المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ الصوم الشرعي الإمساك مع النية - حاشية الروض المربع لابن قاسم - جـ ٣

[عبد الرحمن بن قاسم]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الجنائز

- ‌ هديه صلى الله عليه وسلم في الجنائز أكمل الهدي

- ‌ لا يؤخذ من الميت شيء

- ‌فصل في الكفن

- ‌ تكفن المرأة في خمسة أثواب

- ‌إذا اجتمعت جنائز: قدم إلى الإمام أفضلهم

- ‌ المطلوب في صفتها ستة أشياء

- ‌فصلفي حمل الميت ودفنه

- ‌كره جلوس تابعها حتى توضع)

- ‌اللحد أفضل من الشق)

- ‌كره لمصاب تغيير حاله

-

- ‌كتاب الزكاة

- ‌باب زكاة بهيمة الأنعام

- ‌فصل في زكاة البقر

- ‌فصل في زكاة الغنم

- ‌الضأن والمعز سواء، والسوم شرط

- ‌لا أثر لخلطة من ليس من أهل الزكاة

- ‌باب زكاة الحبوب والثمار

- ‌إذا اشتد الحب، وبدا صلاح الثمر وجبت الزكاة)

- ‌ الزكاة، إنما تتكرر في الأموال النامية

- ‌يباح للنساء من الذهب والفضة ما جرت عادتهن بلبسه

- ‌باب زكاة العروض

- ‌باب زكاة الفطر

- ‌لا يعتبر لوجوبها ملك نصاب

- ‌باب إخراج الزكاة

- ‌الغنى في باب الزكاةنوعان

- ‌أهل الزكاة قسمان

- ‌ الذي عليه الدين لا يعطيه، ليستوفي دينه

- ‌من أَراد الصدقة بماله كله

-

- ‌كتاب الصيام

- ‌(يجب صوم رمضان برؤية هلاله)

- ‌الأصل أن الله علق الحكم بالهلال والشهر

- ‌إن اشتبهت الأَشهر، على نحو مأْسور، تحرى وصام

- ‌أسباب الفطر أربعة

- ‌ الصوم الشرعي الإمساك مع النية

- ‌باب ما يكره ويستحب في الصوموحكم القضاء

- ‌لا يقضى عنه ما وجب بأَصل الشرع، من صلاة وصوم

- ‌يكره الصمت إلى الليل

-

- ‌كتاب المناسك

- ‌من كملت له الشروط وجب عليه السعي (على الفور)

- ‌يحج النائب من حيث وجبا

- ‌باب المواقيت

- ‌ليس للإحرام صلاة تخصه

- ‌ ابتداء التلبية عقب إحرامه

الفصل: ‌ الصوم الشرعي الإمساك مع النية

لأَن‌

‌ الصوم الشرعي الإمساك مع النية

(1) فلا يضاف للمجنون، ولا للمغمى عليه (2) فإن أفاق جزءًا من النهار، صح الصوم (3) سواءً كان من أول النهار، أو آخره (4)(لا إن نام جميع النهار) فلا يمنح صحة صومه (5) لأن النوم عادة، ولا يزول به الإحساس بالكلية (6) .

(1) ومتى لم يوجد إمساك ولا نية، لم يصر صائمًا.

(2)

يعني الصوم لعدم حصول الإمساك من المجنون والمغمى عليه، فلم يجزئهما، والنية وحدها لا تجزئ، لما في الصحيحين وغيرهما: يقول الله تعالى «كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به يدع طعامه وشرابه من أجلي» فأضاف ترك الطعام والشراب إليه، ومن جن، أو أغمى عليه جميع النهار، لم يضف إليه إمساك البتة، فلا يصح صومه، إذ المركب ينتفي بانتفاء جزئه.

(3)

أي فإن أفاق المجنون، أو المغمي عليه، جزءًا من النهار الذي بيت النية له، صح الصوم منه، حيث بيت النية، للخبر، ولوجود الإمساك في الجملة، ولصحة إضافة الترك إليه.

(4)

أي سواء كانت إفاقة المجنون أو المغمى عليه من أول النهار، أو آخره، قال الوزير: اتفقوا على أن من وجد منه إفاقة في بعض النهار، ثم أغمي عليه باقيه، فإن صومه صحيح، وقليل الإغماء لا يفسد الصوم وفاقًا، والجنون كالإغماء وفاقًا، ومن جن في صوم قضاء، أو كفارة ونحوهما، قضاه بالوجوب السابق، كالصلاة.

(5)

وهو إجماع قبل الإصطخري من الشافعية، وإن استيقظ لحظة منه صح إجماعًا.

(6)

لأنه متى نبه انتبه، فهو كذاهلٍ وساهٍ.

ص: 381

(ويلزم المغمى عليه القضاءُ) أي قضاءُ الصوم الواجب زمن الإغماء (1) لأَن مدته لا تطول غالبًا، فلم يزل به التكليف (2)(فقط) بخلاف المجنون، فلا قضاء عليه، لزوال تكليفه (3)(ويجب تعيين النية)(4) بأَن يعتقد أنه يصوم من رمضان، أو قضائه، أو نذر، أو كفارة (5) .

(1) على الأصح وفاقًا، وقال الشارح: لا نعلم فيه خلافًا، لأنه نوع مرض، وهو مغط على العقل.

(2)

وقال الزركشي وغيره: ولا نزاع في ذلك، لأن الولاية لا تثبت عليه، فلم يزل به التكليف كالنوم، ولهذا جاز على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.

(3)

سواء فات بالجنون الشهر أو بعضه، وهذا مذهب أبي حنيفة، والشافعي، وليس في الشرع ما يوجب القضاء عليه، من نص، ولا قياس، بخلاف الصرع، وهو الخنق ثم يصحو منه وقتا، فصفاه ملحق بالإغماء، بخلاف الجنون، فإنه يزيل العقل خاصة، فيلحق بالبهائم، وينبغي تقييده بما إذا لم يتصل جنونه بشرب محرم، كما تقدم في الصلاة.

(4)

في كل صوم واجب، وفاقًا لمالك والشافعي.

(5)

وهذا مذهب مالك، والشافعي، والجماهير، فإن لم يعين لم يجزئه، وكذا إن نوى صوما مطلقًا، أو تطوعًا، لم يجزئه، قال الشيخ: لا بد من نية رمضان، فلا يجزئ نية مطلقة، ولا معينة بغيره، وهو قول الشافعي وأحمد في إحدى روايتيه. وقال: إنه مع العلم يجب عليه تعيين النية، ومع عدم العلم كمن لم يعلم.

ص: 382

لقوله عليه السلام «وإنما لكل امرئ ما نوى» (1)(من الليل)(2) لما روى الدارقطني بإسناده عن عمرة، عن عائشة مرفوعًا «من لم يبيت الصيام قبل طلوع الفجر، فلا صيام له» وقال: إسناده كلهم ثقات (3) ولا فرق بين أول الليل، ووسطه، وآخره (4) .

(1) فالعامل لا يحصل له إلا ما نواه، ولأن التعيين مقصود في نفسه، فلا بد من حصوله، وأما أصل النية في الصوم وإن كان تطوعًا، فبإجماع المسلمين، لقوله تعالى {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} ولهذا الخبر وغيره، فلا يصح صوم إلا بنية، كالصلاة، والزكاة، والحج، وسائر العبادات إجماعًا.

(2)

أي يجب تعيين نية الواجب من الليل، لا من النهار، لأن النية لا تنعطف على الماضي، فإذا فات جزء من النهار لم توجد فيه، لم يصح صوم ذلك اليوم، الذي فات جزء منه.

(3)

وللخمسة عن ابن عمر عن حفصة، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«من لم يبيت الصيام قبل الفجر، فلا صيام له» وفي لفظ «من لم يجمع» أي يعزم الصيام من الليل، فلا صيام له، وروي موقوفًا على ابن عمر، وصححه الترمذي، وهو مذهب جمهور أهل العلم، أن من لم يجمع الصيام من الليل، لم يجزئه إلا في التطوع، ولأن النية عند ابتداء الصيام، كالصلاة، والحج، وحكى الشيخ ثلاثة أقوال، ثالثها أن الفرض لا يجزئ إلا بتبييت النية من الليل، كما دل عليه حديث حفصة وابن عمر، لأن جميع الزمان يجب فيه الصوم، والنية لا تنعطف على الماضي، وقال: هذا أوسط الأقوال.

(4)

فأي جزء نواه فيه أجزأ، قال الوزير: قال مالك، والشافعي، وأحمد:

يجوز في جميع الليل، وأول وقتها بعد غروب الشمس، وآخره طلوع الفجر الثاني، واتفقوا على أنه ما ثبت في الذمة من الصوم، كقضاء رمضان، وكقضاء النذور والكفارات، لا يجوز صومه إلا بنية من الليل.

ص: 383

ولو أتى بعدها ليلاً بمناف للصوم، من نحو أكل ووطء (1)(لصوم كل يوم واجب)(2) لأن كل يوم عبادة مفردة، لا يفسد صومه بفساد صوم غيره (3)(لا نية الفرضية) أي لا يشترط أن ينوي كون الصيام فرضًا، لأن التعيين يجزئ عنه (4) ومن قال: أنا صائم غدًا إن شاء الله. مترددًا، فسدت نيته (5) .

(1) لم تبطل نيته وفاقًا، لإطلاق الحديث، ولأن الله أباح الأكل، والشرب، والجماع إلى آخر الليل، فلو بطلت به فات محلها، لا إن أتى بما ينافي النية كالردة، والشك فيها، فإنها تزيل التأهل للعبادة من كل وجه، ولا بد في صحة النية من إتيانه بشرطها الذي هو الإسلام، وأما المجنون فبمجرد إفاقته تصح عبادته.

(2)

أي نية مفردة، وفاقًا لمالك، والشافعي.

(3)

أي فيجب التعيين لصوم كل يوم، وعنه: تكفي النية أول الشهر، ما لم يقطعها. وكذا قال مالك وغيره: يجزئه بنية واحدة لجميع الشهر، ما لم يفسخها. ولو خطر بقلبه ليلاً: أنه صائم غدًا. فقد نوى.

(4)

فلا يتعين نية الفرضية، ولأن الواجب لا يكون إلا فرضًا، فأجزأ التعيين عنه، وكذا لا يجب تعيين الوجوب في واجبه.

(5)

لعدم الجزم بها.

