الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب الزكاة
(1)
(1) أي ذكر أحكامها وشروطها، وبيان من تجب عليه، وما تجب فيه من الأموال، وغير ذلك، والزكاة أحد أركان الإسلام، ومبانيه العظام، كما تظاهرت به دلائل الكتاب والسنة، وقرنها تعالى بالصلاة في كتابه في اثنين وثمانين موضعًا، على كمال الاتصال، لعظم شأنها وكمال الاتصال بينهما. كقوله {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} وقوله {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} وقال عليه الصلاة والسلام «بني الإسلام على خمس» فذكر الشهادتين والصلاة، وثلث بالزكاة، وفي الصحيح عن جرير: بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة. وفيه أيضًا «وتؤدي الزكاة المفروضة» .
وأجمع المسلمون على ركنيتها وفرضيتها، وصار أمرًا معلومًا، مقطوعًا به، يستغني عن الاحتجاج له، وذكر شيخ الإسلام وغيره أنها فرضت بالمدينة، وقال في الفروع: ولعل المراد طلبها، وبعث السعاة لقبضها، وقال الدمياطي: فرضت في السنة الثانية، بعد زكاة الفطر. بدليل قول قيس بن سعد: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بزكاة الفطر قبل نزول آية الزكاة. وجعل تعالى دينه ثلاث درجات: إسلام، ثم إيمان، ثم إحسان، وفي الزكاة الإحسان إلى الخلق، وقد أفهم الشرع أنها شرعت طهرة للمال، وعبودية للرب، وتقربًا إليه، بإخراج محبوب العباد له للفقراء، في الأموال التي تحتمل المواساة، ويكثر فيها الربح، وتنمو، فمن ذلك ما ينمو بنفسه، كالماشية والحرث. وما ينمو بالتغيير فيه والتصرف كالعين، وجعل المال المأخوذ على حساب التعب، فما وجد من أموال الجاهلية ففيه الخمس، وما فيه التعب من طرف واحد فنصف الخمس. ومن طرفين ربع الخمس، وفي طول السنة كالعين ثمن الخمس.
لغة: النماءُ والزيادة، يقال: زكا الزرع، إذا نما وزاد (1) وتطلق على المدح (2) والتطهير، والصلاح (3) .
(1) وكل شيء ازداد فقد زكا. وقال القتبي: كثر ريعه. ومنه نفس زكية. وقال ابن قتيبة: الزكاة من الزكاء والنماء، سميت بذلك لأنها تثمر المال وتنميه، يقال: زكا الزرع إذا كثر ريعه. وزكت النفقة، إذا بورك فيها. وأصل التسمية قوله {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} فسميت زكاة لأنها تزكي المال، أي تنميه من حيث لا يرى بالخلق أو تنمي أجرها. وقال الأزهري: تزكي الفقراء، أي تنميهم. وقال الشيخ: لفظ الزكاة في اللغة يدل على النمو. والزرع يقال فيه: زكا إذا نما. اهـ. فسميت شرعًا زكاة للمعنى اللغوي. وسميت صدقة لأنها دليل لصحة إيمان مؤديها وتصديقه.
(2)
قال تعالى {فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ} قال ابن عباس وغيره: لا تَمْدَحوها والزكاة يمدح بها الدافع، ويثني عليه بالجميل.
(3)
لأنها تطهر مؤديها من الإثم، أي تنزهه عنه، وتنمي أجره، وسمي بذلك لوجود تلك المعاني كلها فيه، قال تعالى {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا} ، أي طهرها من الأدناس، {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى} نفس المتصدق تزكو، وماله يزكو يطهر ويزيد في المعنى، ويقال: رجل زكي، أي زائد الخير، من قوم أزكياء، وزكّى القاضي الشهود إذا بين زيادتهم في الخير، فلفظ الزكاة يدل على الطهارة، لأن الزرع لا ينمو إلا إذا خلص من الدغل، وقال بعض أهل العلم: حكمتها التطهير من الأدناس، ورفع الدرجة، وحكمها سقوط الواجب في الدنيا، وركنها الإخلاص ولفظها يعم الفرض والنفل. وكذا الصدقة. لكن الزكاة لا تطلق غالبًا إلا على المفروض، دون التطوع، فهي أخص من التطوع من هذا الوجه، ولفظ الصدقة من حيث الإطلاق على الفرض مرادف الزكاة، لا من حيث الإطلاق على النفل، وقد يتكرر لفظ الصدقة على المفروض، ولكن الأغلب التفرقة.
وسمي المخرج زكاة لأَنه يزيد في المخرج منه ويقيه الآفات (1) وفي الشرع: حق واجب في مال خاص (2) لطائفة مخصوصة، في وقت مخصوص (3)(تجب) الزكاة في سائمة بهيمة الأنعام (4) ، والخارج من الأرض (5) ، والأَثمان، وعروض التجارة، ويأْتي تفصيلها (6) .
(1) ويوفره في المعنى، حكاه الواحدي وغيره، وقال ابن القيم: طهرة للمال ولصاحبه، وقيدًا للنعمة، وحفظًا وتنمية، ودفعًا للآفات، وحصنًا وحارسًا. اهـ. والمخرج بفتح الراء فيهما.
(2)
أي الزكاة عند إطلاقها في الشرع تنصرف إلى واجب عشر أو نصفه أو ربعه، ونحوه مما يأتي مفصلاً.
(3)
قاله الماوردي وغيره، وهو تمام الحول في الماشية والأثمان، وعروض التجارة، وعند اشتداد الحب، وعند بدو صلاح الثمرة، وعند حصول ما تجب فيه من العسل، واستخراج ما تجب فيه من المعادن، وعند غروب الشمس لوجوب زكاة الفطر، والمال اسم لجميع ما يملكه الإنسان، وحكي عن ثعلب: أقل المال ما تجب فيه الزكاة. والطائفة المخصوصة هم الأصناف الثمانية، ويأتي بيانهم، ولو عبر بشرعًا. ليطابق ما قبله لكان أولى.
(4)
سميت بهيمة لما في صوتها من الإبهام، والسائمة هي الراعية، قال الجوهري: سامت الماشية رعت، وأسمتها أخرجتها إلى الرعي. واحترز بالسائمة عن المعلوفة والعوامل.
