المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌هل في الصحابة منافقون - ثم أبصرت الحقيقة

[محمد سالم الخضر]

فهرس الكتاب

- ‌إهداء

- ‌مقدمة

- ‌خطوات إلى الأمام

- ‌الوحدة التي نريد

- ‌دين موروث

- ‌حبك للشيء يعمي ويصم

- ‌هذا ديني وذاك مذهبي

- ‌سهام رمتني وأخرى سترميني

- ‌نحن مع الحق وإن قاله خصومنا

- ‌لماذا لا نتحاور

- ‌نريده حواراً من أجل الحقيقة

- ‌من هنا كانت البداية

- ‌في السيدة زينب

- ‌في حب أهل البيت

- ‌حبهم إيمان وتُقى وبغضهم نفاق وضلال

- ‌مَنْ هم آل البيت

- ‌أهل البيت بين الشرف والخصوصية

- ‌حين ينقلب الحب بغضاً وعداوة

- ‌تحت أي بند يُصنّف هذا الحب

- ‌الغلو في أمهات كتب الشيعة

- ‌كيف ينظر كبار علماء الشيعة إلى الأئمة الإثنى عشر

- ‌1 - آية الله العظمى الخميني

- ‌2 - آية الله العظمى الخوئي

- ‌3 - آية الله العظمى جواد التبريزي

- ‌4 - آية الله العظمى محمد بن مهدي الحسيني الشيرازي

- ‌5 - آية الله العظمى محمد محمد صادق الصدر

- ‌6 - آية الله العظمى وحيد خراساني

- ‌7 - آية الله العظمى المولى ميرزا حسن الحائري الإحقاقي

- ‌8 - آية الله العظمى المولى ميرزا عبد الرسول الحائري الإحقاقي

- ‌9 - آية الله العظمى محمد الحسيني الشاهرودي

- ‌10 - الإمام الأكبر محمد الحسين آل كاشف الغطاء

- ‌11 - العلامة جعفر التستري

- ‌الخلافة والإمامة

- ‌المرجعيات ولغة التكفير

- ‌خطوات نحو إصلاح ما أفسدته الطائفية

- ‌لماذا لم يُذكر الأئمة في القرآن

- ‌الإمام والإمامة في القرآن الكريم

- ‌القرآن وعقيدة الإمامة الشيعية

- ‌القول بالإمامة الإلهية بعد النبي طعن في ختم نبوته

- ‌نصوص شيعية اشترطت العدل في الحاكم لا العصمة

- ‌الأحلام لا تصلح لأن تكون دستوراً

- ‌نهج البلاغة ينقض عقيدة الإمامة التي يعتقدها الشيعة الإثنا عشرية

- ‌عندما يمتزج وهم الإمامة النصية بالخرافة الحسية

- ‌مناقشة أدلة الإمامة عند الشيعة الإثني عشرية

- ‌من الأفضل أبو بكر أم علي

- ‌الإمامية أضعف حجة قرآنية من أهل الكتاب

- ‌آية {لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِين}

- ‌آية {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا}

- ‌آية التطهير وحديث الكساء

- ‌آية المباهلة

- ‌آية {إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَاد}

- ‌مناقشة ما يُستدل به على الإمامة من السنة النبوية

- ‌أ - حديث غدير خم

- ‌ب - حديث الاستخلاف على المدينة

- ‌جـ - حديث الطائر

- ‌د - حديث الدار

- ‌هـ - حديث (علي مني وأنا من علي)

- ‌و - أحاديث الإثني عشر إماماً

- ‌لا - أحاديث صحيحة في النص على الأئمة الإثني عشر بأسمائهم

- ‌روايات شيعية دامغة

- ‌المرتضى لا يستبعد كون الأئمة أكثر من إثني عشر

- ‌من هم الخلفاء الإثنا عشر

- ‌تساؤلات أنتجت تنوعاً في الآراء

- ‌تحرير المسألة

- ‌مع صحابة رسول الله

- ‌حوار مع زميل

- ‌المرء على دين خليله

- ‌ماذا عن امرأتي نوح ولوط عليهما السلام

- ‌حديث (قرن الشيطان) هل أُريد به عائشة رضي الله عنها

- ‌أم المؤمنين عائشة وموقعة الجمل

- ‌مع مبغض لعمر بن الخطاب رضي الله عنه

- ‌شرعنة الكذب وعقلنة اللامعقول

- ‌المحقق الثاني وعادة لعن الشيخين (أبي بكر وعمر)

