الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
20-
من كتاب التفسير
1 - باب في تفسير قوله تعالى: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ}
123-
(1) عن أُبَيِّ بن كعب رضي الله عنه، قال:"كُلُّ حرفٍ في القرآنِ في القُنُوتِ: فهو الطاعة ".
أورد ابن القَيِّم رحمه الله هذا الحديث مستدلاً به على ما قاله من رَفْع ابن حبان الموقوفات، فقال: "كما رَفَعَ قولَ أُبَيِّ بن كعب
…
وهذا لا يُشْبهُ كلام رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، وغايته أن يكون كلام أُبَيٍّ"1.
قلت: هذا الحديث مداره على: دَرَّاج2، عن أبي الهيثم3، عن أبي سعيد رضي الله عنه مرفوعاً.
أخرجه أحمد، وأبو يعلى في (مسنديهما) 4 من طريق: حسن بن موسى5، عن ابن لهيعة، عن دَرَّاج به.
1 أحكام أهل الذمة: (2/ 623) .
2 ابن سمعان، أبو السَّمْح، قيل: اسمه عبد الرحمن، وَدَرَّاج لقب، السهمي مولاهم، المصري، صدوق، في حديثه عن أبي الهيثم ضعف، من الرابعة، مات سنة 126هـ/ بخ 4. (التقريب 201) .
3 هو: سليمان بن عمرو بن عبد - أو عبيد- الليثي، المصري، ثقة، من الرابعة/ بخ4. (التقريب 253) .
4 حم: (3/ 75)، يع:(2/ 522) ح 1379.
5 الأشيب، أبو علي البغدادي، قاضي الموصل وغيرها، ثقة، مات سنة 209 أو210هـ/ ع. (التقريب 164) .
وأخرجه ابن حبان في (صحيحه) 1، وابن أبي حاتم في (تفسيره) - كما ساقه عنه ابن كثير2 - كلاهما من طريق: ابن وهب.
وأخرجه الطبراني في (الأوسط) 3 من طريق: رشدين بن سعد4، كلاهما عن: عمرو بن الحارث، عن دَرَّاج به.
ولفظه عند الجميع: "كل حرف في القرآن يذكر فيه القنوت فهو الطاعة". إلا أنه جاء عند الطبراني بلفظ: "كلُّ قنوت في القرآن فهو طاعة".
قال الطبراني عقب روايته: "لم يرو هذا الحديث عن عمرو إلا رشدين".
وهذا الحديث ضعيفٌ، ضَعَّفَهُ غير واحدٍ من الأئمة، وذلك أن مداره على دَرَّاج أبي السمح، وقد ضَعَّفه الأكثرون، فقال الإمام أحمد:"حديثه منكر"5. وقال النسائي: "ليس بالقوي"6. وقال مرة: "منكر
1 الإحسان: (1/ 264) ح 309.
2 تفسير القرآن العظيم: (1/160-161) .
(2/480) ح 1829.
4 ابن مفلح المهري، أبو الحجاج المصري، ضعيف، رَجَّحَ أبو حاتم عليه ابن لهيعة، وقال ابن يونس:"كان صالحاً في دينه فأدركته غفلة الصالحين فَخَلَّطَ في الحديث"، من السابعة، مات سنة 188 هـ / ت ق. (التقريب 209) .
5 تهذيب التهذيب: (3/208) .
6 الضعفاء والمتروكين: (ص 39) .
الحديث"1. وقال الدارقطني: "ضعيف"2 ومرة قال "متروك"3. وقال فضلك الرازي: "ليس بثقة ولا كرامة"4.
وضَعَّفَه الإمام أحمد، وأبو داود في روايته عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد خاصة5.
وَوَثَّقَه مع ذلك: ابن معين6، وابن حبان7، وابن شاهين8. وقال عثمان الدارمي:"صدوق"9.
ويَتَبَيَّنُ من هذا أنَّ جانب الضَّعْفِ أقوى في حقِّ دَرَّاج هذا، وبخاصة في روايته عن: أبي الهيثم، عن أبي سعيد كما قال أحمد، وأبو داود. واختاره ابن حجر.
وهذا الحديث من روايته عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد، فيكون ضعيفاً، ولذلك قال الحافظ ابن كثير رحمه الله:
1 تهذيب التهذيب: (3/208) .
2 سؤالات الحاكم للدارقطني: (ص 170) رقم 261.
3 سؤالات البرقاني: (ص 29) رقم 142.
4 تهذيب التهذيب: (3/208) .
5 تهذيب التهذيب: (3/208 - 209) .
6 تاريخ الدوري عن ابن معين: (2/ 155) .
7 الثقات: (5/ 114) .
8 الثقات: (ص 83) .
9 تاريخ الدارمي عن ابن معين: (ص 107) رقم 315.
"في هذا الإسناد ضعفٌ، لا يعتمد عليه، ورفع هذا الحديث منكرٌ، وقد يكون من كلام الصحابي أو من دونه، والله أعلم. وكثيراً ما يأتي بهذا الإسناد تفاسير فيها نكارة، فلا يغتر بها، فإن السند ضعيف"1. وهذا الكلام من ابن كثير رحمه الله يؤكد أَنَّ الضعف فيه من دَرَّاج.
ومع ذلك، فإنَّ في أكثر طرق هذا الحديث من يُضَعَّف غير دَرَّاج هذا؛ ففي إسناد أحمد وأبي يعلى:"ابن لهيعة"، وليس الحديث من رواية أحد من العبادلة عنه، وفيه ضعف في غير روايتهم عنه، ولذلك قال الهيثمي:"وفي إسناد أحمد وأبي يعلى: ابن لهيعة، وهو ضعيف"2.
أما إسناد الطبراني، ففيه:"رشدين بن سعد"، وهو ضعيف أيضاً.
وقال الشيخ الألباني: "ضعيف"3.
فتلخص من ذلك: أنَّ هذا الحديث ضعيف الإسناد، وأنَّ رفعه لا يصحُّ، كما قال ابن كثير رحمه الله، واختاره ابن القَيِّم أيضاً.
فإذا تَبَيَّنَ ذلك، فإن لنا مع ابن القَيِّم رحمه الله وقفات:
الأولى: في نسبته رفع هذا الحديث إلى ابن حبان، ولا أدري ما وجه ذلك؟ فقد شارك ابن حبان في روايته مرفوعاً جماعة، وفيهم من هو متقدم على ابن حبان.
1 تفسير القرآن العظيم: (1/ 161) .
2 مجمع الزوائد: (6/320) .
3 ضعيف الجامع: (ح4230) .
الثانية: لم يُنَبِّهْ رحمه الله على ضعف إسناده، بل أشارَ - فقط - إلى رجحان وقفه، وهذا لا يُغْني عن بيان ضعف سنده.
الثالثة: نسبته هذا الحديث إلى أُبَيِّ بن كعب، وقد علمنا أنه مرويٌّ عن أبي سعيد رضي الله عنه، ولم أقف على من نسبه إليه غيره، ولم أجده من روايته بعد البحث، فلعله وَهِمَ في ذلك رحمه الله.
وقد أوردَ ابن كثير رحمه الله هذا الحديث في تفسير قوله تعالى من سورة البقرة: {وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً سُبْحَانَهُ بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ} [البقرة: 116] .
ثم ذكر معاني {قَانِتُونَ} ، وأن اختيار ابن جرير: أنها بمعنى "مطيعون". وأن هذا القول يجمع الأقوال كلها، ثم أورد هذا الحديث في بيان معنى القنوت في القرآن، وذكر أنه لا يصح مرفوعاً كما تقدم من قوله، والله أعلم.