(5)
من حبوب وثمار وعسل ونحوه، ومعدن وركاز على ما يأتي.
(6)
في أبوابها مرتبة، وذكر غير واحد أن الزكاة لا تكون إلا في العين والحرث والماشية، وقال ابن عبد البر: الزكاة فيها إجماع، وقال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن الزكاة تجب في تسعة أشياء، الإبل والبقر والغنم والذهب والفضة والبر والشعير والتمر والزبيب، إذا بلغ من كل صنف منها ما تجب فيه الزكاة. اهـ. والشارع اعتنى ببيان ما تجب فيه، لأنه خارج عن الأصل، فيحتاج إلى بيانه، لا ببيان ما لا تجب فيه، اكتفاء بأصل عدم الوجوب. فلا تجب في غير ذلك من خيل وبغال وحمير ورقيق وغيرها من أموال القنية اتفاقًا. وقال ابن رشد: لا خلاف في عدم وجوب الزكاة في العبد المتصرف، والفرس المعد للركوب. وقال الوزير: أجمعوا على أنه ليس في دور السكنى، وثياب البذلة، وأثاث المنزل، ودواب الخدمة، وعبيد الخدمة، وسلاح الاستعمال زكاة، لما في الصحيحين «ليس على المسلم في عبده، ولا في فرسه صدقه» ، قال النووي وغيره: هذا الحديث أصل في أن أموال القنية لا زكاة فيها، وهو قول العلماء من السلف والخلف، إلا أبا حنيفة في الخيل. اهـ. والحديث حجة عليه، ورباط الخيل من جنس آلات السلاح والحرب، فما كان منها – ما عساه أن يكون – ولم يكن للتجارة لم يكن فيه زكاة.
فسائر أموال القنية مشغولة بالحاجة الأصلية، وليست بنامية أيضًا، وكل منهما مانع من وجوب الزكاة.
(بشروط خمسة) أَحدها (حرية) فلا تجب على عبد، لأَنه لا مال له (1) ولا على مكاتب، لأَنه عبد، وملكه غير تام (2) .
(1) فزكاة ما بيده على سيده، لأنه مالكه، وهو مذهب جمهور العلماء مالك والشافعي وأصحاب الرأي وسائر العلماء، إلا ما حكي عن عطاء وأبي ثور، وعن أحمد: على العبد إذا ملك. وفرضيتها على المسلم الحر ظاهر، لعموم الكتاب والسنة والإجماع.
(2)
فلم تجب عليه الزكاة، عند أحد من العلماء إلا أبا ثور، قال ابن المنذر
والموفق والشارح وغيرهم: لا نعلم أحدًا خالف فيه إلا أبا ثور، وحكاه الوزير إجماعًا، وروى الدارقطني، من حديث جابر «ليس في مال المكاتب زكاة حتى يعتق» وقاله جابر وابن عمر، ولم يعرف لهما مخالف، فكان كالإجماع، ولحاجته إلى فك رقبته، وكذا لا تجب على مدبر، ولا أم ولد وفاقًا، فإن عجز استقبل سيده بما في يده حولاً، كالذي ورثه، أو اتهبه ونحوه، وإن أدى وفضل بيده نصاب استقبل به حولاً، لاستقرار ملكه عليه حينئذ.
وتجب على مبعض بقدر حريته (1)(و) الثاني (إسلام) فلا تجب على كافر، أصلي أو مرتد (2) فلا يقضيها إذا أَسلم (3)(و) الثالث (ملك نصاب)(4) .
(1) فيزكي ما ملك بحريته، لأنه ملكه عليه تام، أشبه الحر.
(2)
يعني وجوب أداء بلا نزاع، إذ الزكاة قربة وطاعة، والكافر ليس من أهلها، ولافتقارها إلى نية، وهي ممتنعة من الكافر، وأما وجوب الخطاب، بمعنى العقاب في الآخرة فثابت وتقدم، وفي حديث معاذ «فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله» وذكر الصلاة، ثم قال «فإن هم أطاعوك لذلك فأعملهم أن الله افترض عليهم صدقة، تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم» متفق عليه، فجعل الإسلام شرطًا لوجوب الزكاة.
(3)
لعموم «إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف» «الإسلام يجب ما قبله» .
(4)
فلا تجب الزكاة فيما دون النصاب للنصوص، حكاه الوزير والنووي وغيرهما إجماعًا، وعمل المسلمين عليه، وهو سبب وجوب الزكاة، فلا زكاة في مال حتى يبلغ نصابًا، لما يأتي، والنصاب بكسر النون: قدر معلوم لما تجب فيه الزكاة، ويأتي تفصيله، وقال الجوهري: النصاب من المال القدر الذي تجب فيه الزكاة إذا بلغه، نحو مائتي درهم وخمس من الإبل.
ولو لصغير أو مجنون، لعموم الأَخبار (1) وأقوال الصحابة (2) فإن نقص عنه فلا زكاة إلا الركاز (3) .
(1) كقوله «أعلمهم أن عليهم صدقة، تؤخذ من أغنيائهم، فترد على فقرائهم» رواه الجماعة، وقوله «ابتغوا في أموال اليتامى، لا تستهلكها الصدقة» رواه الشافعي وغيره، ولغير ذلك.
(2)
عمر وعلي وغيرهما، واعتمد أحمد رحمه الله وغيره على أقوال الصحابة. وقال: عن خمسة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يعرف لهم مخالف من الصحابة. وقال الشيخ: تجب في مال اليتامى عند مالك والشافعي وأحمد وغيرهم، وهو مروي عن عمر وعائشة وعلي وابن عمر وجابر، قال عمر: اتجروا في أموال اليتامى، لا تأكلها النفقة. وروي عن الحسن بن علي، وهو قول عطاء وجابر بن زيد، ومجاهد وابن سيرين وغيرهم. اهـ. ولأنها مواساة، وهما من أهلها. وأبو حنيفة وافق في المعشرات والفطر، وعلل ما سوى ذلك بأنها تطهير ولا ذنب لهما، والغالب أنها تطهر وليس شرطًا، واتفقنا على وجوب العشر والفطر، وإن كان تطهيرًا في أصله وقوله «رفع القلم عن ثلاثة» المراد رفع الإثم والوجوب، وهي إنما تجب في مالهما، ويطالب بها وليهما، ومقصود الزكاة سد خلة الفقير في مال الأغنياء، شكرًا لله، وتطهيرًا للمال، ومالهما قابل لأداء القربات والنفقات.