ص: 384

لا متبركًا، كما لا يفسد إيمانه بقوله: أنا مؤمن إن شاء الله. غير متردد في الحال (1) ويكفي في النية الأكل والشرب بنية الصوم (2)(ويصح) صوم (النفل بنية من النهار، قبل الزوال وبعده)(3) لقول معاذ، وابن مسعود، وحذيفة (4) وحديث عائشة: دخل على النبي صلى الله عليه وسلم ذات

(1) لم تفسد نيته، إذ قصده أن فعله للصوم بمشيئة الله، وتوفيقه، وتيسيره، وكذا في سائر العبادات، لا تفسد بذكر المشيئة في نيتها، وقولهم «غير متردد في الحال» جرى على طريقة الأشاعرة، لأن الاستثناء عندهم في الإيمان لأجل الموافاة، والذي عليه السلف أن الاستثناء للتقصير في بعض خصال الإيمان.

(2)

أي بدل نية الصوم، قال الشيخ: هو حين يتعشى يتعشى عشاء من يريد الصوم، ولهذا يفرق بين عشاء ليلة العيد، وعشاء ليالي رمضان. وقال: كل من علم أن غدًا من رمضان، وهو يريد صومه، فقد نوى صومه، وهو فعل عامة المسلمين.

(3)

أي بعد الزوال، اختاره أكثر الأصحاب، وقال الوزير: اتفقوا على أن صوم النفل كله يجوز بنية من النهار قبل الزوال، إلا مالكًا، فقال: لا يصح إلا بنية من الليل. والجمهور على خلافه. وقال الشيخ: وأما النفل فيجزئ بنية من الزوال، كما دل عليه قوله صلى الله عليه وسلم «إني صائم» كما أن الصلاة المكتوبة، يجب فيها من الأركان كالقيام، والاستقرار على الأرض، ما لا يجب في التطوع، توسيعًا من الله على عباده طرق التطوع، فإن أنواع التطوعات دائمًا أوسع من أنواع المفروضات، وهذا أوسط الأقوال.

(4)

وجماعة من الصحابة رضي الله عنهم، وفعله أبو طلحة، وأبو هريرة، وابن عباس، وغيرهم.

ص: 385

يوم، فقال «هل عندكم من شيء؟» فقلنا: لا. قال «فإني إذًا صائم» رواه الجماعة إلا البخاري (1) وأمر بصوم يوم عاشوراء في أَثنائه (2) ويحكم بالصوم الشرعي، المثاب عليه، من وقتها (3) .

(1) وله ألفاظ، منها أنه يقول «هل من غداء؟» فإن قالوا: لا. قال «فإني صائم» وقاله أبو الدرداء وغيره، ومنها: أنه إن قلنا: نعم. تغدى. وفيه دليلان، أحدهما طلبه الأكل، ويظهر منه أنه كان مفطرًا، والثاني قوله «إذا» التي هي للاستقبال، فخص عموم الحديث السابق، وأثبت جواز تأخير نية الصوم، إذا كان تطوعًا، وشرطه أن لا يوجد مناف، غير نية الإفطار، اقتصارًا على مقتضى الدليل، ونظرًا إلى أن الإمساك هو المقصود الأعظم، فلا يعفى عنه أصلاً، قال الشارح: فإن فعل قبل النية ما يفطره، لم يجز الصيام، بغير خلاف. اهـ.

ولا يصح صوم من أكل، ثم نوى بقية يومه وفاقًا، لعدم حصول حكمة الصوم، ولأن من عادة المفطر الأكل بعض النهار، وإمساك بعضه، وأجمع المسلمون على أنه يدخل فيه بالفجر الثاني، وينقضي ويتم بتمام الغروب.

(2)

فدل على جوازه أثناء النهار بشرطه.

(3)

أي النية: إذ ليس للمرء إلا ما نوى، بنص الشرع، قال الشيخ: وهو نص أحمد، أن الثواب من حين النية، ولأن ما قبله لم يوجد فيه قصد القربة، فلا يقع عبادة. اهـ. فيصح تطوع حائض طهرت، وكافر أسلم في يوم، ولم يأكلا، بصوم بقية اليوم.

ص: 386

(ولو نوى: إن كان غدًا من رمضان فهو فرضي؛ لم يجزئه)(1) لعدم جزمه بالنية (2) وإن قال ذلك ليلة الثلاثين من رمضان، وقال: وإلا فأَنا مفطر. فبان من رمضان، أَجزأَه (3) لأَنه بنى على أصل، لم يثبت زواله (4)(ومن نوى الإفطار أَفطر)(5) أي صار كمن لم ينو، لقطعه النية (6) .

(1) أي التعيين، «وغدًا» بالنصب، أي إن كان الصيام غدًا، دل على تقديره قوة الكلام «وفرضي» بياء المتكلم، أي الذي فرض الله علي.

(2)

وكذا لو قال: إن كان غدًا من رمضان فهو عنه، وإلا فعن واجب غيره. وكذا إن عينه عن واجب، من قضاء، أو نذر، أو كفارة بنية، لم يجزئه، إن بان من رمضان، أو غيره، لعدم جزمه بالنية لأحدهما، وعنه: إن كان غدًا من رمضان فهو فرضي. أجزأه، بناء على أنه لا يجب تعيين النية لرمضان، وتقدم تحقيق المسألة.

(3)

ولا يقدح تردده في النية.

(4)

وهو حكم صومه مع الجزم، بخلاف ما لو قاله ليلة الثلاثين من شعبان.

(5)

نص عليه، وفاقًا للشافعي ومالك.

(6)

أي قطع نية الصوم، بنية الإفطار، فكأنه لم يأت بها ابتداء، أو نوى: إن وجد طعامًا، أكل، وإلا أتم ونحوه، بطل، كصلاته، وأما ما يخالف فيه الصوم الصلاة، ففيما إذا عزم على فعل محظور في الصوم، كالأكل ونحوه، فإنه يبطل صومه، بخلاف ما إذا عزم على مبطل للصلاة، فإنها لا تبطل، ما لم يفعله.

ص: 387

وليس كمن أكل، أو شرب، فيصح أن ينويه نفلاً بغير رمضان (1) ومن قطع نية نذر، أو كفارة، ثم نواه نفلاً أو قلب نيتهما إلى نفل صح (2) كما لو انتقل من فرض صلاة إلى نفلها (3) .

(1) فلا يصح أن ينوبه نفلاً في رمضان، أما بغير رمضان ونوى الإفطار، ثم عاد فنوى صومه نفلاً، صح نفلاً، جزم به في الفروع والتنقيح، وكره لغير غرض صحيح، أما إن قلب صومه رمضان إلى النفل، فسد صومه، ولزمه الإمساك.

(2)

بأن ينوي الانتقال من أحدهما إلى النفل، وهو صائم صح، جزم به في الفروع، لأن التابع يغتفر فيه، ما لا يغتفر في الاستقلال.

(3)

فيصح نقلاً كما تقدم، إلا أنه يكره، لغير غرض صحيح.

ص: 388

باب ما يفسد الصوم (1)

ويوجب الكفارة (2)

وما يتعلق بذلك (3)(من أكل، أو شرب (4) .

(1) وهو كل ما ينافيه، من أكل، وشرب، وجماع، ونحوها، والإفساد الإبطال، وضد الإصلاح.

(2)

كالوطء في نهار رمضان، والكفارة عقوبة، أو زاجر، وتكفير لجرم الفاعل، واستدراك لفرطه.

(3)

مما يحرم فيه، أو يكره، أو يجب، أو يسن، أو يباح.

(4)

صحيحًا مقيمًا، عامدًا، ذاكرًا لصومه، فسد صومه، بالكتاب، والسنة، والإجماع، قال تعالى {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} . قال الشيخ وغيره: فعقل منه أن المراد الصيام من الأكل والشرب، فإنه تعالى أباحه إلى غاية، ثم أمر بالإمساك عنهما إلى الليل، وقال {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} وكان معقولاً عندهم أن الصيام هو الإمساك عنهما، وفي الحديث «يدع طعامه وشرابه من أجلي» وحكى الشيخ، والوزير والموفق، وغير واحد الإجماع على ذلك، ولا فرق بين القليل والكثير، ولا بين المعذور وغيره، والأكل إيصال جامد إلى الجوف من الفم، ولو بغير مضغ، ولو لم يتناول عادة، والشرب إيصال مائع إلى الجوف من الفم، ولو وجورًا، وأما أكل ما لا يتغذى به، فيحصل به الفطر، قال الموفق: في قول عامة أهل العلم، إلا ما روي عن الحسن بن صالح أنه يأكل البرد، ويقول: ليس بطعام، ولا شراب. ودلالة الكتاب والسنة على العموم، فلا يلتفت إلى خلافه.

ص: 389

أَو استعط) بدهن، أَو غيره، فوصل إلى حلقه، أو دماغه (1)(أَو احتقن، أَو اكتحل بما يصل) أَي بما يعلم وصوله (إلى حلقه)(2) لرطوبته، أَو حدته (3) .

(1) أفطر بوصوله إلى حلقه وفاقًا، وكذا إلى دماغًا، إلا عند مالك، وفي الكافي: إلى خياشيمه؛ «واستعط» مطاوع «سعط» ، إذا جعل في أنفه سعوطًا، بفتح السين، وهو دواء يجعل في الأنف، والمارد هنا: ما يجعل في الأنف من دواء وغيره، لقوله صلى الله عليه وسلم «وبالغ في الاستنشاق، إلا أن تكون صائمًا» فلولا أنه يؤثر، لم ينه عنه، وكما لو دخل إلى الحلق، وعنه: لا يفطر، وهو مذهب مالك، واختاره الشيخ، ولعل المراد: بغير مغذ.

(2)

يعني من حقنة، أو كحل؛ فسد صومه، ولا يكفي الظن، بل لا بد من العلم بذلك، وفي الإنصاف: يتحقق الوصول إليه، وهذا الصحيح من المذهب. وإلا فلا، لعدم تحقق ما ينافي الصوم، وقال أبو حنيفة والشافعي: لا يفطر. حكاه الوزير وغيره، وفي الترمذي وغيره – وضعفه – عن أنس مرفوعًا: أنه كان يكتحل وهو صائم. وروى عبد الرزاق، عن الحسن، بإسناد صحيح: لا بأس بالكحل للصائم. وروى سعيد، عن إبراهيم: أيكتحل الصائم؟. قال: نعم. وروى أبو داود عن الأعمش: ما رأيت أحدًا من أصحابنا يكره الكحل للصائم؛ واختار الشيخ أنه لا يفطر، لأنها ليست منفذًا، فلم يفطر به، كما لو دهن رأسه، وإن اكتحل ليلاً فوجده في حلقه نهارًا، لم يفطر، لأنه لم يتسبب إليه في النهار، والحقنة ما يحقن به المريض من الدواء، «وقد احتقن الرجل» أي استعمل ذلك الدواء من الدبر، لأنه يصل إلى الجوف، وغير المعتاد كالمعتاد في الواصل، بل قد يكون أبلغ.