- ‌أحسن طريقة لسب صحابة نبيك

- ‌تشبيه الاسترابادي أم المؤمنين عائشة بحيوان

- ‌سب صحابة رسول الله كفر عند أئمة أهل البيت

- ‌الإمام علي بن الحسين (زين العابدين) يتبرأ من مبغضي الصحابة

- ‌من هو جد الإمام جعفر الصادق

- ‌حب الإمام علي للصحابة

- ‌نهج البلاغة والثناء العطر على عمر بن الخطاب

- ‌هل يُسمّي الرجل أبناءه بأسماء أعدائه

- ‌مالك الأشتر والشيخين أبو بكر وعمر

- ‌بيعة الرضوان تشهد لعثمان بن عفان بالرضوان

- ‌شرف صحبة رسول الله

- ‌المقدّس الأردبيلي - من الذي قدّسه

- ‌صحابة رسول الله كما تصورهم كتب الشيعة الإثني عشرية وعلماؤها

- ‌الطعن في الصحابة يستلزم الطعن في الدين الذي نقلوه لهذه الأمة

- ‌لا بد من التمييز بين الصحبة اللغوية والصحبة الشرعية

- ‌هل في الصحابة منافقون

- ‌عدالة الصحابة

- ‌محمد حسين فضل الله ومفهوم العدالة

- ‌بعض أهل السنة أساءوا لمفهوم (العدالة)

- ‌ماذا وراء طرح موضوع العدالة

- ‌عدالة الصحابة مستحيلة وعدالة (مراجع التقليد) لا غبار عليها

- ‌الخلل قديم

- ‌منقلبون على أعقابهم ومرتدون من أجل ماذا

- ‌من المرتد - صحابة رسول الله أم هؤلاء

- ‌هل بشّر القرآن الصحابة بردتهم وكفرهم

- ‌نموذجان حَيّان للمزاجية في تفسير النصوص الشرعية

- ‌أ - آية آل عمران

- ‌ب - حديث المذادة عن الحوض

- ‌التعامل مع الصحابة من خلال أخطائهم

- ‌وبالمكيال الذي تكيل تُكال

- ‌رؤية ناصبي للإمام علي

- ‌1 - الإمام علي والدّين

- ‌2 - إهانة اسم الله

- ‌3 - النظرة السلبية للمرأة

- ‌4 - اتهام الإمام علي بخيانة صحابي استضافه في بيته

- ‌خلاصة الكلام

- ‌خاتمة

- ‌مراجع البحث

الفصل: ‌هل في الصحابة منافقون

‌هل في الصحابة منافقون

؟

لا أدري كيف يمكن أن ينسب الشيعة الإثنا عشرية النفاق إلى صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هكذا بكل سهولة وهم يقرأون قول الله تعالى في محكم كتابه العزيز عن المنافقين مخاطباً الصحابة {وَيَحْلِفُونَ بِاللهِ إِنَّهُمْ لَمِنكُمْ وَمَا هُم مِّنكُمْ وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُون} (1).

قضية حسمها القرآن بكل وضوح، لكنا لا نزال نجادل فيها ونناقشها.

ولذا تقرر عند العلماء أنّ الصحابي هو من لقي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مؤمناً ومات على الإيمان، أما المنافقون والمرتدون فلا يُعدون من الصحابة ولا كرامة، وقد يجوز إطلاق عليهم لفظ (الصحبة اللغوية) دون (الصحبة الشرعية) كنحو قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن عبد الله بن أبيّ المنافق:(حتى لا يتحدث الناس أنّ محمداً يقتل أصحابه)(2) مع علمه أنه منافق مندس بين صفوف المسلمين.

ومن الجهل بمكان أن يدّعي أحدهم أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعدّ عبد الله ابن أبيّ المنافق صاحباً له، فأنت الذي لا تُقارن برسول الله إيماناً وورعاً وتقوى تتورع أن تعتبر المنافق صاحباً لك فكيف تنسب ذلك إلى خير الخلق وأورعهم وأتقاهم لله؟!

فتبين من ذلك أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أراد الصحبة اللغوية التي تعارف عليها الناس مؤمنهم وكافرهم دون الصحبة الشرعية التي علمناها من الشرع.

(1) سورة التوبة آية 56

(2)

أشرت تحت عنوان (الصحبة اللغوية والشرعية) إلى نص الحديث كاملاً فليراجع.

ص: 460

وقد أخبر المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم أنّ هناك منافقين مندسِّين بين الجماعة المسلمة فقال: (في أصحابي إثنا عشر منافقاً، فيهم ثمانية لا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط، ثمانية منهم تكفيهم الدُّبيْلة)(1).

أما الشيعة الإثنا عشرية فوجهوا السهام نحو جماهير الصحابة فحكموا عليهم بالردة والضلال والانقلاب على الأعقاب واستثنوا أفراداً قيل إنهم لم ينقضوا العهد.

