الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التعامل مع الصحابة من خلال أخطائهم
الصالح يخطئ ويتعثر بعض الأحيان لكنه سرعان ما يتدارك نفسه ويقف مستوياً من جديد، ذاك رجل عرف الصلاح وحفظ له صلاحه مقامه عند الله وعند الناس رغم تعثره وما أخل بمكانته ولا بشرفه خطأ أو معصية بشرية لما كانت العصمة في أنبياء الله ورسله دون غيرهم من الناس، فكيف بمن قال الله عنهم {وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَان} ؟ (1)
هل يمكن أن يُنظر إلى هذه الفئة المزكّاة على أنها منافقة وراعية لمصالحها الشخصية وأنها بكبيرها وصغيرها إلا قلة لا تتعدى اليد الواحدة مرتدة كافرة؟! كل ذلك من أجل الإمامة التي لا يوجد نص واحد صريح فيها لا يقبل النقاش؟!
رصيد هذه الفئة المؤمنة المجاهدة من هذا الجهاد العظيم ومن الإسلام الذي نشروه وأوصلوه إلينا وإلى الأمم أن يُطعن فيهم وفي نزاهتهم وفي عقيدتهم وفي كل شيء.
ولذلك قيل قديماً (بعض الناس مثل الذباب لا يقع إلا على الجرح) وهذا دأب من لا يعرف في غيره إلا أخطاءهم ليُشنّع عليهم ويرميهم بالتهم، ولا يريد أن يرى فيمن يبغضه ويلعنه إلا كل الشر
…
إنها منهجية البحث في القمامة كما يصفها المفكرون اليوم.
ولا يخفى على المؤمن النجيب أيّ بعد عن تعاليم الإسلام وأخلاقه تلك المهاترات التي تجعله ينظر نظرة طعن ونقيصة إلى الصالحين بل إلى أناس تربوا على يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتخرجوا من مدرسته.
(1) سورة الحجرات آية 7
إنّ تربية الإسلام علمتنا أنّ المسلم طيب السريرة والقلب كما هو طيب اللسان والتعامل وأنه أبعد ما يكون عن جمع الزلات وتتبع العثرات لأنّ خُلقه الإسلامي يترفع به عن هذا المستوى.
فالرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم هو القائل (إنّ المؤمن ليس باللعان والطعّان ولا الفاحش ولا البذيء)(1).
وما أجمل ما قاله العالم الرباني "تقي الدين ابن تيمية" ناصحاً تلميذه "ابن القيم": (لا تجعل قلبك للإيرادات والشبهات مثل الإسفنجة فيتشربها فلا ينضح إلا بها، ولكن اجعله كالزجاجة المصمتة تمر الشبهات بظاهرها ولا تستقر فيها، فيراها بصفائه ويدفعها بصلابته وإلا فإذا أشربت قلبك كل شبهة تمر عليه صار ممراً للشبهات)(2).
وقد انتفع التلميذ النجيب بهذه الوصية أيما انتفاع فقال: (إنّ من قواعد الشرع والحكمة أنّ من كثرت حسناته وعظمت وكان له في الإسلام تأثير ظاهر فإنه يُحتمل له ما لا يحتمل لغيره ويُعفى عنه ما لا يُعفى عند غيره، فإنّ المعصية خبث والماء إذا بلغ القلتين لم يحمل الخبث بخلاف الماء القليل فإنه يحمل أدنى خبث)(3).
لكن حينما يتشرب القلب هذه الشبهات ولا ينطق إلا بها، ضارباً بجميل الصحابة عليه عرض الحائط، ناكراً لجهادهم ودعوتهم وللآيات القرآنية المزكّية لهم، فإنّ مكيال الدنيا قبل الآخرة كفيل بأن يُظهر له من الحق والحجة الباهرة ما لم يخطر على قلبه.
(1) رواه أحمد في المسند - حديث رقم (3948)، قال شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح
(2)
مفتاح دار السعادة 1/ 176
(3)
المصدر نفسه