الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ب - حديث المذادة عن الحوض
ولعل من أبرز ما استدل به الشيعة الإثنا عشرية على ردة الصحابة وانقلابهم على أعقابهم حديث المذادة عن الحوض والذي روي بأكثر من لفظ عند أهل السنة والشيعة الإثني عشرية.
فقد روى البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (ليرِدنّ عليّ ناسٌ من أُصيحابي الحوض حتى إذا عرفْتُهُمُ اخْتُلِجوا دوني فأقول: أصحابي، فيقول: لا تَدْري ما أحدثوا بعدك)(1).
وعن أبي حازم عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (إني فرطكم على الحوض، من مرّ عليّ شرب، ومن شرب لم يظمأ أبداً، ليردنّ عليّ أقوام أعرفهم ويعرفوني، ثم يُحال بيني وبينهم)، قال أبو حازم: فسمعني النعمان بن أبي عياش فقال: هكذا سمعت من سهل؟ فقلت: نعم، فقال: أشهَدُ على أبي سعيد الخدري لسمعتُهُ وهو يزيد فيها: (فأقول: إنهم مني، فيُقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول: سحقاً سحقاً لمن غيّر بعدي)(2).
وعن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها قالت: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (إنّي على الحوض حتى أنظر من يرِد عليّ منكم، وسيؤخذ ناسٌ دوني، فأقول: يا ربّ منّي ومن
(1) رواه البخاري - كتاب الرقاق - باب (في الحوض) - حديث رقم (6582).
(2)
المصدر نفسه - حديث رقم (6583).
أُمتي؟، فيُقال: هل شعرت ما عملوا بعدك؟ والله ما بَرِحوا يرجعون على أعقابهم. فكان ابن أبي مُليكة يقول: اللهم إنا نعوذ بك أن نرجع على أعقابنا أو نُفتن عن ديننا) (1).
وفي رواية أبي هريرة رضي الله عنه (وليُرفَعَنّ رِجال منكم) وفي أخرى (يرد عليّ يوم القيامة رهطٌ من أصحابي فيُجلون عن الحوض) وفي ثالثة (فإذا زُمرةٌ حتى إذا عرفتهم)(2).
وفي رواية ابن المُسَيّب عن أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم (يَرِد على الحوض رجال من أصحابي فيُجلون عنه)(3).
المناقشة:
لقد أغمض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عينيه عن رجال من أصحابه كانوا على الإيمان فزلزل الله عز وجل من في قلبه مرض فارتد عن الإسلام واتبع مسيلمة الكذّاب وطليحة بن خويلد والأسود العنسي وسجاح.
يقول المؤرخ الشيعي سعد القمي في "المقالات والفرق": (وارتد قوم فرجعوا عن الإسلام، ودعت بنو حنيفة إلى نبوة مسيلمة وقد كان ادعى النبوة في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فبعث أبو بكر إليهم الخيول عليها خالد بن الوليد بن المغيرة المخزومي فقاتلهم وقُتل من قُتل ورجع من رجع منهم إلى أبي بكر فسمّوا أهل الردة)(4).
(1) رواه البخاري – كتاب الرقاق – باب (في الحوض) – حديث رقم (6593).
(2)
المصدر نفسه – حديث رقم (6576) و (6585) و (6587).
(3)
المصدر نفسه – حديث رقم (6586).
(4)
المقالات والفرق ص4
ويقول الإمام علي عن إمساكه عن بيعة الخليفة الراشد أبي بكر في بادئ الأمر ثم مبايعته لأبي بكر ومؤازرته له وللصحابة في دحر المرتدين:
(فأمسكت يدي حتى رأيت راجعة الناس قد رجعت عن الإسلام يدعون إلى محق دين محمد صلى الله عليه وآله وسلم فخشيت إن لم أنصر الإسلام وأهله أن أرى ثلماً أو هدماً تكون المصيبة به عليّ أعظم من فوت ولايتكم التي إنما هي متاع أيام قلائل ..)(1).
ويقول: (فمشيت عند ذلك إلى أبي بكر فبايعته ونهضت في تلك الأحداث حتى زاغ الباطل وزهق، وكانت كلمة الله هي العليا ولو كره الكافرون، فتولى أبو بكر تلك الأمور فيسّر وسدد وقارب واقتصد، فصحبته مناصحاً وأطعته فيما أطاع الله فيه جاهداً)(2).
