الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب زكاة بهيمة الأنعام
(1)
وهي الإبل والبقر والغنم (2) وسميت بهيمة الأَنعام لأَنها لا تتكلم (3)(تجب) الزكاة (في إبل) بخاتي أو عراب (4) .
(1) بدأ بها اقتداء بالشارع صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ولأن أكثر العرب إذ ذاك حول المدينة بادية أهل نعم؛ ودلت الأحاديث الصحيحة المستفيضة، وكتب النبي صلى الله عليه وسلم على وجوبها، وكذلك كتب أبي بكر وعمر وغيرهما من الصحابة، وأجمع عليه المسلمون.
(2)
وقال القاضي عياض: النعم الإبل خاصة. فإذا قيل «الأنعام» دخل فيها البقر والغنم. اهـ. والإبل بكسر الباء، وقد تسكن للتخفيف، ولا واحد لها من لفظها، وهي مؤنثة، والجمع آبال، والبقر اسم جنس، الواحدة بقرة للذكر والأنثى، ويقال الوحدة باقورة، والبقور والتبقير والبقرات كلها بمعنى البقر، والغنم اسم جنس مؤنثة، لا واحد لها من لفظها، يطلق على الذكور والإناث.
(3)
وتقدم أنه لإبهام صوتها.
(4)
وبدأ بها اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، حين فرض زكاة الأنعام، وبالصديق في كتابه لأنس، ولأنها أعظم النعم قيمة وأجسامًا، وأكثر أموال العرب وأنفسها {أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ} والبخاتي جمع بختي، وهو المتولد بين العربي والعجمي، منسوب إلى بختنصر، وهي إبل غلاظ ذات سنامين، والعراب جمع عربي، إبل جرد ملس، حسان الألوان، وإنما كانت سواء لأن
اسم الإبل يتناولهما، واختلافهما في الصنف لا يخرجهما من النوع، قال الوزير وغيره: أجمعوا على أن البخاتي والعراب، والذكور والإناث في ذلك سواء.
(وبقر) أهلية أو وحشية، ومنها الجواميس (1)(وغنم) ضأْن أو معز، أَهلية أو وحشية (2)(إذا كانت) لدَرًّ ونسل، لا لعمل (3) وكانت (سائمة) أي راعية للمباح (4) .
(1) واحدها جاموس، فارسي معرب، قال الأزهري: أنواع البقر منها الجواميس، وهي أنبل البقر، وأكثرها ألبانًا، وأعظمها أجسامًا، ومنها العراب، وهي جرد ملس حسان الألوان كريمة، ومنها الدرنانية، التي تنقل عليها الأحمال، قال ابن فارس: برق أظلافها وجلودها، ولها أسنمة، ولا نزاع في الجواميس، بخلاف البقر الوحشية، فالجمهور على أنه لا زكاة فيها كما سيأتي.
(2)
هي غنم معروفة توجد في بعض المواضع، وليست هي الظباء، لأن الظباء لا زكاة فيها بغير خلاف.
(3)
لأنها تكثر منافعها، فيطيب نماؤها بالكبر والنسل، فاحتملت المواساة، زاد في الفروع: وتسمين، لاحترازهم عن المتخذة للعمل اهـ. أي فلا تكون السائمة المستلزمة شرعًا لوجوب الزكاة، كما لو أسامها للتجارة لم يكن فيها إلا زكاة التجارة. فإن كانت لعمل فلا زكاة فيها، وهذا مذهب أبي حنيفة والشافعي، وقال ابن تميم وغيره: لا زكاة في عوامل أكثر السنة ولو بأجرة، قال الحجاوي: فعلى هذا إن لم تكن تعمل أكثر السنة ففيها الزكاة، ولا شيء يخالفه.
(4)
لا المملوك، سواء كان رعيها بنفسها أو بفعل غاصب لما ترعاه، فليست معلوفة، ولا عوامل، وإنما هي ترعى بغير كلفة، ولا مشقة، ولا خسارة، والسوم الرعي، ويقال: سامت الماشية تسوم سومًا. وأسمتها أي أخرجتها إلى المرعى، وسميت سائمة لأنها تَسِم الأرض أي تعلمها.