(3)

أي رطوبة ما يحتقن به، أو يكتحل به، من دواء أو غيره، أو حدة ذلك، وهي سورته وشدته.

ص: 390

من كحل، أَو صبر (1) أو قطور أو ذرور (2) أو إثمد كثير، أو يسير مطيب، فسد صومه (3) لأن العين منفذ، وإن لم يكن معتادًا (4)(أَو أَدخل إلى جوفه شيئًا من أي موضع كان (5) .

(1) فيصل إلى حلقه أفطر، والكحل بضم الكاف الإثمد وكل ما يوضع في العين يستشفى به، والصبر بفتح الصاد، وكسر الباء، عصارة شجر مر، كثيرًا ما تداوى به العين.

(2)

فيصل إلى حلقه أفطر، والقطور بالفتح، ما يقطر في العين، وكذا «الذرور» بفتح الذال، ما يذر فيها، من أي شيء كان، من الأدوية وغيرها.

(3)

نص عليه، وهو مذهب أبي حنيفة، والشافعي، «وإثمد» بكسر الهمزة، حجر الكحل، معروف، و «مطيب» بالكسر نعت ليسير فقط، وفي الفروع: أو إثمد مطيب؛ وقال ابن أبي موسى: لا يفطر الإثمد غير المطيب إذا كان يسيرًا، نص عليه.

(4)

أي من المنفذ، لأن غير المعتاد كالمعتاد في الواصل، فكذا في المنفذ، وفساد الصوم متعلق بهما، بخلاف المسام، كدهن رأسه.

(5)

ينفذ إلى معدته أفطر، سواء كان بمائع ويغذي أو غير مغذ، كحصاة، وقطعة حديد، ورصاص، ونحوها، ولو كان خيطًا ابتلعه كله، وسواء كان من مداواة جائفة أو مأمومة، أو قطر في أذنه بما يصل إلى دماغه، لأنه أحد الجوفين، وهذا مذهب أبي حنيفة والشافعي، لأنه في الجميع أوصل إلى جوفه مأكولاً، وكذا إذا وجد طعم علك – مضغه – بحلقه، أو وصل إلى فمه نخامة مطلقًا، ويحرم بلعها، أو قيء ونحوه، أو تنجس ريقه، فابتلع شيئًا من ذلك، فسد صومه.

ص: 391

غير إحْليله) فلو قطر فيه، أو غيب فيه شيئًا، فوصل إلى المثانة، لم يبطل صومه (1) .

(1) لعدم المنفذ، وإنما يخرج البول رشحًا، كمداواة جرح عميق، لم يصل إلى جوفه، والإحليل مخرج البول من ذكر الإنسان، «وقطر» بتخفيف الطاء، قال الجوهري: قطر الماء وغيره يقطر، وقطرته أنا، يتعدى ولا يتعدى، «والمثانة» الموضع الذي يجتمع فيه البول، قال شيخ الإسلام، الإمام العادل، فارس المعقول والمنقول، أبو العباس، قدس الله روحه: وأما الكحل، والحقنة، وما يقطر في إحليله، ومداواة المأمومة، والجائفة، فمما تنازع الناس فيه، فمنهم من لم يفطر بشيء من ذلك، ومنهم من فطر بشيء دون شيء، والأظهر أنه لا يفطر بشيء من ذلك، فإن الصيام من دين المسلمين، الذي يحتاج إلى معرفته الخاص والعام، فلو كانت هذه الأمور مما حرمها الله ورسوله في الصيام، ويفسد الصوم بها، لكان هذا مما يجب على الرسول صلى الله عليه وسلم بيانه، ولو ذكر ذلك لعلمه الصحابة، وبلغوه الأمة كما بلغوا سائر شرعه، فلما لم ينقل أحد من أهل العلم عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك لا حديثًا صحيحًا، ولا ضعيفًا، ولا مسندًا، ولا مرسلاً، علم أنه صلى الله عليه وسلم لم يذكر شيئًا من ذلك، والحديث المروي في الكحل ضعيف، وقد عورض بحديث ضعيف، وقال الترمذي: لا يصح فيه شيء.

والذين قالوا: إن هذه الأمور تفطر. لم يكن معهم حجة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما ذكروا ذلك بما رأوه من القياس، وأقوى ما احتجوا به قوله «وبالغ في الاستنشاق، إلا أن تكون صائمًا» قالوا: فدل ذلك على أن كل ما وصل إلى الدماغ يفطر الصائم إذا كان بفعله، وعلى القياس كل ما وصل إلى جوفه بفعله، ومن حقنة وغيرها، وإذا كان عمدتهم هذه الأقيسة ونحوها، لم يجز إفساد الصوم بهذه الأقيسة، لوجوه.

«أحدها» أن القياس، وإن كان حجة، فالأحكام الشرعية، بينتها النصوص،

فإذا علمنا بأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يحرم الشيء، ولم يوجبه، علمنا أنه ليس بحرام، ولا واجب، ونحن نعلم أنه ليس في الكتاب، ولا في السنة، ما يدل على الإفطار بهذه.

«الثاني» أن الأحكام التي تحتاج الأمة إلى معرفتها لا بد أن يبينها الرسول صلى الله عليه وسلم، بيانًا عامًا، ولا بد أن تنقله الأمة، فإذا انتفى هذا علمنا أن هذا ليس من دينه، ولو كان مما يفطر لبينه، كما بين الإفطار بغيره، فلما لم يبين ذلك، علمنا أنه من جنس الطيب، والبخور، والدهن؛ والبخور قد يتصاعد إلى الدماغ، والدهن يشربه البدن، ويدخل إلى الجوف، ويتقوى به البدن، وكذلك يتقوى بالطيب، فلما لم ينه الصائم عن ذلك، دل على جوازه، وقد كان المسلمون في عهده يجرح أحدهم مأمومة، وجائفة؛ فلو كان يفطر لبينه لهم، فلما لم ينه عنه، علم أنه لم يجعله مفطرًا.

«الثالث» إثبات التفطير بالقياس، يحتاج إلى أن يكون صحيحًا، وليس في الأدلة ما يقتضي: أن المفطر الذي جعله الله ورسوله مفطرًا، هو ما كان واصلاً إلى دماغ، أو بدن، أو ما كان داخلاً من منفذ، أو واصلاً إلى الجوف، ونحو ذلك، من المعاني التي يجعلها أصحاب هذه الأقاويل هي مناط الحكم عند الله ورسوله، ويقولون: إن الله ورسوله إنما جعل الطعام والشراب مفطرًا لهذا المعنى المشترك، من الطعام والشراب، ومما يصل إلى الدماغ والجوف، من دواء المأمومة والجائفة، وما يصل إلى الجوف من الكحل، ومن الحقنة، والقتطير في الإحليل، ونحو ذلك، وإذا لم يكن على تعليق الله ورسوله للحكم بهذا الوصف دليل، كان قول القائل: إن الله ورسوله إنما جعل هذا مفطرًا لهذا؛ قولاً بلا علم، وكان قوله: إن الله حرم على الصائم أن يفعل هذا؛ قولاً بأن (هذا حلال، وهذا حرام) بلا علم، وذلك يتضمن القول على الله بما لا يعلم، وهذا لا يجوز.

«الرابع» أن القياس إنما يصح، إذا لم يدل كلام الشارع على علة الحكم، إذا سبرنا أوصاف الأصل، فلم يكن فيها ما يصلح للعلة، إلا الوصف المعين، وحيث أثبتنا علة، فلا بد من السبر، فإذا كان في الأصل وصفان مناسبان، لم يجز أن نقول: الحكم بهذا دون هذا.

ومعلوم أن النص والإجماع أثبتا الفطر بالأكل والشرب والنبي صلى الله عليه وسلم نهى المتوضئ عن المبالغة في الاستنشاق إذا كان صائمًا، وقياسهم على الاستنشاق، أقوى حججهم، وهو قياس ضعيف، وذلك لأن من نشق الماء بمنخريه، ينزل الماء إلى حلقه، وإلى جوفه، فحصل له بذلك ما يحصل للشارب بفمه، ويغذي بدنه من ذلك الماء، ويزول العطش، ويطبخ الطعام في معدته، كما يحصل بشرب الماء، وليس كذلك الكحل، والحقنة، ومداواة الجائفة، والمأمومة، فإن الكحل لا يغذي البتة، ولا يدخل أحد كحلاً إلى جوفه، لا من أنفه، ولا من فمه، وكذلك الحقنة، لا تغذي، بل تستفرغ ما في البدن، كما لو شم شيئًا من المسهلات، أو فزع فزعًا أوجب استطلاق جوفه، وهي لا تصل إلى المعدة (*) ، والدواء الذي يصل إلى المعدة، في مداواة الجائفة، والمأمومة، لا يشبه ما يصل إليها من غذائه، بل ليس فيه تغذية، والله تعالى يقول {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} وقال صلى الله عليه وسلم «الصوم جنة» ، وقال «إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، فضيقوا مجاريه بالجوع والصيام» فالصائم نهي عن الأكل والشرب، لأن ذلك سبب التقوى، فترك الأكل والشرب، الذي يولد الدم الكثير، الذي يجري فيه الشيطان، إنما يتولد من الغذاء، لا عن حقنة، ولا كحل، ولا ما يقطر في الذكر، ولا ما يداوى به المأمومة والجائفة، فإذا كانت هذه المعاني وغيرها، موجودة في الأصل الثابت بالنص والإجماع، فدعواهم أن الشارع علق الحكم

ــ

(*) كلامه رحمه الله على المعروف في عصره، ويوجد الآن حقن أخر، وهو إيصال المواد الغذائية للأمعاء وغيرها، يغذي بها المرضى وغيرهم، فالإعتبار بما كان في عصره، وما سواه يعطي حكمه.

بما ذكروه من الأوصاف، معارض بهذه الأوصاف، والمعارضة تبطل كل نوع من الأقيسة، إن لم يتبين أن الوصف الذي ادعوه، هو العلة دون هذا.

