهما واحد، يُقال له هذا وهذا.

ص: 244

وقد اعتبر ابنُ حبان رحمه الله هذه الرواية محفوظة أيضاً؛ فإنه لما أخرجَ رواية علي بن أبي طلحة المتقدمة، أعقبها رواية الزبيدي هذه، ثم قال:"سمع هذا الخبر راشدُ بن سعد: عن أبي عامر الهوزني، عن المقدام. وسمعه: عن عبد الله بن عائذ الأزدي، عن المقدام بن معدي كرب، فالطريقان جميعاً محفوظان، ومتناهما متباينان".

قلت: وأما قوله: "متناهما متباينان" لأنه أخرج رواية أبي عامر الهوزني من طريق شعبة، وقد تقدم لفظها، لكن قد رويت من طريق حماد بن زيد بنحو رواية ابن عائذ هذه، فلا اختلاف إذن.

وعلى ما قاله ابن حبان، تكون هذه رواية أخرى لراشد بن سعد، تابع فيها ابن عائذ أبا عامر الهوزني المتقدمة روايته، وحينئذٍ لا يكون هذا من الاختلاف بين الروايات.

الوجه الرابع: ما أخرجه النسائي في (الكبرى) 1 من طريق: ثور ابن يزيد، عن راشد بن سعد، عن النبي صلى الله عليه وسلم، مرسلاً. وقد سبق في كلام المنذريِّ الإشارة إلى هذا المرسل، وأَنَّه جَعَلَ ذلك من الاختلاف على راشد.

وهذا المُرْسل لا تُعَلُّ به الروايات المتصلة، فراشد بن سعد كان معروفاً - مع ثقته - بكثرة الإرسال، ولا مانع أن يكون رواه مرة مرسلاً، مع روايته إياه متصلاً من أكثر من وجه، كما تقدم.

(6/116) ح 6323.

ص: 245

فهذه أوجه روايته عن راشد بن سعد، وقد رَجَّحَ الدارقطني - كما تقدم - رواية عليِّ بن أبي طلحة على رواية معاوية بن صالح، وجمعَ ابنُ حبان بين رواية عليِّ بن أبي طلحة، ورواية الزبيدي، فلا تؤثر الرواية المرسلة على الروايات المتصلة، وبذلك يتبين أنه لا مجال لإعلال رواية راشد بن سعد هذه بالاختلاف، وأن الحديث من هذا الطريق حسنٌ كما تقدم تقريره.

وثمة طريق آخر لحديث المقدام هذا من غير رواية راشد بن سعد، وهو ما أخرجه أبو داود في (سننه) 1 - ومن طريقه البيهقي2 - من طريق: إسماعيل بن عياش، عن يزيد بن حجر3، عن صالح بن يحيى بن المقدام بن معدي كرب4، عن أبيه5، عن جده، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"أنا وارث من لا وارث له: أفك عانيه، وأرث ماله. والخال وارث من لا وارث له: يفك عانيه، ويرث ماله".

وهذا الإسناد ضعيفٌ: فيزيد بن حجر: مجهول، وكذا يحيى بن المقدام، وبينهما: صالح بن يحيى، ليِّن الحديث. وإذا كان كذلك، فإنَّ الاعتماد يكون على رواية راشد بن سعد المتقدمة.

(3/321) ح 2901.

(6/214) .

3 الشَّامي، مجهول، من السابعة/ د. (التقريب 600) .

4 الكِنْدي، الشَّامي، لَيِّنٌ، من السادسة/ د س ق. (التقريب 274) .

5 يحيى بن المقدام بن معدي كرب، مستور، من الرابعة/ د س ق. (التقريب 597) .

ص: 246

ثم انتقل ابن القَيِّم بعد ذلك إلى حديث آخر في توريث الخال، وهو حديث:

114-

(2) عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أنه كتب إلى أبي عبيدة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الله وَرَسُولُهُ مَوْلَى مَن لا مَوْلَى له، والخَالَ وَارِثُ مَنْ لا وَارِثَ لَهُ ".

