الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
4 ـ باب الرجل يدعى إلى طعام، هل يكون ذللك إذنا له
؟
…
4-
باب الرجل يدعى إلى طعام، هل يكون ذلك إذنا له؟
قال ابن القَيِّم رحمه الله: "وقد روى أبو داود عنه صلى الله عليه وسلم، من حديث قتادة، عن أبي رافع، عن أبي هريرة: "رسولُ الرَّجُلِ إلى الرَّجُلِ إِذْنُه". وفي لفظ: "إذا دُعِيَ أَحَدُكُم إلى طَعَامٍ، ثُمَّ جَاءَ مَعَ الرَّسُولِ، فإِنِّ ذَلِك إذْنٌ لَهُ".
ثم قال: "وهذا الحديث فيه مقالٌ، قال أبو عليٍّ اللؤلؤي: سمعتُ أبا داود يقول: قتادة لم يسمع من أبي رافع. وقال البخاريُّ في (صحيحه) : وقال سعيد: عن قتادة، عن أبي رافع، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم: هو إذنه. فَذَكَرَهُ تعليقاً لأجل الانقطاع في إسناده"1.
قلت: عند التدقيق نجد أن المذكور في كلام ابن القَيِّم رحمه الله حديثان، أما أولهما، فهو:
107-
(5) عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"رسولُ الرَّجُلِ إلى الرَّجُلِ إِذْنُه ".
وهذا الحديث أخرجه، أبو داود في (سننه) 2، والبخاري في (الأدب المفرد) 3، والبيهقي في (سننه) 4 من طريق: حَمَّاد بن سلمة،
1 زاد المعاد: (2/432) .
(5/376) ح 5189.
(ص 157) .
(8/340) .
عن هشام بن حسان1 وحبيب بن الشَّهيد.
وأخرجه: ابن حبان في (صحيحه) 2، والبيهقي في (سننه) 3 من طريق: حماد بن سلمة أيضاً، لكن عن: أيوب وحبيب بن الشَّهيد. ثلاثتهم عن:
محمد بن سيرين، عن أبي هريرة رضي الله عنه به.
قلت: هكذا إسنادُ الحديث بهذا اللفظ عند الأئمة المذكورين، خلافاً لما يظهر من كلام ابن القَيِّم السالف؛ حيث جعل هذا اللفظ من رواية: قتادة، عن أبي رافع، عن أبي هريرة! وسيأتي أن هذا الإسناد الذي ساقه ابن القَيِّم إنما هو إسناد الحديث الثاني الآتي بعد هذا إن شاء الله.
وهذا الإسنادُ صحيحٌ، رجاله ثقاتٌ؛ فقد رواه عن ابن سيرين جماعة كما تقدم، وفيهم هشام بن حَسَّان الذي هو من أثبتِ الناسِ في ابن سيرين.
وأما الحديث الثاني، فهو:
108-
(6) عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إذا دُعِيَ أَحَدُكُم إلى طَعَامٍ، فجَاءَ مَعَ الرَّسُولِ، فإِنِّ ذَلِك له إذْنٌ ".
1 الأزدي، القردوسي، أبو عبد الله البصري، ثقةٌ، من أثبت النَّاس في ابن سيرين، من السادسة، مات سنة 147 أو 148هـ / ع. (التقريب 572) .
2 الإحسان: (7/526) ح 5781.
(8/340) .
هذا الحديث أخرجه، أبو داود في (سننه) 1، والبخاري في (الأدب المفرد) 2، والبيهقي في (سننه) 3. وعلقه البخاري في (صحيحه) 4 - كما مضى في كلام ابن القَيِّم - كلهم من طريق:
سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن أبي رافع5، عن أبي هريرة رضي الله عنه به. واللفظُ المذكور هو لفظ أبي داود، ومثله لفظ البخاريّ والبيهقي، ولكن ليس عندهما قوله:"إلى طعام ".
