الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بك من شرورهم، رب نجني مما فعله المفرّقون لدينك، وألحقني بخير القرون من حزب أمينك صلى الله عليه وآله وسلم (1)
سهام رمتني وأخرى سترميني
..
لا يستطيع أحد أن يدعو إلى إصلاح فكر أو ثورة على موروث باطل دون أن يُرمى بسهم أو يُجرح بكلمة.
هذا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أكرم الخلق وأتقاهم لم يسلم من بهت الباهتين وظلم الظالمين، قيل عنه: كاهن .. ساحر .. مجنون .. شاعر، فمن أكون أنا وأنت حتى نستكبر أن يُقال في حقنا ما هو دون ما قيل في حقه صلى الله عليه وآله وسلم وهو النبي المرسل؟!
مَنْ خلال معايشتي وحواراتي مع المتعصبة من شتى الطوائف نلت الكثير من الأذى فأعظم الأذى أن يُتهم المرء في دينه وصدق انتمائه إليه.
فلما كنت أحاور بعض الجفاة مظهراً حبي لأهل البيت، راداً على من يُقلل من شأنهم بالأحاديث الصحيحة الثابتة أو بما عُرف من حقهم في شرع الله، قيل عني:(رافضي)!
ولما كنت أحاور بعض الشيعة منتقداً طرحهم المغالي في أهل البيت، قيل عني: ناصبي كبير
…
فلست ناصبياً فحسب بل عريق في النصب ولا حول ولا قوة إلا بالله!
(1) العلم الشامخ في تفضيل الحق على الآباء والمشايخ ص7
ولما تحاورت مع بعض المتصوفة حول غلوهم في رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مستدلاً بأحاديث صحيحة ثابتة في بيان حقه صلوات الله وسلامه عليه تدعو إلى محبته وحفظ حقه بأبي هو وأمي، من غير غلو ولا جفاء، قيل عني: مبغض لرسول الله!
وهكذا صرت بين المتعصبة جامعاً لكل النقائض.
رافضي مبغض لصحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومغالٍ في أهل البيت
…
وناصبي مبغض لأهل البيت ومغالٍ في الصحابة .. ومبغض لرسول الله ومن باب أولى مبغض لأهل بيته ولأصحابه.
وما حصل لي حصل للإمام المُقبلي رحمه الله أكثر منه بكثير، ومثلي لا يُقارن بمثله فضلاً وعلماً وتضحية، فأين جهد ذاك الإمام الجهبذ من جهد المقل؟
فقد تجرع رحمه الله مرارة التعصب المذهبي وناله الأذى فصبر ومضى في طريقه غير آبه للتخذيل ولا للتحذير.
حرص على إعلان تنصُّله من الإنتماء إلى أي من المذاهب الإسلامية والتأكيد على براءته من التعصُّب لها في معظم مؤلفاته شعراً ونثراً، ومن ذلك قوله:
برئت من التمذهب طول عمري
…
وآثرت الكتاب على الصحاب
ومالي والتمذهب وهو شيء
…
يروح لدى المماري والمحابي
كرَّس جهده ووقته لمحاربة الجمود والتعصُّب الفكري، فلقي من مقلِّدي ومتعصِّبي عصره أذى شديداً، وناصبوه العداء، واتَّهموه بأنه ناصبي، معادٍ لمذهب أهل البيت (المذهب الزيدي)، مما اضطره إلى بيع ممتلكاته والرحيل بأهله إلى مكة (1080هـ) فجاور بها وانقطع فيها للعلم والتأليف والدعوة إلى التجديد وإشاعة روح التسامح ونبذ الفرقة والتقليد
والتعصُّب، فعلا ذكره هناك وعظُم صيته بين علماء مكة والقادمين إليها من مختلف بلدان العالم الإسلامي، وتباينت الآراء حوله بين مؤيِّد ومعارض، فنسبه المتعصبة إلى الزندقة لتمرُّده على التقليد وعدم تمسُّكه بمذهب معين، واعتماده على كتاب الله وسنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم فحسب، وخاصة بعد انتشار كتابه "العلم الشامخ في إيثار الحق على الآباء والمشائخ" لما فيه من النقد للمتعصِّبين للأسلاف، والحط من شأن التقليد والمقلِّدين، فقال قولته المشهورة: سبحان الله .. ناصبي في صنعاء وزنديق في مكة!
وهذا هو الإمام الشاطبي بدوره يحكي عن محنته مع المتعصبة فيقول: (فقامت عليّ القيامة وتواترت عليّ الملامة، وفوّق إليّ العتاب سهامه، ونُسِبتُ إلى القول بأنّ الدعاء لا ينفع، ولا فائدة فيه، كما يُعزى إلى بعض الناس بسبب أني لم ألتزم الدعاء بهيئة الاجتماع في أدبار الصلاة – حالة الإمامة - .. وتارة نُسبت إلى الرفض وبغض الصحابة رضي الله عنهم، بسبب أني لم ألتزم ذكر الخلفاء الراشدين منهم في الخطبة .. وتارة أضيف إليّ القول بجواز القيام على الأئمة، وما أضافوه إلا من عدم ذكري لهم في الخطبة .. وتارة أُحمل على التزام الحرج والتنطع في الدين، وإنما حملهم على ذلك أني التزمت في التكليف والفُتيا الحمل على مشهور المذهب الملتزم لا أتعداه، وهم يتعدونه ويفتون بما يسهل على السائل ويوافق هواه – وإن كان شاذاً-وتارة نُسبت إلى معاداة أولياء الله، وسبب ذلك أني عاديت بعض الفقراء – يقصد الصوفية – المبتدعين المخالفين للسنة، المنتصبين – بزعمهم – لهداية الخلق
…
) (1).
(1) الاعتصام 1/ 27 - 28