وقد عزاه ابن القَيِّم إلى الترمذي - وأنه حَسَّنَه - وابن حبان، ثم رَدَّ القولَ بإعلاله، فقال:"ولم يصنعْ من أَعَلَّ هذا الحديثَ بحكيم بن حكيم، وأنه مجهول شيئاً؛ فإنه قد رَوَى عنه: سهيل بن أبي صالح، وعبد الرحمن بن الحارث، وعثمان بن حكيم أخوه. ولم يُعْلَمْ أن أحداً جَرَحَهُ، وبمثل هذا يَرْتَفِعُ عنه الجهالة، ويحتجُّ بحديثه"1.

قلت: هذا الحديث أخرجه: الترمذي في (جامعه) 2، والنسائي في (الكبرى) 3، وابن ماجه في (سننه) 4، وأحمد في (مسنده) 5، وابن الجارود في (المنتقى) 6، وابن حبان في (صحيحه) 7، والدارقطني،

1 تهذيب السنن: (4/171) .

(4/421) ح 2103 ك الفرائض، باب ما جاء في ميراث الخال.

(6/114) ح 6317.

(2/914) ح 2737.

(1/28، 46) .

(ح 964) .

7 الإحسان: (7/612) ح 6005.

ص: 247

والبيهقي في (سننيهما) 1، كلهم من طريق: سفيان الثوري، عن عبد الرحمن بن الحارث2، عن حكيم بن حكيم3، عن أبي أمامة4 بن سهل بن حنيف، أنه قال: كتب عمر رضي الله عنه إلى أبي عبيدة: أن عَلِّموا صبيانكم العوم، ومقاتلتكم الرمي. قال: فكانوا يختلفون بين الأغراض. قال: فجاء سهم غَرْب5، فأصاب غلاماً فقتله، ولم يُعْلَمْ للغلام أهلٌ إلا خاله، فكتبَ أبو عبيدة إلى عمر، فذكر له شأن الغلام: إلى من يَدْفَع عقله؟ فكتب إليه: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الله ورسوله مولى من لا مولى له، والخالُ وارث من لا وارث له". هذا لفظ ابن حبان، وابن الجارود، والبيهقي، وأحمد في رواية، والسياق لابن حبان، وعند الباقين:"ولم يُعلم للغلام أصل"، وأنه كان "في حِجْرِ خال له".

وأما لفظ أحمد في الرواية الأخرى، وابن ماجه، والدارقطني، عن

1 قط: (4/84) ح 53. هق: (6/214) .

2 ابن عبد الله بن عَيَّاش بن أبي ربيعة المخزومي، أبو الحارث المدني، صدوقٌ له أوهامٌ، من السابعة، مات سنة 143هـ / بخ 4. (التقريب 338) .

3 ابن عباد بن حنيف الأنصاري الأوسي، صدوقٌ، من الخامسة/4. (التقريب 176) .

4 هو: أسعد بن سهل بن حنيف الأنصاري، معروف بكنيته، معدودٌ في الصحابة، له رؤية ولم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم، مات سنة 100هـ/ ع. (التقريب 104) .

5 سهم غَرَْب: أي لا يُعرف راميه. يقال: سهم غرب، بفتح الراء وسكونها، وبالإضافة وغير الإضافة. وقيل: بالسكون: إذا أتاه من حيث لا يدري، وبالفتح: إذا رماه فأصاب غيره. ولم يثبت بعضهم إلا الفتح. (النهاية 3/350 - 351) .

ص: 248

أبي أمامة: أن رجلاً رمى رجلاً بسهم فقتله، وليس له وارثٌ إلا خالٌ، فكتب في ذلك أبو عبيدة إلى عمر

الحديث، بمثل ما تقدم.

وأما الترمذي: فليس عنده إلا المرفوع فقط، دون باقي القصة.

