الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سُئل رحمه الله ورضي عنه-
عن مَقتل الحسين رضي الله عنه وما حكمُه وحكمُ قاتلِه؟ وما حكمُ يزيد؟ وما صحَّ من صفة مقتل الحسين وسَبْي أهلِه وحملهم إلى دمشق والرأس معهم؟ وما حكمُ معاوية في أمر الحسن والحسين وعلي وقتل عثمان ونحو ذلك؟
فأجاب رضي الله عنه
الحمد لله. أما عثمان وعلي والحسين رضي الله عنهم فقُتِلوا مظلومين شهداءَ باتفاق أهل السنة والجماعة، وقد ورد في عثمان وعلي أحاديث صحيحة في أنهم شهداء وأنهم من أهل الجنة، بل وفي طلحة والزبير أيضا، كما في الحديث الصحيح
(1)
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للجبل لما اهتزَّ ومعه أبو بكر وعمر وعثمان وعلي: "اثبُتْ حِرَاءُ -أو أُحُدُ- فإنما عليك نبيٌّ وصدّيقٌ وشهيدان ". بل قد شهد النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة للعشرة
(2)
، وهم: الخلفاء الأربعة وطلحة والزبير وسعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد وعبد الرحمن بن عوف وأبو عبيدة بن الجراح.
أما
فضائل الصدِّيق
فكثيرة مستفيضةٌ، وقد ثبتَ من غير وجه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال
(3)
: "لو كنتُ متخذًا من أهل الأرض خليلاً لاتخذتُ
(1)
أخرجه البخاري (3675) من حديث أنس بن مالك. وأخرجه مسلم (2417) عن أبي هريرة بنحوه.
(2)
أخرجه أحمد (1/ 189) وأبو داود (4648) والترمذي (3748) وابن ماجه (133) من حديث سعيد بن زيد. قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
(3)
أخرجه البخاري (466، 3654) ومسلم (2382) من حديث أبي سعيد =
أبا بكر خليلاً، ولكن صاحبكم خليل الله" يعني نفسَه. وقال:"إنَّ أَمَنَّ الناسِ علينا في صُحبتِه وذاتِ يدِه أبو بكر". وقال: "لا يبقينَّ في المسجد خَوخَة إلأَ سُدَّتْ إلأَ خوخة أبي بكر". وقال لعائشة
(1)
: "ادْعِيْ لي أباك وأخاكِ، حتى أكتُبَ لأبي بكر كتابًا لا يختلف عليه الناس من بعدي ". ثم قال: "يأبي الله والمؤمنون إلاّ أبا بكر". وجاءتْه امرأة فسألَتْه شيئًا، فأمرَها أن تَرجعَ إليه، فقالت: أرأيتَ إن جئتُ فلم أجدْكَ؟ - كأنها تَعنِي الموت- قالَ: "إن لم تجديني فائْتِي أبا بكر"
(2)
. وقَال: "أيها الناس، إني جئتُ إليكم فقلتُ: إني رسول الله إليكم، فقلتم: كذبتَ، وقال أبو بكر: صدقتَ، ووَاسَانِي بنفسِه وماله، فهل أنتم تَارِكُو لي صاحبي؟ "
(3)
.
وهذه الأحاديث كلها في الصحاح ثابتة عند أهل العلم بالنقل. وقد تواترَ أنه أمره أن يُصلِّي بالناس في مرضِ موته، فصلَّى بالناس أيامًا متعددةً بأمرِه، وأصحابُه كلُّهم حاضرون- عمر وعثمان وعلي وغيرهم- فقدَّمَه عليهم كلِّهم. وثبت في الصحيح
(4)
أن عمر قال له بمحضرٍ من المهاجرين والأنصار: "أنتَ خيرُنا وسيِّدُنا وأحبُّنا إلى
= الخدري بنحوه إلاّ جملة "لكن صاحبكم خليل الله"، فهي في حديث جندب بن عبد الله عند مسلم (532).
(1)
أخرجه مسلم (2387) من حديث عائشة. ورواه البخاري (7217) بنحوه.
(2)
أخرجه البخاري (3659) ومسلم (2386) من حديث جبير بن مطعم.
(3)
أخرجه البخاري (3661) من حديث أبي الدرداء.
(4)
البخاري برقم (3668).
