الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب منه
مداخلة: يقول السائل: بعض أهل العلم يرى أن قول ابن عباس رضي الله عنهما: كفر دون كفر، إنما قاله للمظالم التي كانت من بني أمية، أما إلقاء التشريعات الإسلامية كلها كحال هذه المجتمعات فلا ينطبق عليه هذا القول.
الشيخ: ما أدري من المقصود في هذا البعض، ولا يهمني أن أدري، لكنه خطأ على كل حال؛ لأن ابن عباس قال هذا القول في تفسير الآية، فلا مجال لحمل هذا الحديث على ولاة بني أمية أو غيرهم، أعني هذا الحديث يعني: الموقوف، ذكر ابن عباس هذه الآية، فقال: ليس كما يظنون أو كما يقولون، إنما هو كفر دون كفر.
وذكر إمام المفسرين: محمد بن جرير الطبري في تفسيره العظيم: أن هذه الآية تعني الكفار من اليهود والنصارى، فهم الذين لا يُحَكِّمون ما أنزل الله، ولا يرضون به حكمًا، فمن فعل فعلهم فهو مثلهم لكن فعلهم ليس مجرد فعل غير مقرون بالعقيدة، بل فعلهم مقرون بالعقيدة، أي: إنهم كانوا لا يؤمنون بحكم الله وبالتالي يكون رفضهم بحكم الله عملًا، فمن توفر فيه هذان
الشرطان من المسلمين الحكام فشأنه شأن اليهود والنصارى، أي: من أنكر شريعة الله كلًا أو جزئًا في قرارة قلبه، ثم جمع على هذا الإنكار في قانونه وفي تصنيفه فيصدق عليه الآية؛ لأنها نزلت في الكفار وهو عمل واعتقد عمل الكفار وعقيدة الكفار.
أما إذا كان هذا الحاكم أو ذاك يعتقد في قرارة قلبه أن الحكم بما أنزل الله هو الواجب وهو حق، لكن يبرر خطأه في تركه بتبريرات ما أنزل الله بها من سلطان، ومثل هذا ينبغي ألا تنحصر أذهانكم في الحكام فقط، لنقف قليلًا مع غير الحكام:
ماذا نقول في أفراد هم أكثر من الحكام عددًا الذين يستحلون الربا عملًا، ما حكمهم هؤلاء؟ سبحان الله! مع أن هؤلاء
…
كبير وعددهم كثير، ما نجد أحدًا من هؤلاء يقول: هؤلاء كفار، لماذا؟ لأنهم لا يفكرون إلا في الحاكم،
…
الحاكم ما نزل عليهم من المريخ، هو منهم! وكما يقال في المثل العامي القديم:
…
الخل منه وفيه، فما الفرق يا ترى بين من يستحل الربا أكلًا وإكالًا .. أكلًا وإطعامًا، ما الفرق بين هذا وبين من لا يحكم بما أنزل الله؟ لا فرق في شريعة الله أبدًا، وعلى ذلك قس: الذين يقامرون، والذين يبيعون للنساء ما يساعدهم على الفسق والفجور وإلى آخره، ترى! هؤلاء كفار كلهم؟ ! نحن ما نقول هم كفار، ولا نقول ليسوا بكفار، لكننا نقول قاعدة تطبيقها ليس علينا؛
لأننا لا نستطيع أن نصل إلى قلوب هؤلاء، وإنما حكمهم إلى الله، حسبنا أن نقول: هؤلاء كلهم ضالون؛ لأنهم لا يحكمون شريعة الله، لكن هل هم مرتدون .. هل يجوز قتالهم؟ إن قالوا: نعم يجوز قتال هؤلاء، إذًا: يجب قتال أكثر الأمة الإسلامية.
ثم نقول بعد ذلك: من الذي يقاتلهم؟ يعود البحث إلى من يعيش في المجتمع العلماني، من الذي يقاتل هؤلاء المجتمع العلماني والحاكم الكافر .. الكافر اعتقادًا وعملًا ونسبًا .. من الذي يقاتل؟ يجب أن يكون هناك مسلمون تمرنوا على العمل بالإسلام الصحيح ومضى عليهم فلم يبق لهم عمل سوى الجهاد في سبيل الله، هؤلاء الذين هم يقومون بهذا الواجب.
