الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ)
(1)
، وقال:(قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ)
(2)
. ولهذا أمر الله رسولَه أن يقول لأهل الكتاب: (تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ) الآيةَ
(3)
.
ف
الإسلام يتضمن العدلَ
، وهو التسوية بين المتماثلين والتفريق بين المتفاضلين من المخلوقات، إذ ذلك من الإسلام لله ربّ العالمين وحدَه، فإنه إذا كان الدين كله للهِ وكانت كلمةُ الله هي العليا كان الله يأمر بالعدل وينهى عن الظلم. وأصل العدل هو القسط، والقسط هو الإقساط في حق الله تعالى بان لا يُعدَلَ به غيرُه ولا يُجعَلَ له شريك، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ:"حقُّ اللهِ على عبادِه أن يعبدوه لا يُشرِكون به شيئا"
(4)
. فإذا لم يُسلِموا له بل عَدَلوا به غيرَه كان ذلك ظلمًا عظيمًا، وإذا فعلوا هذا الظلمَ في حق الله فهم في حقوقِ العباد أظلم، والتسوية بين المتفاضلين ظلم، كما أن التفضيل بين المتماثلين ظلم، والشركُ من نوع الأول كما قال تعالى:(إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (98))
(5)
، والاستكبار قد يكون من نوع الثاني، والإسلام يتضمن العدلَ كلَّه، كما أنه ينافي الشرك والكبر.
(1)
سورة الحديد: 25.
(2)
سورة الأعر اف: 29.
(3)
سورة آل عمران: 64.
(4)
سبق تخريجه.
(5)
سورة الشعراء: 98.
فصل
والمقصود هنا أن يَعرف المؤمنُ حالَ الناس الذينِ يحتاج إلى معرفة حالهم، ويعمل معهم ما أمر الله به، ويكون فيمن مَضى عبرةٌ له، فآل فرعون لما كانوا أبعدَ الخلق عن الإسلام الذي هو دين الله جعلهم الله في أشدِّ العذاب، كما قال تعالى:(أَدْخِلُوا آَلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ (46))
(1)
، لأنهم كانوا من أعظم الخلق استكبارًا وإشراكًا، حيث جعلوا واحدًا من جنسهم إلههم وربَّهم، فأطاعوه واتبعوا أمره الذي ليس برشيد، واستكبروا قبل مجيئ الرسولِ إليهم على من هو من جنسهم، فاستعبدوهم بغير حق وكانوا خَوَلَهم، وبعد مجيئ الرسول عَلَوا على ربِّهم وعلى رسوله.
وكذلك بنو إسرائيل لما بُعِثَ إليهم المسيح كان من استكبارِهم على رسولهم سؤالهم المائدة وعبادتهم الطاغوت كما ذكره الله عنهم في كتابه، ولما كانوا أبعد الناس عن الإسلام إذ ذاك قال الله لهم:(قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ (115))
(2)
.
وكذلك الذين بعث إليهم محمد صلى الله عليه وسلم كان فيهم من الشرك والكبر ما هو معروف، وقد دلَّ كتاب الله من ذلك على ما فيه عبرة. والمنافق أسوأ حالاً في الآخرة من الكافر، كما قال: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ
(1)
سورة غافر: 46.
(2)
سورة المائدة: 115.
الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ) الآية
(1)
. وقد رُوِي في الحديث عن عبد الله بن عمرو: "إنّ أشدَّ الناس عذاباً يومَ القيامة آل فرعون ومن كفر من أهل المائدة والمنافقون من هذه الأمة"
(2)
. فإن هؤلاء عاندوا الرسل الثلاثة الكبار أهل الشرائع موسى وعيسى ومحمد عليهم الصلاة والسلام في وجوههم، وباشروهم بذلك.
