الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والتابعين وقليل ما هم بالنظر إلى الخليقة، فإنه يجد الناسَ تبعاً لما ألفوه من اتباع الآباء بمجرد تقليد وهوى ومحبة للجمود على دين الآباء!!) (1)
حبك للشيء يعمي ويصم
..
إنّ ورقة بيضاء تضعها أمام عينيك كفيلة بأن تحجب عنك رؤية العالم بأسره
…
هذا العالم الفسيح المترامي الأطراف الذي عجز الإنس والجان عن اختراقه والوصول إلى أقصاه يمكن أن تحجبه قصاصة ورق صغيرة بحجم كف اليدِّ إذا ما وُضعت أمام العينين
…
كذلك هو الوهم يحجب ما وراءه.
وما مِنْ وهم أعظم وأشأم على صاحبه من وهم الحب، (فإنه إذا استحكم الحب وقوي أسكر المحب)(2).
فالعاشق الولهان لا يرى في معشوقته إلا الكمال والتمام ولا يقف على عيب فيها يُنكره لأجل ذلك عَرَّّف الفيلسوف أرسطاطاليس (3) العشق بأنه (عمى الحس عن إدراك عيوب المحبوب).
(1) إيقاظ الفكرة لمراجعة الفطرة 45 - 50
(2)
روضة المحبين ونزهة المشتاقين 1/ 152
(3)
يعتبر أرسطاطاليس أحد أفضل حكماء زمانه وأعلمهم، أخذ الحكمة عن أفلاطون تلميذ سقراط، وعُرِف عنه مخالفته لأستاذه في مسائل عدة، فلما سُئِل عن ذلك أجاب: أفلاطون صديق، والحقّ صديق، إلا أنّ الحقّ أولى بالصداقة منه.
هذا في العشق، والخَطْبُ في العقائد أشد وأنكى، فإنّ المرء يرتبط بعقيدته ارتباطاً مصيرياً لا يكاد يُتصور في غيره، ولعل الحروب العقائدية بين أهل الملل والمساجلات الكلامية فيما بينهم خير شاهد على ذلك.
وحديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم الذي رواه أبو داود في "السنن": (حُبُّكَ للشيء يُعمي ويُصِمّ)(1) أحسن ما في هذا الباب، وفيه ما يفيد معنى زائداً على كلام الحكماء، فإنّ حب الشيء والتعلق به قد لا يعمي البصر فحسب بل يصمّ الآذان عن سماع عيوب المحبوب ولو نبهه إليها منبّه!
يقول أبو الطيب محمد شمس الحق في شرح الحديث: (أي يجعلك أعمى عن رؤية معايب الشيء المحبوب بحيث لا تبصر فيه عيباً ويجعلك أصم عن سماع قبائحه بحيث لا تسمع فيه كلاماً قبيحاً لاستيلاء سلطان المحبة على فؤادك)(2).
ولما سُئِل اللغوي ثعلب عن معنى الحديث قال: يَعمي العين عن النظر إلى مساويه ويصم الأذن عن سماع العذل فيه، وأنشأ يقول:
(1) سنن أبي داود – كتاب الأدب – باب في الهوى – حديث رقم (5130)، والحديث ضعّفه من ضعّفه من المحدّثين لأجل أبي بكر بن أبي مريم فإنه ضعيف وهو وإن لم يُتهم بالكذب لكنه كان رديء الحفظ كثير الغرائب، فالحديث مظنة أن يكون من غرائبه ومنفرداته التي لا تُقبل، غير أني وقفت على إسناد آخر للحديث ليس فيه ابن أبي مريم، فقد روى الأصبهاني في "الأمثال في الحديث النبوي ص153" بسند حسن عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه قال:(كنا في قافلة فخرج علينا بلال بن أبي الدرداء فقطع علينا الحديث، فقلنا: ابن صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وقال: سمعت أبي يقول: سمعت رسول الله يقول: حبك الشيء يعمي ويصم).
(2)
عون المعبود في شرح سنن أبي داود 14/ 28