ولذلك وجد الشيخ محمد كاشف آل الغطاء نفسه مضطراً للاعتراف بهذه الحقيقة فقال عن الإمام علي: (وحين رأى أنّ الخليفتين – أعني الخليفة الأول والثاني – بذلا أقصى الجهد في نشر كلمة التوحيد وتجهيز الجنود وتوسيع الفتوح ولم يستأثرا ولم يستبدا، بايع وسالم)(3).
أقول: وحديث الحوض يشير إشارة واضحة إلى هؤلاء النفر (أي بني حنيفة وأمثالهم) الذين مات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهم على الإيمان فانقلبوا على أعقابهم واستبدلوا الإيمان بالكفر فسلّط الله عليهم جند الإيمان الأذلة على المؤمنين، الأعزة على الكافرين، فمات من هؤلاء المرتدين من مات ليلقى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيُذاد
(1) نهج البلاغة – (ومن كتاب له (ع) إلى أهل مصر) - رقم (62).
(2)
الغارات للثقفي 1/ 306 - 307
(3)
أصل الشيعة الإثني عشرية وأصولها ص123 - 124
به عن الحوض ورجع إلى الإيمان من رجع و (إنّ الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر)(1).
لكن ماذا يريد علماء الشيعة الإثني عشرية من إثارة هذا الحديث أمام البسطاء من الناس؟
لعلك أدركت أيها القارئ أنّ علماء الشيعة الإثني عشرية أرادوا الطعن في كبار صحابة رسول الله (أبي بكر وعمر وعثمان وعائشة وحفصة والزبير وطلحة وغيرهم) والحديث بالنسبة لهم صيد ثمين، إذ يُمكن لهم أن يجعلوا هؤلاء الصحب ممن أحدثوا بعد رسول الله فيستحقون البوار والخسران يوم القيامة، هكذا بكل سهولة!
ولذا تجد أنّ علماء الشيعة الإثني عشرية قد اجتهدوا في عدّ وحصر ما يرونه إحداثاً في دين الله من قبل هؤلاء الصحب وألّفوا في ذلك المصنفات لإقناع الناس بصحة ما يدّعونه في صحابة رسول الله، لكن ماذا يفعل هؤلاء الحماسيون لو أنّ حماسهم ورغبتهم في التشفي من أصحاب رسول الله قابله حماس آخر من أباضي أو ناصبي حاقد على الإمام علي ففعل مع الإمام علي ما يفعله هؤلاء مع باقي الصحابة؟
فالظلم والبهتان لا يُعرف له صاحب، ولا يظنن أحدٌ أنّ الظلم يقع على أناس دون آخرين، وأنّ سهامه التي يوجهها لصحابة رسول الله ستصيب قوماً وتستثني آخرين.
فالحديث عام لا يستثني عمار بن ياسر ولا المقداد بن الأسود ولا أبا ذر ولا سلمان الفارسي ممن يجلهم الشيعة الإثنا عشرية بل لا يستثني الحديث علياً نفسه!
وكل من في قلبه غل على صحابي يستطيع وفقاً لميزانه الأعوج أن يجعله ممن انقلبوا على أعقابهم!
(1) مسند أحمد - حديث رقم (6160)، قال عنه شعيب الأرنؤوط: إسناده حسن.
ولتقرأ معي ما سيقوله الناصبي الحاقد بتمعن وإنصاف لترى كيف يُمكن للنظرية الشيعية أن تنسف نفسها بنفسها!
على أني منذ البداية أبرأ إلى الله من الطعن في الإمام علي صراحة أو ضمناً، فالإمام علي إمام هدى، وله من المكانة والتقدير في قلوبنا ما يستحقه أمثاله من أرباب المناقب والمآثر العظيمة إلى جانب قرابته من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فلا نرتضي فيه طعناً أو انتقاصاً كما لا نرتضي ذلك في باقي الصحابة.
لكني أريدك أيها القارئ الكريم أن تستشعر معي ظلم الشيعة الإثنى عشرية لأبي بكر وعمر وعثمان وباقي الصحابة، وتتلمس كيف يُمكن أن ينقلب هذا الظلم ظلماً لعلي بن أبي طالب كذلك حينما تكون الكلمة للناصبي والعدو المستهدف هو علي بن أبي طالب.
يقول الناصبي: لقد رأيت في علي بن أبي طالب مثالاً للإحداث بعد رسول الله! ولهذا أبغضته وتبرأت منه!
