المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ يمتنع أن يكون شيئان كل منهما علة للآخر وسبب له - جامع المسائل - ابن تيمية - ط عطاءات العلم - جـ ٦

[ابن تيمية]

فهرس الكتاب

- ‌سبب الحديث

- ‌ الحديث عام لا يجوز تخصيصه بالأعمال الشرعية

- ‌ الكلام هنا في فصلين: الواقع الموجود، والواجب المقصود

- ‌اعتقاد وجود اختياري بلا مراد محالٌ

- ‌ قول بعضهم: ينبغي للمريد أن يكون بين يدي الله كالميت بين يدي الغاسل

- ‌ المطلوب منا الاستسلام لله، وإخلاص الدين له

- ‌ العبد له حظانِ: حظ من المخلوق(1)، وحظٌّ من الخالق

- ‌الفصل الثاني: في الواجب من المقاصد والوسائل

- ‌ عبادات المبتدعة

- ‌ عبادات اليهود والنصارى

- ‌ ما يكون صالحًا، ولا يريد به فاعلُه وجه الله

- ‌ الإسلام الذي في القلب لا يتمُّ إلا بعمل الجوارح

- ‌على الإنسان أن يكون مقصودُه نفع الخلق، والإحسان إليهم مطلقا

- ‌ الظلم في الدين يدعو إلى الظلم في الدنيا

- ‌ التمثيل بالماء والنار

- ‌ يمتنع أن يكون شيئان كل منهما علة للآخر وسبب له

- ‌الفعل الواحد في الحقيقة لا يكون عن فاعلين اثنين

- ‌ الحكم الواحد بالعين إذا اجتمعت فيه أسباب

- ‌ الشيء الواحد لا يجتمع له سببان مستقلان

- ‌ عبادته تتضمن كمال محبته بكمال الذلّ له

- ‌ افتقار المحدَث إلى المحدِث أظهر من افتقار الممكن إلى المرجِّح

- ‌ إخلاص الدين لله هو أصل كل علم وهدى

- ‌ الواجب أن يكون الله هو المقصود والمراد بالقصد الأول

- ‌ الحب يتبع الشعور

- ‌ الإنسان له فعلٌ باختياره وإرادته

- ‌ الدين والشرع ضروري لبني آدم

- ‌وجود الأفعال التي لا تحصل غاياتُها بمنزلة وجود العقائد التي لا تطابقُ معتقداتِها

- ‌ فسادُ حالِ من اتخذ إلهه هواه

- ‌من كان قصده العدم لم يفعل شيئًا

- ‌الإرادة بالنسبة إلى المراد كالفعل بالنسبة إلى الفاعل

- ‌ ليس في الوجودِ علةٌ تامةٌ إلاّ مركَّبة سوى مشيئةِ الله تعالى

- ‌ الإسلامَ له ضدّان: الإشراك والاستكبار

- ‌قد يقال: الشرك أعمُّ، ولهذا كان هو المقابل للتوحيد

- ‌الإسلام يتضمن العدلَ

- ‌ معنى الحق

- ‌ العدل والحق والظلم والجور يكون مع النفع للمستحق والضرر للمستحق

- ‌كلُّ ما كانت المنفعةُ به أعظم كان له من الحق بقدر ذلك

- ‌ الظلم في حق المخلوق مما يتضرر به وما لا يتضرر به، وليس من شرطه إضرار المظلوم

- ‌ فضائل الصدِّيق

- ‌يزيدُ أحد ملوك المسلمين، له حسناتٌ وسيئات

- ‌لم يُسْبَ قطُّ في الإسلام أحدٌ من بني هاشم

- ‌عليٌّ وعسكره أولَى من معاويةَ وعسكرِه

- ‌ تكرير الاستغفارِ

- ‌الاستغفار يَمحُو الذنوبَ فيُزيلُ العذابَ

- ‌ استغفار الإنسان أهمُّ من جميع الأدعية لوجهين:

- ‌ الصلاة الوسطى هي العصر

- ‌ الفرض على المسافر ركعتان

- ‌ ليس القصر كالجمع

- ‌ أهل مكة يَقصُرون ويجمعون بعرفةَ ومزدلفةَ

- ‌ وقتَ الصلاةِ وقتانِ: وقت الرفاهية والاختيار، ووقت الحَاجة والعذر

- ‌ العذر نوعان:

- ‌ جنس الجهاد أفضلُ من جنس الحج

- ‌الجمعُ للاشتغال بالجهادِ

- ‌الجمع بين الصلاتين صلاة في الوقت، لكنه لا يجوز إلا لحاجةٍ أو مصلحةٍ راجحة

- ‌أدلَّةُ إيجاب التسمية على الذكاة أظهرُ بكثيرٍ من أدلةِ وجوب قراءةِ التسمية في الصلاة

- ‌ نعم، يجوز بيعُها

- ‌ إيجار الإقطاع صحيح

- ‌ ليس لأحدٍ أن يُحدِث مقالةً في الإسلام في مثل هذا الأمر

- ‌الإجارة جائزةٌ بالنص والإجماع في مواضع متعددة

- ‌ ما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم من بيع المعدومات

- ‌ الشريعة جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيلِ المفاسِد وتقليلها

- ‌أصل مسألة ضمان البساتين هو الفرق بين البيع والإجارة

الفصل: ‌ يمتنع أن يكون شيئان كل منهما علة للآخر وسبب له

الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وسلم، وعلى آله وأصحابه أجمعين.