وهؤلاء الذين تمتدحهم الشيعة الإثنا عشرية لا يقلون عن ثلاثة ولا يتجاوزون السبعة كما بينت الروايات الشيعية:

فقد روى الكليني في "الكافي"عن حمران بن أعين قال (قلت لأبي جعفر (ع) جُعلت فداك ما أقلنا لو اجتمعنا على شاة ما أفنيناها؟ قال: ألا أحدثك بأعجب من ذلك، المهاجرون والأنصار ذهبوا إلا – وأشار بيده ثلاثة) (2) وهؤلاء الثلاثة هم المقداد بن الأسود وأبو ذر الغفاري وسلمان الفارسي كما بينت رواية الكشي في رجاله (عن حنان بن سدير عن أبيه عن أبي جعفر عليه السلام قال: كان الناس أهل الردة بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلا ثلاثة، فقلت: ومن الثلاثة؟ فقال: المقداد بن الأسود، وأبو ذر الغفاري وسلمان الفارسي) (3).

وهناك نصوص أخرى تشير إلى أنّ هؤلاء الثلاثة لحق بهم أربعة آخرون ليصل عدد المؤمنين في عصر الصحابة عند الشيعة الإثني عشرية إلى سبعة، ولكنهم لم يتجاوزوا هذا العدد، وهذا ما تتحدث عنه الروايات الشيعية حيث تقول (عن الحارث بن المغيرة النصري

(1) رواه مسلم – كتاب صفات المنافقين وأحكامهم – باب صفات المنافقين – حديث رقم (2779).

(2)

الكافي 2/ 244 (باب في قلة عدد المؤمنين) – حديث رقم (6).

(3)

رجال الكشي ص67 ترجمة (سلمان الفارسي) – رواية (12)، الكافي 8/ 245 – حديث رقم (341).

ص: 461

قال: سمعت عبد الملك بن أعين يسأل أبا عبد الله (ع) فلم يزل يسأله حتى قال له: فهلك الناس إذا؟ (1) فقال: إي والله يا ابن أعين هلك الناس أجمعون، قلت: من في الشرق ومن في الغرب؟ قال: فقال: إنها فتحت على الضلال إي والله هلكوا إلا ثلاثة، ثم لحق أبو ساسان (2) وعمار (3)، وشتيرة (4)، وأبو عمرة (5)، فصاروا سبعة) (6).

وعن أبي جعفر (ع) قال: كان الناس أهل ردة بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلا ثلاثة فقلت: ومن الثلاثة؟ فقال: المقداد بن الأسود وأبو ذر الغفاري وسلمان الفارسي رحمة الله وبركاته عليهم، ثم عرف أناس بعد يسير، وقال: هؤلاء الذين دارت عليهم الرحا وأبوا أن يبايعوا حتى جاؤوا بأمير المؤمنين عليه السلام مكرهاً فبايع وذلك قول الله تعالى {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَاّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِين} (7).

فكان كل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من أهل الردة غير (المقداد وسلمان الفارسي وأبي ذر) ثم أناب إلى الله بعد ذلك (أبو ساسان ثم عمار وشتيرة وأبو عمرة) فصاروا سبعة!

(1) أي: بعد وفاة الرسول عليه الصلاة والسلام ومبايعة الناس لأبي بكر.

(2)

أبو ساسان اسمه الحصين بن المنذر

(3)

عمار بن ياسر

(4)

قال الأردبيلي في جامع الرواة 1/ 398: (شتيرة من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام.

(5)

قال الأردبيلي في جامع الرواة 2/ 408: (أبو عمرة الأنصاري من الأصفياء من أصحاب أمير المؤمنين).

(6)

رجال الكشي ص68 ترجمة (سلمان الفارسي) – رواية رقم (14).

(7)

الكافي 8/ 245 حديث رقم (341)، قال المجلسي في مرآة العقول 26/ 213 - 214: حديث حسن أو موثق، وتفسير العياشي 1/ 199 حديث رقم (148) وبحار الأنوار 22/ 333 حديث رقم (45).

ص: 462

وتؤكد جملة من النصوص الشيعية على أنّ العدد لم يزد على ذلك لفترة من الزمان، قال أبو جعفر:(وكانوا سبعة، فلم يكن يعرف حق أمير المؤمنين عليه السلام إلا هؤلاء السبعة)(1) وكان أبو عبد الله يُقسم على ذلك فيقول (فوالله ما وفى بها إلا سبعة نفر)(2).

غير أنّ هؤلاء السبعة أو قُل الأربعة الأبرز فيهم (المقداد وسلمان وعمار وأبو ذر) لم يسلموا من الانتقاص المبطّن.

