الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
"الوتر حق "
(1)
ونحو ذلك مما يَصِفُ فيه الأفعالَ بأنها حقٌّ أو باطلٌ، كما وصف الله أعمال الكفّار بانها باطلٌ، ولهذا يقول الفقهاء: عملٌ وعقدٌ صالح وصحيح، وبإزائه الباطلُ، فما حصلَ به مقصودُه وتَرتَّبَ عليه أثرُه فهو الصحيح وهو الصالح، وما لم يحصل به مقصودُه ولا تَرتَّبَ عليه أثرٌ فهو باطلٌ.
إذا تقررتْ هذه الأمور فاعلم أن
العدل والحق والظلم والجور يكون مع النفع للمستحق والضرر للمستحق
، ويكون بدون ذلك في الجمادات والحيوانات في كل يابسٍ ورَطْب، فليس كل من وقعَ الظلمُ في حقِّه يكون متضررًا به، وإنما حَصَلَ الضررُ لغيرِه لعدمِ العدلِ فيهِ. وتدبَّرْ هذا في الَانية والأطعمة والملابس والأشجار والثمار والزروع ونحو ذلك، فإنّ البيت المبنيَّ إذا نقصَ أحدُ الحائطَينِ المتناظرينِ عن الآخر أو جُعِلَ السَّقفُ أو بعضُ جذوعِه أقصرَ مما بين الحائطينِ كان هذا تركًا للعدلِ والحقِّ الذي يقوم به ذلك البناءُ، وكان هذا ظلمًا لأحد الحائطينِ ولأحد الجذعَينِ، ويقال فيه: هذا لا يصلحُ، ويقال: هذا الجذع يستحق أن يُوضَع هنا، وهذا الحائطُ يستحق أن يُجعَل بقدرِ هذا، ونحو ذلك من المعاني التي يُذكَر فيها الاستحقاق والمراد، ويُجعَل ذلك من العدل بينها، ويجعل بعضها يُطلَق إذا ما نقصَ عمَّا يستحقه أو وُضِعَ في غير موضعه. وذلك كلُّه مستلزمٌ ضرَر الساكن في
(1)
أخرجه أحمد (5/ 418) وأبو داود (1422) والنسائي (3/ 238) من حديث أبي أيوب الأنصاري. وأخرجه أحمد (5/ 357) وأبو داود (1419) من حديث بريدة بن الحصيب.
ذلك المسكن أو فواتَ الانتفاع المقصود، لأنه لم يُفعَل الشيء الذي ينتفع به، فنَقْصُ منفعتِه ظلمٌ.
وكذلك في اللباس، لو نَقَصَ أحدُ جانبَي الثوب عن الآخر، أو نقصَ ما يتمُّ به من خياطةٍ وقَدْرٍ، أو نقصَ الثوبُ عما يستحقه من النَّسْجِ أو الغَزْل أو نحوه= قيل فيه: لم يُعْطَ حقَّه، وكان حقه أن يُفعَل به كذا وكذا، وكان الواجب أن يُسوىَ بين هذا وهذا، وهذا عدلٌ وهذا ظلمٌ، وقد ظلم هذا الجانب هذا الموضع ونحوه.
وكذلك في الأطعمة، في أجزاء الطعام ومقدارِ طَبْخِه ونحو ذلك، لها حقوقٌ مبناها على العدل. وكذلك في الزُّروع إذا أُثيرت الأرضُ وبُذِرتْ وسُقِيَ الزرعُ ونُظّفَ على الوجه الذي يستحقه، وإلاّ قيل: هذا كان يستحقُّ كذا وكذا، وهذا الزرع لم يُعطَ حقَّه، ونحو ذلك. فإذا عُمِلَ كما يستحقه وأخرج الثمر قيل: أخرج ثمره ولمِ يظلم منه شيئًا، كما قال تعالى:(وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا (32) كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آَتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا)
(1)
، فهنا جعل الظلم من نفس الجماد، لأنه لما أُعطِي حقه من عمل العبد فيه لم يظلم عامله شيئًا، كما قد يُجعَل لها فتكون ظالمةً تارةً ومظلومةً أخرى، كما قال النابغة
(2)
:
وَقفتُ فيها أُصَيلَالاً أُسَائِلُها
…
عَيَّتْ جوابًا وما بالرَّبْعِ من أحدِ
(1)
سورة الكهف: 32، 33.
(2)
ديوانه (ص 14، 15).