الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وكل
ما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم من بيع المعدومات
- مثل نهيه عن بيع الملاقيح والمضامين وحَبَلِ الحَبَلَةِ
(1)
، وهو بيعُ ما في أصلابِ الفحولِ أو أرحام الإناث ونتاج النتاج، ونهيه عن بيع المُعَاوَمة وهو بيع السّنين
(2)
، وأمثال ذلك- إنما هو أن يشتري المشتري تلك الأعيان التي لم تُخلَق بعدُ، وأصولُها يقومُ عليها البائع، فهو الذي يَستنتجها ويستثمرها، ويُسَلِّمُ إلى المشتري ما يحصلُ من النتاج والثمرة. وهذا هو الذي كان أهل الجاهلية يفعلونه. وهذا على تفسير الجمهور في حَبَلِ الحَبَلة أنه بيع نتاج النتاج، ومن فسره بتفسير الشافعي أنه البيع إلى نتاج النتاج فإنه يكون إبطالُه لجهالةِ الأجل.
وهذه البيوع التي نهى عنها النبي صلى الله عليه وسلم هي من باب القمار الذي هو مَيْسِر، وذلك أكلُ مالٍ بالباطل، وأصحابُ هذه الأصول يُمكِنُهم تأخير البيع إلى أن يخلق الله ما يخلقه من هذه الثمار والأولاد، وإنما يفعلون هذا مخاطرةً مباختةً كفعلِ المقامرين من أهل الميسر.
وأما مسألة النزاع فهي من باب الإجارات، فضمانُ البساتين لمن يقوم عليها كضمان الأرض لمن يقوم عليها فيَزْدرِعُها، واحتكار الأرض لمن يبني فيها ويَغْرِسُ فيها ونحو ذلك.
وأيضًا فإن المسلمين اتفقوا على ما فعلَه أميرُ المؤمنين عمر بن
(1)
أخرجه مالك في الموطأ (2/ 654) عن سعيد بن المسيب. والنهي عن بيع حبل الحبلة ورد في أحاديث، منها ما أخرجه مسلم (1514) من حديث ابن عمر.
(2)
أخرجه البخاري (2381) ومسلم (1536/ 85) من حديث جابر بن عبد الله.
الخطاب رضي الله عنه، من ضَرْب الخراج على السَّوادِ وغيره من الأرض التي فُتِحتْ عَنْوةً، سواء قيلَ. إنه يجب في الأرض التي فُتِحتْ عَنْوةً أن تُجعَل فيئًا- كما قاله مالك وهو روايةٌ عن أحمد-؛ أو قيل: إنه يجب قِسْمتُها بين الغانمين- كما قال الشافعي، وهو رواية عن أحمد-؛ أو قيل: يُخيَّر الإمام فيها بين هذا وهذا- كما هو مذهب أبي حنيفة والثوري وأبي عبيد وغيرهم، وهو ظاهر مذهب أحمد-. فإن الشافعي يقول: إن عمر استطابَ أنفُسَ الغانمين، حتى جعلَها فيئًا وضَرَبَ الخراجَ عليها.
فاتفق المسلمون في الجملة على أن وضْعَ الخراج علىْ أرضِ العنوةِ جائز إذا لم يكن فيه ظلمٌ للغانمين. ثم الخراج عند أكثرهم أجرةُ الأرض، وإنه لم يُقدَّر مدةُ الإجارة لعموم مصلحتها، والخراج ضربه على الأرض التي فيها شجر والأرض البيضاء، وضرب على جَريبِ النَّخل مقدارًا وعلى جريب الكَرْم مقدارا، وهذا بعينه إجارةٌ للأرض مع الشجر، فإن كان جواز ذلك على وَفْىِّ القياس فهو المطلوب، وإن كان جوازُ ذلك للحاجة فالحاجةُ داعية إلى ذلك، فإن الناس لهم بساتين فيها مساكن، ولها أجور وافرةٌ، فإن دفعوها إلى من يعملها مساقاةً ومزارعةً تعطَّلتْ منفعةُ المساكن عليهم، كما في أرض دمشق ونحوها.
ثم قد يكون وقفًا أو ليتيم ونحو ذلك، فكيف يجوز تعطيلُ منفعة المساكن المبنية في الحدائق، وقد تكون منفعة المسكن هي أكثرُ المنفعةِ، ومنفعة الزرع والشجر تابعة، فيحتاجون إلى إجارة تلك المساكن، ولا يُمكِن أن تؤجر دون منفعةِ الأرض والشجر، فإن العامل إذا كان غير الساكن تضرَّرَ هذا وهذا تضرُّرًا، الساكنُ يَبقَى ممنوعًا من