الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
للمفعول، ولا للفاعل الآخر، بل كل منهما فاعل بعض ذلك المفعول، ومفعول أحدهما مع مفعول الآخر وشرط فيه، فالفعلان معاً كالأخوين كالوالد والولد.
وكذلك الفعلان، إذا كان لكل منهما غاية، والغايتان متعاونتان مشتركتان، بحيث يكون قصد إحداهما مع قصد الآخر، كالزوجين المتناكحين، وكالمتبايعين ونحوهما ممن يقصد كل منهما بفعله الآخر نظيرَ ما يقصد الآخر بفعله، فهنا ليست واحدة من الغايتين علة للأخرى، بل كل منهما علة فعل الآخر قاصدها، ولكن كل من العلتين المقصودتين الغائيتين معاونة للأخرى ومقارنة لها ودائرة معها دورًا معيَّا، والفاعلان المتعاونان كل منهما لفعله سبب غير المعاون، كذلك المقصودان الغايتان لكل منهما حكمة مقصودة غير الغاية المعاونة، وقد يكون سبب الفاعلين واحد، كالفاعلين بعضوين، كالذي يأمر رجلين بالتعاون، وكالذي يغسل إحدى اليدين بالأخرى. وقد يكون مقصود المقصودين وغايتهما واحدة، كالغاية من المتناكحين، وهو انعقاد الولد.
فصل
الفعل الواحد في الحقيقة لا يكون عن فاعلين اثنين
، وكذلك المعلول الواحد في الحقيقة لا يكون عن علتين تامتين.
وقول من قال من الفقهاء: يجوز تعليل الحكم الواحد بعلتين، يعنون به تعليل الحكم الواحد بالنوع، كالملك وحلّ الدم، والحكم الواحد بالنوع له علة واحدة بالنوع، والواحد بالعين له علة واحدة
بالعين.
وإذا تعددت أشخاص النوع من العلل تعددت أشخاص الأنواع من الأحكام، وإذا كانت هناك جنس من العلل له علل مختلفة كان لها أحكام مختلفة، وإن كان جنس من الأحكام له أنواع مختلفة كان له أسباب مختلفة، ومثل هذا يجوز، فلا نزاع، لكن هذا يُعلم بالنص والإجماع.
وأما إذا وجدنا حكمًا واحدًا وهناك وصفان مناسبان له، فهل يجوز جعلهما علتين كل منهما مستقل بالحكم بدون الآخر، بدون أن نعلم ذلك بدليل غير الاستنباط؟ أو الواجب تعليق الحكم بهما جميعًا وجعلهما جزءا العلة؟ الصواب هو الثاني، وهو معنى قول من قال: يجوز تعليل الحكم الواحد بعلتين منصوصتين لا مستنبطتين، وهو في الحقيقة واحد النوع، أي كل منهما مستقلة بالحكم في محل آخر.
وبهذا يظهر الفرق وعدم التأثير، فإن الفرق معارضه في الأصل وفي الفرع بأن يُبدِي الفارق في الأصل وصفًا آخر غير وصف المستدل له مدخل في التعليل، أو يُبدِي في الفرع وصفًا مختصًّا به يمنع من إلحاقه بالأصل، فإذا عارض في الأصل بوصف آخر، فلو كان كل وصف مناسب يمكن جعله علةً مستقلةً لما أمكن الفرق قط، لإمكان أن يقول المستدل: وصفي علة، وهذا الوصف علة أخرى، فلا يقدح هذا في تعليل الحكم بوصفي.
وهذا باطل لا ريب فيه عند الفقهاء، إلا أن يبيق المستدل استقلال ذلك الوصف بالحكم، وذلك إنما يكون باعتبار الشارع له وحده بدليل
اَخر، غير المناسبة ومجرد التأثير الذي لا يقتضي استقلاله بالحكم.
وأما عدم التأثير فأن يُبيِّن المعترضُ ثبوت الحكم بدون الوصف، كما أن النقض إبداء الحكم بدون الوصف فإن ذلك يبين أن الحكم غني عن الوصف، فلا يكون مؤثرًا فيه، بل المؤثر في الحكم غيره.
وهذا إنما يكون إذا لم يخلف ذلك الوصفَ وصفٌ آخر، فإن كان قد ثبت الحكم عند انتفاء هذا الوصف لعلة أخرى لم يقدح فيه، لكون الحكم له علتان، مع عدم إحداهما كان لوجود الأخرى.
فالفارق يقول: هذا الوصف ليس هو المؤثر، بل المؤثر هو والوصف الآخر، أو الوصف الآخر، فلا يكون هو العلة.
ونافي التأثير يقول: هذا الوصف ليس هو المؤثر، لأن الحكم ثابت بدونه، ففي كل من الوضعين قد بين استغناء الحكم عن كون الوصف علة، تارةً بوجوده دونه، وتارةً بأن معه غيره.
فذاك وجود الحكم بدون وجوده، وهذا وجود الحكم بدون تأثيره واقتضائه، وكلاهما معارضة في عليَّة الوصف.
كما أن النقض أيضًا معارضة، وإذا كان في الفرق مع قولنا: يصح تعليل الحكم بعلتين، ليس له دعوى ذلك، إذا لم يثبت العليَّة إلا بالاستنباط، بل الأصل أن تكون العلة جميع الأوصاف، لا أن كل وصف علة.
كذلك في عدم التأثير، ليس له أن يقول: ثبوت الحكم بدون هذا الوصف كان لعلة أخرى إن لم يبين تلك العلة، لأن الأصل عدم علة