الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فعجباً لهذه العقول، جعلت الصحابة وأهل البيت أعظم من الله ورسوله حين تتقبل الحوار مع اليهودي والنصراني الكافر بالله ورسوله والشاتم لهما ولا تتقبل الحوار مع المخالف!
والحقيقة أننا لن نستطيع فك رموز الخلاف السني الشيعي بهذه العقول المغلقة التي لا تريد الفهم ولا التفاهم.
فإنّ الإمام علي بن أبي طالب وهو أحد فقهاء الصحابة الكبار عند السنة والشيعة، لم يجد حرجاً في التحاور مع الخوارج الذين كفّروه، فأرسل إليهم حبر الأمة وترجمان القرآن عبد الله بن عباس محاوراً، وعلي يعلم أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد وصف الخوارج بأنهم (كلاب أهل النار)، فأين هؤلاء المتعصبة من الفقه والفهم لهذه المعاني الجليلة؟
نريده حواراً من أجل الحقيقة
الديكة تتصارع وتتطارح أرضاً، لأنها تؤمن بلغة العضلات، أما الإنسان العاقل فاللغة التي يرتضيها لنفسه ولمجتمعه هي لغة الحوار.
والناظر في عالمنا العربي والإسلامي المعاصر والذي ابتعد في ممارسته كثيراً عن التعاليم الإسلامية القويمة، ينتابه الأسى وتعلوه المرارة، على نمط الحوار المتبع بين جميع الفئات المختلفة على جميع المستويات.
كثيرة هي الحوارات التي تجسد لنا هذا المثال
…
جمهور يستمع وديكان يتصارعان
…
كل منهما يريد الفتك بالآخر، والانتصار للرأي لا للحقيقة.
إننا لم نتعود على الموضوعية والحوار والواقعية في حواراتنا وأدبياتنا ومداخلاتنا، بل اعتدنا على الرؤية الأُحادية التي لا تتقبل رأي الآخر ولا تتفهم ما يريد، وما على الآخرين إلا
أن يقولوا (آمين) ثمانين مرة، لا سيما إذا كان البعض منا في موقع يسمح له بفرض رأيه الواحد على الآخرين (1).
ومثل هذه الحوارات جعجعة بلا طحن .. لا يُرتجى من ورائها هداية لأحد، أو نتيجة محمودة يستفيد منها الطرفان، لأنها تفريغ مخزون آفات نعيشها في أنفسنا.
فالمظلوم عندنا يشتكي من الظالم، لأنّ السَّوط بيد الظالم .. يذكّره بالله ويدعو عليه الليل والنهار، لكن سرعان ما ينقلب المظلوم ظالماً حينما يسقط السوط من يد ظالمه وينتقل إلى يده يتناسى الرب الذي كان يخوّف الناس به، فيجور على الخلق وينتزي على حقوقهم بلا رحمة.
هكذا تجلت لي صراعات المتعصبين من أهل الطوائف.
ولكي ننهض من جديد كأمة إسلامية، ولكي نستطيع أن نتدارك بجدية الصدع الذي أضعف الأمة فانقسمت لأجله إلى فرق وطوائف متناحرة لا بد لنا من الإخلاص والصراحة، والرغبة في أن تكون راية الإسلام هي العليا لا راياتنا الطائفية.
ما أحوجنا اليوم إلى الإنصاف وإلى التجرد الذي بثه الإسلام في النفوس المؤمنة، التجرد للحقيقة لا للأشخاص.
ألم نقرأ قول الله عز وجل {قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ} (2)؟
(1) لا أدّعي بكلامي هذا أنّ العقيدة الإسلامية صارت آراء تقبل وتُرد، وإنما القصد أنّ المقدس الذي تؤمن به ليس مقدساً عند الطرف المخالف، وعليك أن تتقبل الحوار معه على هذا الأساس، أما النظرة الفوقية التي لا تتقبل الحوار مع المخالف بل تريد من الطرف المقابل الإذعان فحسب، فهذه نظرة نرجسية ليست من الإسلام في شيء.
(2)
سورة سبأ آية 24
فأي مسلم يرى الهدى في غير الله وغير رسوله؟! وهل يشك رب العباد أنّ الحق معه ومع رسوله؟! – معاذ الله -.
لكن الله يرشدنا إلى أدبيات الحوار .. إلى التجرد مع الخصم .. لا تفترض منذ البداية أنك أتيت لتملي عليه وأنّ عليه أن يقبل! .. إنما جُعل الحوار لبيان الحق ولكشف الشبهة.
والحوار يبتدئ بالحسنى ويكون بالحسنى كما قال الله تعالى {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ} (1) ما دام الطرف المقابل يحتفظ بأمرين:
أولهما: التأدب مع مقدسات الطرف الآخر، فلا يشتمها ولا يستطيل في الكلام عنها بل يوضح موضع النقد الذي يراه بكل موضوعية وتأدب.
والثاني: طلب الحق وعدم العناد والمكابرة، فإذا وُجد العناد ووجدت المكابرة استخدم مع صاحبها أسلوب {إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُم} .
ولو أنّ حواراتنا قامت على هذا المنهج القويم الذي نادى به القرآن الكريم لكان الناس غير الناس والحال غير الحال، لكن نشكو إلى الله تعالى.
(1) سورة العنكبوت آية 46