«الخامس» أنه ثبت بالنص والإجماع منع الصائم من الأكل والشرب، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال «إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم» ولا ريب أن الدم يتولد من الطعام والشراب، وإذا أكل، أو شرب، اتسعت مجاري الشياطين، وإذا ضاقت، انبعثت القلوب إلى فعل الخيرات، وترك المنكرات، وصفدت الشياطين، فهذه المناسبة، ظاهرة في منع الصائم من الأكل والشرب، والحكم ثابت على وفقه، وكلام الشارع قد دل على اعتبار هذا الوصف، وتأثيره، وهذا المنع منتف في الحقنة، والكحل، ونحو ذلك، فإن قيل: بل الكحل قد ينزل إلى الجوف، ويستحيل دما. قيل: هذا كما يقال في البخار، الذي يصعد من الأنف إلى الدماغ، فيستحيل دمًا، وكالدهن الذي يشربه الجسم، والممنوع منه إنما هو ما يصل إلى المعدة، فيستحيل دمًا، ويتوزع على البدن، ونجعل هذا وجهًا سادسًا فنقيس الكحل والحقنة، ونحو ذلك، على البخور، والدهن، ونحو ذلك، لجامع ما يشتركان فيه، من أن ذلك ليس مما يتغذى به البدن، ويستحيل في المعدة دمًا، وهذا الوصف هو الذي أوجب أن لا تكون هذه الأمور مفطرة.

ص: 392

(أو استقاء) أي استدعى القيء فقاء، فسد أيضًا (1) .

(1) أي فسد صومه، وفاقًا لمالك والشافعي، سواء كان القيء طعامًا، أو مرارًا، أو غيرهما، ولو قل، وعنه: بملء الفم. اختاره ابن عقيل وغيره، وهو إجماع، وإن عاد بنفسه فلا، وقال الخطابي وغيره: لا أعلم خلافًا بين أهل العلم، في أن من استقاء عامدًا فعليه القضاء. وقال عامة أهل العلم: ليس عليه إلا القضاء «واستقاء، وتقيأ» تكلف القيء.

ص: 395

لقول عليه السلام «من استقاء عمدًا فليقض» حسنه الترمذي (1)(أو استمنى) فأمنى أو أمذى (2)(أو باشر) دون الفرج، أو قبل، أو لمس (فأمنى، أو أمذى (3) .

(1) فرواه من حديث أبي هريرة وله شواهد، وقال: العمل عليه عند أهل العلم، ورواه أبو داود، والدارقطني، وغيرهم، وقال: إسناده كلهم ثقات. وعن ابن عمر نحوه موقوفًا، ويؤيده حديث أبي الدرداء: أنه صلى الله عليه وسلم قاء فأفطر، رواه أحمد، والترمذي، وقال: هو أصح شيء في هذا الباب. قال الشيخ: فنهى عن إخراج ما يقويه، ويغذيه، من الطعام، والشراب، الذي به يتغذى، لما يوجب إخراجه من نقصان بدنه، وضعفه، فإنه إذا مكن منه ضره، وكان متعديًا في عبادته، لا عادلاً فيها.

(2)

«استمنى» استدعى خروج المني، بيده، أو يد زوجته، أو غير ذلك، فأمنى، أو أمذى، أفطر وفاقًا، ووجب عليه القضاء، فإن لم ينزل، فقد أتى محرمًا، ولم يفسد صومه، وإن أنزل بغير شهوة فلا، كالبول، لأنه يخرج من غير اختيار منه، ولا سبب.

(3)

فسد صومه، أما الإمناء فوفاقًا، لمشابهته الإمناء بجماع، لأنه إنزال بمباشرة، وأما الإمذاء فلتحلل الشهوة له، وخروجه بالمباشرة، فيشبه المني، وهذا الصحيح من المذهب، نص عليه، وعليه أكثر الأصحاب، وعنه: لا يفطر بالمذي. اختاره الآجري، وأبو محمد، والشيخ، واستظهره في الفروع، وصوبه في الإنصاف، وهو مذهب أبي حنيفة، والشافعي، عملاً بالأصل، وقياسه على المني لا يصح، لظهور الفرق، وأما من هاجت شهوته، فأمنى، أو أمذى، ولم يمس، لم يفطر، جزم به صاحب الإنصاف وغيره ومفهومه أن القبلة، أو المباشرة لا تفطر، إذا خلت عن إنزال، ولا ريب في ذلك، ولا نزاع، لما في

الصحيحين وغيرهما: كان يقبل وهو صائم، ويباشر وهو صائم، ولكنه أملككم لإربه. والمباشرة هنا المس باليد، وهو من التقاء البشرة، وقال «أرأيت لو تمضمضت بالماء؟» وهذا فقه بديع، وهو أن المضمضة لا تنقض، وهي أول الشرب، ومفتاحه، فكذلك القبلة، وهي من دواعي الجماع، وأوائله، التي تكون مفتاحًا له، وفيه إثبات القياس، والجمع بين الشيئين في الحكمة.

ص: 396

أو كرر النظر فأنزل) منيًا، فسد صومه (1) لا إن أَمذى (2)(أو حجم، أَو احتجم، وظهر دم، عامدًا ذاكرًا) في الكل (لصومه فسد) صومه (3) .

(1) لأنه إنزال بفعل يتلذذ به، يمكن التحرز عنه، أشبه الإنزال بالمس، وعليه القضاء، وأجمعوا على أن القضاء يوم، مكان يوم، لا خلاف بينهم في ذلك، وظاهر كلام أحمد: لا يفطر، ولا قضاء عليه. وهو مذهب أبي حنيفة، والشافعي، لأنه من غير مباشرة، أشبه الإنزال بالفكر، وإن كان يمكن صرفه، لكن لما في المؤاخذة به من الحرج.

(2)

يعني بتكرار النظر، فلا يفطر بذلك على الصحيح، وفاقًا، لأنه إنزال لا عن مباشرة، فلم يلتحق بالمني لضعفه، أو لم يكرر النظر فأنزل، لعدم إمكان التحرز، ولا إثم بفكر غالب وفاقًا، وقال الشيخ: ولا يفطر بمذي بسبب قبلة، أو لمس، أو تكرار نظر، وهو قول أبي حنيفة والشافعي، ومنصوص أصحابنا.

(3)

في كل ما تقدم من «أكل» وما بعده، وتقدم مفصلاً، وإن لم يظهر دم لم يفطر، لأنها لا تسمى إذًا حجامة، اختاره الشيخ، وضعف خلافه، وقال في الفروع: وهو متجه، وأنه ظاهر كلام أحمد والأصحاب. والحجامة: شرط ظاهر الجلد المتصل قصدًا، لإخراج الدم من الجسد، دون العروق. ولا يفطر إلا بشرط أن يكون عامدًا، قاصدًا للفعل، لأن من لم يقصد فهو غافل غير مكلف، ولا يلزم تكليف ما لا يطاق، وأن يكون ذاكرًا، غير ناس لصومه، في الصور السابقة كلها، ويجب القضاء إن كان واجبًا.

ص: 397

لقوله عليه السلام «أَفطر الحاجم والمحجوم» رواه أحمد والترمذي (1) قال ابن خزيمة: ثبتت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك (2) .

(1) من حديث رافع بن خديج، وقال أحمد والبخاري وغيرهما: إنه أصح حديث في الباب. ولأبي داود وأحمد وصححه من حديث ثوبان نحوه، وعن شداد بن أوس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أتى على رجل بالبقيع وهو يحتجم، لثمان عشرة خلت من رمضان فقال «أفطر الحاجم والمحجوم» رواه أهل السنن، والحاكم وأحمد وصححاه، وإسحاق وابن المديني والدارمي وغيرهم، وقال: إنه وحديث ثوبان أصح شيء في الباب. ولابن ماجه من حديث أبي هريرة مثله، رواه أحمد. وله من حديث عائشة وأسامة، ومصعب وبلال، وصفية وأبي موسى، وعمرو بن شعيب، اثني عشر صحابيًا، قال الطحاوي وغيره: متواتر عن عدة من الصحابة رضي الله عنهم.

(2)

وقال الشيخ: الأحاديث الواردة فيه كثيرة، قد بينها الأئمة الحفاظ. وقد كره غير واحد من الصحابة الحجامة للصائم، وكان أهل البصرة يغلقون حوانيت الحجامين، والقول بأنها تفطر، مذهب أكثر فقهاء الحديث، كأحمد وإسحاق، وابن خزيمة وابن المنذر، وأهل الحديث، الفقهاء فيه، العاملون به، أخص الناس باتباع محمد صلى الله عليه وسلم، وهو وفق الأصول والقياس؛ والذين لم يروه احتجوا بما في صحيح البخاري: أنه احتجم صلى الله عليه وسلم

وهو صائم محرم. وأحمد وغيره: طعنوا في هذه الزيادة وهي قوله: وهو صائم. وقالوا: الثابت أنه احتجم وهو محرم. قال أحمد: «وهو صائم» ليس بصحيح. وأنكره يحيى بن سعيد، وقال أحمد: هو خطأ من قبل قبيصة. وقال أيضًا، عن حديث ابن عباس: ليس فيه «صائم» وقال رحمه الله: أصحاب ابن عباس، لا يذكرون «صائم» .

قال الشيخ: وهذا الذي ذكره أحمد، هو الذي اتفق عليه الشيخان، ولهذا أعرض مسلم عنه، ولم يثبت إلا حجامة المحرم. قال: وأما الحاجم، فإنه يجتذب الهواء الذي في القارورة بامتصاصه، والهواء يجتذب ما فيها من الدم، فربما صعد مع الهواء شيء من الدم، ودخل في حلقه وهو لا يشعر، والحكمة إذا كانت خفية أو مستترة، علق الحكم بالمظنة، كالنائم تخرج منه الريح ولا يدري، يؤمر بالوضوء فكذلك الحاجم، يدخل شيء من الدم مع ريقه، إلى بطنه وهو لا يدري، والدم من أعظم المفطرات، فإنه حرام في نفسه، لما فيه من طغيان الشهوة، والخروج من العدل، والصائم مأمور بحسم مادته، والدم يزيد الدم، فهو من جنس المحظور، فيفطر الحاجم لهذا، وأما الشارط فليس بحاجم، وهذا المعنى منتف فيه، وكذلك لو قدر حاجم لا يمص القارورة، بل يمتص غيره، أو يأخذ الدم بطريق أخرى لم يفطر، والنبي صلى الله عليه وسلم خرج كلامه على الحاجم المعتاد المعروف.

ص: 398

ولا يفطر بفصد، ولا شرط، ولا رعاف (1) .