ترك الإمامة وهي أعظم أركان الدين والتي وردت فيها روايات شيعية كثيرة في بيان منزلتها وكونها أصلاً للدين لا يقوم إلا به!
وتخلى عن الزهراء عليها السلام يوم أن ضُربت وصُبّت عليها المصائب!
ولم يقدّم تجاه قضية فدك المغصوبة أي شيء فلم ينتصر لبنت رسول الله!
وحكّم الرجال في كتاب الله وكل من شارك في التحكيم كافر (علي وأبو موسى الأشعري ومعاوية وعمرو بن العاص).
وحجتي في الحديث ظاهرة، فرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد قال في نص الحديث:(فأقول: يا رب مني ومن أمتي؟).
وفي هذا دلالة قاطعة على أنّ المراد بالحديث هو علي بن أبي طالب!
فإنكم تروون عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال في علي بن أبي طالب: (علي مني وأنا من علي)، تلك قرينة!
وقرينة أخرى أستدل بها على أنّ المراد بالحديث (علي بن أبي طالب) هي إخبار النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن المبدّلين من بعده بقوله: (أمراء يكونون من بعدي فمن غشي أبوابهم فصدّقهم في كذبهم وأعانهم على ظلمهم فليس مني ولست منه ولا يرد عليّ الحوض)(1) وقد غشي علي بن أبي طالب الظلمة أبا بكر وعمر وعثمان (2) وكان مستشاراً ووزيراً لهم كما تشهد بذلك كتب الشيعة الإثني عشرية من أولها إلى آخرها.
وقد توعده النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث بسحب المنزلة التي أُعطيت له بقوله (فليس مني ولست منه ولا يرد عليّ الحوض) لأنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما كان يعلم بما سيحدثه من بعده من الركون للظلمة وحب الدنيا والأُعطيات والامتيازات.
وقوله صلى الله عليه وآله وسلم (فإذا جئتم قال الرجل: يا رسول الله، أنا فلان بن فلان فأقول أما النسب فقد عرفته ولكنكم أخذتم بعدي ذات الشمال وارتددتم على أعقابكم القهقرى)(3) يؤكد تماماً أنّ المراد بالحديث هو علي بن أبي طالب لا غيره!!
فالرجل الذي أتى رسول الله لم يقل له (أنا فلان بن فلان) لتعريف النبي صلى الله عليه وآله وسلم به، لأنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد صرّح بالحديث ذاته بمعرفته له ولمن
(1) جامع الترمذي-كتاب الزكاة - باب (ما ذُكر في فضل الصلاة) - حديث رقم (614)، قال الألباني: حديث صحيح.
(2)
وفقاً لرؤية الشيعة الإثني عشرية.
(3)
سيأتي تخريجه.
معه فقال: (أما النسب فقد عرفته) وقال: (أعرفهم ويعرفوني) لكن الرجل أراد الإشارة إلى نسبه وقربه من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ظناً أنّ ذلك سيشفع له فيجيبه الرسول بقوله (أما النسب فقد عرفته) أي أنّ النسب والقرابة لها مقامها لكن ليس مع الإحداث من بعدي، وهذا ما حصل حين تركت ابنتي تُضرب ولم تفعل شيئاً وحين فعلت كذا وكذا.
ويقول الناصبي: وما يؤكد أنّ ذاك الرجل هو علي بن أبي طالب هو صدر حديث المذادة عن الحوض حيث يقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (تزعمون أنّ قرابتي لا تنفع قومي والله إنّ رحمي موصولة في الدنيا والآخرة، إذا كان يوم القيامة يُرفع لي قوم يُؤمر بهم ذات اليسار، فيقول الرجل: يا محمد، أنا فلان بن فلان، ويقول الآخر: أنا فلان بن فلان، فأقول: أما النسب قد عرفت، ولكنكم أحدثتم بعدي وارتددتم على أعقابكم القهقرى)(1).
وفي رواية المفيد والطوسي في (أماليهما) عن أبي سعيد الخدري قال: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول على المنبر: ما بال أقوام يقولون: إنّ رحم رسول الله لا ينفع يوم القيامة؟ بلى والله إنّ رحمي لموصولة في الدنيا والآخرة، وإني أيها الناس فرطكم يوم القيامة على الحوض، فإذا جئتم قال الرجل: يا رسول الله أنا فلان بن فلان، فأقول: أما النسب فقد عرفته، لكنكم أخذتم بعدي ذات الشمال، وارتددتم على أعقابكم القهقرى)(2)
(1) مسند أحمد - حديث رقم (11154) وقال شعيب الأرنؤوط: صحيح لغيره، ورواه المجلسي في بحار الأنوار 7/ 239 نقلاً عن أمالي الطوسي.
