الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
3- باب من قال: إن لها السكنى والنفقة
ذكر ابن القَيِّم رحمه الله حديث عمر رضي الله عنه في الإنكار على فاطمة بنت قيس، وهو:
77-
(4) عن عمر رضي الله عنه، أنه قال - لما ذُكِرَ له قول فاطمة -: "لا نترك كتاب الله، وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم لقول امرأة، لا ندري لعلها حفظت أو نسيت، لها السكنى والنفقة، قال الله عزوجل:{لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} [الطلاق: 1] .
قال ابن القَيِّم: "قد أعَاذَ الله أمير المؤمنين من هذا الكلام الباطل، الذي لا يصحُّ عنه أبداً. قال الإمام أحمد: لا يصحُّ ذلك عن عمر"1.
وقال مرة: "ولم يصح عن عمر أنه قال: لا ندعُ كتاب ربنا وسنة نبينا لقول امرأة؛ فإن أحمد أنكره، وقال: أما هذا فلا، ولكن قال: لا نقبل في ديننا قول امرأة"2.
قلت: هذا الحديث يُروى من حديث: الأسود بن يزيد3، عن
1 زاد المعاد: (5/539) .
2 تهذيب السنن: (3/191) .
3 ابن قيس النخعي، أبو عمرو، أو أبو عبد الرحمن، ومخضرم، ثقةٌ مكثرٌ فقيهٌ، من الثانية، مات سنة 74 أو 75هـ / ع. (التقريب 111) .
عمر رضي الله عنه، ورواه عن الأسود جماعة:
فأخرجه مسلم في (صحيحه) 1، وأبو داود في (سننه) 2، والدارقطني، والبيهقي في (سننيهما) 3 من طريق: أبي أحمد الزبيري4عن عَمَّار بن رُزَيق5، عن أبي إسحاق6، عن الأسود بن يزيد به. وفيه قول أبي إسحاق: كنت مع الأسود بن يزيد جالساً في المسجد الأعظم، فَحَدَّثَ الشعبي بحديث فاطمة بنت قيس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يجعل لها سكنى ولا نفقة. ثم أخذ الأسود كَفّاً من حصى فحصبه به، فقال: ويلك! تُحَدِّثُ بمثل هذا؟! قال عمر
…
فذكره. هذا سياق مسلم.
وخالف أبا أحمد الزبيري: يحيى بن آدم، فرواه عن عمار بن رزيق، عن أبي إسحاق، عن الأسود به، فلم يذكر فيه:"وَسُنَّةَ نَبيِّنَا". أخرجه
(2/1118) ح 1480 (46) . ك الطلاق، باب المطلقة ثلاثاً لا نفقة لها.
(2/717) ح 2291. ك الطلاق، باب من أنكر ذلك على فاطمة.
3 قط: (4/25) ح 70. هق: (7/475) .
4 هو: محمد بن عبد الله بن الزبير بن عمر بن درهم الأسدي، الكوفي، ثقة ثبت إلا أنه قد يخطئ في حديث الثوري، من التاسعة، مات سنة 203هـ/ ع. (التقريب 487) .
5 الضَّبّي، أو التميمي، أبو الأحوص الكوفي، لا بأس به، من الثامنة، مات سنة 159هـ/ م د س ق. (التقريب 407) .
6 هو السَّبِيعي.
الدارقطني في (سننه) 1من طريق يحيى، وقال عقبه: "
…
وهذا أصحُّ من الذي قبله؛ لأنَّ هذا الكلام لا يثبت، ويحيى بن آدم أحفظ من أبي أحمد الزبيري وأثبت منه، والله أعلم". وقال رحمه الله في (العلل) 2: "وكذلك رواه يحيى بن آدم - وهو أحفظ من أبي أحمد الزبيري وأثبت منه - عن عمار بن رزيق
…
لم يقل فيه: "وَسُنَّةَ نَبيِّنَا". وهو الصواب".
وذكر الدارقطني أيضاً: أَنَّ قبيصة3 قد تابع يحيى بن آدم على روايته، ثم ساقه بإسناده إلى قبيصة بمثل قول يحيى بن آدم سواء.
هذا ما يتعلق برواية أبي إسحاق السبيعي عن الأسود.
وقد روى من حديث: الأعمش، عن إبراهيم4، عن الأسود به. رواه عن الأعمش جماعة، منهم: أسباط بن محمد، ومحمد بن فضيل5، وحفص بن غياث6.