(3)
فلا يشترط فيه بلوغ نصاب، لأن شبهة بالغنيمة أكثر من الزكاة، فلهذا وجب فيه الخمس، ولا يمنعه الدين، وظاهر عباراتهم إطلاق النقص فيما سوى الركاز ولو يسيرًا، وفاقًا لأبي حنيفة والشافعي، قال الشارح: وهو ظاهر الأخبار، فينبغي أن لا يعدل عنه. وفي الفروع وغيرها أن الصحيح من المذهب والذي عليه أكثر الأصحاب أنها لا تضر حبة وحبتان، وأنه لا اعتبار بنقص داخل في الكيل، وجزم به غير واحد من الأئمة، وحكي اتفاقهم عليه، ويجب فيما زاد على النصاب بالحساب في الحب ونحوه اتفاقًا، وفي النقدين عند الجمهور، لخبر رواه الأثرم وغيره، وروي عن علي وابن عمر، ولم يعرف لهما مخالف في الصحابة. لا في أوقاص السائمة للأخبار.
(و) الرابع (استقراره) أي تمام الملك في الجملة (1) فلا زكاة في دين الكتابة لعدم استقراره، لأنه يملك تعجيز نفسه (2)(و) الخامس (مضي الحول)(3) . لقول عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم «لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول» رواه
(1) إجماعًا كسائمة وغلة أرض، وشجر وقف على معين، إن بلغت نصابًا وليست ملكًا تامًا، فإن معنى تمام الملك أن لا يتعلق به حق غيره، بحيث يكون له التصرف فيه على حسب اختياره، وفوائده عائدة عليه.
(2)
ويمتنع من الأداء، فلا تجب وفاقًا، وقال الموفق: بغير خلاف علمناه، ولهذا لا يصح ضمانها، ولا تجب فيما ليس بتام الملك. وفاقًا لمالك والشافعي، كالموقوف على غير معين قولاً واحدًا، وكالمساكين أو مسجد ورباط ونحوهما، كمال موصي به في وجوه بر، أو يشترى به وقف، وأما على معين فالمذهب وجوبه للعموم، وأما المرأة إذا طلقت قبل الدخول وتنصف المهر فإنه لا يلزمها زكاة ما سقط منه، وذكر غير واحد هذه الأربعة شروطًا للوجوب كالحول.
(3)
على نصاب تام من أثمان وماشية وعروض تجارة، إجماعًا، وهذا الضرب يعتبر فيه الحول عند عامة المسلمين، والضرب الثاني ما تجب الزكاة بوجوده كالحبوب والثمار لا يعتبر فيها الحول، وإنما يستقر وجوبها فيها بجعلها في البيدر.
ابن ماجه (1) ورفقًا بالمالك ليتكامل النماءُ فيواسي منه (2) ويعفى فيه عن نصف يوم (3)(في غير المعشر) أي الحبوب والثمار (4) .
(1) وهو من رواية حارثة بن محمد، وقد ضعفه جماعة، وروى الترمذي معناه من حديث ابن عمر «من استفاد مالاً فلا زكاة عليه حتى يحول عليه الحول» وعن الحارث عن علي «إذا كانت لك مائتا درهم، وحال عليها الحول ففيها خمسة دراهم» وذكر في الذهب نحو ذلك «فما زاد فبحساب ذلك» قال الحارث: فلا أدري أعليّ قال: فبحساب ذلك. أم رفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ «وليس في مال زكاة حتى يحول عليه الحول» رواه أبو داود، وأخرج مالك أن أبا بكر لم يكن يأخذ من مال زكاة حتى يحول عليه الحول، قال البيهقي: المعتمد في اشتراط الحول على الآثار الصحيحة عن أبي بكر وعثمان وابن عمر وغيرهم. وقال شيخ الإسلام: الحول شرط في وجوب الزكاة في العين والماشية، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يبعث عماله على الصدقة كل عام، وعمل بذلك الخلفاء، لما علموه من سنته، قال ابن عبد البر: وعليه جماعة الفقهاء قديمًا وحديثًا.
(2)
والنماء لا يتكامل قبل الحول، ولأن الزكاة تتكرر في هذه الأموال، فلا بد لها من ضابط، لئلا يفضي إلى تعاقب الوجوب في الزمن المتقارب، فيفنى المال، والمقصود المواساة على وجه لا يصير فقيرًا، بأن يعطي من ماله قليلاً من كثير بعد الحول، ليتمكن من تحقيقها في الوجود فيحصل النماء المانع من حصول ضد المقصود.
(3)
وقطع به في المبدع والمنتهى، وصححه في تصحيح الفروع، قال في المحرر: لأنه لا ينضبط غالبًا، ولا يسمى في العرف نقصًا.
(4)
فلا يشترط فيها مضي الحول، إنما هي نماء في نفسها، تؤخذ الزكاة منها عند وجودها، ثم لا تجب فيها زكاة ثانية، لعدم إرصادها النماء.
لقوله تعالى {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} (1) وكذا المعدن والركاز والعسل، قياسًا عليهما (2) فإن استفاد مالاً بإرث أو هبة ونحوهما (3) ، فلا زكاة فيه حتى يحول عليه الحول (4)(الإنتاج السائمة، وربح التجارة (5) .
(1) فنفى اعتبار الحول في الحبوب ونحوها، وأثبت الوجوب وقت حصولها.
(2)
أي على الحبوب والثمار، فإنها تؤخذ منها عند وجودها، ثم لا تجب فيها إلا أن يكون المعدن أثمانًا فتجب عند كل حول، لأنها مظنة النماء من حيث أنها قيم الأموال، وقال الشيخ: أما الذهب والفضة ففيه الزكاة عند أخذه عند مالك والشافعي وأحمد، وزاد أحمد: الياقوت والزبرجد، والبلور والعقيق والكحل، والزرنيخ، وأبو حنيفة يجعل فيها الخمس، وأما ما يخرج من البحر كاللؤلؤ والمرجان فلا زكاة فيه عند الجمهور.
(3)
كأجرة وصداق وعوض خلع.