(1) هذا المذهب وفاقًا، «والفصد» : شق العرق لاستخراج الدم «والشرط» : بضع الجلد وبزغه، لاستفراغ الدم. وكذا جرح بدل حجامة للتداوي، ولا خروج دم يقطر على وجه القيء. «والرعاف» كغراب: خروج الدم مع الأنف، وتقدم، لأن القياس عندهم لا يقتضيه، وعن أحمد: يفطر بالفصد ونحوه، اختاره صاحب الفائق، والرعايتين، وصححه الزركشي وغيره، وجزم الوزير وغيره: أنه

مذهب أحمد. قال الشيخ: وقد بينا أن الفطر بالحجامة، على وفق الأصول والقياس، وأنه من جنس الفطر بدم الحيض، والإستقاءة وبالإستمناء، وإذا كان كذلك، فبأي وجه أراد إخراج الدم، بفصاد أو شرط، أو رعاف أفطر، كما أنه بأي وجه أخرج القيء أفطر، فتلك طرق لإخراج القيء، وهذه طرق لإخراج الدم، والمعنى الموجود في الحجامة، موجود في الفصاد ونحوه، ويدل عليه كلام العلماء قاطبة، وصوبه أبو المظفر الوزير العالم العادل وغيره، ولهذا كان إخراج الدم، بهذا وهذا، سواء في باب الطهارة، فتبين بذلك كمال الشرع، واعتداله وتناسبه.

وقال: إن احتاج إليه لمرض افتصد، وعليه القضاء، وإلا أخره، في أحد قولي العلماء. اهـ. قالوا: ولا يفطر إن جرح نفسه، أو جرحه غيره بإذنه، ولو كان بدل الحجامة. وهو كالشرط، والفصد، لأنه إخراج دم، ومعناه موجود في الحجامة، فيفسد به الصوم، كالحجامة، ويفسد الصوم بالردة مطلقًا، وكل عبادة أشرك فيها، لقوله تعالى {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} ولمنافاتها له كالصلاة، قال الموفق وغيره: بلا خلاف.

ص: 399

(لا) إن كان (ناسيًا أو مكرهًا)(1) ولو بوجور مغمى عليه معالجة (2) .

(1) أي لا إن فعل شيئًا مما تقدم، ناسيًا لصومه فلا يؤاخذ بنسيانه، أو مكرهًا على فعل أحد تلك الأمور فعفو، وهذا مذهب أبي حنيفة والشافعي، وسواء أكره على الفعل حتى فعله، أو فعل به، بأن صب في حلقه الماء، مكرهًا أو نائمًا، أو أدخل فيه ماء المطر كالناسي، بل أولى، بدليل الإتلاف.

(2)

أي ولو كان إكراهه بوجور مغمى عليه، معالجة لإغمائه، والوجور: الدواء يوجر في الفم. «وعالجه» زاوله وداواه.

ص: 400

فلا يفسد صومه، وأَجزأَه (1) لقوله عليه السلام «عفي لأُمتي عن الخطأ والنسيان، وما استكرهوا عليه» (2) ولحديث أبي هريرة مرفوعًا «من نسي وهو صائم، فأكل أو شرب فليتم صومه، فإنما أَطعمه الله وسقاه» متفق عليه (3)(أو طار إلى حلقه ذباب أو غبار) من طريق أو دقيق أو دخان، لم يفطر (4)

(1) لعدم تعمده المفسد، كالناسي، ولا ينازع فيه من تأمل الأصول الشرعية، ويدخل فيه النائم، إذا فعل به شيء، فهو كالناسي أيضًا، لعدم قصده.

(2)

وقال تعالى {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} وفي صحيح مسلم «قد فعلت» وقال {لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلا وُسْعَهَا} .

(3)

وفي لفظ «من أكل أو شرب ناسيًا، فإنما هو رزق رزقه الله إياه» وللدارقطني، معناه، وزاد:«ولا قضاء» وللحاكم – وقال: على شرط مسلم - «من أكل في رمضان ناسيًا، فلا قضاء عليه، ولا كفارة» . وهذا من لطف الله في حق عباده، تيسيرًا عليهم، ودفعًا للحرج، ففي قوله «فليتم صومه» دليل أن ثم صوم يتم، وقوله «إنما أطعمه الله وسقاه» إضافة الفعل إلى الرب تعالى، أنه سبحانه هو الذي أطعمه إياه، فدل على أنه لا أثر لذلك الأكل والشرب، بالنسبة إلى الصائم، وللدارقطني «إنما هو رزق ساقه الله إليه، ولا قضاء عليه» وفي لفظ «ولا قضاء عليه، لأن الله أطعمه وسقاه» ويقاس عليه ما عداه، لأنه في معناه، ولأن النسيان والخطأ ضرورة، والأفعال الضرورية غير مضافة في الحكم إلى فاعلها، ولا هو مؤاخذ بها، كما جاء به الكتاب، والسنة، وحينئذ: يكون بمنزلة من لم يفعل، فلا تبطل عبادته.

(4)

وفاقًا، كالنائم يدخل حلقه شيء، وقال الوزير: أجمعوا على أن الغبار، والدخان، والذباب، والبق، إذا دخل حلق الصائم، فإنه لا يفسد صومه.

ص: 401

لعدم إمكان التحرز من ذلك أشبه النائم (1)(أو فكر فأنزل) لم يفطر (2) لقوله عليه السلام «عفي لأمتي ما حدثت به أنفسها، ما لم تعمل به أو تتكلم به» (3) وقياسه على تكرار النظر غير مسلم، لأَنه دونه (4)(أَو احتلم) لم يفسد صومه (5) .

(1) في عدم إمكان التحرز، وهو لا يفطر بشيء من ذلك، فكذا من طار إلى حلقه، من غير قصد، فإن قصد ذلك أفطر، ومثلوا بقصد الطيب، لعالم بالصوم، ولو جهل أنه يفطر به. وقال الشيخ: وشم الروائح الطيبة، لا بأس به للصائم.

(2)

وفاقًا، وأطلق بعضهم حكاية الإجماع، بأن الإنزال بالفكر لا يفطر، ونوزع فيه، وكذا لو أمنى من وطء ليل، وفاقًا، أو أمنى ليلاً، من مباشرته نهارًا، لم يفطر، وفاقًا. وقال الوزير: أجمعوا على أن من لمس فأمذى، أن صومه صحيح إلا أحمد. والفكر: إعمال الخاطر في الشيء.

(3)

متفق عليه، من حديث عائشة، فدل على أنه لا يفطر إن فكر فأنزل، ولأنه لا نص فيه، ولا إجماع. وبغير مباشرة، ولا نظر، فأشبه الاحتلام، والفكرة الغالبة.

(4)

أي دون التكرار، في استدعاء الشهوة، وإفضائه إلى الإنزال، ويخالفه في التحريم.

(5)

قال الشيخ: باتفاق الناس. «واحتلم» أي أنزل في نومه منيًا، والحلم – بالضم وبفتحتين – ما يراه النائم، لكن غلب اسم الرؤيا على الخير، والحلم على الشر.

ص: 402

لأن ذلك ليس بسبب من جهته (1) وكذا لو ذرعه القيء: أَي غلبه (2)(أو أصبح في فيه طعام فلفظه) أي طرحه، لم يفسد صومه (3) وكذا لو شق عليه أَن يلفظه، فبلعه مع ريقه، من غير قصد، لم يفسد، لما تقدم (4) .

(1) وما كان من غير جهته فغير مؤاخذ به، وكذا لو أنزل بنظرة واحدة، أو لهيجان شهوة بلا مس ذكره، أو لغير شهوة، كمرض وسقطة، أو أنزل بعد يقظة بغير اختياره لم يفسد صومه بلا نزاع.

(2)

لم يفسد صومه وفاقًا، لخروجه بغير اختياره، أشبه المكره، وقال الخطابي وغيره: لا أعلم خلافًا بين أهل العلم في أن من ذرعه القيء فلا قضاء عليه. وحكاه الوزير وغيره إجماعًا، لحديث أبي هريرة «من ذرعه القيء فلا قضاء عليه» ولسبق القيء، وانتفاء الاختيار، ويلحق به ما في معناه، ولقوله «عفي لأمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه» ولو عاد إلى جوفه بغير اختياره، لأنه لا يمكنه التحرز منه، فلم يجعل منافيًا للصوم، ولأن من لم يقصد غافل، والغافل غير مكلف، «وذرعه» بالذال المعجمة، أي سبقه وغلبه في الخروج، كما قال الشارح، أي قهره، فليس في وسعه، ولو أعاده عمدًا، ولو لم يملء الفم، أو قاء ما لا يفطر به ثم أعاده عمدًا أفطر، كبلعه بعد انفصاله عن الفم وفاقًا، وقال ابن رشد: إن رده متعمدًا وهو قادر على طرحه، فلا ينبغي أن يختلف في فساد صومه. وقال غير واحد: إن أعاده أفطر إجماعًا.

(3)

قال في الإنصاف: بلا نزاع. ولا يخلو منه صائم غالبًا، «وطرح الشيء» رمى به وأبعده.

(4)

أي من مجموعه، لمشقة التحرز منه وفاقًا، وحكاه ابن المنذر إجماعًا، أو بلع ريقه ببقية طعام تعذر رميه، أو بلغ ريقه عادة، لم يفطر وفاقًا.

ص: 403

وإن تميز عن ريقه، وبلعه باختياره أَفطر (1) ولا يفطر إن لطخ باطن قدميه بشيء، فوجد طعمه في حلقه (2)(أَو اغتسل أَو تمضمض، أَو استنثر) يعني استنشق (3)(أَو زاد على الثلاث) في المضمضة، أَو الاستنشاق (4)(أَو بالغ) فيهما (فدخل الماءُ حلقه، لم يفسد) صومه، لعدم القصد (5) .

(1) نص عليه، وهو قول الجمهور، لأنه يمكنه لفظه باختياره، فكما لو بلعه ابتداء من خارج، بخلاف ما يجري به ريقه، فإنه لا يمكنه لفظه.

(2)

أشبه ما لو دهن رأسه، فوجد طعمه في حلقه، فمجرد الطعم لا يفطر، كمن لطخ باطن قدميه بحنظل إجماعًا، والمراد بالمنفذ ماله شكل مفتوح، والقدم غير نافذ للجوف.

(3)

فوصل الماء حلقه بلا قصد، أو بلع ما بقي من أجزاء الماء بعد المضمضة، لم يفطر إجماعًا، لما ثبت من اغتساله بعد الصبح، ولأن الله أباح الجماع وغيره إلى طلوع الفجر، فيلزم جواز الإصباح جنبًا، ولو كان السنة أن يغتسل قبله، ولخبر عمر سأله عن القبلة للصائم، قال «أرأيت لو تمضمضت بالماء وأنت صائم؟» قلت: لا بأس. قال «فمه؟» وكذا العموم في المضمضة والاستنشاق، لأنه واصل بغير قصد.