ووقع في (سنن أبي داود) عقب الحديث: قال أبو علي اللؤلؤي: "سمعت أبا داود يقول: قتادة لم يسمع من أبي رافع شيئاً". وقد وقعت كلمة "شيئاً" في السنن بين قوسين، وَنَبَّه الحافظ ابن حجر على أن هذه اللفظة في رواية أبي الحسن بن العبد6. كذا أَعَلَّهُ أبو داود رحمه الله بالانقطاع، ووافقه على ذلك المنذري في (مختصر السنن) 7، وَأَيَّدَه بإخراج البخاري له معلقاً، وكأنَّ ابن القَيِّم رحمه الله نقل كلام المنذري بعينه.
(5/376) ح 5190. ك الأدب، باب في الرجل يُدعى، أيكون ذلكَ إذنه؟
(ص 157) باب دعاء الرجل إذنه.
(8/340) .
4 ك الاستئذان، باب إذا دُعِيَ الرجلُ فجاء هل يستأذنُ (فتح الباري 11/31) .
5 هو: نُفَيْع الصائغ، المدني، نزيل البصرة، ثقةٌ ثبتٌ، مشهور بكنيته، من الثانية/ ع. (التقريب 565) .
6 فتح الباري: (11/31) .
(8/64) .
أما عدمُ سماع قتادة من أبي رافع، فقد قاله أيضاً: شعبة1، وابن معين2.
ولكن رَدَّ ذلك الحافظ الذهبي، ومن بَعْدِه الحافظ ابنُ حجر رحمهما الله تعالى، قال الذهبي - مُعَقَّبَاً على مقالة أبي داود -:"قلتُ: بل سمع منه؛ ففي صحيح البخاريَّ حديث سليمان التيمي، عن قتادة، سمعت أبا رافع، عن أبي هريرة حديث: إنَّ رحمتي غلبت غضبي"3. وكذا قال الحافظ ابن حجر في (فتح الباري) 4، وأما في (تهذيب التهذيب) 5 فإنه أوردَ مقالةَ أبي داود ثم قال: "كأنه يعني حديثاً مخصوصاً، وإلا ففي صحيح البخاريِّ تصريحٌ بالسماع منه".
وعلى القول بثبوت سماع قتادة من أبي رافع في هذا الحديث، فإن هذا الإسنادَ يبقى معلولاً بعنعنة قتادة؛ فإنه مدلس6، ولم يُصَرِّح بسماعه في هذا الحديث، قال الذهبي رحمه الله: "وهو حجة بالإجماع إذا بَيَّنَ السَّماع؛ فإنه مدلسٌ معروفٌ بذلك
…
"7.
1 علل ابن أبي حاتم: (ص 170)، وجامع التحصيل:(ص 312) .
2 جامع التحصيل: (ص 312 - 313) .
3 سير النبلاء: (5/283) .
(11/31 - 32) .
(8/354) .
6 انظر طبقات المدلسين: (ص 102) .
7 سير أعلام النبلاء: (5/271) .
ولكن يشهد له حديث أبي هريرة الماضي، الذي ذكره ابن القَيِّم رحمه الله مع حديث قتادة.
فَتَلَخَّصَ من هذا: أن المذكور في كلام ابن القَيِّم رحمه الله حديثان، لكل منهما إسناد غير إسناد الحديث الآخر، وإن اتفقا في الصحابي، وأن التعليل الذي ذكره رحمه الله ينصرف إلى الثاني منهما كما يتضح من الدراسة السابقة، لكن الحديث الأول يشهد له ويقويه، فيصح الحديث بذلك، والله أعلم.
قال البيهقي رحمه الله عقب هذين الحديثين: "وهذا عندي - والله أعلم - فيما إذا لم يكن في الدار حُرْمَة، فإن كان فيها حُرْمَةٌ، فلا بد من الاستئذان بعد نزول آية الحجاب".