(4)
لما تقدم، وقال في الفروع: ويستقبل بالصداق وعوض الخلع والأجرة بالعقد حولاً، عينًا كان أو دينًا، مستقرًا أو لا، نص عليه، وفاقًا للشافعي، وكذلك مالك في غير نقد، للعموم، ولأنه ظاهر إجماع الصحابة، وعنه حتى يقبض ذلك وفاقًا لأبي حنيفة، وعنه لا زكاة في صداق قبل الدخول حتى يقبض، فيثبت الانعقاد والوجوب قبل الدخول، قال المجد: بالإجماع. لكن يستقبل بصداق ونحوه من عقد، وبمبهم من تعيين.
(5)
النتاج بكسر النون الولد، والتجارة بكسر التاء، يقال: تجر يتجر بضم الجيم، تجرًا بإسكانها وتجارة، فهو تاجر، وقوم تجر كصاحب وصَحْب، وتِجَارٌ وتُجَّارٌ بالضم وتشديد الجيم كفجار وفجار.
ولو لم يبلغ) النتاج أو الربح (نصابًا، فإن حولهما حول أصليهما) فيجب ضمها إلى ما عنده (إن كان نصابًا)(1) . لقول عمر: اعتد عليهم بالسخلة ولا تأْخذها منهم. رواه مالك (2) ولقول علي: عُدّ عليهم الصغار والكبار (3) فلو ماتت واحدة من الأُمَّات فنتجت سخلة انقطع، بخلاف ما لو نتجت ثم
(1) يبني كل واحد منهما على حوله، ويزكي النتاج والربح لحول الأصل وفاقًا، وقال الشيخ: عند جمهور أهل العلم. وعند مالك إذا تم عند الحول بربحه ففيه الزكاة.
(2)
وروى عن سفيان الثقفي أن عمر بعث مصدقًا، وكان يعد عليهم السخل، فقالوا: تعد علينا السخل، ولا تأخذ منها شيئًا، فلما قدم على عمر ذكر ذلك له، فقال عمر: نعد عليهم السخلة يحملها الراعي، ولا نأخذها، ولا نأخذ الأكولة ولا الربى، ولا الماخض، ولا فحل الغنم، ونأخذ الجذعة والثنية، وذلك عدل بين غذاء المال وخياره. والسخلة بفتح السين وإسكان الخاء، جمعها سخال بكسر السين وسخل، وهي من ولد الضأن، والمعز، تطلق على الذكر والأنثى، من حين تولد إلى أن تستكمل أربعة أشهر، فإذا بلغتها وفصلت عن أمها، فأولاد المعز جفار، الواحدة جفرة، والذكر جفر، فإذا رعى وقوي فهو عتود، وجمعه عتدان، وهو في ذلك جدي، والأنثى عناق بفتح العين، ما لم يأت عليه الحول، فإذا أتى عليه الحول فالذكر تيس، والأنثى عنز، ذكره الأزهري وغيره.
(3)
قال في المبدع وغيره: ولم يعرف لهما مخالف من الصحابة، وقول الفقهاء عامة، ولأن السائمة تختلف وقت ولادتها، فإفراد كل واحدة يشق، فجعلت تبعًا لأماتها، ولأنها تابعة لها في الملك، فتتبعها في الحول، وربح التجارة كذلك معنى، فوجب أن يكون مثله حكمًا.
ماتت (1) ، (وإلا) يكن الأَصل نصابًا (ف) ـحول الجميع (من كماله) نصابًا (2) فلو ملك خمسًا وثلاثين شاة، فنتجت شيئًا فشيئًا، فحولها من حين تبلغ أربعين (3) وكذا لو ملك ثمانية عشر مثقالاً وربحت شيئًا فشيئًا، فحولها منذ بلغت عشرين (4) ولا يبني الوارث على حول الموروث (5) ويضم المستفاد إلى نصاب بيده من جنسه أو في حكمه (6) .
(1) أي لم ينقطع، وهذا تفريع على قوله: إلا نتاج السائمة، ولا ينقطع بموت الأمات والنصاب تام بالنتاج اتفاقًا، قال بعضهم: كذا يقال «أُمَّاتٍ» وإنما يقال: أمهات في بنات آدم فقط، ويقل أُمَّاتٍ بدون هاء.
(2)
أي فمبتدأ حول الجميع يعني الأمات والنتاج، أو رأس المال وربحه، من كماله نصابًا، وكمل بفتح الميم وضمها وكسرها، والكمال التمام، وفيه ثلاث لغات أردأها الكسر، حكاه الجوهري وغيره.
(3)
أي فابتداء حولها من حين كملت أربعين، وإذا تم الحول من حين كملت وجبت، وتقدم حكاية الإجماع في اشتراط مضي الحول. وإن كان قد خالف معاوية وابن عباس، فالخلفاء حجة على من خالفهم، وهو مذهب فقهاء المدينة، وفقهاء الأمصار.
(4)
يعني مثقالاً ووزنه ثنتان وسبعون حبة من الشعير، ويأتي.
(5)
ذكره الإمام أحمد وابن عبد البر وغيرهما إجماعًا، بل يستأنف حولاً من حين ملكه.
(6)
أي يضم المستفاد من إرث أو هبة ونحو ذلك إلى نصاب بيد المستفيد من جنس ما استفاد، كذهب إلى ذهب أو عرض إلى عرض، ونحو ذلك، أوفي
حكمه أي حكم جنسه كفضة إلى ذهب، أو عروض تجارة، كما لو ملك عشرين مثقالاً ذهبًا في المحرم، ثم عشرة في صفر، فتضم إلى العشرين، فمثال ما هو من جنسه الأول، ومثال ما هو في حكمه كمائة درهم فضة، ملك بعدها عشرين مثقالاً ذهبًا.
ويزكي كل واحد إذا تم حوله (1)(ومن كان له دين أو حق) من مغصوب أو مسروق أو موروث مجهول ونحوه (من صداق وغيره) ، كثمن مبيع وقرض (2)(على مليء) باذل (أو غيره أدى زكاته إذا قبضه لما مضى) روي عن علي (3) .
