الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثانيهما: الاهتمام بعدد الفرق أكثر من المبدأ، فكأنّ شارح الحديث والناظر فيه قد أخذا على نفسيهما عهداً أن يعرفا أسماء الثلاث والسبعين فرقة المذكورين في الحديث الشريف بدلاً من الاهتمام بمغزى الحديث من ذكر هذا العدد وهو (كثرة التفرق في الأمة ووجود فرقة واحدة ثابتة على إسلام محمد صلى الله عليه وآله وسلم النقي بخلاف غيرها ممن تنكب الطريق).
والأمر ذاته يُقال في حديث (الإثني عشر خليفة)، لقد رأينا من تعجل في تحديد الأسماء دون حاجة تدفعه لذلك وهو يقرأ قول النبي عليه الصلاة والسلام في صحيح مسلم:(لا يزال الدين قائماً حتى تقوم الساعة أو يكون عليكم اثنا عشر خليفة كلهم من قريش).
وفي رواية (إنّ هذا الأمر لا ينقضي حتى يمضي فيهم اثنا عشر خليفة).
فالحديث واضح في ذكر أنّ فترة خلافة الإثنى عشر ممتدة إلى قيام الساعة، والذي يحصر فترة خلافة الإثني عشر بشخصيات مضت يخالف نص الحديث من حيث لا يشعر.
تساؤلات أنتجت تنوعاً في الآراء
لم يكن حديث (الخلفاء الإثني عشر) مفصّلاً بحيث لا يقع الخلاف في فهمه أو تكثر الاحتمالات فيه، بل كانت التساؤلات التي أثارتها أذهان العلماء سبباً جوهرياً لاختلاف الآراء في الخلفاء الإثني عشر المرادين من الحديث إلا أنّ علماء أهل السنة ومعهم جميع فرق الشيعة باستثناء الإثني عشرية كلهم مجمعون على أنّ المراد بهؤلاء الإثني عشر أناس غير (الإثني عشر) الذي تذكرهم الإمامية لتوافر الأدلة على بطلان كونهم المذكورين في الحديث كما أشرت آنفاً.
لكن بقيت بعض الأسئلة في أذهان الشراح بلا إجابة:
هل من اللازم أن يكون الإثنا عشر متتابعين أم متفرقين؟
هل من اللازم أن تجتمع الأمة عليهم جميعاً أم أنّ الحديث يشير إلى الغلبة والأكثرية؟ أم أنّ زيادة (كلهم تجتمع عليهم الأمة) لا تصح أصلاً؟ (1)
هل من اللازم أن يكون كل هؤلاء الإثني عشر من الأتقياء الأنقياء أم أنه يجوز أن يكون منهم الظلمة كما قال عليه الصلاة والسلام (إنّ الله لينصر هذا الدين بالرجل الفاجر)(2) بحيث تكون العبرة هنا بعزة الدين أمام الكفار وبنهضة المسلمين لا بمظالم فردية وقعت على بعض الثائرين أو المعترضين على سياسة هذا الحاكم؟
هذه الأسئلة المثارة وكذا الاحتمالات العالقة بالنص ساهمت بشكل مباشر في جعل آراء العلماء متفاوتة في تحديد شخصيات الإثني عشر المشار إليهم بالحديث النبوي.
على أنّ الجميع متفقون على أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أشار في الحديث إلى حدث مستقبلي سيحصل للأمة، ولم يذكر في الحديث أنه يلزم كل مسلم معرفة أسماء هؤلاء الإثني عشر أو الإيمان بهم كما يؤمن المرء منا بالأنبياء والملائكة والكتب السماوية واليوم الآخر كما قال الله تعالى {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِه} (3).
فحديث الخلفاء الإثني عشر لا يختلف كثيراً عن الغيبيات الأخرى التي أخبر عنها النبي
(1) وجدت الشيخ الألباني رحمه الله قد حكم على لفظة: (كلهم تجتمع عليه الأمة) و (ثم يكون الهرج) بالنكارة "السلسلة الصحيحة - حديث (376) ".
(2)
متفق عليه
(3)
سورة البقرة آية 285