الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المرضي، والقبيح ضد ذلك، وصفات الكمال تعود إلى ذلك. فالحسن والقبح متعلقان بالعلة الغائية مطلقًا، وقد بسطنا هذا في غير موضع، كقاعدة مفردة في غير ذلك.
والقدرية لم ينبتوا الغاية كما ينبغي، بل تَخبَّطوا فيها، وإن كانوا من الحسن والقبح بَأصله دون تفصيله الصحيح، ثم عدلوا الله بخلقه تشبيهًا باطلاً مع غلوِّهم في إنكار التشبيه في الصفات، وإن كانوا أثبتوه هنا أصلاً، كما له أصل في الصفات، ولكن جهلوا التفصيل هنا، كما جهلوا هناك الأصل، وأنكروا أن يكون الله نفسه هو الغاية المقصودة، وأنكروا السبب، فأنكروا كونه خالقًا لأفعال العباد
(1)
.
وإذا لم يصلح أن يكون هوى العبد هو الغاية المقصودة لذاتها مطلقًا، تبين
فسادُ حالِ من اتخذ إلهه هواه
، ومن عَبَدَ ما استحسن من دون الله، وهؤلاء المشركون المتبعون لأهوائهم المتخذون آلهتهم أهواءهم. ويُحكى ذلك عن البراهمة منكري النبوات، كما حكاه أبو الحسن الرَّبَعِي في كتاب "اتباع المرسلين في الاحتياط للدين "، قال: وقال قوم يُقال لهم البرهمية بقول عبدة الأصنام: ما استحسنه العبد فهو معبوده.
وهذا أيضًا حقيقة قول الاتحادية القائلين بوحدة الوجود، إذ عندهم كل ما كان موجودًا يصلح أن يكون لكل عابد معبودًا، وإن كان عندهم كل عابد فهو أيضًا معبود، كما قال شيخهم صاحب الفصوص:
(1)
بعده بياض بقدر سطر ونصف.
"فليعبدني وأعبده"
(1)
. وقال: "أعظم معبود عبد فيه الهوى"
(2)
.
وإذا تبين أنه لا يصلح أن يكون كل ما يهواه العبد ويريده مقصودًا
…
(3)
تبين من ذلك أنه لا يصلح أن يكون ما يوجد من اللذة هي الغاية المقصودة بفعله، لأن اللذة تتبع الشهوة، فإذا حصل ما يشتهيه وجد اللذة، فإذا امتنع أن يكون المنتهى مطلقًا مقصودًا، امتنع أن تكون اللذة مطلقًا غاية مقصودةً، لما بيناه من أن وجود ذلك يمنع وجوده، لما فيه من الفساد، ولكن لا بد في فعله من حب، ولا بد له من لذة، فالشهوة واللذة سببان في فعله، ذلك سببٌ فاعليّ، وهذا سببٌ غاليّ، بهما كان الإنسان من وجهٍ فاعلاً لفعله، ومن وجهٍ غايةً لفعله، كما تقدم بيانه.
لكن كما بينا أن هذا السبب فيه لم يحصل به مستقلاًّ، بل بالرب الذي خلقه وأعانه، فكذلك هذه اللذة لم يحصل الفعلُ لأجلها فقط، بل للغاية التي هي الرب الذي هو إلهه.
وكما أنه بدون الرب يمتنع الفعل، فبدون الإله لا يصلح الفعل، بل لا يكون إلا فسادٌ، فإن ما في العبد من القوة والإرادة مُحدَثٌ من جهة الله، كذلك كون لذته العاجلة غاية إنما كان لغاية أخرى من جهة الله، وذلك أنه كما كان المُحدَث عن عدم فلا بد له من مُحدِث، فهذه الغاية منقطعة يتعقبها العدم والزوال، فلا بد له من غاية أخرى باقية
(1)
فصوص الحكم (1/ 83).
(2)
فصوص الحكم (1/ 194).
(3)
بياض في الأصل بقدر كلمة.
دائمة، إذ كل ما يمنع أن تكون الحوادثُ مستغنيةً عن الفاعل يمنع أن تكون المنقطعة مقصودة بالذات، فجَعْلُه نفسه الغاية مثل جَعْلِه نفسه السبب، فكما أنه لا يجوز أن يكون مُعِينُه ومُمِدُّه لحصول قوته وقصده وعمله هو نفسه، بل من توكل على [نفسه] خذل، كذلك لا يجوز أن يكون ما يطلبه ويقصده ويحبه ويعمله هو نفسه، بل مَن عَبدَ نفسه واتبع هواه ضلّ وخسر، وما أكثر ما يتخذ العبد إلهه هواه، فيكون ما يهواه إلهه، وهو يهوى نفسه كثيرًا، فيعبد نفسه. كما يستعين بنفسه إذا أُعجِبَ بها.
وكذلك لو أدخل واسطةً، مثل الذي يستعين بغيره، وهو الذي يُعِين ذلك الغير، وذلك الغير يستعين به، فهو في الحقيقة إنما يستعين بنفسه. وكذلك إذا عمل لذلك الغير، وهو يقصد أن يكون عمل ذلك له، فهو إنما عمل لنفسه.
ونُبيِّن ذلك، فإن هذا لم يتقدم بعدُ الكلامُ فيه، بل قد تكلمنا في بيان الغاية الإلهية بكلام ثم كلام، ولم يتحقق ذلك على الوجه إلى الآن، فنقول في هذا الكلام الثالث:
كما أن الشيء لا يُوجَد من معدوم، فلا يُوجَد لمعدوم، إذ إيجاد الشيء للعدم كوجوده من العدم، فمن قصد الشيءَ لنفيه كان بمنزلة من لم يقصده، ولذا لا يفعل هذا عاقل بل سفيه، لأنه إذا قصد وجوده ليعدمه كان عدمه هو المقصود بالقصد الأول، والعدم
(1)
لا يصلح أن يكون مقصودًا، كما لا يصلح أن يكون فاعلاً، لأنه لا شيء، وما ليس
(1)
في الأصل: "العمل" تحريف.