وهذا الإسناد لا بأسَ به في المتابعات؛ فإن عبد الرحمن بن الحارث تَكَلَّمَ فيه بعضهم، فقال الإمام أحمد:"متروك"1. وقال النسائي: "ليس بالقوي"2 وَضَعَّفَهُ ابن المديني3. لكن قال فيه ابن سعد: "ثقة"4. وقال ابن معين: "صالح"5. وقال مرة: "ليس به بأس"6. وقال أبو حاتم: "شيخ"7. وقال العجلي: "مدنيٌّ ثقة"8. وقال ابن نمير: "لا أُقْدِمُ على ترك حديثه"9 وذكره ابن حبان في (الثقات) 10، وقال: "كان من أهل العلم". ولذلك قال عنه الحافظ ابن حجر: "صدوق له أوهام". فمثله يُحَسَّنُ حديثُهُ إذا اعتضد.

1 تهذيب التهذيب: (6/156) .

2 المصدر السابق.

3 المصدر السابق.

4 المصدر السابق.

5 المصدر السابق.

6 تاريخ الدارمي عن يحيى: (ص 164) رقم 586.

7 الجرح والتعديل: (2/2/224) .

8 تهذيب التهذيب: (6/156) .

9 المصدر السابق.

10 (7/69 - 70) .

ص: 249

وأما حكيم بن حكيم - شيخه في هذا الإسناد -: فقد تقدم في كلام ابن القَيِّم رحمه الله أن بعضهم أَعَلَّ الحديث بجهالته، ولم أر ذلك إلا لابن القطان؛ فإنه قال:"لا يُعرف حاله"1. وقال عنه ابن سعد: "كان قليل الحديث ولا يحتجون به"2.

ولكن قال العجلي: "ثقة"3. وذكره ابن حبان في (الثقات) 4. وصَحَّحَ له الترمذيُّ وابن خزيمة وغيرهما، كما قال ابن حجر5 رحمه الله، وقال الذهبي:"ثقة"6. وقال مرة: "حسن الحديث"7. وقال ابن حجر: "صدوق"8. هذا مع رواية جماعة عنه كما تقدم في كلام ابن القَيِّم رحمه الله، فمثله قد خَرَجَ عن وصفِ الجهالة، وحديثه لا يقلُّ - أيضاً - عن رتبة الحَسَنِ، كما وصفه بذلك الذهبي رحمه الله.

وقد حَسَّنَ الترمذي هذا الحديث، وفي النسخة التي بين أيدينا قوله:"حسن صحيح". ولكن في (تحفة الأشراف) 9: "حسن" فقط،

1 تهذيب التهذيب: (2/449) .

2 المصدر السابق: (2/448) .

3 تاريخ الثقات: (ترتيب الهيثمي) : (ص 129) .

(6/214) .

5 تهذيب التهذيب: (2/449) .

6 المغني: (1/186) .

7 الكاشف: (1/185) .

8 كما تقدم في ترجمته له.

(8/4) .

ص: 250

وكذا نقل عنه الذهبي رحمه الله في (الميزان)1. وقال أبو بكر البزار: "أحسن إسنادٍ فيه: حديث أبي أمامة بن سهل

"2. يعني هذا. وقال الحافظ ابن حجر: "حديثٌ حسنٌ"3. وقال الشيخ الألباني: "إسناده حسن"4. وقال مرة: "صحيح"5.

فتلخص من ذلك: أن حديث أبي أمامة هذا، عن عمر رضي الله عنه حديثٌ حسنٌ لغيره، وأنَّ الطعن فيه بجهالة حكيم بن حكيم لا ينتهض لإعلاله؛ لما تَقَدَّمَ من توثيق جماعةٍ له، ورواية آخرين عنه، بما يوجب رفع الجهالة عنه. وأما عبد الرحمن بن الحارث: فإنه وإن وَثَّقَهُ بعضهم، إلا أنَّ كلام من تكلم فيه يقتضي ثبوت بعض الضعف فيه، ولكن مثله مقبول في المتابعات والشواهد.

ثم ذكر ابن القَيِّم رحمه الله حديثاً آخر في هذا المعنى، وهو حديث:

115-

(3) عائشة رضي الله عنها، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال:"الخالُ وارثُ من لا وارث له".