والمشركون الذين خرجوا على ديار الإسلام عبيد جَنْكِسْخان، وهو الذي استخفَّ قومه فأطاعوه من الترك وأشركوا به، حتى اعتقدوا فيه أن أمَّه أَحْبَلَتْها الشمسُ، إذ لا يُعرف له أبٌ بينهم، وإنما كانت أمُّه بغيًّا فَجَرَتْ ببعض الترك، ثم كتمتْ ذلك وأظهرتْ غيره، وكانت ذاتَ مكر وكيدٍ. وقد ذكر الله في كتابه قول العزيز:(إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ (28))
(3)
. ولهذا لما علا ابنُها وقَهَر الأممَ المجاورةَ له كان من سنتهم تعظيم النساء وطاعتهن. ولما كانوا من أبعد الخلق عن الإسلام كانوا من أعظم الأمم كِبرًا وشركًا، فهم مطيعون لمن قَهَرهم وأذلَّهم واستعبَدهم كطاغوتهم الأعظم جنكسخان طاعةً وعبادةً وتألهًا، فهم بذلك من أعظم المشركين، وهم مع ذلك مستكبرون على من قَهَروه من جنسهم وغيرِ جنسهم استكبارا وعلوًّا.
(1)
سورة النساء: 145.
(2)
أخرجه الطبري في تفسيره (9/ 132) عنه.
(3)
سورة يوسف: 28.
فصل
كل مشركٍ فإنه مكذِّبٌ بالآخرة، إذ لو كان مؤمنًا بها لما أشرك بالله شيئًا، وهذا الشرك يدخل في العلم والعمل. ومن فضائل توحيد الإلهية أنه ليس لغير الله مطلقًا ولا مقيَّدًا، وأما توحيد الربوبيةِ فهو لغيره مقيَّدًا، كقول الذين جعلوا لله أندادًا، وقد أخبر عن الكفار أنهم لم يشركوا به في توحيد الربوبية.
فصل
ومما ينبغي أن يُعلم أن كثيرًا من الناس لا يعلمون كونَ الشرك من الظلم، وأنه لا ظلمَ إلا ظلم الحكّام أو ظلم العبد نَفسَه، وإن علموا ذلك من جهة الاتباع والتقليد للكتاب والسنة والإجماع لم يفهموا وجهَ ذلك، ولذلك لم يسبق ذلك إلى فهم جماعة من الصحابة لما سمعوا قوله:(الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ)
(1)
، كما ثبتَ ذلك في الصحيحين
(2)
من حديث ابن مسعود أنهم قالوا: أيُّنا لم يَظلِم نفسه؟! فقال رسول الله: "ألم تسمعوا إلى قول العبد الصالح: (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ)
(3)
؟ ". وذلك أنهم ظنوا أن الظلم -كما حدَّه طائفةٌ من المتكلمين- هو إضرارُ غيرِ مستحقّ، ولا يرون الظلم إلاّ ما فيه إضرارٌ بالمظلوم، إن كان المراد أنهم لن يضروا دين الله وعباده المؤمنين، فإن
(1)
سورة الأنعام: 82.
(2)
البخاري (4476) ومسلم (124).
(3)
سورة لقمان: 13.
ضرر دين الله وضرر المؤمنين بالشرك والمعاصي أبلغ وأبلغ. ومعلوم أن الله سبحانَه لا يضرهُ عبادُه ولا ينفعونه، وإنما يضرون أنفسهم، ولهذا قال:(وَلَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا يُرِيدُ اللَّهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآَخِرَةِ)
(1)
، فأخبر أن الكافر الذي كفر بربه وتركَ حقَّه وأشركَ به وعبدَ غيرَه وتعدَّى حدودَه وانتهكَ محارمَه لا يضرُّه شيئا، كما يَضرُّ المخلوق من السادة ونحوهم من يجحد حقوقهم ويكفُر نِعمَهم ويَعتدِي عليهم، فالله سبحانه وتعالى ليس كمثله شيء ولا تُضْرَب له الأمثالُ.
