الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الانتفاع بالثمر والزرع هو وعيالُه مع كونها عندهم، ويتضررون بدخولِ العامل عليهم في دارِهم. والعاملُ أيضًا لا يَبقَى مطمئنًّا إلى سلامةِ ثمرِه وزرعه، بل يخاف عليها في مغيبه، وما كلُّ ساكنٍ أمينًا، ولو كان أمينًا لم يُؤمَن الضِّيفانُ والصبيانُ والنسوانُ، وهذا كلُّه معلومٌ.
فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن المزابنة
(1)
- وهي بيعُ الرُّطب بالتمر- لما في ذلك من بيع الربا بجنسِه مجازفةً، وبابُ الربا أشرُّ من باب الميسر، ثم إنه أرخصً في العرايا أن تُباعَ بخَرْصِها لأجل الحاجة، وأمرَ رجلاً أن يبيعَ شجرةً له في ملك الغير- لتضرره بدخوله عليه- أو يَهَبَها له، فلما لم يَفْعَل أمرَ بقَلْعِها
(2)
، فأوجبَ عليه المعاوضةَ لرفع الضررِ عن مالك العَقار، كما أوجبَ للشريك أن يأخذَ الشِّقصَ بثمنِه رفعًا لضرر المشاركة والمقاسمة- فكيف إذا كان الضررُ ما ذُكِر؟
ومعلومٌ أن
الشريعة جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيلِ المفاسِد وتقليلها
، وأنها تقدِّر خيرَ الخيرين بتفويت أدناهما، وتدفع شرَّ الشرين باحتمال أدناهما، والفساد في ذلك أعظم مما يُظَنُّ من حصولِ ضررٍ ما لأحدِ المتعاوضين، فإن هذا ضررٌ كبير محقَّقٌ. وذاك إن حَصَلَ فيه ضررٌ فهو يسير قليل مشكوك فيه.
وأيضًا فالمساقاة والمزارعة يُعتَمد فيها أمانة العامل، وقد يتعذَّر ذلك كثيرًا فيحتاج الناسُ إلى المؤاجرة التي فيها مالٌ مضمونٌ في
(1)
أخرجه البخاري (2207) من حديث أنس. والبخاري (2381) ومسلم (1536) من حديث جابر.
(2)
أخرجه أبو داود (3636) من حديث سمرة بن جندب.
الذمة.
(ثم قال:) فهذا وجهٌ من وجوهِ جواز المؤاجرة.
(ثم قال:) وقد اتفق العلماء على أن المنفعة في الإجارة إذا تَلِفَتْ قبلَ التمكن من استيفائها، فإنه لا يجب أجرة ذلك، مثل أن يستأجرَ حيوانًا فيموت قبل التمكن من الانتفاع به. وكذلك المبيِع إذا تَلِفَ قبلَ التمكن من قبضه، مثلَ أن يشتري قَفِيزًا من صُبْرَةٍ، فتَتْلفُ الصُّبْرةُ قبل القبضِ والتمييز، فإن ذلك من ضمان البائع بلا نزاعٍ.
ولكن تنازعوا في تَلَفِه بعد التمكن من القبض وقبل القبض، كمن اشترى مَعِيبًا وتمكَّن من قَبضِه، وفيه قولان مشهوران: أحدهما أنه لا يضمنه، كقول مالك وأحمد في المشهور عنه، لقول ابن عمر: مَضَتِ السنة أن ما أدركتْه الصَّفَقَةُ حبًّا مجموعًا فهو من مال المشتري.
والثاني: يَضْمنه، كقول أبي حنيفة والشافعي، لكن أبو حنيفة يستثني العقار، ومع هذا فمذهبه أن التخلية قبضٌ، كقول أحمد في إحدى الروايتين، فيتقاربُ مذهبُه ومذهبُ مالك وأحمد في المعيَّن ونحوه.
وكذلك تنازعوا في الثمر إذا اشتُري بعد بدوِّ صلاحه، فتَلِفَ قبلَ كمالِ صلاحِه، فمذهب مالك وأحمد أنه يتلف من ضمان البائع، لما ثبت في الصحيح
(1)
عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن بعْتَ من أخيك ثمرةً فأصابتْها جائحةٌ، فلا يَحلُّ لك أن تأخذ من مالِ أخَيك شيئًا، لِمَ يأخذُ أحدُكم مالَ أخيه بغيرِ حق؟ ". ومذهب الشافعي المشهور عنه: يكون
(1)
مسلم (1554) من حديث جابر.