(4/25) ح 71.
(2/141) .
3 ابن عقبة بن محمد بن سفيان السوائي.
4 هو: النخعي.
5 ابن غزوان، الضبي مولاهم، أبو عبد الرحمن الكوفي، صدوق عارف، رُمي بالتشيع، مات سنة 195هـ/ ع. (التقريب 502) .
6 ابن طلق بن معاوية النخعي، أبو عمر الكوفي، ثقةٌ فقيه تَغَيَّرَ حفظه قليلاً في الآخر، مات سنة 194 أو 195هـ/ ع. التقريب (173) .
فأخرجه ابن أبي شيبة في (المصنف) 1من طريق: حفص بن غياث، ومحمد بن فضيل، كلاهما عن: الأعمش به، ولفظه عن عمر:"لا نُجِيز قول المرأة في دين الله، المطلقة ثلاثاً لها السكنى والنفقة".
وأخرجه الدارقطني في (سننه) 2 - ومن طريقه البيهقي3- من طريق: محمد بن فضيل، عن الأعمش به، ولفظه عن عمر رضي الله عنه:"لا نَدَعُ كتاب الله لقول امرأة لعلها نَسِيَتْ".
وأخرجه الدارقطني - أيضاً - في (سننه) 4من طريق: أسباط بن محمد ومحمد بن فضيل، كلاهما عن الأعمش به، ولفظه كالذي قبله.
هكذا رواه هؤلاء عن الأعمش، عن إبراهيم بدون زيادة قوله:"وَسُنَّةَ نَبيِّنَا".
وذكر الدارقطني رحمه الله أنه اخْتُلِفَ فيه على حفص بن غياث عن الأعمش، فرواه طلق بن غنام عن حفص، عن الأعمش، فقال فيه:"وَسُنَّةَ نَبِيِّنَا". فَوَهِمَ على حفص في ذلك؛ لأن الذين رووه عن حفص بدون هذه الزيادة أثبت منه وأحفظ5.
(5/146) .
(4/24) ح 69.
(7/475) .
(4/27) ح 75.
5 علل الدارقطني: (2/141) .
وقد رُوِيَ عن إبراهيم، عن الأسود من غير طريق الأعمش، فأخرجه الدارقطني في (سننه) 1 من طريق: أشعث بن سَوَّار، عن الحكم وحماد، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عمر رضي الله عنه به، وفيه الزيادة المذكورة.
قال الدارقطني رحمه الله عقبه: "أشعث بن سَوَّار ضعيف الحديث، ورواه الأعمش، عن إبراهيم، عن الأسود، ولم يقل: "وَسُنَّةَ نَبِيِّنَا"
…
والأعمش أثبت من أشعث وأحفظ منه".
وقال في (علله) 2: "وليست هذه اللفظة التي ذكرت فيه محفوظة، وهي قوله: "وَسُنَّةَ نَبِيِّنَا"؛ لأن جماعة من الثقات رووه عن الأعمش، عن إبراهيم، عن الأسود، أن عمر قال: لا نجيز في ديننا قول امرأة. ولم يقولوا فيه: وَسُنَّةَ نَبِيِّنَا".
فهذه طرق هذا الحديث إلى الأسود بن يزيد، وقد بَيَّنَ الدارقطني رحمه الله أن الصواب فيها عدم ذكر قوله "وَسُنَّةَ نَبِيِّنَا"، وكذا لم يصححه الإمام أحمد رحمه الله، فقد سأله عنه أبو داود فقال:"قلت: يصحُّ هذا عن عمر رضي الله عنه؟ قال: لا"3. وقد أشار ابن القَيِّم رحمه الله إلى كلام الإمام أحمد هذا، كما تقدم نقله عنه أول البحث.
فتلخص من ذلك: أن الصواب ما اختاره ابن القَيِّم رحمه الله
(4/27) ح 74.
(2/141) .
3 مسائل أبي داود للإمام أحمد: (ص 184) .
من عدم صحَّة ذلك عن عمر رضي الله عنه، وأن الصواب في ذلك عن عمر قوله:"لا نجيز قول المرأة في دين الله". وعلى فرض ثبوت اللفظ الأول عن عمر رضي الله عنه، فإن الصواب فيه:"لا ندع كتاب ربنا" وأما قوله: "وسنة نَبيِّنَا" فلم يثبت ذلك عنه، والله أعلم.