(4)

لم يفسد صومه، وكره له، ما لم يكن لنجاسة ونحوها فكوضوء.

(5)

ومن لم يقصد غافل، فهو غير مكلف، أشبه الذباب، وغبار الدقيق، إذا دخل حلقه، وصححه غير واحد، وهو مذهب الشافعي وغيره.

ص: 404

وتكره المبالغة في المضمضة والاستنشاق للصائم، وتقدم (1) وكرهًا له عبثًا أو إسرافًا، أَو لحر، أو عطش (2) كغوصه في ماء لغير غسل مشروع، أَو تبرد (3) ولا يفسد صومه بما دخل حلقه من غير قصد (4)(ومن أَكل) أَو شرب، أَو جامع (شاكًا

(1) أي في باب سنن الوضوء، وثبت بالسنة من حديث لقيط «وبالغ في الاستنشاق، إلا أن تكون صائمًا» قال الشيخ: وذلك لأن من نشق الماء بمنخريه، ينزل الماء إلى حلقه، وإلى جوفه فيحصل له ما يحصل للشارب بفمه، ويغذي بدنه من ذلك الماء، ويزول العطش بشرب الماء. وتقدم.

(2)

نص عليه، لأنهما مظنة وصول الماء إلى الجوف، وقال أحمد: يرش على صدره أعجب إلي. ولأبي داود: أنه صب على رأسه الماء بالعرج، وهو صائم، من العطش، أو من الحر. وهذا مذهب الجمهور.

(3)

من حر، أو عطش، أي فيكره، والتشبيه لا من كل وجه، بل من جهة العبث والإسراف، ولا يكره أن يغتسل من الجنابة نهارًا، لخبر عائشة وغيرها: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعرج احتلم فاغتسل. ولأنه يصبح جنبًا، ثم يغتسل ويصوم، وكذا التبرد ونحوه. قال المجد: لأن فيه إزالة الضجر من العبادة، كجلوسه في الظل البارد، واختار أن غوصه في الماء كصب الماء عليه، وهو مذهب الشافعي ونقل حنبل: لا بأس به، إذا لم يخف أن يدخل الماء حلقه، أو مسامعه. ويستحب لمن لزمه الغسل ليلاً أن يغتسل قبل طلوع الفجر الثاني، خروجًا من الخلاف، واحتياطًا للصوم.

(4)

وحكمه حكم الداخل من الزائد على الثلاث، من أنه مكروه، وقال المجد: إن فعله لغرض صحيح، فكالمضمضة المشروعة، وإن كان عبثًا فكمجاوزة.

ص: 405

في طلوع الفجر) ولم يتبين له طلوعه (صح صومه)(1) ولا قضاء عليه، ولو تردد، لأَن الأَصل بقاءُ الليل (2)(لا إن أَكل) ونحوه (شاكًا في غروب الشمس) من ذلك اليوم الذي هو صائم فيه (3) ولم يتبين بعد ذلك أنها غربت، فعليه قضاءُ الصوم الواجب (4) .

(1) ولو طرأ شكه، لأن الله أباح الأكل، والشرب، والجماع بالاتفاق. ولا جناح عليه إذا استمر الشك، وله الأكل، حتى يتيقن طلوع الفجر، وهو مذهب الشافعي وأصحاب الرأي، والله تعالى جعل الفجر غاية لإباحة الجماع، والطعام، والشراب، لمن أراد الصيام، وهو دليل على أن من أصبح جنبًا فليغتسل، وليتم صومه، ولا حرج عليه، قال ابن كثير وغيره: وهذا مذهب الأئمة الأربعة، وجمهور العلماء، سلفًا وخلفًا، وحكاه الوزير وغيره إجماعًا، لما في الصحيحين: كان يصبح جنبًا، من جماع، ثم يغتسل، ويصوم. ولمسلم «وأنا تدركني الصلاة وأنا جنب فأصوم» والآثار في ذلك متواترة، ومن ضرورة حل الرفث في جميع الليل أن يصبح صائمًا جنبًا، وأجمعوا على أنه إذا انقطع دم الحائض والنفساء قبل الفجر، ثم طلع الفجر قبل أن يغتسلا، فصومهما صحيح.

(2)

بعد، فيكون الشك منه، ما لم يعلم يقين زواله، لظاهر الآية، ولو أكل بعد الأذان، وهو شاك: هل طلع الفجر، أو لم يطلع؟ لأن الأصل بقاء الليل، فله أن يأكل ويشرب، حتى يتبين الطلوع.

(3)

ودام شكه قضى، لأن الأصل بقاء النهار، وقال الزركشي: اتفقوا على وجوب القضاء فيما إذا أكل شاكًا في غروب الشمس، لا في طلوع الفجر، نظرًا للأصل فيهما.

(4)

نص عليه، وفي الإنصاف: عليه القضاء إجماعًا، وإن أكل يظن بقاء

النهار قضى إجماعًا، والفرق بين الشك والظن، أن الشك التردد بين أمرين لا يترجح أحدهما على الآخر، والظن أن يترجح أحد الأمرين على الآخر.

ص: 406

لأَن الأَصل بقاءُ النهار (1)(أو) أَكل ونحوه (معتقدًا أَنه ليل، فبان نهارًا) أي فبان طلوع الفجر (2) أو عدم غروب الشمس قضى (3) لأنه لم يتم صومه (4) وكذلك يقضي إن أَكل ونحوه يعتقده نهارًا، فبان ليلاً، ولم يجدد نية لواجب (5) .

(1) فوجب القضاء، عملاً بالأصل، فإن بان ليلاً فيهما لم يقض.

(2)

قضى، لقوله {حَتَّى يَتَبَيَّنَ} وقد تبين، وهذا المشهور في مذاهب الفقهاء الأربعة، واختار الشيخ أنه لا قضاء على من أكل أو جامع معتقدًا أنه ليل، فبان نهارًا، وقال به طائفة من السلف والخلف.

(3)

أي فإن أكل ونحوه معتقدًا أنه ليل، فبان عدم غروب الشمس قضى، وحكي وفاقًا.

(4)

والله أمر بإتمام الصوم، وعنه: لا قضاء عليه. اختاره الشيخ وغيره، وقال: ثبت في الصحيح أنهم أفطروا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ثم طلعت الشمس، ولم يذكر في الحديث أنهم أمروا بالقضاء، ولو أمرهم لشاع ذلك، كما نقل فطرهم، فلما لم ينقل، دل على أنه لم يأمرهم به، وقول هشام: أوَ بُدٌّ من قضاء. برأيه، وثبت عن عمر أنه أفطر، ثم تبين النهار، فقال: لا نقضي، فإنا لم نتجانف لإثم. قال: وهذا القول أقوى أثرًا ونظرًا، وأشبه بدلالة الكتاب، والسنة، والقياس.

(5)

لأنه أكل أو شرب ونحوه بنية فطر، وهو فطر بالفعل، وقطع لنية

الصوم، فإذا لم يجدد النية، وطلع الفجر، لم يصح صومه، لأنه صدق عليه أنه لم يبيت النية، إذ النية السابقة انقطعت حقيقة، فإن جدد نية قبل الفجر صح، ومفهومه: تجزئه عن غير الواجب، فإنه لو جَدَّدَها في غير ذلك الوقت، ولو جزءًا من النهار، وهو لم يأكل، صح وأثيب عليه من ذلك الوقت، ويقضي إن أكل ناسيًا، فظن أنه قد أفطر فأكل عامدًا.

ص: 407

لا من أَكل ظانًا غروب الشمس ولم يتبين له الخطأُ (1) .

(1) فلا قضاء عليه، لأنه لم يوجد يقين يزيل ذلك الظن، كما لو صلى بالاجتهاد، ثم شك في الإصابة بعد صلاته، ولأن الأصل براءته، ولو شك في غروب الشمس بعد الأكل ونحوه، ودام شكه، فلا قضاء عليه، لأنه لم يوجد يقين أزال ذلك الظن الذي بني عليه، لجواز الفطر بغلبة الظن.

ص: 408

فصل (1)

(ومن جامع في نهار رمضان)(2) .

(1) فيما يتعلق بالجماع في نهار رمضان، وهو مفسد للصيام، بالكتاب، والسنة، والإجماع، لقوله تعالى {فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ} الآية فدلت على أن الصيام المأمور بإتمامه، ترك الوطء، والأكل، فإذا وجد فيه الجماع، لم يتم، فيكون باطلاً، وأما السنة فمشهورة، وكذا الإجماع في الجملة.

(2)

حضرا، في قبل أو دبر، فعليه القضاء والكفارة وفاقًا، وقال الشيخ: لا يقضي متعمد بلا عذر صومًا ولا صلاة، ولا يصح منه، وأنه ليس في الأدلة ما يخالف هذا، بل يوافقه. وضعف أمر المجامع بالقضاء، لعدول البخاري ومسلم عنه، وفي الصحيحين وغيرهما، عن أبي هريرة، قال: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: هلكت. قال «وما أهلكك؟» قال: وقعت على امرأتي في رمضان. قال «هل تجد ما تعتق رقبة؟» قال: لا. قال: «فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟» قال: لا، قال «فهل تجد ما تطعم ستين مسكينًا؟» قال: لا، ثم جلس فأتي النبي صلى الله عليه وسلم بعرق فيه تمر، فقال «تصدق بهذا» فقال: أعلى أفقر منا؟، فما بين لأبتيها أهل بيت أحوج إليه منا، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه، قال «اذهب فأطعمه أهلك» .

ولما ذكر الشيخ انقسام المفطرات بالنص والإجماع، قال: وأما الجماع فاعتبار أنه سبب إنزال المني، يجري مجرى الاستقاءة، والحيض، والاحتجام، فإنه من نوع الاستفراغ، ومن جهة أنه إحدى الشهوتين، فجرى مجرى الأكل والشرب، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم «يدع طعامه وشرابه من أجلي» فترك

الإنسان ما يشتهيه لله، هو عبادة مقصودة، يثاب عليها، والجماع من أعظم نعيم البدن، وسرور النفس، وانبساطها، وهو يحرك الشهوة والدم والبدن، أكثر من الأكل.