فعن عمرو بن ثابت قال: سمعت أبا عبد الله (ع) يقول: إنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما قُبض ارتد الناس على أعقابهم كفاراً إلا ثلاثة: سلمان والمقداد وأبو ذر الغفاري، إنه لما قُبض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جاء أربعون رجلاً إلى علي بن أبي طالب (ع) فقالوا: لا والله لا نعطي أحداً طاعة بعدك أبداً، قال: ولم قالوا إنا سمعنا من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيك يوم غدير، قال: وتفعلون؟ قالوا: نعم، قال: فأتوني غداً محلقين قال: فما أتاه إلا هؤلاء الثلاثة، قال: وجاءه عمار بن ياسر بعد الظهر فضرب يده على صدره ثم قال له: ما آن لك أن تستيقظ من نومة الغفلة ارجعوا فلا حاجة لي فيكم، أنتم لم تطيعوني في حلق الرأس فكيف تطيعوني في قتال جبال الحديد، ارجعوا فلا حاجة لي فيكم (3).

وعن ابن عيسى يرفعه إلى أبي عبد الله عليه السلام قال: إنّ سلمان كان منه إلى ارتفاع النهار فعاقبه الله أو وجئ في عنقه حتى صيرت كهيئة السلعة حمراء، وأبو ذر كان منه إلى وقت الظهر فعاقبه الله إلى أن سلط عليه عثمان حتى حمله على قتب وأكل لحم أليتيه وطرده عن

(1) رجال الكشي ص73 (ترجمة سلمان الفارسي) – رواية (24).

(2)

قرب الإسناد للحميري ص38، بحار الأنوار 22/ 322، الاختصاص للمفيد ص63

(3)

الاختصاص ص6 وبحار الأنوار 28/ 259

ص: 463

جوار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فأما الذي لم يتغير منذ قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى فارق الدنيا طرفة عين فالمقداد بن الأسود، لم يزل قائماً قابضاً على قائم السيف عيناه في عيني أمير المؤمنين (ع) ينتظر متى يأمره فيمضي (1).

بل لم يكن التعامل بين هؤلاء النفر على نمط الأخوة المعتادة بين أهل الإيمان الواحد.

ففي رجال الكشي (قال أمير المؤمنين: يا أبا ذر، إنّ سلمان لو حدثك بما يعلم لقلت رحم الله قاتل سلمان)(2).

وعن أبي بصير قال: سمعت أبا عبد الله (ع) يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (يا سلمان لو عُرض علمك على مقداد لكفر، يا مقداد لو عُرض علمك على سلمان لكفر)(3).

وهو تعامل قائم على أساس التقية والكتمان لا على أساس المصارحة والوضوح، فعن جعفر عن أبيه (ع) قال: ذكرت التقية يوماً عند علي (ع) فقال: إن علم أبوذر ما في قلب سلمان لقتله، وقد آخى رسول الله بينهما فما ظنك بسائر الخلق) (4) فحتى تلك الفئة المؤمنة والتي لا تتعدى سبعة نفر تتناكر قلوبها وتتعامل بالتقية مع بعضها البعض.

ثم لحق بركب هذه الفئة من المرتدين التائبين آخرون ذكرهم الكشي نقلاً عن الفضل بن شاذان فقال: (إنّ من السابقين الذين رجعوا إلى أمير المؤمنين عليه السلام أبو الهيثم بن

(1) الاختصاص ص9 وبحار الأنوار 28/ 259

(2)

رجال الكشي ص77 (ترجمة سلمان الفارسي) – رواية رقم (33).

(3)

رجال الكشي ص72 (ترجمة سلمان الفارسي) – رواية رقم (23).

(4)

رجال الكشي ص79 (ترجمة سلمان الفارسي) – رواية رقم (40).

ص: 464

التيهان وأبو أيوب وخزيمة بن ثابت وجابر بن عبد الله وزيد بن أرقم وأبو سعيد الخدري وسهل بن حنيف والبراء بن مالك وعثمان بن حنيف وعبادة بن الصامت ثم ممن دونهم قيس بن سعد بن عبادة وعدي بن حاتم وعمرو بن الحمق وعمران بن الحصين وبريدة الأسلمي وبشر بن كثير) (1).

فوفقاً لهذه الروايات يتضح للقارئ أنّ الصحابة المؤمنين في اعتقاد الشيعة الإثني عشرية – في بداية الأمر – إنما هم ثلاثة (المقداد وسلمان وأبو ذر) والبقية مرتدون أناب بعضهم وتابوا إلى الله فصاروا بعد ذلك في قسم الممدوحين المرضيّ عنهم (الصحابة المؤمنين)!