ولهذا قال تعالى في الحديث الصحيح
(2)
عن أبي ذر -وهو أشرف حديث رواه أهل الشام-: "يا عبادي! إني حرَّمتُ الظلمَ على نفسي وجعلتُه بينكم محرَّماً، فلا تظالموا" الحديث إلى قوله: "يا عبادي! إنكم لن تبلغوا ضري فتضرُّوني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني " إلى قوله: "فمن وجدَ خيرا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومنَّ إلا نفسه ". وكذلك أخبر في القرآن أنه غنى عن خلقِه، لن يبلغوا نفعَه فينفعوه، كما يبلغ بعضهم نفع بعض، كما قال:(وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ (97))
(3)
، وقال (إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ)
(4)
، وقال موسى: (إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ
(1)
سورة آل عمران: 176.
(2)
أخرجه مسلم (2577).
(3)
سورة آل عمران: 97.
(4)
سورة الزمر: 7.
وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ (8))
(1)
بعد أن أخبرهم أن ربهم تأذَّن (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ (7))
(2)
وقال سليمان: (هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي ءأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ (40))
(3)
. وقال: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ) الآية
(4)
. وقال: (إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ) الآية
(5)
. وقال: (لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ)
(6)
. وقال عن بني إسرائيل: (وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (57))
(7)
، فهذا نصٌّ في أنهم لم يظلموا الله وإنما ظلموا أنفسهم. وقال تعالى:(احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ (22) مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ (23))
(8)
.
ولكن عبادته وحده حقٌّ استحقَّه عليهم لذاته، كما قال:(وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (57) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (58))
(9)
، فأخبر أنه إنما خلق الخلق لعبادته، وأخبر أن الذي خلقه لهم وأمره بهم ورضيه وأحبَّه وأراده بأمره
(1)
سورة إبراهيم: 8.
(2)
سورة إبراهيم: 7.
(3)
سورة النمل:40.
(4)
سورة فصلت: 46.
(5)
سورة الإسراء: 7.
(6)
سورة البقرة: 286.
(7)
سورة البقرة: 57.
(8)
سورة الصافات: 22 - 23.
(9)
سورة الذاريات: 56 - 58.
منهم هو عبادته، لم يُرِد منهم رزقًا ولا أن يطعموه، والرزق يَعُمُّ كلَّ ما ينتفع به الحيُّ ظاهرًا وباطنًا، فلم يُرِد منهم ما يريده السادةُ والمخلوقون من عُبَّادِهم، من جَلْب المنفعةِ إليهم التي هي الرزق.
وقال تعالى: (وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (74) وَنَزَعْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا) الاية
(1)
فأخبر تعالى أنهم علموا يومئذٍ أن الحق لله، وأن أولئك الشركاء الذين اتخذوهم من دون الله لم يكن لهم في ذلك الحقّ شي، بل كان دعواهم أن لهم حقا افتراءً افْتَرَوه، فضلَّ عنهم وقتَ الحقيقة ما افتَرَوه.
وفي الصحيحين
(2)
عن معاذ بن جبل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: "هل تدري ما حقُّ اللهِ على العباد؟ "، قلت: الله ورسولُه أعلمُ، قال:"حقه عليهم أن يعبدوه ولا يُشرِكوا به شيئًا" وذكر الحديث.
ولهذا يكثر من ذكر الشرك والكفر وأنواعه في القرآن، ويخبر بأنه ظلم، وأنه من أعظم الظلم، كقوله:(وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ (254)) "
(3)
، وقوله:(وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ) إلى قوله: (وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا (29))
(4)
. وقد أخبر المسيح أن العبادة ليست بحق للمخلوق، وإنما هي حقّ للخالق تعالى، في قوله: (قَالَ سُبْحَانَكَ مَا
(1)
سورة القصص: 74، 75.
(2)
سبق تخريجه.
(3)
سورة البقرة: 254.
(4)
سورة الفرقان: 27.
يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ)
(1)
. وفي الحديث الصحيح
(2)
: "ومن أظلمُ ممن ذهب يخلق كخلقي ". وقال تعالى: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ) الآية
(3)
. وقوله: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآَيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ (22))
(4)
. وقال: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآَيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ) الآيات
(5)
. وقال: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَى إِلَى الْإِسْلَامِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِين
(6)
).