(1) أي ويزكي كل واحد من النصاب إذا تم حوله، ومن المستفاد كذلك، فلو كان بيده مئتا درهم، مضى عليها ستة أشهر، ثم ملك مائة درهم بإرث أو هبة، زكى النصاب إذا مضت الستة الأشهر الباقية، وزكى المستفاد بالإرث أو الهبة إذا مضى عليه حول من وقت استفادته، قال ابن قندس: إذا كان عنده أربعون من الغنم مضى عليها بعض حولها، فاشترى أو اتهب مائة، فلا تجب عليه حتى يمضي عليه حول أيضًا. اهـ. قال الوزير: اتفقوا على أن المستفاد لا زكاة فيه حتى يحول عليه الحول، كبقية الأموال، وما ليس من جنسه، ولا في حكمه فله حكم نفسه.
(2)
بيان لقول الشارح ونحوه، والمراد بالصداق المعين والمبهم، إلا أن حول المعين من حين العقد، والمبهم من وقت التعيين كما تقدم.
(3)
وابن عمر وعائشة، رواه أحمد وغيره، قال في المبدع وغيره: ولم يعرف لهم مخالف، قال في الفروع: واختاره الأكثر، وذكره صاحب الهداية والمحرر ظاهر المذهب، وفاقًا لمالك والشافعي، وجزم به جماعة في المؤجل، وفاقًا لأبي حنيفة، ولصحة الحوالة به والإبراء. وقال: من دينه حال على مليء باذل زكاه
على الأصح وفاقًا، إذا قبضه لما مضى، وعنه: يلزمه إذا كان على مليء باذل في الحال. وهو قول عثمان وابن عمر، والشافعي وإسحاق وغيرهم، وقال الشيخ – في الصداق تمر عليه السنون -: أقرب الأقوال قول من لا يوجب فيه شيئًا بحال حتى يحول عليه الحول، أو يوجب فيه زكاة واحدة عند القبض، والأول قول أبي حنيفة، والثاني قول مالك، وقيل بهما في مذهب أحمد، وأضعف الأقوال قول من يوجبها للسنين الماضية، حتى مع العجز عن قبضه، فإن هذا القول باطل من وجوه. اهـ. والمليء الثقة، يقال: مليء الرجل وملؤ صار مليئًا أي ثقة، فهو غني باذل، وإذا كان على معسر ثم قبضه بعد سنتين مثلاً، فإنه يزكيه لسنة من الماضي، وقال أصحاب الرأي، واختاره الشيخ، والشيخ محمد بن عبد الوهاب وحفيده، وعليه الجمهور. وقال في الفروع وغيره: ولا زكاة في دين مؤجل، أو على معسر، أو مماطل، أو جاحد قبضه، ومغصوب ومسروق وضال رجع فيه، وما دفنه ونسيه، وموروث له أو غيره وجهله، أو جهل عند من هو، في رواية صححها صاحب التلخيص وغيره، ورجحها بعضهم، واختاره ابن شهاب وشيخنا، وفاقًا لأبي حنيفة، قال في المبدع: وروي عن عثمان وابن عمر، لأنه غير تام الملك، وهو خارج عن يده وتصرفه، ولأن الزكاة وجبت في مقابلة الانتفاع بالنماء حقيقة أو مظنة، وهو مفقود هنا، وقال الشيخ: وهو رواية عن أحمد، واختارها وصححها طائفة من أصحابه، وذكر أن دين الابن على أبيه بمنزلة الضال، فإنه غير متمكن من المطالبة به، ووجه أنه بمنزلة دين الكتابة.
لأَنه يقدر على قبضه والانتفاع به (1) قصد ببقائه عليه الفرار من الزكاة أولا (2) .
(1) أي فنجب فيه لما مضى، وتعليله غير مؤثر فيما على غير المليء.
(2)
أي قصد من له حق على مليء أو غيره ببقائه الفرار من أداء زكاته. أو لم يقصده، زكاه إذا قبضه لما مضى.
ولو قبض دون نصاب زكاه (1) وكذا لو كان بيده دون نصاب وباقيه دين أو غصب أو ضال (2) والحوالة به أو الإبراء كالقبض (3)(ولا زكاة في مال من عليه دين ينقص النصاب)(4) فالدين وإن لم يكن من جنس المال مانع من وجوب الزكاة في قدره (5) .
(1) أي من حين قبضه لما مضى.
(2)
يرجو وجوده زكى ما بيده بحسبه، لأنه ملك نصابًا ملكًا تامًا، أشْبَهَ مَا لو قبضه كله، أو كان بيده كله، ويزكي باقيه إذا قبضه، وتجب في مودع، وليس للمودع إخراجها بغير إذن مالكها، لتوقف الإجزاء على النية.
(3)
أي والحوالة به كالقبض، وكذا الحوالة عليه، أو الإبراء به كالقبض في وجوب أدائها.
(4)
في الأموال الباطنة، كالنقدين والعروض، على المذهب، قال الوزير: وقال أحمد: الدين يمنع وجوب الزكاة في الأموال الباطنة رواية واحدة، وقال شيخ الإسلام: الدين يسقط زكاة العين عند مالك وأبي حنيفة وأحمد، وأحد قولي الشافعي، وهو قول عطاء والحسن والأوزاعي وغيرهم. واحتجوا بما رواه مالك عن السائب قال: سمعت عثمان يقول: هذا شهر زكاتكم، فمن كان عليه دين فليؤده، حتى تخلص أموالكم تؤدون منها الزكاة. اهـ. وقد قاله بمحضر من الصحابة فدل على اتفاقهم عليه، ولأن الزكاة وجبت مواساة للفقراء، وحاجة المدين كحاجة الفقير أو أشد.
(5)
فيسقط من المال بقدر الدين المانع، كأنه غير مالك له، ثم يزكي ما بقي من المال إن بلغ نصابًا، قال مالك: إن كان عنده عروض توفي الدين زكى العين، وجعلها في مقابلة الدين، وفي المبدع: إن كان عليه دين وله دين مثله، جعل الدين في مقابلة ما في يده، نص عليه، فلو كان له مائة من الغنم، وعليه ما يقابل ستين منها، فعليه زكاة الأربعين، فإن قابل الدين إحدى وستين فلا زكاة عليه لنقص النصاب.
(ولو كان المال) المزكى (ظاهرًا) كالمواشي والحبوب والثمار (1)(وكافرة كدين)(2) وكذا نذر مطلق (3) .