فإذا كان الشيطان يجرى من ابن آدم مجرى الدم، والغذاء يبسط الدم، فتنبسط نفسه إلى الشهوات، فهذا المعنى في الجماع أبلغ، فإنه يبسط إرادة النفس للشهوات؛ ويضعف إرادتها عن العبادة أعظم، بل الجماع هو غاية الشهوات، وشهوته أعظم من شهوة الطعام والشراب، ولهذا أوجب على المجامع كفارة الظهار، فوجب عليه العتق، أو ما يقوم مقامه، بالسنة والإجماع، لأن هذا أغلظ، ودواعيه أقوى، والمفسدة به أشد، فهذا أعظم الحكمتين في تحريم الجماع، وأما كونه يضعف البدن كالاستفراغ، فذاك حكمة أخرى، فصار فيها كالإستقاء والحيض، وهو في ذلك أبلغ منهما، فكان إفساده الصوم، أعظم من إفساد الأكل والحيض. وذكر عدل الشرع في العبادات، وأن الصائم نهي عن أخذ ما يقويه، وإخراج ما يضعفه، ولو مكن ضره، وكان متعديًا في عبادته لا عادلاً.

ص: 409

ولو في يوم لزمه إمساكه (1) أو رأى الهلال ليلته، وردت شهادته، فغيب حشفة ذكره الأصلي (في قبل) أصلي (أو دبر)(2) ولو ناسيًا (3) .

(1) أي ولو كان جامع في يوم من نهار رمضان لزمه إمساكه، لنحو ثبوته نهارًا، وعدم تبييت النية، لأنه يحرم عليه تعاطي ما ينافي الصوم.

(2)

فعليه القضاء والكفارة وفاقًا، حكاه الوزير وغيره، لجماعه في يوم من رمضان، ولا يتهم في حق نفسه.

(3)

فعليه القضاء والكفارة، لأنه عليه الصلاة والسلام لم يستفصل، وعنه:

لا قضاء عليه، ولا كفارة. وهو مذهب أبي حنيفة، والشافعي، قال النووي: وهو قول جمهور العلماء، والصحيح من مذاهبهم، لأنه صح الحديث أن أكل الناسي لا يفطر، والجماع في معناه، والأحاديث في العامد، لقوله: هلكت. وهذا لا يكون إلا في العامد، فإن الناسي لا إثم عليه بالإجماع. وقال في الإنصاف: لو أكل ناسيًا، واعتقد الفطر، ثم جامع، فحكمه حكم الناسي والمخطئ، إلا أن يعتقد وجوب الإمساك، فيكفر على الصحيح، يعني على المذهب، والجمهور على خلافه.

ص: 410

أو مكرهًا، أو جاهلاً (فعليه القضاءُ والكفارة)(1) .

(1) كأن اعتقده ليلاً فبان نهارًا، أو قامت البينة أنه من رمضان، صرح به في المغني، لأنه صلى الله عليه وسلم لم يستفصل المواقع عن حاله، ولأن الوطء يفسد الصوم، فأفسده على كل حال كالحج، وفي الفروع: والمكره كالمختار، وفاقًا لأبي حنيفة ومالك، ونقل ابن القاسم: كل أمر غلب عليه الصائم، فليس عليه قضاء ولا كفارة. قال أكثر الأصحاب: وهذا يدل على إسقاط القضاء والكفارة، وقال ابن عبد البر: الصحيح في الأكل والوطء، إذا غلب عليهما، لا يفطرانه، وكذا قال غير واحد من أهل العلم: الجماع كالأكل، فيما مر فيه، من الشك، والإكراه، والجهل. وفي المبدع: وعنه لا يكفر، وعليه أكثر العلماء. قال الوزير: وإن وطيء ظانًا أن الشمس قد غربت، أو أن الفجر لم يطلع، فبان بخلافه، فالقضاء واجب، ولم يوجب الكفارة الثلاثة، وإنما أوجبها أحمد، وعنه: لا قضاء على من جامع جاهلاً بالوقت، اختاره الشيخ، وقال: هو قياس أصول أحمد وغيره. وكذا لو كان جاهلاً بالحكم، لأن الكفارة ماحية، ومع النسيان، والإكراه، والجهل، لا إثم يمحى.

وقال أيضًا: فإنه قد ثبت بالكتاب والسنة أن من فعل محظورًا، مخطئًا،

أو ناسيًا، لم يؤاخذه الله، وحينئذ يكون بمنزلة من لم يفعله، فلا يكون عليه إثم، ومن لا إثم عليه، لم يكن عاصيًا، ولا مرتكبًا لما نهي عنه، ومثل هذا لا تبطل عبادته. وفي الإنصاف – في الناسي – وعنه: لا يكفر. اختاره ابن بطة، قال الزركشي: ولعله مبني على أن الكفارة ماحية، ومع النسيان لا إثم يمحى. وعنه: لا يقضي، اختاره الآجري، وأبو محمد الجوزي، والشيخ، وصاحب الفائق، وعنه: كل أمر غلب عليه الصائم، فليس عليه قضاء، ولا غيره، وقاله أكثر الأصحاب، فدل على إسقاط القضاء، والكفارة مع الإكراه والنسيان، وهو اختيار الشيخ.

ص: 411

أَنزل أولاً (1) ولو أَولج خنثى مشكل ذكره في قبل خنثى مشكل، أَو قبل امرأة (2) أَو أَولج رجل ذكره في قبل خنثى مشكل، لم يفسد صوم واحد منهما (3) إلا أَن ينزل، كالغسل (4) وكذا إذا أَنزل مجبوب، أو امرأتان بمساحقة (5) .

(1) فلا فرق بين أن ينزل أو لا، لأنه في مظنة الإنزال.

(2)

أي أو أولج خنثى مشكل ذكره في قبل امرأة.

(3)

لاحتمال الزيادة، اختاره وصححه غير واحد.

(4)

فإن أنزل وجب عليه القضاء فقط.

(5)

أي وكذا إن أنزل مجبوب، أي مقطوع الذكر، أو الخصيتين، يقال: جب الرجل، فهو مجبوب، إذا استؤصلت مذاكيره، أو أنزل ممسوح بمساحقة، فعليه القضاء والكفارة، أو أنزلت امرأتان بمساحقة، والسحق السهك، أو الدق، أو دون الدق، فعليهما القضاء والكفارة، وعنه: لا كفارة على واحد منهم، وهو المشهور، وصرح به في الإقناع وغيره، وفي حاشية التنقيح: حكمه حكم الواطئ دون الفرج، فإنه لا كفارة عليه من الإنزال، كما صححه المنقح وغيره، وحكاه في الإنصاف عن الأصحاب، ولأنه لا كفارة بغير الوطء، أطلقه الأصحاب، فما ذكر الشارح خلاف المذهب، لأن ذلك مباشرة دون الفرج، وليس بوطء حقيقة، وحقيقة الوطء إيلاج الذكر في الفرج، فليس فيه غير القضاء، وهو قول الجمهور.

ص: 412

(وإن جامع دون الفرج) ولو عمدًا (فأَنزل) منيًا أَو مذيًا (1)(أو كانت المرأة) المجامعة (معذورة) بجهل، أَو نسيان، أَو إكراه، فالقضاءُ، ولا كفارة (2) .

(1) فالقضاء، ولا كفارة، اختاره وصححه غير واحد، وهو مذهب أبي حنيفة، والشافعي، لأن قوة النص تقتضي أنه جامع في الفرج وكنى عن ذلك بالمواقعة، والأصل براءة الذمة من الكفارة، وأما القضاء فيجب، باتفاق الأئمة، حكاه الوزير وغيره، وإن لم ينزل فلا قضاء، ولا كفارة عليه، إذ مع عدم الإنزال ضعف اعتباره، فصار بمنزلة اللمس ونحوه، وإن وطئ بهيمة في الفرج أفطر، لأنه وطء في فرج، أشبه وطء الآدمية في فرجها، ولم يقيده الموفق بالإنزال، لإقامة المظنة مقام الحقيقة، واختار أنه لا كفارة عليه.

(2)

وفاقًا لأبي حنيفة، ومالك، والشافعي، في أحد قوليه، واختاره الموفق، والمجد، وجماعة، واستظهره في الفروع، وصححه في تصحيحها، قال في المبدع: لأنها معذورة. قال في الشرح: وعليها القضاء، بغير خلاف نعلمه. وهذه الشروط، معتبرة في وجوب الكفارة، فإن كانت جاهلة، أو ناسية، أو مكرهة، أو نائمة، فلا كفارة، حكاه الوزير وغيره اتفاقًا، إلا في إحدى الروايتين عن أحمد، وذكر أن الرواية الأخرى عنه، في إسقاط الكفارة أصح وأظهر، والفرق بينها وبين الرجل في الإكراه، أن الرجل له نوع اختيار، يدل على الرغبة، بخلافها فأما النسيان فإن جهة الرجل في المجامعة لا تكون إلا منه غالبًا، بخلاف المرأة، فكان الزجر في حقه أقوى، فوجبت عليه في حالة النسيان دونها، وتقدم.

ص: 413

وإن طاوعت عامدة عالمة فالكفارة أيضًا (1)(أَو جامع من نوى الصوم في سفره) المباح فيه القصر (2) ، أَو في مرض يبيح الفطر (أَفطر، ولا كفارة)(3) لأنه صوم لا يلزم المضي فيه، أَشبه التطوع (4) ولأَنه يفطر بنية الفطر، فيقع الجماع بعده (5) .

(1) وهو مذهب مالك، وأبي حنيفة، وأحد القولين للشافعي، لأنها هتكت حرمة صوم رمضان، بالجماع مطاوعة، فهي كالرجل، ولأن تمكينها كفعله في حد الزنا، ففي الكفارة أولى، وعنه: لا كفارة عليها، لأن الشارع لم يأمرها بها، واتفقوا على أن عليها القضاء، وتدفعه إذا أكرهها، بالأسهل، وإن أدى إلى قتله، ولو طاوعته أمته كفرت بالصوم، ولو استدخلت ذكر نائم، أو صبي، أو مجنون، بطل صومها، ووجب عليها القضاء والكفارة.

(2)

فله الفطر، لفعله صلى الله عليه وسلم، ولا كفارة عليه، وقال الوزير: أجمعوا أنه إذا أفطر في السفر يباح له الجماع، وإذا صام وجامع، فقال أبو حنيفة والشافعي: لا كفارة عليه. وعن مالك وأحمد روايتان، لكن ينبغي أن يفطر بنية الفطر، فيقع الجماع بعده.

(3)

أي أو جامع من نوى الصوم في مرض يبيح له الفطر، أفطر بالجماع، ولا كفارة، كالمسافر، عند الجمهور، إلا أنه ينبغي أن يقع الجماع بعد نية الفطر.

(4)

ويأتي «أن المتطوع أمير نفسه» .

(5)

أي بعد نية الفطر، إن نواه قبل فعل الجماع، وهو أولى.