وقوله في الذي آتاه الله الملك: (فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)
(7)
. وقوله: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ) الآية
(8)
. وقوله: (وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ (39))
(9)
. وقوله: (وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى (52))
(10)
. وقال: (وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا)
(11)
. وقوله: (وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا
(1)
سورة المائدة: 116.
(2)
أخرجه البخاري (5953) ومسلم (2111) من حديث أبي هريرة.
(3)
سورة الأنعام: 93.
(4)
سورة السجدة: 22.
(5)
سورة الكهف: 57.
(6)
سورة الصف: 7.
(7)
سورة البقرة: 258.
(8)
سورة البقرة: 165.
(9)
سورة الزخرف: 39.
(10)
سورة النجم: 52.
(11)
سورة النمل: 14.
جِثِيًّا (72))
(1)
، (وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا)
(2)
. وقال: (إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا)
(3)
، (وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا (111))
(4)
. وقال: (أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا لَكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (38))
(5)
، (وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا)(وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً)(وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذَابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (46))
(6)
. وقوله: (فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانَا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (28))
(7)
. وقوله: (قُلْ رَبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي مَا يُوعَدُونَ (93) رَبِّ فَلَا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (94))
(8)
. وقول أهل الأعراف: (رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (47))
(9)
. وقوله: (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ (227))
(10)
. وقوله: (وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ عَذَابًا أَلِيمًا (37))
(11)
(فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا)
(12)
(وَوَقَعَ الْقَوْلُ
(1)
سورة مريم:72.
(2)
الكهف:59.
(3)
الكهف: 29.
(4)
طه: 111.
(5)
مريم: 38.
(6)
الأنبياء: 3، 11، 46.
(7)
المؤمنون: 28.
(8)
المؤمنون: 93 - 94.
(9)
الأعراف: 47.
(10)
الشعراء: 227.
(11)
الفرقان: 37.
(12)
النمل:52.
عَلَيْهِمْ بِمَا ظَلَمُوا)
(1)
. وقوله: (فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (40)
(2)
. والآيات في هذا كثيرة.
وهؤلاء الذين قالوا: إن الظلم إضرار غير مستحق، قصدوا بذلك الظلم المعروف بينهم، وهو ظلم العباد الذين يتضررون بالظلم في حقوقهم. وأما الظلم في حق الله تعالى فلم يستشعروه ولم يقصدوه، ولعلهم لا يعدُّونه ظلمًا، كما هو في أكثر النفوس العامية، بناءً على أن الله غني لا يلحقه ضرر، لكن أكثر هؤلاء مع هذا يوجبون شكره على إحسانه إليهم بالعقل المجرد قبل ورود شرع إذا فُرِضَ خُلُوُّ العباد عن شرع يجعلون العقل معرِّفًا لوجوب ذلك معً الشرع، كما تُعرف بالعقل أمورٌ كثيرة تُعرف بالشرع أيضًا، مع علمهم بأنه سبحانه لا ينتفع بشكر الشاكرين، ولا يتضرر بكفر الكافرين. ومعلومٌ أن تركَ الحق الواجب ظلمٌ، فيناسب أصولهم أن لا يكون الظلم مجردًا لإضرار غير المستحق، بل يدخلُ فيه تركُ ما يُحَبّ لذاته وفعلُ ما يقبح لذاته عندهم. ولهذا يقولون: إنه عُرِف بالعقل أن الظلم من الله قبيح وإن كان لا يتضرر بفعله. وهذا فيه حقٌّ، لكنهم يعنون بذلك أن الظلم منه نظير الظلم من العباد بعضهم بعضًا، فيجعلون لله أندادًا، ويُمثلونَه بخلقِه، ويَضرِبون له الأمثال، ومن هنا وقعوا في الضلال، وصاروا من القدرية المجوسية المنكرين لمشيئته النافذة وقدرته الكاملة وخلقه للأفعال. ومنهم من ينكر علمه القديم وكتابه المحيط بجميع الأحوال.