(1) هذا المذهب، وحكاه الوزير رواية عنه، وعند أبي حنيفة كل دين مطالب به إلا في المعشر، وقال ابن عباس وابن عمر: يخرج ما استدان على ثمرته وأهله، ويزكي ما بقي. قال أحمد: وإليه أذهب، لأن المصدق إذا جاء فوجد إبلاً أو بقرًا أو غنمًا لم يسأل أي شيء على صاحبها، وعن أحمد: لا يمنع الدين وجوبها في الأموال الظاهرة، وفاقًا لمالك والشافعي وغيرهما، لعموم «في خمس من الإبل صدقة» «فيما سقت السماء العشر» ولأنه عليه الصلاة والسلام كان يبعث السعاة إلى أرباب الأموال الظاهرة، وكذلك الخلفاء بعده، ولم ينقل أنهم سألوا أربابها: هل عليكم دين؟ ولأن أنفس الفقراء تتشوف إليها، بخلاف الباطنة، وقال أبو البركات: لا يمنع الظاهر مطلقًا. وقال شيخ الإسلام: لم أجد فيها نصًا عن أحمد، واستظهر أنه لا يمنع، وقال الحافظ الزركشي الشافعي: والظواهر الواردة بإيجاب الزكاة في الأموال تشهد لهذا القول بالصحة. وأما الركاز فلا يمنع الدين الخمس منه بلا نزاع. لأنه بالغنيمة أشبه.
(2)
أي إذا كان عليه كفارة تنقص النصاب فلا زكاة عليه، كما أنه لا زكاة في مال من عليه دين ينقص النصاب، لا سيما في الأموال الباطنة.
(3)
ضد المعين، مثل أن يقول: لله علي مائة درهم، كدين في حكم نقص النصاب.
وزكاة ودين حج وغيره (1) لأنه يجب قضاؤه، أشبه دين الآدمي (2) ولقوله صلى الله عليه وسلم «دين الله أحق بالوفاء» (3) ومتى برئ ابتدأ حولاً (4)(وإن ملك نصابًا صغارًا انعقد حوله حين ملكه)(5) لعموم قوله عليه السلام «في أربعين شاةً شاةٌ» لأنها تقع على الكبير والصغير (6) .
(1) كإطعام في قضاء رمضان، فلو كان له خمس من الإبل، وأربعون من الغنم، وحول الإبل متقدم على حول الغنم. وجب عليه دين شاة في الغنم، فينقص نصابها، فلا يجب فيها زكاة، سواء أخرج الشاة بالفعل أو لا، فإن كان حول الغنم سابقًا وجب عليه شاتان.
(2)
أي لأن الكفارة والنذر المطلق والزكاة ودين الحج ونحوه يجب عليه قضاؤه، فأشبه دين الآدمي في المنع من وجوب الزكاة في قدره.
(3)
متفق عليه، أي أحق أن يقضى، كما هو رواية في الصحيحين وغيرهما، وفي رواية «اقضوا الله، فالله أحق بالوفاء» أي اقضوا الله حقه اللازم عليكم من نذر وغيره، فالله أحق بأداء الواجبات، ولا فرق بين الواجب بأصل الشرع، أو بإيجابه على نفسه.
(4)
ولم يبن على حوله قبل شغل ذمته بدين الله، أو دين آدمي «وبرئ» زيد من دينه يبرأ مهموز، من باب تعب، براءة سقط عنه طلبه، وبرئ منه مثل سلم وزنًا ومعنى.
(5)
كفصلان وعجاجيل وسخال.
(6)
من الغنم، وكذا في ثلاثين من البقر، وخمس ذود من الإبل، ولاعتداد عمر وعلي وغيرهما عليهم بالسخلة.
لكن لو تغذت باللبن فقط لم تجب، لعدم السوم (1)(وإن نقص النصاب في بعض الحول) انقطع، لعدم الشرط (2) لكن يعفى في الأثمان وقيم العروض عن نقص يسير كحبة وحبتين، لعدم انضباطه (3)(أو باعه) – ولو مع خيار – بغير جنسه انقطع الحول (4)(أو أبدله بغير جنسه، لا فرارًا من الزكاة انقطع الحول) لما تقدم (5) .
(1) لا لعدم الكبر، ويتصور فيما لو أبدل كبارًا بصغار في أثناء الحول، أو نتجت الكبار ثم ماتت قبل الحول.
(2)
لأن وجود النصاب في جميع الحول شرط للوجوب ولم يوجد. وسواء كان النقص في وسط الحول أو طرفيه، وسواء وجبت في عينه أو قيمته، فلو كان عنده أربعون من الغنم، فمضى عليها عشرة أشهر، ثم ماتت واحدة انقطع الحول، ثم إن ملك شاة ابتدأ حولاً من حين تمامها أربعين.
(3)
لكون النصاب في ذلك ليس تحديدًا، بخلاف نصاب الثمار والحبوب ونحوها، وتقدم أنه لا يضر عند الجمهور.
(4)
سواء كان للبائع أو المشتري أو لهما، ولو حال عليه الحول في مدة الخيار كانت زكاته على المشتري، فإن عاد إليه بفسخ أو غيره استأنف الحول، ولا ينقطع بيع فاسد.
(5)
من عدم الشرط لوجوب الزكاة ولم يوجد، وكذلك ما خرج به عن ملكه من إقالة، أو فسخ بنحو عيب، ورجوع واهب في هبة، ووقف وهبة، وجعله ثمنًا أو مثمنًا أو صداقًا أو أجرة. وقال الخلوتي: قوله: أو أَبْدَلَه
…
يغني عنه قوله:
أو باعه. إلا أن يحمل الأول على ما فيه إيجاب وقبول. والثاني عن المعاطاة. وقال عثمان: وقوله: لا فرارًا الخ، استدراك مما يفهم من الإطلاق في مبدأ الحول، فإن ظاهر كلامهم أنه من الملك دائمًا، والواقع أنه ليس على إطلاقه، بل منه ما يكون مبدؤه من الملك، ومنه ما يكون من التعيين، كما بينه المصنف.