رسولِ الله صلى الله عليه وسلم ". وثبت في الصحيح
(1)
: أنَّ عمرو بن العاصي سألَه عن أحبِّ الرجال إليه، فقال:"أبو بكر".
وفضائل عمر وعثمان وعلي كثيرة جدًّا ليس هذا موضع بَسطِها، وإنما المقصود أن من هو دون هؤلاء- مثل طلحة والزبير وسعد وسعيد وعبد الرحمن بن عوف- قد تُوفَي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راضٍ، كما ثبت ذلك في الصحيح
(2)
عن عمر أنه جعلَ الأمر شورى في ستَهٍ: عثمان وعلي وطلحة والزبير وسعد وعبد الرحمن، وقال: هؤلاء الذين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راضٍ. بل قد ثبتَ في الصحيح
(3)
من حديث علي بن أبي طالب أن حاطب بن أبي بَلْتَعَة قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنه شهدَ بدرًا، وما يُدريك أنّ الله اطَّلع إلى أهلِ بدرٍ فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرتُ لكم ". وكانوا ثلاث مئة وثلاثة عشر.
وثبت في صحيح مسلم
(4)
عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا يَدخلُ النارَ أحدٌ بايعَ تحتَ الشجرة". وكان أهل الشجرة ألفًا وأربعمئةٍ كلهم رضي الله عنهم ورَضُوا عنه، وهم السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار، وهم الذين أنفقوا من قبل الفتح وقاتلوا، فهم أعظم درجةً ممن أنفقَ من بعد الفتح وقاتلَ. وثبتَ في الصحيح
(5)
عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه
(1)
البخاري (3662) ومسلم (2384).
(2)
البخاري (3700).
(3)
البخاري (3983) ومسلم (2494).
(4)
برقم (2496) عن أم مبشر.
(5)
البخاري (3673) ومسلم (2541) من حديث أبي سعيد الخدري.
قال: "لا تَسُبُّوا أصحابي، فلو أنفقَ أحدُكم مثلَ أُحُدٍ ذهبًا ما بلغَ مُدَّ أحدِهم ولا نَصِيْفَه ". وثبت في الصحيح
(1)
أن غلامَ حاطبٍ قال: والله يا رسول الله، ليَدخلَنَّ حَاطبٌ النارَ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم له:"كذبتَ، إنه قد شهدَ بدرًا والحديبية". وهذا وقد كان حاطبٌ سَيِّئ المَلكَةِ، وقد كاتبَ المشركينَ باخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوةِ الفتح، ومع هذه الذنوب أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه ممن يدخلُ الجنَّة ولا يدخلُ النار، فكيف بمن هو أفضَلُ منه بكثير؟ كعثمان وعلي وطلحة والزبير وسعد وعبد الرحمن بن عوف.
وأما الحسين فهو وأخوه سيِّدا شباب أهل الجنة
(2)
، وهما رَيْحانةُ رسول الله صلى الله عليه وسلم من الدنيا، كما ثبت ذلكَ في الصحيح
(3)
. وثبتَ في الصحيح
(4)
أنه أدارَ كساءَه على عليّ وفاطمة والحسن والحسين، وقال:"الَّلهمّ هؤلاء أهلُ بيتي، أَذهِبْ عنهم الرجسَ وطهِّرهم تطهيرًا". وإن كان الحسنُ الأكبر هو الأفضل، لكونه كان أعظمَ حلمًا وأرغبَ في الإصلاح بين المسلمين وحَقْنِ دماءِ المسلمين، كما ثبتَ في صحيح البخاري
(5)
عن أبي بكرة قال: رأيتُ النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر
(1)
مسلم (2195) من حديث جابر.
(2)
أخرجه أحمد (3/ 3، 62، 64، 84) والترمذي (3768) والنسائي (5/ 50) من حديث أبي سعيد الخدري. وصححه الترمذي. وفي الباب عن غيره من الصحابة.
(3)
البخاري (3753، 5994) عن ابن عمر.
(4)
مسلم (2424) عن عائشة.
(5)
برقم (2704).