(2)
الأمالي للمفيد (المجلس الثامن والثلاثون) ص327 - 328 حديث رقم (11) والأمالي للطوسي ص94 حديث رقم (144).
فالرجل قد جاء متصوراً أنّ رحمه وقرابته ونسبه سيشفعان له إحداثه وتبديله لدين المصطفى، فقرر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في هذه الرواية الشيعية أنّ القرابة شافعة لكنها لن تنفع من أحدث وارتد على عقبيه.
ومما يؤكد أنّ المراد هنا علي بن أبي طالب هو ما ورد في كتب الشيعة الإثني عشرية من أحاديث كثيرة تفيد أنّ الناس يُدعون يوم القيامة بأسماء أمهاتهم (1)، لكن الرجل الذي أخبر عنه المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم هو من رحم رسول الله، وقد أخبر الرسول الكريم بكل صراحة أنّ هذا الرجل سيقول (أنا فلان بن فلان) لا (فلان بن فلانة).
ويكمل الناصبي كلامه قائلاً:
فإن حاولت الدفاع عن علي بن أبي طالب واستشهدت بحديث لعمار أو سلمان أو المقداد فأخبرك منذ البداية أنهم ممن انقلبوا على أعقابهم مع علي بن أبي طالب والحديث يشملهم فارتضاؤهم له وتزكيتهم له وقبولهم لإمامته كافٍ لاستحقاقهم المصير ذاته، فإن قلت: وأين
(1) روى الحر العاملي في "الفصول المهمة في أصول الأئمة 1/ 348" – حديث رقم (435) والمفيد في "الأمالي ص311 (المجلس السابع والثلاثون) " وفي "الإرشاد 1/ 43"(الأخبار الدالة على أنّ ولايته علم على طيب المولد) والأربلي في "كشف الغمة 1/ 140" عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعلي (ع): ألا أبشرك ألا أمنحك؟ قال: بلى يا رسول الله، قال: فإني خلقت أنا وأنت من طينة واحدة ففضلت منها فضلة فخلق منها شيعتنا، فإذا كان يوم القيامة دعي الناس بأمهاتهم إلا شيعتك فإنهم يدعون بآبائهم لطيب مولدهم.
وفي كتاب "صفات الشيعة ص16" عن محمد بن يحيى بن سدير قال: قال أبو عبد الله (ع): إذا كان يوم القيامة دعي الخلائق بأمهاتهم ما خلانا وشيعتنا فإنا لا سفاح بيننا.
ومن أراد المزيد فليراجع "الفصول المهمة" للحر العاملي الذي ذكر جملة من الروايات في هذا الشأن ثم أعقبها بقوله: (والأحاديث في ذلك كثيرة جداً)!!
الأحاديث التي وردت في فضل علي وعمار وفلان وفلان أجبتك بأنّ فضائل أبي بكر وعمر وفلان وفلان لم تشفع لهم عندكم بل قلتم بانقلابهم على أعقابهم وشككتم بتلك الفضائل وكذلك الحال في علي بن أبي طالب ولا فرق!
هذا بعض ما يُمكن أن يقوله الناصبي في الإمام علي بن أبي طالب والمقربين منه.
أقول مخاطباً أرباب الضمائر الحية:
هكذا تنسف النظرية الشيعية نفسها بنفسها .. ولن يستطيع الرد على هذا الناصبي الحاقد إلا أهل السنة، الذين عرفوا لصحابة رسول الله حقهم وفضائلهم وأدركوا أبعاد أحداث الفتنة وأسبابها، وقالوا للناصبي وللشيعي الإمامي: على رسلكما
…
إنّ الذين أحدثوا بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فئة ارتدت عن الإسلام
…
قاتلها أبو بكر وعلي والصحابة
…
فلقي حتفه من تلك الفئة من لقي وهو على الكفر، ليذاد يوم القيامة عن الحوض والرسول صلى الله عليه وآله وسلم يقول:(أصحابي أصحابي) والملائكة تجيبه (إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك).
ما أجمل الإنصاف وأندره
…
وما أجمل أن يدرك المرء المعاني الجليلة التي يذكرها هذا الحديث
…
لكن ماذا تفعل مع التعصب وأهله؟!