(الحول أو أكثره)(1) لحديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «في كل إبل سائمة، في كل أربعين ابنة لبون» رواه أحمد وأبو داود والنسائي (2) وفي حديث الصديق «وفي الغنم في سائمتها» إلى آخره (3) .
(1) نص عليه، لأن علف السوائم يقع عادة في السنة كثيرًا، ويندر وقوعه في جميعها، لعروض موانعه، من نحو مطر وثلج، فاعتباره في كل العام إجحاف بالفقراء، والاكتفاء به في بعضه إجحاف بالملاك، فالاعتبار بالأكثر تعديل بينهما؛ قال الشيخ: إذا كانت راعية أكثر العام، مثل أن يشتري لها ثلاثة أشهر أو أربعة، فإنه يزكيها؛ هذا أظهر قولي العلماء.
(2)
وفي آخره أيضًا: «إذا كانت سائمة الرجل ناقصة عن أربعين شاة شاة واحدة فليس فيها شيء، إلا أن يشاء ربها» فقيد بالسوم، وأبدل البعض من الكل، وأعاد المقيد مرة أخرى، وذلك أدل دليل على اشتراط السوم.
(3)
أي تجب في سائمتها، فجعل الوجوب مختصًا بالسائمة، والإبل في معنى الغنم، وهذا الحديث في الصدقة، فرقه البخاري في عشرة مواضع من كتابه، بإسناد واحد، وهو أصل عظيم يعتمد، وذلك أنه لما استخلف أبو بكر كتبه لأنس، وكان عليه نقش الخاتم، ثلاثة أسطر، محمد رسول الله، محمد سطر، ورسول سطر، والاسم الشريف سطر. كتبه صلى الله عليه وسلم ولم يخرجه إلى العمال، حتى أخرجه أبو بكر الصديق رضي الله عنه، قال أحمد: لا أعلم في الصدقة أحسن منه. اهـ. وعن علي «ليس في العوامل شيء» رواه أبو داود، والدارقطني، عن ابن عباس، وعمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، والمعنى في ذلك أن القصد منها الانتفاع بظهرها، لا الدر والنسل، أشبهت البغال والحمير.
فلا تجب في معلوفة، ولا إذا اشترى لها ما تأْكله، أَو جمع لها من المباح ما تأْكله (1)(فيجب في خمس وعشرين من الإبل بنت مخاض) إجماعًا (2) وهي ما تم لها سنة (3) سميت بذلك لأن أمها قد حملت (4) والماخض الحامل، وليس كون أمها ماخضًا شرطًا (5) وإنما ذكر تعريفًا لها بغالب أحوالها (6) .
(1) لعدم السوم، وكذا لو اعتقلت بنفسها، أو علقها غاصب.
(2)
نقل إجماع الأمة في ذلك خلائق، لما في الصحيح من حديث أنس أن أبا بكر لما وجهه إلى البحرين، كتب له: هذه فريضة الصدقة، التي فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم على المسلمين، والتي أمر الله بها ورسوله، وفيه «فإذا بلغت خمسًا وعشرين، إلى خمس وثلاثين، ففيها بنت مخاض أنثى» وعند مالك في كتاب عمرو نحوه، وغيرهما من الصحابة، وما روى عن علي: في خمس وعشرين خمس شياه. فقال النووي وغيره: اتفقوا على ضعفه. وقال ابن المنذر: لا يصح ذلك عنه؛ وحكاه إجماعًا، والمخاض بفتح الميم، أي بنت ناقة مخاض.
(3)
ودخلت في الثانية، بلا خلاف، والسنة واحدة السنين، نقصت منها واو أو هاء وأصلها سنهة وسنوة، وجمعها سنهات وسنوات، حذفت لامها، ونقلت حركتها إلى النون.
(4)
أي في الغالب.
(5)
لأنها إذا تم لها سنة أجزأت، ولو لم يحصل الوصف.
(6)
وليس تسميتها بذلك شرطًا، فإن عدمها أجز ابن لبون ذكر إجماعًا، لحديث أنس «فإن لم يكن فيها بنت مخاض، ففها ابن لبون ذكر» رواه أبو داود.