(1)
سورة النمل: 85.
(2)
سورة القصص: 40.
وقد عارضَهم آخرون من المنتسبين إلى السنة في إثبات القدر، وهم فيما أثبتوه "من علم الله ومشيئته وقدرته وخلقه على الصواب الموافق للكتاب والسنة وإجماع الأمة، لكن نازعوهم فيما تنزه الله عنه من الظلم، وفيما يجب له على خلقِه من الحق، نزاعًا فيه نوع من الباطل في الجدال، وقالوا: إذا كان الله لا يتضرر بما يفعله ولا ينتفع به ولا يأمر به، فلا معنى لتنزيهه عن فعل قبيحٍ أوتسمية شيء مما يقدر عليه قبيحًا أو ظلمًا أو سَفَهًا، لأنه لا يتضرر بهذه الأشياء ولو نسبت إليه، إذ هذه الأسماء لا تكون إلا لمن ينتفع بفعله ويتضرر به، أو لمن فوقَه آمِر مُطاع أمرُه يخافُه، وإذا كان لا ينتفع بشيء من معرفةِ عباده وعبادتهم وشكرهم فلا معنى لإيجاب شيء عليهم له. وإذا كان لم يأمرهم ولم ينههم فلا معنى لقُبحِ شيء منهم، ولا معنى لقبح فعل العبد إلا كونه منهيًّا عنه، ولا معنى لحبّه إلا كونه مأمورًا به.
وهؤلاء وإن كان في كلامهم نوعٌ من المردود المخالف للكتاب والسنة وإجماع السلف، فالحق الذي معهم أضعافُ الحق الذي مع الأولين، وهم الذين يجعلون العقل معرِّفًا، وهم الذين قالوا: إضرار غير مستحق. فإن مخالفة أولئك للكتاب والسنة وإجماع سلف الأئمة أوقعَهم في أمورٍ عظيمة، وعَظُمَ الذمُّ لهم بسبب ذلك. وأما هؤلاء فقصَّروا نوعَ تقصيرٍ لدقةِ الأمر وغموضِه، وحصلَ منهم نوعُ تعدٍّ باجتهادٍ قَلَّ أن يَسْلَم منه في هذه المضايقِ إلا من شاء الله، ولهذا كانوا مضافين إلى السنة والجماعة، وكان الأولون داخلين في الفرقة والخروج.
وقد تكلمتُ على مسألة التحسين والتقبيح العقلي وعلى مسألة تنزيه الربّ عن الظلم في غير هذا الموضع بما يُوقِفُ مُريدَ الحق على حقيقة الأمر إن شاء الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله. ولم يكن الغرض هنا ذِكر هذا، وإنما بيَّنّا ذلك لاتصال الكلام به، لأنه بسبب كونِ الظلم في النفوس عامةً مستلزمًا لاحتراز المظلوم من الظلم، وكونِ الحق مستلزمًا لنفع المستحقِّ، ولم يَهتدِ أكثرهم إلى كونِ عبادةِ الله وحدَه حقاً له، وكونِ الشركِ ظلمًا في حقه.
ثم اضطربوا في وجه التكليف وجنسه، فزعمت المعتزلة ونحوهم ممن يتكلم في التعديل والتجويز
(1)
أن ذلك لما فيه من تعريض المكلَّف للنفع الذي لا يحصل بدونه، وكان هذا الكلام من اللغو بيَّن الناس بطلانه من وجوهٍ كثيرة. هذا مع أنهم يُوجِبون شُكره بدون التكليف الشرعي، وهذا تناقضٌ بيِّن.