عزاه ابن القَيِّم إلى الترمذي، وأنه قال:"وقد أرسله بعضهم، ولم يَذْكُرْ فيه عن عائشة".

(1/584) .

2 مسند البزار: (1/376) .

3 فتح الباري: (12/30) .

4 الإرواء: (6/137) .

5 صحيح ابن ماجه: (ح2212) .

ص: 251

ثم قال رحمه الله: "وهذا على طريقة منازعينا لا يضرُّ الحديث شيئاً، لوجهين:

أحدهما: أنهم يحكمون بزيادة الثقة، والذي وصله ثقةٌ. وقد زاد، فيجبُ عندهم قبولُ زيادته.

الثاني: أنه مُرْسَلٌ قد عَمِلَ به أكثر أهل العلم - كما قال الترمذي - ومثل هذا حجة عند من يرى المرسلَ حجة، كما نص عليه الشافعيِّ"1.

قلت: هذا الحديث أخرجه: الترمذي في (جامعه) 2، والنسائي في (الكبرى) 3، والدارقطني في (سننه) 4، كلهم من طريق: أبي عاصم5.

وأخرجه النسائي في (الكبرى) 6، والحاكم في (المستدرك) 7، من طريق: مخلد بن يزيد8. كلاهما عن:

1 تهذيب السنن: (4/172) .

(4/422) ح 2104.

(6/115) ح 6318.

(4/85) ح54، 55.

5 هو: الضحاك بن مخلد بن الضحاك بن مسلم الشيباني، النبيل، البصري، ثِقَةٌ ثبْتٌ، من التاسعة، مات سنة 212هـ أو بعدها/ع.

(6/115) ح6319.

(4/344) .

8 القرشي، الحرَّاني، صدوق له أوهامٌ، من كبار التاسعة، مات سنة 193هـ /خ (التقريب524) .

ص: 252

ابن جريج، عن عمرو بن مسلم1، عن طاوس، عن عائشة رضي الله عنها، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أن قال:"الله ورسولُهُ مولى من لا مولى له، والخالُ وارثُ من لا وارثَ له". هذا لفظ الحاكم، وعند الدارقطني: "الله مولى

"، أما لفظ الترمذي ففيه ذكر الخال فقط، وهو الذي قدمناه.

قال أبو عيسى الترمذي: "حديث حسن غريب". وقال الحاكم: "صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه". ووافقه الذهبي رحمه الله.

وقد رُوِيَ عن أبي عاصم من وجه آخر موقوفاً على عائشة رضي الله عنها، فأخرجه الدارمي في (مسنده) 2، والدارقطني في (سننه) 3، والبيهقي في (سننه) 4، ثلاثتهم عن: أبي عاصم، بالإسناد الماضي إلى عائشة رضي الله عنها قولها، وعندهم: "الله ورسوله

".

زاد الدارقطني في روايته: "فقيل لأبي عاصم: عن النبي صلى الله عليه وسلم؟ فسكت. فقال له الشاذكوني: حَدِّثْنَا عن النبي صلى الله عليه وسلم، فسكت".

وقد تابع أبا عاصم على هذه الرواية الموقوفة: عبد الرزاق، فأخرجه في (مصنفه) 5: أخبرنا ابن جريج

فذكره.

1 الجندي، صدوقٌ له أوهامٌ، من السادسة / عخ م د ت س. (التقريب 427) .

(2/265) ح2981 ك الفرائض، باب في ميراث ذوي الأرحام.

(4/85) ح55، 56.

(6/215) .

(9/20) ح16202.

ص: 253

قال البيهقي: "هذا هو المحفوظ، من قول عائشة موقوفاً عليها

وقد كان أبو عاصم يرفعه في بعض الروايات عنه، ثم شكَّ فيه، فالرفع غير محفوظ".

كذا قال البيهقي رحمه الله، وقد تقدم أنَّ مخلد بن يزيد الجَزَرِي قد تابع أبا عاصم على هذه الرواية المرفوعة، ومخلد هذا "صدوقٌ مشهورٌ"1 من رجال مسلم، فأبو عاصم وإن كان تَوَقَّفَ مرَّةً في رفعه، فمتابعة مخلد له على الرفع تدلُّ على أن للمرفوع أصلاً، ولا مانع من أن يكون جاء عن عائشة على الوجهين.