(و) يجب (فيما دونها) أي دون خمس وعشرين (في كل خمس شاة)(1) بصفة الإبل إن لم تكن معيبة (2) ففي خمس من الإبل كرام سمان شاة كريمة سمينة (3) فإن كانت الإبل معيبة، ففيها شاة صحيحة، تنقص قيمتها بقدر نقص الإبل (4) ولا يجزئُ بعير ولا بقرة، ولا نصفا شاتين (5) .
(1) إجماعًا، حكاه الموفق والوزير وغيرهما، لما في الصحيح من حديث أنس «في أربع وعشرين من الإبل فما دونها، في كل خمس شاة» ونحوه في الموطإ وغيره عن عمر وغيره، ولا يجب فيما دون خمس شيء إجماعًا، لما في الصحيحين «ليس فيما دون خمس ذود صدقة» وقوله «ومن لم يكن معه إلا أربع من الإبل، فليس فيها صدقة» . وقال الخطابي وغيره: حديث أبي سعيد هذا أصل في مقدارها، وإسقاطها فيما دونه، ويأتي، والشاة الواحدة من الغنم، تقع على الذكر والأنثى من الضأن والمعز، وأصلها شاهة وشوهة، ولهذا إذا صغرت عادت الهاء، فقيل: شويهة والجمع شياه.
(2)
أي تكون الشاة المخرجة عن الإبل كحال الإبل، في الجودة والرداءة والتوسط، فإن كانت الإبل صحيحة، أخرج شاة صحيحة، على قدر قيمة المال.
(3)
نسبتها في الكرم والسمن نسبة الإبل المخرج عنها.
(4)
فلو كانت الإبل مراضًا، وقومت لو كانت صحاحًا بمائة، وكانت الشاة فيها قيمتها خمسة، ثم قومت مراضًا بثمانين، فتجب فيها شاة قيمتها أربعة.
(5)
ذكرًا كان البعير أو أنثى، نص عليه، ولو كان البعير أو البقرة أو نصفا الشاتين أكثر قيمة من الشاة، لأنها غير المنصوص عليه، وقيل تجزئ إن كانت قيمته قيمة شاة وسط فأكثر، بناء على إخراج القيمة، وفاقًا لأبي حنيفة لحديث أبي بن كعب قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم مصدقًا، فمررت برجل، فلما جمع لي ماله، فلم أجد فيه إلا بنت مخاض، فقلت له: أد بنت مخاض، فإنها صدقتك. فقال: ذلك ما لا لبن فيه، ولا ظهر، وما كنت لأقرض الله ما لا لبن فيه ولا ظهر، ولكن هذه ناقة فتية سمينة فخذها. فقلت: ما أنا بآخذ ما لم أومر، وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن أحببت أن تعرض عليه ما عرضت علي فافعل. فخرج بها معي، حتى قدمنا عليه، فقال له «ذلك الذي عليك، فإن تطوعت بخير آجرك الله فيه، وقبلناه منك» ، فقال: ها هي ذه. فقبلها ودعا له بالبركة؛ رواه أحمد وأبو داود بإسناد صحيح أو حسن، وزاد عبد الله أن الراوي أخذ منه زمن معاوية ثلاثين حقه، وقال النووي: فلو بذل الحامل ونحوها قبلت منه عند أهل العلم كافة، إلا داود، وقوله مزيف لا أصل له. وقال أيضًا: واجبها الشاة فإن أخرج بعيرًا أجزأ وهو قول جمهور العلماء من السلف والخلف، لأنه يجزئ عن خمس وعشرين، فعن ما دونها أولى، وحكى الموفق وغيره الإجماع على جواز سن أعلى من الفرض من جنسه، والبعير يقع على الذكر والأنثى، وجمعه أبعرة وأباعر، سمي به لأنه يبعر. والبعير من الإبل بمنزلة الإنسان من الناس. وقال الجوهري: إنما يقال له بعير إذا أجذع.
وفي العشر شاتان، وفي خمس عشرة ثلاث شياه، وفي عشرين أَربع شياه، إجماعًا في الكل (1)(وفي ست وثلاثين بنت لبون)(2) .