ويستأْنف حولا، إلا في ذهب بفضة وبالعكس، لأَنهما كالجنس الواحد (1) ويخرج مما معه عند الوجوب (2) وإذا اشترى عرضًا لتجارة بنقد، أو باعه به، بني على حول الأَول (3) لأَن الزكاة تجب في قيم العروض، وهي من جنس النقد (4) وإن قصد بذلك الفرار من الزكاة لم تسقط (5) لأَنه قصد به إسقاط حق غيره فلم تسقط (6) .
(1) فلم ينقطع الحول بإبدال أحدهما بالآخر، بل يضم كل منهما إلى الآخر، بخلاف نحو إبل بغنم أو بقر. أو أحدها بنقد أو بعرض.
(2)
أي ويخرج عنه مما معه منهما عند تمام الحول، ويجوز من الآخر.
(3)
يعني الخارج عن ملكه إجماعًا، وكذا أموال صيارف، تكرر الإبدال أولاً، وفاقًا، لئلا يفضي إلى سقوطها فيما ينمو، ووجوبها في غيره، والأصول تقتضي العكس.
(4)
أي في ضم بعضها إلى بعض، فلا ينقطع الحول بإبدال بعضها ببعض.
(5)
يعني الزكاة بذلك مطلقًا، ونص أحمد: إذا كان قبل الحول بنصف عام. وصحح ابن تميم تأثير ذلك بعد مضي أكثر الحول.
(6)
أي الزكاة بذلك القصد، وبالياء. يعني حق غيره، عقوبة له بنقيض قصده، وقد عاقب الله تعالى الفارين من الصدقة فقال:{إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ االْجَنَّةِ} الآيات، عاقبهم بذلك لفرارهم من الزكاة، ولئلا يكون ذريعة إلى إسقاطها جملة، لما جبلت عليه النفوس من الشح، قال الشيخ: قول أحمد في الاحتيال، ووجوبها معه كقول مالك، كما دلت عليه سورة (نون) وغيرها من الدلائل، وقال: لا يحل الاحتيال لإسقاط الزكاة، ولا غيرها من حقوق الله عز وجل.
كالمطلق في مرض الموت (1) فإن ادعى عدم الفرار وثم قرينة عمل بها (2) وإلا فقوله (3)(وإن أبدله بـ) ـنصاب من (جنسه) كأربعين شاة بمثلها أو أكثر (بنى على حوله)(4) والزائد تبع للأَصل في حوله كنتاج (5) فلو أَبدل مائة شاة بمائتين، لزمه شاتان إذا حال حول المائة (6) وإن أَبدله بدون نصاب انقطع (7) .
(1) أي فرارًا من الإرث فإنها ترثه. ويأتي في الفرائض إن شاء الله تعالى.
(2)
يعني بالقرينة، ورد قوله: لدلالة القرينة على كذبه، وذلك كمخاصمة مع ساعٍ جاء في أثناء الحول.
(3)
أي وإن لم يكن ثم قرينة قبل قوله بلا يمين في عدم الفرار، لأنه الأصل، ولا يعلم إلا منه، ولو اتهم، وإذا مضى الحول وجبت في عين المال.
(4)
وهذا مذهب مالك، وإن ظهر على عيب بعد وجوب الزكاة فله الرد، ولا تسقط عنه الزكاة، لاستقرارها بمضي الحول.
(5)
وفاقًا، وقاسه الموفق وغيره على عرض تجارة يبيعه بنقد، أو يشتريه به، يبني بالاتفاق، وحكى النووي وغيره إجماع المسلمين على وجوب الزكاة فيما زاد على النصاب للأخبار.
(6)
وإن باع مائتين بمائة زكى المائة.
(7)
أي الحول لعدم وجود الشرط.
(وتجب الزكاة في عين المال) الذي لو دفع زكاته منه أجزأت (1) كالذهب والفضة والبقر والغنم السائمة ونحوها (2) لقوله عليه السلام «في أربعين شاةً شاةٌ» «وفيما سقت السماءُ العشر» ونحو ذلك (3) و"في" للظرفية (4) وتعلقها بالمال كتعلق أَرش جناية برقبة الجاني (5) فللمالك إخراجها من غيره (6) .
(1) احترازًا مما دون خمس وعشرين من الإبل، فإنها لا تجب في عينها.
(2)
كحبوب وثمار، بخلاف عرض التجارة، فتجب في ذمة المزكي، فعليه لكل حول زكاة، وما وجبت في عينه فليس عليه إن لم يزك حولين فأكثر إلا زكاة واحدة. قال في الإنصاف: بلا نزاع.
(3)
مما سيأتي وغيره، ولقوله تعالى {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} وهو مذهب جمهور العلماء، أبي حنيفة ومالك، وإحدى الروايتين عن الشافعي.
(4)
فتدل على كون مدخولها ظرفًا لمتعلقها، ولأن الزكاة تختلف باختلاف أجناس المال وصفاته، حتى وجبت في الجيد والرديء، فكانت متعلقة بعينه.
(5)
وكتعلق الدين بالتركة، لا في عين المال، كتعلق دين برهن ونحوه، فلا تصير الفقراء شركاء لرب النصاب، ولو كان المال غائبًا لم يقدر على الإخراج منه لم تلزمه، حتى يتمكن من الأداء.
(6)
أي إخراج الزكاة من غير النصاب، بلا رضى الساعي وفاقًا، فله أن يستدين مثلاً من غير النصاب من جنسه ويخرج، كما لسيد الجاني فداؤه بغير ثمنه.
والنماءُ بعد وجوبها له (1) وإن أَتلفه لزمه ما وجب فيه (2) وله التصرف فيه ببيع وغيره (3) فلذلك قال (ولها تعلق بالذمة) أي ذمة المزكي، لأَنه المطالب بها (4)(ولا يعتبر في وجوبها إمكان الأداء)(5) .
(1) أي للمالك وفاقًا، كولد الجانية لا يتعلق به أرش الجناية.
(2)
أي وإن أتلف المالك النصاب، بعد وجوب الزكاة، لزمه ما وجب في التالف، وهو قدر زكاته وفاقًا، لا قيمة النصاب، ولو باع النصاب، تعلقت بذمته، بغير خلاف، كما لو تلف.
(3)
أي وللمالك التصرف في النصاب، ببيع ونحوه، ووطء أمة للتجارة، وغير ذلك من سائر التصرفات، وله إتلافه وفاقًا، ولا يرجع بائع بعد لزوم بيع في قدرها، إن قدر على إخراجها من غيره، فإن تعذر، فسخ في قدرها.