هذه حقيقة لا يعرفها كثير من عامة الشيعة الإثني عشرية وقد لمست هذا من خلال مناقشتي لكثير منهم

يردد بعضهم اسم خزيمة بن ثابت وعماراً وأصحاب بدر الذين قاتلوا مع الإمام علي في صفين دون أن يدري أنّ هؤلاء جميعاً وفقاً لمرويات الشيعة الإثني عشرية كانوا أهل ردة مع باقي الصحابة ثم تابوا وأنابوا ورجعوا إلى الإمام بعد ذلك وأنّ منهم من تأخرت توبته حتى موقعة صفين!

أي إنه كان على الردة طول فترة خلافة أبي بكر وعمر وعثمان!

ومن هؤلاء الصحابي خزيمة بن ثابت (ذو الشهادتين) الذي يفتخر به الشيعة الإثنا عشرية عادة.

ذكر عباس القمي في "منتهى الآمال في تواريخ النبي والآل" عن البهائي في "الكامل" قوله: إنّ خزيمة بن ثابت وأبا الهيثم الأنصاريين كانا جديين في نصرة أمير المؤمنين (ع) في يوم

(1) رجال الكشي ص107 (ترجمة حذيفة وعبد الله بن مسعود) – رواية رقم (78).

ص: 465

صفين، وإنه (ع) قال: مع أنهما خذلاني في أول أمرهما غير أنهما تابا أخيراً وعرفا سوء ما فعلا!) (1).

أما إذا أردنا أن نرى القسم الآخر من الصحابة وهم الذين يعتبرون عند الشيعة الإثني عشرية منافقين أو أرباب مصالح، فتحت هذا القسم يدخل جميع صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم باستثناء السبعة الذين أشارت إليهم الروايات.

وهذه الحقيقة لم أكتشفها لوحدي بل قررها علماء الشيعة الإثني عشرية منذ زمن لكن عباراتهم لا تكاد تُذكر للناس حتى يعلموا الحقيقة الغائبة ويُدركوا أي ظلم ظلمه المذهب لأصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم.

يقول يوسف البحراني في "الشهاب الثاقب في معنى الناصب" بكل صراحة ووضوح: (ويدل على ما قلناه من هذا التفصيل ما سيأتيك في الأخبار بالنسبة إلى أصحاب الصدر الأول أنهم أصحاب ردة، وأنهم لم ينج منهم إلا القليل، ثم رجع بعض الناس بعد ذلك شيئاً فشيئاً)(2).

ويقول آية الله العظمى محمد الوحيدي في "إحقاق عقائد الشيعة": (إنّ حديث ارتداد الناس بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم من الأحاديث المعتبرة المتواترة، ووجهه أنّ إنكار ضروري الدين والمذهب يوجب الارتداد، فلما كانت الإمامة والخلافة أصلاً من أصول الدين، ومما آتاه الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم بالقطع فمن ردّ على الرسول الأكرم

(1) منتهى الآمال ص173

(2)

الشهاب الثاقب ص63 (الفائدة الأولى).

ص: 466

صلى الله عليه وآله وسلم وأنكر ما جاء به يكون مرتداً بإجماع المسلمين. وهذا معنى ارتداد الناس بعد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم إلا الثلاثة المذكورة (سلمان وأبوذر والمقداد)) (1).

والعجب كل العجب فيما قاله عبد الحسين شرف الدين في "الفصول المهمة" عن نظرة الشيعة الإمامية للصحابة حيث يقول بكل بساطة ودون أدنى اكتراث لهذه الروايات: (رأي الإمامية في هذه المسألة أوسط الآراء!! إذ لم يفرّطوا تفريط الغلاة، ولا أفرطوا إفراط الجمهور)(2)، فبالله عليك، إذا كانت هذه هي الوسطية فكيف يكون الجور والبهتان؟!

ولك أن تتساءل: إذا كان صحابة رسول الله بهذا المستوى بحيث تكون الخيرة في قلة منهم بينما الكثرة الغالبة أرباب مصالح أو منافقون، فعن أي صحابة كان يتكلم القرآن ويمتدحهم غير مرة؟!

لا أظن أحداً سيغالط العقل والمنطق فيدّعي أنّ القرآن كان يمتدح تلك القلة القليلة التي لا تتجاوز السبعة فحسب.

لأنّ مجتمعاً فاسداً منقلباً على عقبيه يوجد به قلة صالحة لا يُحكم عليه كله بالخير ولا الصلاح ولا الفلاح، فكيف يتحدث القرآن عن الصحابة واصفاً إياهم بالصلاح والفلاح ومبشراً لهم بالجنة وهم بهذا المستوى؟!

فها هم أصحاب السبت (اليهود) الذين ذكرهم القرآن كان فيهم الصالح وفيهم المصلح وهم الأقلية، ومع ذلك أتاهم العذاب فنجىّ الله المصلحين منهم ومسخ الأكثرية الفاسدة وحكم على مجتمعهم بالفساد والخيبة واللعنة إلى يوم الدين.