(1) حكاه غير واحد، وقال الموفق وغيره: وهذا كله مجمع عليه، وثابت بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(2)
إجماعًا، لحديث أنس، وفيه «فإذا بلغت ستًا وثلاثين، إلى خمس وأربعين ففيها بنت لبون أنثى» .
ما تم لها سنتان، لأَن أُمها قد وضعت غالبًا، فهي ذات لبن (1)(وفي ست وأربعين حقة)(2) ما تم لها ثلاث سنين، لأَنها استحقت أن يطرقها الفحل، وأَن يحمل عليها وتركب (3)(وفي إحدى وستين جذعة)(4) بالذال المعجمة، ما تم لها أَربع سنين، لأَنها تجذع إذا سقط سنها (5) .
(1) وليس شرطًا، بل تعريفًا لها بغالب أحوالها كما تقدم.
(2)
إجماعًا، لما في الصحيح من حديث أنس وفيه «فإذا بلغت ستًا وأربعين، إلى ستين، ففيها حقة طروقة الجمل» ولما في الموطإ وغيره.
(3)
وتعريفها بذلك مجمع عليه، وقد دخلت في السنة الرابعة.
(4)
إجماعًا، لما في الصحيح وغيره «فإذا بلغت إحدى وستين، إلى خمس وسبعين، ففيها جذعة» . وهو غاية كمالها، وهذا آخر أسنان الزكاة، وهو نهاية الحسن درًا ونسلاً وقوة، واعتبر في الجميع الأنوثة، لما فيها من رفق الدر والنسل.
(5)
وقد دخلت في السنة الخامسة، وتجزئ عنها ثنية لها خمس سنين، والأسنان المذكورة للإبل قول أهل اللغة، واتفاق الأئمة. وقال الأزهري وغير واحد: إذا وضعت الناقة ولدًا في أول النتاج، فولدها ربع، والأنثى ربعة، وإن كان في آخره فهو هَبْع، والأنثى هَبَعة. فإذا فصل عن أمه فهو فصيل، فإذا استكمل الحول، ودخل في الثانية فهو ابن مخاض، والأنثى بنت مخاض، وواحدة المخاض خلفة، من غير جنس اسمها. وإنما سمي بذلك لأن أمها قد ضربها الفحل فحملت، ولحقت بالمخاض من الإبل وهي الحوامل، فلا يزال ابن مخاض السنة الثانية كلها. فإذا استكمل سنتين، ودخل في الثالثة فهو ابن لبون، والأنثى بنت لبون، فإذا مضت الثالثة، ودخل في الرابعة فهو حق، والأنثى حقة، سميت
بذلك لأنها استحقت أن تركب، ويحمل عليها، فإذا دخلت في الخامسة، فالذكر جذع، والأنثى جذعة. فإذا دخلت في السادسة، فالذكر ثني، والأنثى ثنية، فإذا دخلت في السابعة، فالذكر رباع، والأنثى رباعية، فإذا دخل في الثامنة، فالذكر سدس وسديس، لفظ الذكر والأنثى فيه سواء، فإذا دخل في التاسعة، فهو بازل، والأنثى بازل. فإذا دخل في العاشرة، فهو مخلف، ثم ليس له اسم، لكن يقال: مخلف عام، ومخلف عامين، وبازل عام، وبازل عامين، لطلوع بازله وهو نابه، ثم لا اسم له بعد ذلك.
وهذا أعلى سن يجب في الزكاة (1)(وفي ست وسبعين بنتا لبون، وفي إحدى وتسعين حقتان) إجماعًا (2)(فإذا زادت عن مائة وعشرين واحدة فثلاث بنات لبون)(3) .
(1) يعني الجذعة بالإجماع.
(2)
حكاه الوزير والشيخ وغيرهما ممن يحكي إجماع أهل العلم، لما في الصحيح وغيره قال «فإذا بلغت ستًا وسبعين، إلى تسعين ففيها بنتا لبون، فإذا بلغت إحدى وتسعين، إلى عشرين ومائة، ففيها حقتان، طروقتا الجمل» ، وروى مالك كتاب عمرو بن حزم، بنحو ما تقدم من حديث أنس، قال ابن المنذر وغيره: هذا مجمع عليه إلى عشرين ومائة.