والحسنُ بن علي إلى جانبه، وهو يُقبلُ على الناس مرةً وعليه أخرى، ويقول:"إنَّ ابني هذا سيد، ولعلَّ الله أن يُصلحَ به بين فئتين عظيمتين من المسلمين ". وفي صحيح البخاري
(1)
عن أسامة قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يأخذني فيُقعِدني على فخذِه، ويُقعِد الحسنَ على فخذِه الأخرى، ويقول:"اللهمَ إني أحِبُّهما، فأَحبهما، وأَحِبَّ من يُحِبُّهما". وكانا من أكرهِ الناس للدخول في اقتتال الأَمة.
والحسين رضي الله عنه قُتِل مظلومًا شهِيدًا، وقتَلَتُه ظالمون متعدُّون، وإن كان بعض الناس يقول: إنه قُتِلَ بحق، ويحتِجّ بقول النبي صلى الله عليه وسلم:" من جاءكم وأمرُكم على رجلٍ واحدٍ يُرِيد أن يُفرِّق بين جماعتكم فاضربوا عُنُقَه بالسيف، كائنًا من كان ". رواه مسلم
(2)
. فزعم هؤلاء أن الحسين أتى الأمةَ وهم مجتمعون، فأراد أن يُفرِّق الأمة، فوجبَ قتلُه. وهذا بخلاف من يتخلَّف عن بيعة الإمام ولم يَخرُج عليه، فإنه لا يجب قتلُه، كما لم يقتُل الصحابة سعد بن عُبادة مع تخلُّفِه عن بيعةِ أبي بكر وعمر.
وهذا كذِبٌ وجهل، فإن الحسين رضي الله عنه لم يُقتَل حتى أقامَ الحجةَ على من قتلَه، وطلبَ أن يذهبَ إلى يزيدَ أو يرجعَ إلى المدينة أو يذهبَ إلى الثَّغْر. وهذا لو طلبَه آحادُ الناس لوجبَ إجابتُه، فكيف لا يجب إجابةُ الحسين رضي الله عنه إلى ذلك وهو يطلب الكفَّ والإمساك؟
(1)
برقم (3735).
(2)
برقم (1852) عن عرفجة.
وأما أصل مجيئه فإنما كان لأن قوماً من أهل العراق من الشيعة كتبوا إليه كتبًا كثيرة يشتكون فيها من تغيُّرِ الشريعة وظهور الظلم، وطلبوا منه أن يقدمَ ليبايعوه ويعاونوه على إقامة الشرع والعدل، وأشار عليه أهلُ الدين والعلم- كابن عباس وابن عمر وابي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام- بأن لا يذهب إليهم، وذكروا له أن هؤلاء يَغُرُّونَه، وأنهم لا يُوفُون بقولهم، ولا يَقدِر على مطلوبه، وأن أباه كان أعظمَ حرمةً منه وأتباعًا ولم يتمكَّن من مرادِه. فظنَّ الحسين أنه يَبلُغ مرادَه، فأرسلَ ابنَ عمّه مسلم بن عَقِيل، فاَوَوه أوّلاً ثمَّ قتلوه ثانيًا، فلما بلغَ الحسينَ ذلك طلبَ الرجوعَ، فأدركَتْه السريَّةُ الظالمةُ، فلم تُمكِّنْه من طاعة الله ورسوله، لا من ذهابه إلى يزيد، ولا من رجوعِه إلى بلدِه ولا إلى الثَّغْر. وكان يزيدُ لو يجتمعُ بالحسين من أحرصِ الناس على إكرامِه وتعظيمه ورعايةِ حقِّه، ولم يكن في المسلمين عنده أجلُّ من الحسين، فلما قتله أولئك الظَّلَمة حَملُوا رأسَه إلى قدّام عبيدِ الله بن زياد، فنكَتَ بالقضيب على ثناياه، وكان في المجلس أنس بن مالك فقال: إنك تنكتُ بالقضَيب حيثُ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُقبِّلُ. هكذا ثبتَ في الصحيح
(1)
، وفي المَسند
(2)
أن أبا بَرْزَةَ الأسلمي كان أيضًا شاهدًا. فهذا كان بالعراق عند ابن زياد.
وأما حملُ الرأس إلى الشام أو غيرها والطوافُ به فهو كَذِبٌ، والروايات التي تُروَى أنه حُمِلَ إلى قُدَّام يزيدَ ونكتَ بالقضيب =
(1)
البخاري (3748) عن أنس.
(2)
لم أجده فيه.