(1) إحقاق عقائد الشيعة ص108

(2)

الفصول المهمة ص189

ص: 467

فقال عز من قائل {فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْت} (1).

ولك أن تتساءل أيها القارئ

إن كان أهل النفاق بهذه الكثرة وهذه العدّة، وكانت السطوة والكلمة لهم، فكيف انتشر الاسلام وكيف سقطت فارس والروم وفُتح بيت المقدس؟

ثم ما دام هؤلاء هم المنافقون فمالهم لم يتفقوا مع الكفار على القضاء على البقية الباقية التي لا يتجاوز عدد أفرادها عدد أصابع اليد الواحدة أو اليدين.

إنّ فئة المنافقين في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم تكن مجهولة في مجتمع المدينة بل كانت فئة مفضوحة مخزية عُلم بعضها بعينه وعُرف البعض الآخر منها بالأوصاف المذكورة في القرآن.

فضحهم الله عز وجل في سورتي (المنافقين، والتوبة) مبيناً حالهم ودسائسهم وما تكنه صدورهم تجاه رسول الله والمؤمنين، وقد سُميت سورة التوبة بالفاضحة والمدمدمة لما أظهرته من صفاتهم ونواياهم وبما أظهرته من حال من قابلهم من المؤمنين.

ومن يقرأ الآيات من قوله تعالى {لَا يَسْتَاذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِر} (2) إلى قوله تعالى {وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِين} فسيقف على صورة متكاملة لأهل النفاق يستطيع من خلالها أن يميز الخبيث من الطيب.

ويكفينا بياناً لهذا الفرق، كيف فضح الله عز وجل المنافقين أمام الخلائق وبين حقيقتهم للناس بعد ما كان مكرهم سراً وفي الخفاء وذلك في قوله تعالى {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم

(1) سورة النساء آية 47

(2)

سورة التوبة آية 44

ص: 468

مَّرَضٌ أَن لَّن يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ وَلَوْ نَشَاء لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ} (1).

والمنافقون معلومون بدليل أنهم بنوا مسجد الضرار فالمسجد معروف ومن بناه معروف.

وقد جاء تأييداً لهذا المعنى في تفسير العياشي (2) تفسيراً لقوله تعالى {إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِين} رواية سلام أنه قال: كنت عند أبي جعفر (ع) فدخل عليه حمران بن أعين فسأله عن أشياء فلما همّ حمران بالقيام قال لأبي جعفر (ع): أخبرنا أطال الله بقاك وأمتعنا بك إنا نأتيك فما نخرج من عندك حتى ترق قلوبنا وتسلو أنفسنا عن الدنيا وتهون علينا ما في أيدي الناس من هذه الأموال، ثم نخرج من عندك فإذا صرنا مع الناس والتجار أحببنا الدنيا؟

قال: فقال أبو جعفر (ع): إنما هي القلوب مرة يصعب عليها الأمر ومرة يسهل، ثم قال أبو جعفر (ع): أما إنّ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قالوا: يا رسول الله تخاف علينا النفاق؟، قال: فقال لهم: ولم تخافون ذلك؟ قالوا: إنا إذا كنا عندك فذكّرتنا رُوّعنا ووجلنا ونسينا الدنيا وزهدنا فيها حتى كأنّا نعاين الآخرة والجنة والنار ونحن عندك، فإذا خرجنا من عندك ودخلنا هذه البيوت وشممنا الأولاد ورأينا العيال والأهل والأولاد والمال نكاد أن نحوّل عن الحال التي كنا عليها عندك وحتى كأنّا لم نكن على شيء، أفتخاف علينا أن

(1) سورة محمد آية 29 - 30

(2)

محمد بن مسعود الكوفي المعروف بـ (العياشي)، ترجم له الطوسي في "الفهرست ص212" فقال:(جليل القدر، واسع الأخبار بصير بالروايات، مطلع عليها)، ووصفه ابن شهرآشوب في "معالم العلماء ص134" بأنه أفضل أهل المشرق علماً وأنّ كتبه تزيد على مئتي مصنف.

ص: 469

يكون هذا النفاق؟ فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: كلا! هذا من خطوات الشيطان ليرغبنكم في الدنيا، والله لو أنكم تدومون على الحال التي تكونون عليها وأنتم عندي في الحال التي وصفتم أنفسكم بها لصافحتكم الملائكة ومشيتم على الماء ولولا أنكم تذنبون فتستغفرون الله لخلق الله خلقاً لكي يذنبوا ثم يستغفروا فيغفر لهم، إنّ المؤمن مفتن توّاب أما تسمع لقوله تعالى {إنّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِين} (1) وقال {وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ} (2)(3).