(3)
قال أبو عمر: وهو قول الزهري وأبي ثور وأبي عبيد، ومحمد بن إسحاق، وأئمة أهل الحجاز، وصححه الوزير؛ وفي المبدع: وهو المختار للعامة. قال الشيخ: وهو أولى عند العلماء، قال مالك: إذا زادت واحدة على عشرين ومائة، فالساعي بالخيار، بين أن يأخذ حقتين، أو ثلاث بنات لبون، وعند الكوفيين يستقبل الفريضة، وحجة الجمهور حديث أنس، وهو صحيح صريح، وما خالفه ضعيف أو دونه.
لحديث الصدقات الذي كتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان عند آل عمر بن الخطاب. رواه أبو داود والترمذي وحسنه (1)(ثم في كل أربعين بنت لبون وفي كل خمسين حقه)(2) ففي مائة وثلاثين حقة وبنتا لبون، وفي مائة وأَربعين حقتان وبنت لبون، وفي مائة وخمسين ثلاث حقاق، وفي
(1) ولفظه «فإذا زادت على عشرين ومائة، ففي كل خمسين حقة، وفي كل أربعين بنت لبون» وقال: والعمل على هذا الحديث، عند عامة الفقهاء. ورواه أبو داود عن سالم مرسلاً، وفيه «فإذا كانت مائة وإحدى وعشرين، ففيها ثلاث بنات لبون» ولظاهر كتاب أبي بكر الذي في الصحيح، ولفظه «فإذا زادت على عشرين ومائة، ففي كل أربعين بنت لبون، وفي كل خمسين حقة» ولكتاب عمرو بن حزم، الذي كتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل اليمن، فيه الفرائض والسنن، وذكر نحوًا مما تقدم. قال الحاكم: إسناده صحيح، وهو من قواعد الإسلام. وبهذه الفرائض اشتهرت كتب الصدقات، من رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفائه.
(2)
لما في الصحيح، عن أنس وكتاب عمرو بن حزم وغيرهما، وعليه جماهير العلماء. قال الشيخ: الإمام أحمد وأهل الحديث متبعون في الزكاة لسنة النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه، آخذين بأوسط الأقوال الثلاثة، أو بأحسنها، فأخذوا في أوقاص الإبل بكتاب الصديق ومتابعيه، المتضمن أن في الإبل الكثيرة في أربعين بنت لبون، وفي كل خمسين حقة، لأنه آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم، بخلاف الكتاب الذي فيه استئناف الفريضة بعد مائة وعشرين، فإنه متقدم على هذا، لأن استعمال عمرو بن حزم على نجران كان قبل موته بمدة، وأما كتاب الصديق فإنه كتبه ولم يخرجه إلى العمال، حتى أخرجه أبو بكر.
مائة وستين أربع بنات لبون، وفي مائة وسبعين حقة وثلاث بنات لبون، وهكذا (1) فإذا بلغت مائتين، خير بين أربع حقاق، وخمس بنات لبون (2) ومن وجبت عليه بنت لبون مثلاً وعدمها، أو كانت معيبة، فله أن يعدل إلى بنت مخاض، ويدفع جبرانًا، أو إلى حقة ويأْخذه (3) .
(1) أي في كل أربعين بنت لبون وفي كل خمسين حقة. ويقال فيما بين الفرضين – كما بين خمس وعشر -: وَقَص، ووَقْص. بفتح القاف وإسكانها. والمشهور في كتب اللغة فتحها، وفي كتب الفقهاء إسكانها. وقد يستعمل فيما لا زكاة فيه كأربع. وجمعه أوقاص، وقال القاضي: الشنق مثل الوقص، قال الأصمعي: يختص بأوقاص الإبل، والوقص هنا يختص بالبقر والغنم. وأخرج الدارقطني عن عبيد بن صخر، قال: عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عماله على اليمن «ليس في الأوقاص شيء» وفي السنن نحوه من حديث ابن عباس.