قال الشيخ الإمام العالم الزاهد القدوة المحقق أبو العباس أحمد ابن الشيخ الإمام العالم الورع عبد الحليم ابن الشيخ الإمام العالم الورع الفاضل أبي البركات بن تيمية رضي الله عنه وأرضاه:

فصل في التوحيد

قال الله تعالى: (لَوْ كَانَ فِيهِمَا آَلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (22))

(1)

، قد كتبنا فيما تقدم قواعد تتعلق بذلك في توحيد الربوبية، وفي توحيد الإلهية، وفي أنه كما يمتنع أن يكون للخلق رَبان، يمتنع أن يكون له إلهان، وتكلمنا على العللِ والأسباب الفاعلية والغائية، وما يتعلق بقوله:(إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5)) وفي أن جميع الحركات ناشئة عن المحبة التي هي حقيقة العبادة، وبسطنا الكلام في هذه المواضع بسطًا شريفا نافعا كاشفًا، ولله الحمد.

فنقول: إنه‌

‌ يمتنع أن يكون شيئان كل منهما علة للآخر وسبب له

، لما فيه من الدور القَبْلِيّ، ولا يمتنع شيئان كل منهما مع الآخر بشرط فيه، وهو الدور المَعِيّ.

وقد بينَّا هذا في جواب مسائل الدَّور، وذلك أن العلة والسبب

(1)

سورة الأنبياء: 22.

ص: 87

والفاعل يجب أن تتقدم المعلول والمسبب والمفعول، فإذا كان هذا علة ذاك، وجب أن يكون هذا قبله. وإذا كان ذاك علة هذا وجب أن يكون ذاك قبله، فيجب أن يكون هذا قبل ذاك، وذاك قبل هذا، وهو ممتنع، إذ هذا إذا كان قبل ذاك، وذاك قبله، كان ذاك قبلَ قبلِ نفسِه، وهو لو كان قبل نفسه كان ممتنعًا، لالتزامه اجتماع النقيضين، إذ هو قبل نفسه معدوم، فإذا كان قبلها كان معدومًا موجودًا، فيلزم هنا اجتماعهما مرتين.

وكذلك إذا قيل: يلزم أن يكون ذاك قبل هذا، وهذا قبله، يلزم مثل ذلك، فيلزم أن يكون ذاك قبلَ قبلِ نفسِه، وهذان الاجتماعان هما ذانك باعيانهما، وإنما فيه التقديم والتأخير، ومضمونه أن يكون الشيء موجودًا قبل أن يكون موجودًا بدرجتين، فإن كون الشيء فاعلاً لنفسه ممتنع، فكيف يكون فاعلاً لفاعل نفسه، وكذا كونه علة نفسه يعني أن نفسه وُجدَت فأوجدتْ نفسَه، وهذا الممتنع لازم في العلتين جميعًا، فيلزم اجَتماع النقيضين أربع مرات.

وكذلك يمتنع في العلة الغائية، التي يقال لها الحكمة والعاقبة، سواءً كانت العلة جوهرًا أو عرضًا. وذلك أن الغائية يجب تأخرها عن المعلول في الوجود، كما يجب تقدم العلة الفاعلة التي هي السبب، فإذا كان هذا علة ذاك لزم تاخر هذا عن ذاك، وبالعكس، يلزم تاخر ذاك عن هذا، فيكون هذا متاخرًا عن نفسه بدرجتين، فيلزم هنا مثل ما لزم هناك، وهو اجتماع النقيضين أربع مرات، فإن امتناع تأخر هذا عن نفسه بدرجة أو درجتين، وهكذا ذاك.

ص: 88

وكذا إذا قدر أن الغاية عرض من الأعراض، كاللذة مثلاً والتنغُم والانتفاع وغير ذلك، فإنه يجب تأخر هذا عن ذاك، وذاك عن هذا، فيلزم ما تقدم من التناقض أربع مرات.

وأيضًا فالعلة الغائية علة فاعلية للعلة الفاعلية، لأنها متقدمة في العلم والقصد، فيجب أن يكون هذا متقدمًا على ذاك علمًا وقصدًا، فيكون هو المقصود بالقصد الأول، وأن يكون ذاك متقدمًا على هذا، فيكون هو المقصود بالقصد الأول، فيلزم تقدم هذا على ذاك، أو تقدم ذاك على هذا، وبالعكس، فيلزم تقدم كل منهما على نفسه بمرتبتين، فكما لا يفعل هذا لذاك، وبالعكس، لا يكون هذا هو المقصود من فعل ذاك وبالعكس.

وهذا يبين في الفاعل الواحد الذي هو القاصد، قُدِّر كل منهما فاعلاً مفعولاً، والغاية غيرهما، وهنا قدِّر كل منهما مفعولاً وغايةً، والفاعل غيرهما، ويجوز أن يكون اثنان مفعولان لفاعل واحد معًا، ويكون وجود أحدهما مشروطًا بالآخر، بحيث لا يوجد كل منهما إلا مع الآخر، كالمتضايفات، مثل: الأبوة والبنوة وغيرهما، فهما مقترنان متلازمان لفاعل ثالث، فكذلك يجوز أن تكون غايةً واحدةً مقصودةً من مفعولين، ويكون وجود أحدهما مشروطًا بوجود الآخر، لا يوجد إلا معه، والغاية أمر ثالث غيرهما، كالأجزاء المركبة، والأمور المتلازمة، والأعضاء ونحو ذلك.

والفاعلان إذا تعاونا على فعل واحدٍ كتعاونِ المتناظرين والمتحاملين والجيش والسابين ونحو ذلك، لم يكن أحدهما فاعلاً

ص: 89