فإذًا: يجب ألا ننسى أن المشكلة ما هي محصورة بالحكام، بل المشكلة محصورة بالحكام والمحكومين معًا، وبدليل أنه ترى اليوم الآن هو الرئيس، بعد أيام قليلة أو كثيرة تجد رئيسًا آخر، من أين جاء هذا؟ منا وفينا، إذًا: هو كان يعيش بنفس العقل والفكر الذي يعيشه الآن وهو على رأس الحكم.
فعلينا أن نفرق حتى لا نقع بالخروج، وأعني بالخروج أي: أن نكون كالخوارج، أن نفرق بين الكفر الاعتقادي وبين الكفر العملي، الكفر الاعتقادي علاقته بالقلب، والكفر العملي علاقته بالعمل، العمل ظاهر، فالذي نراه مثلًا لا يصلي نستطيع أن نقول: لا يصلي، لكننا لا نستطيع أن نشق
عن قلبه ونقول: هذا جاحد للصلاة، ولا يؤمن بالصلاة إلا إذا سمعنا منه، فهذا حينئذٍ ترى عملًا ظاهرًا فندينه بما قال، فمن كان كفره اعتقاديًا فهذا كافر وشأنه شأن اليهود والنصارى، ومن كان كفره عمليًا فشأنه شأن الكفار والفجار بأي نوع من أنواع الفسق والفجور.
لهذا أقول ختامًا: إن أثر ابن عباس في الحقيقة أعطانا بيانًا لكي لا نقع في الإفراط والتفريط، لا نقول: إن الذي لا يحكم بما أنزل الله سواء كان حاكمًا أو محكومًا، كل القضاة الآن
…
أول ما ينصرف ذهنهم من يحكم من هو؟ رئيس الدولة، طيب! والحكام الذين تحت
…
الذين يسمونهم اليوم بالقضاة، في كثير من الدول الإسلامية يصدق عليهم في كثير من أحكامهم أنهم يحكمون بغير ما أنزل الله.
وأنا ناقشت كثيرًا ممن كانوا يعرفون من قبل بجماعة التكفير والهجرة، كانوا يكفرون .. يكفرون من هدفهم الخروج عليه، فكنت أنزل معهم، أقول لهم: ما رأيكم بالقاضي الشرعي الذي يحكم بالشرع، لكنه في مسألة ما حكم بغير ما أنزل الله، هل تقول بكفره؟ كان بادئ الرأي يقف مفكرًا؛ لأنه ما فكر في هذه الجزئية، هو دائمًا فكره أين؟ بالرئيس فوق، بينما نحن يهمنا أنفسنا قبل كل شيء، يمكن هذا القاضي الشرعي يكون أبوه أو أخوه أو إلى آخره ما فكر فيه، بعد مناقشة طويلة أو قصيرة يختلف الأمر باختلاف الأشخاص، كان
يقول: لا، ما يكفر، أقول له: لماذا؟ قال: لأن هذا مرة واحدة، قلنا له: طيب! نتصور أن هذا القاضي نفسه في قضية أخرى أيضًا حكومة أخرى على خلاف الشرع، فهل كفر؟ كلما قال: لا قلت له: متى إذًا هو يكفر هذا القاضي الشرعي؟ لا تستطيع أن تقول بعدد قضاء حكومة كذا وكذا وإنما تقول: ولو بحكومة واحدة هو يعلم أنها خلاف الشرع ويستحل ذلك بقلبه، فما دام استحل الحكم بغير ما أنزل الله بقلبه فهو كافر مرتد عن دينه، ومهما ارتكب من مخالفات في الشريعة والتعامل بخلاف الشريعة فنحن لا نستطيع أن نكفره شأن آكل الربا وموكل الربا وما أكثرهم اليوم في العالم الإسلامي، لا نستطيع أن نكفر أحدًا من هؤلاء إلا إذا كان الكفر قد حل في قلبه وليس في عمله فقط.
(لقاءات المدينة لعام 1408 هـ (9) /00: 32: 52)