(2)
لوجود مقتضى كل من الفرضين، فيخير للأخبار، وليس للساعي تكليفه غير ما وجد منهما وفاقًا؛ وإذا بلغت أربعمائة خير بين ثمان حقاق، أو عشر بنات لبون، وإن أخرج أربع حقاق وخمس بنات لبون جاز، وقال ابن رجب: بلا خلاف.
(3)
أي الجبران إذا دفع الحقة عن بنت اللبون، فإن عدم انتقل إلى ثان وثالث من أسفل أو فوق؛ وهذا مذهب الشافعي. وعند أبي حنيفة إن شاء أخذ القيمة، وإن شاء أخذ أفضل منها وأعطي الزيادة. قال الشيخ: ومالك رحمه الله إنما روى كتاب عمرو بن حزم. وليس فيه ما في كتاب أبي بكر من الزيادة، وهذا شأن العلماء. اهـ. وكتاب أبي بكر في الصدقات قال فيه «ومن بلغت عنده من الإبل صدقة الجذعة، وليست عنده جذعة، وعنده حقة فإنها تقبل منه الحقة، ويجعل معها شاتين إن استيسرتا له أو عشرين درهمًا، ومن بلغت عنده صدقة الحقة، وليست عنده حقة. وعنده جذعة فإنها تقبل منه الجذعة ويعطيه المصدق عشرين درهمًا أو شاتين.
ومن بلغت عنده صدقة الحقة، ولسيت عنده إلا بنت لبون، فإنها تقبل منه بنت لبون، ويعطي شاتين، أو عشرين درهمًا، ومن بلغت عنده صدقة بنت لبون، وعنده حقة، فإنها تقبل منه، ويعطيه المصدق عشرين درهمًا أو شاتين، ومن بلغت صدقته بنت لبون، وليست عنده، وعنده بنت مخاض، فإنها تقبل منه بنت مخاض، ويعطي معها عشرين درهمًا أو شاتين» رواه البخاري وفيه «ومن بلغت صدقته بنت مخاض، ولسيت عنده، وعنده بنت لبون، فإنها تقبل منه، ويعطيه المصدق عشرين درهمًا أو شاتين، فإن لم يكن عنده بنت مخاض على وجهها، وعنده ابن لبون، فإنه يقبل منه، وليس معه شيء» وروى مالك كتاب عمرو بمثل هذا أو قريب منه، إلا ذكر البدل مع العشرين، وفي المغني وغيره: الحقّ والجذع والثني أولى بالإجزاء عن بنت مخاض من ابن اللبون، لزيادة سنه، ولا يجبر نقص بالذكورية في غير بنت مخاض، لظاهر الحديث، والمصدق بتخفيف الصاد الساعي، والمالك بشدها.
وهو شاتان أو عشرون درهمًا، ويجزئُ شاة وعشرة دراهم (1) .
(1) فلا يقال: إنه لا بد أن يكون المخرج إما شاتين أو عشرين درهمًا. بل يجوز النصف دراهم، والنصف شاة، وكذا في ثان وثالث، كما يجوز إخراج الكفارتين من جنس، قال الخطابي: يشبه أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم إنما جعل الشاتين أو عشرين درهمًا تقديرًا في جبران الزيادة والنقصان، ولم يكل الأمر في ذلك إلى اجتهاد الساعي وغيره، لأن الساعي إنما يأخذ منهم الزكاة عند المياه غالبًا، وليس هناك حاكم، ولا مقوم يفصل بينهما إذا اختلفا، فضبطت بقيمة شرعية، قطعًا للتنازع وأخذ الشاتين أو دفعهما لا نزاع فيه، والخيرة لرب المال.
ويتعين على ولي محجور عليه إخراج أَدون مجزئٍ (1) ولا دخل لجبران في غير إبل (2) .
(1) مراعاة لحظ المحجور عليه، ولا يجوز له أن يعطي الفضل من مالهما.
(2)
لأن النص إنما ورد فيها، فيقتصر عليه، والقياس ممتنع، لأن غيرها ليس في معناها، لأن الغنم لا تختلف فريضتها باختلاف سنها. وما بين الفريضتين في البقر يخالف ما بين الفرضين، فامتنع القياس.