لقد أبى الله عز وجل إلا أن يميز الخبيث من الطيّب، وألا يترك الحقيقة معمّاه، فهو القائل في محكم كتابه {مَّا كَانَ اللهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىَ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّب} (4).

يقول محمد جواد مغنية في تفسير هذه الآية: (اندس في صفوف المسلمين منافقون لمجرد الهدم والتخريب، وقد فرض سبحانه على النبي والمسلمين أن يعاملوا كل من نطق بكلمة الإسلام معاملة المسلمين، ومن أجل هذا حار رسول الله! وكيف يقبلهم وهم يفسدون ويعاكسون؟ فقال سبحانه للنبي وللمسلمين: مهلاً، سأسلط عليهم الأضواء حتى يفتضحوا أمام الناس، ولا يبقى لهم منفذ للكيد والإفساد)(5).

(1) سورة البقرة آية 222

(2)

سورة هود آية 3

(3)

الكافي- كتاب الإيمان والكفر- (باب في تنقل أحوال القلب) – حديث (1) وحلية الأبرار 1/ 382 (الباب السادس والخمسون) – حديث رقم (20).

(4)

سورة آل عمران آية 179

(5)

التفسير المبين (سورة آل عمران آية 179) ص78

ص: 470

ويتجلى هذا الافتضاح بما يجريه الله عز وجل من البلاء الشديد حتى تظهر صورهم الحقيقية وتنكشف أمام المؤمنين، قال تعالى {أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَّرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ وَلَا هُمْ يَذَّكَّرُون} (1).

و (المراد بالفتنة هنا افتضاح المنافقين على الملأ، وإظهار حقيقتهم لدى الجميع، وذلك بأنّ الله سبحانه كان يخبر نبيه الأكرم بما يبيّتون ويمكرون، وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم بدوره يعاتبهم ويفضحهم، وقد تكرر هذا في كل عام مرة أو أكثر)(2).

يقول الحافظ ابن كثير: (وإنما نزلت صفات المنافقين في السور المدنية، لأنّ مكة لم يكن فيها نفاق بل كان خلافه من الناس من كان يظهر الكفر مستكرهاً وهو في الباطن مؤمن، فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى المدينة وكان بها الأنصار من الأوس والخزرج وكانوا في جاهليتهم يعبدون الأصنام على طريقة مشركي العرب، وبها اليهود من أهل الكتاب على طريقة أسلافهم وكانوا ثلاث قبائل بنو قينقاع حلفاء الخزرج وبنو النضير حلفاء الأوس وبنو قريظة، فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المدينة وأسلم من أسلم من الأنصار من قبيلتي الأوس والخزرج وقلّ من أسلم من اليهود إلا عبد الله بن سلام رضي الله عنه ولم يكن إذ ذاك نفاق أيضاً لأنه لم يكن للمسلمين بعد شوكة تُخاف، بل قد كان صلى الله عليه وآله وسلم وادع اليهود وقبائل كثيرة من أحياء العرب حوالي المدينة، فلما كانت وقعة بدر وأظهر الله كلمته وأعز الإسلام وأهله، قال عبد الله بن أبي بن سلول وكان رأساً في المدينة وهو من الخزرج، وكان سيد الطائفتين في الجاهلية، وكانوا قد عزموا على أن يملّكوه

(1) سورة التوبة آية 126

(2)

التفسير المبين (سورة التوبة آية 126) ص212

ص: 471

عليهم فجاءهم الخير وأسلموا واشتغلوا عنه فبقي في نفسه من الإسلام وأهله، فلما كانت وقعة بدر قال: هذا أمر الله قد توجه، فأظهر الدخول في الإسلام، ودخل معه طوائف ممن هو على طريقته ونحلته وآخرون من أهل الكتاب فمن ثم وُجد النفاق في أهل المدينة ومن حولها من الأعراب، فأما المهاجرون فلم يكن فيهم أحد نافق لأنه لم يكن أحد يهاجر مكرهاً بل يهاجر فيترك ماله وولده وأرضه رغبة فيما عند الله في الدار الآخرة) (1).

و (إنّ من المعلوم بالاضطرار والمتواتر من الأخبار أنّ المهاجرين هاجروا من مكة وغيرها إلى المدينة، وهاجر طائفة منهم كعمر وعثمان وجعفر بن أبي طالب هجرتين: هجرة إلى الحبشة، وهجرة إلى المدينة، وكان الإسلام إذ ذاك قليلاً والكفار مستولون على عامة الأرض وكانوا يُؤذون بمكة ويلقون من أقاربهم وغيرهم من المشركين من الأذى ما لا يعلمه إلا الله وهم صابرون على الأذى، متجرعون لمرارة البلوى، فارقوا الأوطان، وهجروا الخلان لمحبة الله ورسوله والجهاد في سبيله كما وصفهم الله تعالى بقوله {لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُون} (2).