(4)
وعنه: تجب في الذمة، وتتعلق بالنصاب، اختاره الخرقي وأبو الخطاب والشيخ وغيرهم.
وقال ابن عقيل: هو الأشبه بمذهبنا. فعلى المذهب لو لم يزك نصابًا حولين فأكثر لزمه زكاة واحدة، وعلى هذا القول يزكي لكل حول.
(5)
وفاقًا للشافعي، لمفهوم «لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول» فإنه يدل على الوجوب بعد الحول مطلقًا، ولأنها حق للفقير، فلم يعتبر فيها إمكان الأداء، كدين الآدمي، ولأنه لو اشترط لم ينعقد الحول الثاني حتى يتمكن من الأداء، وهو ينعقد عقب الأول إجماعًا، واحتج القاضي وغيره بأن للساعي المطالبة، وفاقًا لمالك، ولا يكون إلا لحق سبق وجوبه.
قال الوزير: فهم مجمعون على أن المال إذا تلف بعد إمكان الأداء أن الزكاة لا تسقط.
كسائر العبادات، فإن الصوم يجب على المريض والحائض (1) والصلاة تجب على المغمي عليه والنائم (2) فتجب في الدين والمال الغائب ونحوه كما تقدم (3) لكن لا يلزمه الإخراج قبل حصوله بيده (4)(ولا) يعتبر في وجوبها أيضًا (بقاءُ المال)(5) فلا تسقط بتلفه، فرط أو لم يفرط (6) .
(1) والعاجز عن أدائه، وكذا الزكاة عبادة، فلا يعتبر في وجوبها إمكان أدائها.
(2)
أي فكما أن الصلاة تجب على المغمي عليه والنائم، فكذا الزكاة ليس من شرطها إمكان الأداء بل هو شرط للزوم الإخراج.
(3)
في قوله: من مغصوب ومسروق. الخ. وتقدم كلام أهل العلم في ذلك.
(4)
استدراك من قوله المتفرع عن قوله: ولا يعتبر الخ. يفيد أن إمكان الأداء شرط لوجوب الإخراج، لا لوجوب الزكاة، فيعتبر التمكن من الأداء، وفاقًا لمالك والشافعي، فلا يضمنها قبل التمكن، وظاهر الخرقي مطلقًا، واختاره في النصيحة والمغني والمستوعب وشيخ الإسلام، وذكره جماعة رواية.
(5)
الذي وجبت فيه، ويتجه: بيده؛ لا نحو غائب لأن ما ليس بيده لا يلزمه أن يخرج زكاته قبل حصوله، وقال عثمان: أي ليس شرطًا في كل من وجوب الزكاة ولزوم إخراجها بخلاف سابقه.
(6)
أي فلا تسقط زكاة النصاب الذي تلف بيده، لأنه عين تلزمه مؤونة تسليمه إلى مستحقه، فيضمنه بتلفه في يده، كعارية ونحوها. سواء فرط أو لم يفرط. وما لم يكن تحت يده تسقط زكاته، وعنه: تسقط إذا لم يفرط، فيعتبر التمكن من الأداء مطلقًا، واختار الشيخ وجمع: تسقط بتلفه إذا لم يفرط على كلا الروايتين أما لو أمكنه الأداء فلم يزك لم تسقط، كزكاة الفطر وكالحج. وقال ابن رجب: وجوب الزكاة عن الغائب إذا تلف قبل قبضه مخالف لكلام أحمد. وقال الموفق: والصحيح تسقط بتلف المال إذا لم يفرط، لأنها تجب على المواساة، فلا تجب مع عدم المال، وفقر من تجب عليه. وقال في الفروع: وكل دين سقط قبل قبضه لم يتعوض عنه سقطت زكاته وفاقًا.
كدين الآدمي (1) إلا إذا تلف زرع أو ثمر بجائحة قبل حصاد وجذاذ (2)(والزكاة) إذا مات من وجبت عليه (كالدين في التركة)(3) لقوله عليه السلام «فدين الله أحق بالوفاء» (4) فإن وجبت، وعليه دين برهن، وضاق المال قدم (5) .
(1) أي كما لا يسقط دين الآدمي بتلف مال ونحوه.
(2)
وكذا بعدهما قبل الوضع في الجرين ونحوه، لعدم استقرارها قبل ذلك، كما سقط الثمن إذا تلفت الثمرة بجائحة وأولى، وعبارة الموفق ومن تابعه: قيل الإحراز. وعبارة المجد: قبل جذه. قال الزركشي: إذ الوجوب منوط بالوضع في الجرين. قال في الفروع: لو نقص بالتلف عن نصاب زكى الباقي بقسطه وفاقًا.
(3)
فلا تسقط بالموت وفاقًا، ولو لم يوص بها كالعشر، إلا عند أبي حنيفة: أنه لا يخرج إلا أن يوصى به، والجمهور على خلافه.
(4)
رواه البخاري ومسلم وغيرهما، وفي لفظ «فدين الله أحق أن يقضى» «اقضوا الله، فالله أحق بالوفاء» . فيخرجها وارث وغيره، لأنها حق واجب، فلا تسقط بالموت، كدين الآدمي، وهو لا يسقط بالموت.
(5)
أي دين الآدمي من الرهن على الزكاة، فإن فضل شيء صرف في الزكاة.
وإلا تحاصَّا (1) ويقدم نذر معين، وأُضحية معينة (2) .
(1) أي وإن لم يكن الدين برهن تحاصا، الزكاة ودين الآدمي، للتزاحم كديون الآدميين.
وفي شرح المنتهى: ومقتضى تعلقها بعين المال تقديمها على دين بلا رهن.
(2)
أي ويقدم نذر معين، كهذه الشاة ونحو ذلك على الزكاة، وعلى الدين، وتقدم أضحية معينة على الدين، فلا يجوز بيعها فيه، سواء كان له وفاء أو لم يكن، لأنه تعين ذبحها، فلم تبع في دينه، كما لو كان حيًا.
وكذا لو أفلس حي وله أضحية معينة، أو نذر معين فيخرج، ثم دين برهن، ثم يتحاص بقية ديونه من زكاة وغيرها.