الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من يستمع لها من المؤمنين إحساناً للظن بها، فقال الله عز وجل {لَوْخَرَجُوا فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلَاّ خَبَالاً ولأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ} (1)
لكننا نغفل عن هذه الحقيقة أو نتغافل عنها فنجعل عواطفنا هي الحكم، والإسلام هو التبع لهذه العواطف
…
دين موروث
..
لو وُلدت في منطقة (النجف) أو (القطيف) أو (قُم) فإنك حتماً ستكون شيعياً إثنى عشرياً، لأنّ البيئة التي نشأتَ بها هي بيئة شيعية وأبواك بلا شك كذلك شئت أم أبيت والحال معك كذلك لو أنك وُلدت في (الرياض) أو (القاهرة) أو (وهران)، فإنك حتماً ستكون سنياً، لأنّ البيئة والأسرة أملتْ عليك أن تكون كذلك.
لكن أترى الحق فيما تحدده لنا بيئتنا؟ أم بما يعرفه المرء من دلائل وبراهين؟
حاول أن تتفكر إن كنت سنياً بزميل شيعي إثني عشري يُكثر جدالك ومحاجتك ويتهمك بالنصب وبغض أهل البيت، لو أنّ هذا الشيعي وُلد لأبوين سنيين وفي بلد سني، ألا ترى أنه سيكون أول مَنْ يساندك ويشد على عضديك وربما يتحمس للرد على الشيعة الإثني عشرية أكثر منك!، في حين أنه اليوم أشد الناس جدالاً لك وعصبية في حوارك؟
ألا ترى أننا نبني قناعاتنا الدينية مِن منطلق ما وجدنا عليه آباءنا لا مِن منطلق التجرد للحق واتباعه؟
(1) سورة التوبة آية 47
وأنّ حديث (كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يُهوِّدانِهِ أو يُنصِّرانِهِ أو يُمَجِّسانِهِ
…
) (1) ينطبق أحياناً على قناعاتنا المذهبية؟
الدين والمذهب بالنسبة لكثير من المسلمين اليوم كأثاث المنزل أو كالأموال والأراضي .. ورثوه عن آبائهم وأجدادهم .. وهم على خطاهم سائرون .. هذا إن لم يكن الدين في حياتهم أقل من الدينار والدرهم ومتاع الدنيا الزائل.
بالأمس كانت الأمم السابقة المكذّبة للرسل تجابه الحق الذي جاءت به الرسل قائلة {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ} (2)
فكان جواب الرسول {قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُم بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدتُّمْ عَلَيْهِ آبَاءكُمْ} فكان رد هؤلاء المتعصبين لباطلهم، الجاهلين لحقيقة أمرهم هو {إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُونَ} !
المشهد يتكرر، لكن ليس بين رسل الله وبين قوم كفار وثنيين، وإنما بين كلمة حق وبين متعصبين ألفوا ما وجدوا عليه آباءهم، فردّوا الحق وتشبثوا بالباطل.
وللأمير الصنعاني رحمه الله كلمات جميلة في هذا المعنى يقول فيها: (ولنقدم قبل المقصود أصلاً مهماً وهو أنّ الله تبارك وتعالى قد أخبر عن الكفار بأنّ نظرهم مقصور على اتباع الآباء في كتابه العزيز في غير آية عايباً عليهم ذلك، مثل: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلَا يَهْتَدُونَ} (3)، {قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا
(1) رواه البخاري في صحيحه - كتاب الجنائز - باب (ما قيل في أولاد المشركين) - حديث رقم (1385) وذكره ابن بابويه القمي في كتابه (علل الشرائع 2/ 376 باب (العلة التي من أجلها سقطت الجزية عن النساء والمقعد والأعمى والشيخ الفاني والولدان ورفعت عنهم) - رواية رقم (2).
(2)
سورة الزخرف آية 23
(3)
سورة البقرة آية 170
وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُون} (1)، {مَا يَعْبُدُونَ إِلَاّ كَمَا يَعْبُدُ آبَاؤُهُم مِّن قَبْلُ} (2) أي ليس لهم مستند سوى ذلك {قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ} (3)، {قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا} (4) فهم في جميع الآيات قاصرون نظرهم على اتباع الآباء لحسن الظن بهم حتى صار ذلك عادة لهم بل فخراً يُعَيّرون به مَنْ خالفهم، ويضربون به المثل حتى سمّوا محمداً صلى الله عليه وآله وسلم ابن أبي كبشة، لأنه عبد ما لم يعبد آباؤه كما عبد أبو كبشة الشِّعرى (5)، وحتى ذكرّوا بذلك أبا طالب وهو في طريق الموت وقالوا له: أترغب عن ملة عبد المطلب؟!
ولذلك خص الأبوين في الإخبار عن تغيير الفطرة "وإنما يهودانه أو ينصرانه" ولذلك مقت الله الذين اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله، وفسَّر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اتخاذهم بأنهم كانوا إذا أحلوا لهم شيئاً استحلوه وإذا حَرَّموا عليهم شيئاً حرموه كما أخرجه الترمذي عن عَدِّي بن حاتم رضي الله عنه.
فمن عقل وأنصف فلينظر إلى جميع بني آدم في القديم والحديث في الملل الكفرية ثم المذاهب الإسلامية! بعد إخراجه للأنبياء صلى الله عليهم ومن سار على سيرتهم من السابقين
(1) سورة الزخرف آية 23
(2)
سورة هود آية 109
(3)
سورة الشعراء آية 74
(4)
سورة يونس آية 78
(5)
كانت خزاعة تعبد (الشِّعرى) وهو نجم من نجوم برج الجوزاء شديد الضياء، وأول من سَنَّ لهم ذلك رجل من أشرافهم يُقال له (أبوكبشة) عبدها، وقال: لأنّ النجوم تقطع السماء عرضاً والشِّعرى طولاً فهي مخالفة لها فعبدتها خزاعة، فلما خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على خلاف العرب في الدين سمّوه (ابن أبي كبشة) لخلافه إياهم كخلاف أبي كبشة في عبادة الشِّعرى.