وهذا كله فعلوه طوعاً واختياراً من تلقاء أنفسهم، لم يكرههم عليه مكره، ولا ألجأهم إليه أحد، فإنه لم يكن للإسلام إذ ذاك من القوة ما يُكره به أحد على الإسلام، وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذ ذاك – هو ومن اتبعه – منهيين عن القتال، مأمورين بالصفح والصبر فلم يسلم أحد إلا باختياره، ولا هاجر أحد إلا باختياره.

(1) تفسير القرآن العظيم لابن كثير 1/ 50

(2)

سورة الحشر آية 8

ص: 472

ولهذا قال أحمد بن حنبل وغيره من العلماء: إنه لم يكن من المهاجرين من نافق، وإنما كان النفاق في قبائل الأنصار لما ظهر الإسلام بالمدينة، ودخل فيه قبائل الأوس والخزرج، ولما صار للمسلمين دار يمتنعون بها ويقاتلون دخل في الإسلام من أهل المدينة وممن حولهم من الأعراب من دخل خوفاً وتقية، وكانوا منافقين.

كما قال تعالى {وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيم} (1).

ولهذا إنما ذكر النفاق في السور المدنية، وأما السور المكية فلا ذكر فيها للمنافقين، فإنّ من أسلم قبل الهجرة بمكة لم يكن فيهم منافق، والذين هاجروا لم يكن فيهم منافق، بل كانوا مؤمنين بالله ورسوله، محبين لله ولرسوله، وكان الله ورسوله أحب إليهم من أنفسهم وأولادهم وأهلهم وأموالهم.

وإذا كان كذلك علم أنّ رميهم – أو رمي أكثرهم أو بعضهم – بالنفاق، كما يقوله من يقوله من الشيعة الإثني عشرية الإمامية من أعظم البهتان، وكذلك دعواهم عليهم الردة من أعظم الأقوال بهتاناً، فإنّ المرتد إنما يرتد لشبهة أو شهوة، ومعلوم أنّ الشبهات والشهوات في أوائل الإسلام كانت أقوى، فمن كان إيمانهم مثل الجبال في حال ضعف الإسلام، كيف يكون إيمانهم بعد ظهور آياته وانتشار أعلامه؟!

وأما الشهوة: فسواء كانت شهوة رياسة أو مال أو نكاح أو غير ذلك، كانت في أول الإسلام أولى بالاتباع، فمن خرجوا من ديارهم وأموالهم، وتركوا ما كانوا عليه من الشرف والعز حباً لله ورسوله، طوعاً غير إكراه، كيف يعادون الله ورسوله طلباً للشرف والمال؟!

(1) سورة التوبة آية 101

ص: 473

ثم هم في حال قدرتهم على المعاداة، وقيام المقتضى للمعاداة، لم يكونوا معادين لله ورسوله، بل موالين لله ورسوله، معادين لمن عادى الله ورسوله، فحين قوي المقتضى للموالاة، وضعفت القدرة على المعاداة، يفعلون نقيض هذا؟! هل يظن هذا إلا من هو من أعظم الناس ضلالاً؟

وذلك أنّ الفعل إذا حصل معه كمال القدرة عليه، وكمال الإرادة له وجب وجوده، وهم في أول الإسلام كان المقتضى لإرادة معاداة الرسول أقوى، لكثرة أعدائه وقلة أوليائه، وعدم ظهور دينه، وكانت قدرة من يعاديه باليد واللسان حينئذ أقوى، حتى كان يعاديه آحاد الناس، ويباشرون أذاه بالأيدي والألسن.

ولما ظهر الإسلام وانتشر، كان المقتضى للمعاداة أضعف، والقدرة عليها أضعف، ومن المعلوم أنّ من ترك المعاداة أولاً، ثم عاداه ثانياً لم يكن إلا لتغير إرادته أو قدرته.

ومعلوم أنّ القدرة على المعاداة كانت أولاً أقوى، والموجب لإرادة المعاداة كان أولاً أولى ولم يتجدد عندهم ما يوجب تغير إرادتهم ولا قدرتهم، فعُلم علماً يقيناً أنّ القوم لم يتجدد عندهم ما يوجب الردة عن دينهم البتة، والذين ارتدوا بعد موته إنما كانوا ممن أسلم بالسيف، كأصحاب مسيلمة وأهل نجد، فأما المهاجرون الذين أسلموا طوعاً فلم يرتد منهم – ولله الحمد – أحد) (1).

(1) منهاج السنة النبوية 7/ 475 - 478 بتصرف

ص: 474