على أن النسائي رحمه الله قد أعله "بعمرو بن مسلم"، وبالاختلاف فيه على ابن جريج، فقال:"عمرو بن مسلم ليس بذاك القويِّ، وقد اخْتُلِفَ فيه على ابن جريج". ونقله عنه المزيِّ في (تحفة الأشراف)2.

أما عمرو بن مسلم فقد ضَعَّفَه أيضاً: أحمد، وابن معين في رواية، وابن خِرَاش. وقال السَّاجي:"صدوقٌ يهم"3. وقال ابن معين مرة: "لا بأس به"4. وذكره ابن حبان في (الثقات)5. وقال الذهبي: "صالح

1 الذهبي: (الميزان) : (4/84) .

(11/426) .

3 تهذيب التهذيب: (8/105) .

4 سؤالات ابن الجنيد لابن معين: (ص346) رقم303.

(7/217) .

ص: 254

الحديث"1. ومع ذلك، فهو من رجال مسلم، فمثله - والله أعلم - حديثه حسنٌ على أقل تقدير، وقد حسَّن له الترمذيُّ كما مضى، كما أنه لم ينفرد بروايةِ هذا الأصلِ، بل جاء من غير طريقه.

وأما الاختلاف فيه على ابن جريج: فإن قيل: إن الكل محفوظٌ، فلا إشكالَ. وإن قيل بترجيح الوقف - كما سبق عن البيهقي، ونقَلَهُ ابن حجر2 عن الدارقطني أيضاً - فليس الاعتماد عليه وحده، وإنما يكون الاعتمادُ على ما تقدم من المرفوعات، ويكون هذا الموقوف للاستشهاد.

وأما ما أشار إليه الترمذي من كونه يُرْوَى مرسلاً - وهو ما نقله ابن القَيِّم عنه وأجاب عنه بما تقدم -: فقد أخرجه عبد الرزاق في (مصنفه) 3: عن معمر، عن ابن طاوس4، قال: سمعت بالمدينة أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الله ورسوله مولى من لا مولى له، والخالُ وارثُ من لا وارثَ له".

فإنَّ هذا المرسلَ يعتضدُ بقول عائشة رضي الله عنها الماضي، وبالأحاديث المسندة في الباب، وبعمل أهل العلم به، كما قَرَّرَهُ ابن القَيِّم رحمه الله، ولا تناقض بينه وبين ما تقدم.

1 الميزان: (3/289) .

2 التلخيص الحبير: (3/80-81) .

(9/19) ح16199.

4 هو: عبد الله بن طاوس بن كيسان اليماني، أبو محمد، ثقةٌ فاضلٌ عابدٌ، من السادسة، مات سنة 132هـ/ع. (التقريب 308) .

ص: 255

فَتَلَخَّصَ من ذلك: أن حديث توريثِ الخالِ حديثٌ حسنٌ كما قال ابن القَيِّم رحمه الله، وأنَّه وإن كان في بعض طرقه مقالٌ، فإنَّ في اجتماع هذه الطرق - مع تعدُّدِها، واختلاف مخارجها - ما يقَوِّي هذا الحديثَ ولا يجعله ينزل - بحال - عن درجة الحسن، وقد تَقَدَّم تحسين جماعةٍ له: فحسَّن الترمذيُّ حديثي عمر، وعائشة. وحسن أبو زرعة حديث المقدام، مع تصحيح الحاكم لحديثي عائشة والمقدام رضي الله عنهم أجمعين، وكذا حسَّن الحافظ ابن حجر حديث عمر. كلُّ ذلك يُؤكِّد ما قرَّرَه ابن القَيِّم - رحمه الله تعالى - من تحسين هذا الحديث، وهو ما ثبتَ من خلال هذه الدراسة، والله أعلم.

ص: 256