وقال آخرون من المنتسبين إلى السنة: إن ذلك محض المشيئة وصدق الإرادة، وهذا الإطلاق غالب على أهل السنة الظاهرين من فقهاء أهل السنة ومتكلميهم، ومعلومٌ أن الله يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، لكن لا ينكر العاقل ما في خلقه وأمره من أنواع الحكمة والمصالح لخلقه، بل إخلاء الوجود من الوجوه التي فيها المناسبة لأحكامها من الظلم، فقد سلمت الشريعة لبابها وحرر الفقه في الدين صاحبه، ولم يفهم المعارض كون السنة التي سنَّها الرسول هي
(1)
في هامش الأصل: "أي يقولون هذا يُجوِّز هذا، وهذا يَجُوز أن يكون ويجوز أن [لا] يكون ". ولعل الأرجح: "التجوير" من الجور، انظر (ص 50).
الحكمة، وأن الله أنزل عليه الكتاب والحكمة.
ثم من تدبَّر قوله: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ)
(1)
وقوله: (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (13))
(2)
وقوله: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56))
(3)
وقوله: "أتدري ما حق الله على عباده "
(4)
= عَلِمَ أنه يستحق أن يُعبَد، وأن في الشرك والفواحش ما يوجب قبحها وقبحه وتحريمه، وظَهر له الفرقُ بين ما اتفقت عليه الرسل من الأمر الذي لا يقبل النسخ، مثل الإيمان بالله واليوم الآخر والعمل الصالح الذي أصله عبادةُ الله وحدَه لا شريك له، وما فيه من تحريم قتل النفس بغير حق والزنا والكذب والظلم وغير ذلك مما أنزل الله فيه السور المكية المشتملة على أصول الدين، وما شرعت فيه شرائع الرسل مثل صفة العبادات وأقدارها ومقادير العقوبات وأنواعها وغير ذلك مما أنزله الله في السور المدنية، وأنزل فيها ما جعله لأهل القرآن من الوجهة والشرعة والمنهاج والمنسك، وفضَّلهم بذلك على سائر الأمم. والحمد لله الذي أكمل لنا ديننا وأتمَّ علينا نعمتَه ورضيَ لنا الإسلام دينًا.
(1)
سورة الأعراف: 28.
(2)
سورة لقمان: 13.
(3)
سورة الذاريات: 56.
(4)
سبق تخريجه.
فصل
ولهذا قال آخرون من المُتَسنِّنة: إن الظلم وضع الشيء في غير موضعه، كما يقول العرب
(1)
: "مَن أشبَه أباه فما ظلم " أي ما وضعَ الشَّبَهَ في غير موضعه. وهذا الحدُّ أسلمُ من الأول الذي تكلمنا عليه في الفصل قبله، لكن فيه إجمالٌ، فإنه يحتاج إلى بيان موضع الشيء، وهو يرجع إلى معرفة الحق، فكأنه قال: الظلم تركُ الحق. ولكن هذا الإجمال لا يمنع أن يكون كلامًا سديدًا، وأن هذا الأمر العام لا يُعبَّر عنه إلاّ بمثل هذه العبارة الجامعة، وأما التفصيل ففي كلّ موضعٍ بحسبه.
ولهذا كان الحدُّ الأول فيه هذا، وهو قوله في الفصل قبله:"إضرار غير مستحق"، فإن قول القائل:"إضرار غير مستحق " فيه من الإجمال نحو هذا، فلا بدَّ من معرفة المستحق، فيحتاج إلى بيان الحق والعدل المضادّ للظلم. فإذا كان كلٌّ من الحدَّين موقوفًا على معرفة الحق، وكان الأول هو الجامع للمعنيين، كان أَحكم، ولذلك قال بعضهم: الظلم نقص الحق أو النقص عن الواجب أو نحو ذلك، مستشهدين بقوله:(وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا)
(2)
أي لم تنقص منه شيئًا. وهذا وإن كان صحيحًا فظاهره إنما يتناول أحدَ نوعي الظلم، وهو ترك
(1)
انظر: الحيوان (1/ 332) وأمثال أبي عبيد (ص 145، 160) وفصل المقال (ص 185) وجمهرة الأمثال للعسكري (2/ 244) ومجمع الأمثال للميداني (2/ 300).
(2)
سورة الكهف: 33.