ص: 414

(وإن جامع في يومين) متفرقين، أو متواليين (1)(أو كرره) أي كرر الوطء (في يوم، ولم يكفر) للوطء الأول (2)(فكفارة واحدة في الثانية) وهي ما إذا كرر الوطء في يوم، قبل أَن يكفر (3) قال في المغني والشرح: بغير خلاف (4)(وفي الأولى) وهي ما إذا جامع في يومين (اثنتان) لأن كل يوم عبادة مفردة (5) .

(1) من رمضان واحد، أو رمضانين.

(2)

من اليومين المتفرقين، أو المتواليين، ولا من الوطء الأول، المتكرر في يوم.

(3)

لتداخلهما.

(4)

وحكي الإجماع فيه غير واحد لأن الكفارات زواجر، بمنزلة الحدود، فتتداخل كالحدود، فلو كفر بالعتق، للوطء الأول، ثم به للثاني، ثم استحقت الرقبة الأولى، لم يلزمه بدلها، وأجزأته الثانية عنهما، ولو استحقت الثانية وحدها، لزمه بدلها، ولو استحقتا جميعًا، أجزأته رقبة واحدة، لأن محل التداخل وجود السبب الثاني، قبل أداء موجب الأول.

(5)

تعلق الكفارة بفساده، فإذا عمهما الفساد، وجب أن تتعلق بكل منهما كفارة، وكون كل يوم بمنزلة عبادة مفردة، بدليل أن فساد بعضها، لا يسري إلى بقيتها، واحتياج كل يوم إلى نية، وكيومين من رمضانين، وهو مذهب مالك، والشافعي، وصححه في تصحيح الفروع وغيره، وكما لو كفر عن اليوم الأول، فإنه يلزمه لليوم الثاني كفارة ثانية، ذكره ابن عبد البر وغيره إجماعًا.

ص: 415

(وإن جامع ثم كفر، ثم جامع في يومه، فكفارة ثانية)(1) لأَنه وطءٌ محرم، وقد تكرر، فتكرر هي، كالحج (2)(وكذلك من لزمه الإمساك)(3) كمن لم يعلم برؤية الهلال إلا بعد طلوع الفجر (4) أَو نسي النية، أَو أَكل عامدًا (إذا جامع)(5) فعليه الكفارة، لهتكه حرمة الزمن (6) .

(1) هذا المذهب، نص عليه في رواية حنبل والميموني.

(2)

أي فتكرر الكفارة، كما لو كرر المحظور في الحج، قبله وبعده، فالتشبيه معتبر في المسألتين، ولأنه وطء محرم لحرمة رمضان، فوجب أن تتعلق به الكفارة، كالوطء الأول، وعبادة يجب بالجماع بها كفارة، فجاز أن تتكرر الكفارة مع الفساد، وعنه: لا كفارة عليه. لأنه عبادة واحدة، وهو قول الجمهور، وقال الوزير: أجمعوا أنه إذا وطيء وكفر، ثم عاد فوطيء ثانيًا في يومه ذلك، أنه لا يجب عليه كفارة ثانية، وإن أخرج بعض الكفارة، ثم وطيء في يومه، دخلت بقية الأولى في الثانية.

(3)

أي وكذا حكم كل مفطر يلزمه الإمساك، إذا جامع، فعليه الكفارة وفاقًا.

(4)

إذا جامع فعليه الكفارة.

(5)

في نهار رمضان، وظاهره: ولو ناسيًا، أو جاهلاً؛ وتقدم.

(6)

أي بالجماع، ولأنها تجب على المستديم الوطء ولا صوم هناك، وكذا هنا، فمراده بالتشبيه وجوب الكفارة، لا التكرار، لكن نص أحمد – في مسافر قدم مفطرًا ثم جامع -: لا كفارة عليه، لأنه سنة عند أكثر العلماء، وحمله بعضهم على رواية عدم لزوم الإمساك.

ص: 416

(ومن جامع وهو معافى، ثم مرض، أو جن (1) أو سافر: لم تسقط) الكفارة عنه، لاستقرارها (2) كما لو لم يطرأ العذر (3)(ولا تجب الكفارة بغير الجماع في صيام رمضان)(4) لأَنه لم يرد به نص (5) وغيره لا يساويه (6) .

(1) أو حاضت، أو نفست، لم تسقط الكفارة، لأمره عليه الصلاة والسلام الأعرابي بالكفارة، ولم يسأله، وهذا مذهب مالك، وأحد أقوال الشافعي.

(2)

أي الكفارة عليه وفاقًا، لأنه صلى الله عليه وسلم لم يسأل الأعرابي: هل طرأ له بعد وطئه مرض أو غيره؟ بل أمره بالكفارة، ولو اختلف الحكم لسأله عنه، ولأنه أفسد صيامًا واجبًا من رمضان بجماع، فاستقرت كفارته.

(3)

يعني من مرض، أو جنون، أو سفر، أو حيض، أو نفاس ونحو ذلك، ولو مات في أثناء النهار بطل صومه، فإن كان نذرًا، وجب الإطعام من تركته، وإن كان صوم كفارة تخيير، وجبت في ماله.

(4)

إجماعًا، فلا كفارة بمباشرة، أو قبلة ونحوها، ولو مع الإنزال وفاقًا، ولو كرر النظر، ولا بالجماع في قضائه أو نذر، أو كفارة، لأن الكفارة لهتك حرمة شهر رمضان.

(5)

ولأن الأصل براءة الذمة، فلا يثبت شغلها إلا بدليل من نص، أو إجماع، أو قياس، ولم يوجد واحد منها، وإنما ورد النص وثبت الإجماع في الجماع، في نهار رمضان.

(6)

أي غير رمضان لا يساوي رمضان، لاحترامه، وتعينه للعبادة، وليس في معناه، فلا يقاس عليه.

ص: 417

والنزع جماع (1) .

(1) يتلذذ به كالإيلاج، فلو طلع عليه الفجر وهو مجامع، فنزع في الحال، قضى وكفر، وقال في تصحيح الفروع: الصواب أنه إن تعمد الوطء قريبًا من طلوع الفجر، مع علمه بذلك فعليه القضاء والكفارة. اهـ. وعنه: عليه القضاء فقط وفاقًا، وقال المجد: يقضي فقط، وهو أصح عندي. وقال ابن أبي موسى: يقضي قولاً واحدًا. وعنه: لا قضاء عليه، ولا كفارة. وهو مذهب أبي حنيفة، والشافعي، واختاره أبو حفص، وصاحب الفائق، والشيخ، وغيرهم، وقال: هذا قول طوائف من السلف، كسعيد بن جبير، ومجاهد، والحسن، وإسحاق، وداود، وأصحابه، والخلف، وهؤلاء يقولون: من أكل معتقدًا عدم طلوع الفجر، ثم تبين أنه طلع، فلا قضاء عليه. وهذا القول أصح الأقوال، وأشبهها بأصول الشريعة، ودلالة الكتاب والسنة، وهو قياس أصول أحمد وغيره، فإن الله رفع المؤاخذة عن الناسي والمخطئ، وهذا مخطئ، وقد أباح الله الأكل، والوطء، حتى يتبين {الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} واستحب تأخير السحور، ومن فعل ما ندب إليه، وأبيح له، لم يفرط، فهذا أولى بالعذر من الناسي. اهـ.

وقال غير واحد: إنما النزع ترك للجماع. وقال ابن القيم: من طلع عليه الفجر، وهو مجامع، فالواجب عليه النزع عينًا، ويحرم عليه استدامة الجماع واللبث، ولا شيء عليه، اختاره شيخنا، وهو الصواب، والحكم في حقه وجوب النزع، والمفسدة في حركة النزع، مغمورة في مصلحة إقلاعه ونزعه. اهـ. وإن استدام، فعليه القضاء والكفارة، وهو مذهب مالك، والشافعي وغيرهم، لأنه جماع في نهار رمضان باختيار، فلا فرق بين ابتدائه ودوامه، ولا يحرم وطء قبل كفارة رمضان، ولا في ليالي صيامها، عكس كفارة الظهار.

ص: 418

والإنزال بالمساحقة كالجماع، على ما في المنتهى (1)(وهي) أي كفارة الوطء في نهار رمضان (2)(عتق رقبة) مؤمنة، سليمة من العيوب الضارة بالعمل (3)(فإن لم يجد) رقبة، (فصيام شهرين متتابعين (4) فإن لم يستطع) الصوم (فإطعام ستين مسكينًا)(5) .

(1) يعني من وجوب القضاء، والكفارة، وجزم في الإقناع: أنه ليس فيه غير القضاء، وهو قول الجمهور وكذا الإنزال بها من مجبوب أو امرأة، وتقدم.

(2)

على الترتيب، وهو مذهب أبي حنيفة، والشافعي، ورواية عن مالك.

(3)

على ما يأتي في الظهار، وكون الكفارة عتق رقبة، لا نزاع فيه.

(4)

أي فإن لم يجد رقبة، ولا ثمنها، وجب عليه، صيام شهرين متتابعين، إجماعًا، لحديث أبي هريرة المتقدم، فإنه نص فيه على الثلاثة بقوله «فهل تستطيع؟» «فهل تجد؟» وهو ظاهر في الترتيب، وجاء بلفظ «أو يصوم» «أو يطعم» واللفظ الأول، رواه أكثر من ثلاثين، ولأنه لفظ النبي صلى الله عليه وسلم، ومشتمل على زيادة، وأنص منه، ما رواه ابن ماجه في الحديث، أنه قال «أعتق رقبة» قال: لا أجدها، قال «صم شهرين متتابعين» قال لا أطيق، قال «أطعم ستين مسكينًا» فأمره بالعتق أولاً، وظاهر الأمر الوجوب، ولم ينقله إلى الصيام، إلا عند العجز، ثم أمره في صيام الشهرين، بالتتابع، ويشترط التتابع في أربعة مواضع، في كفارة الوطء في نهار رمضان، وكفارة الظهار، وكفارة القتل، وكفارة اليمين، وحكى الوزير وغيره: الإجماع على وجوب التتابع فيها.

(5)

قال النووي: أجمع عليه العلماء، في الأعصار المتأخرة، وهو اشتراط إطعام ستين مسكينًا. اهـ. فلو قدر لا بعد شروع فيه لزمته، لأنه عليه الصلاة والسلام: سأل المواقع عما يقدر عليه، حال المواقعة، وهي حالة الوجوب، والمعتبر وقت الوجوب، شرع فيه أولاً.

ص: 419

لكل مسكين مدبر، أَو نصف صاع من تمر، أَو زبيب، أو شعير، أو أقط (1)(فإن لم يجد) شيئًا يطعمه للمساكين، (سقطت) الكفارة (2) لأن الأعرابي لما دفع إليه النبي صلى الله عليه وسلم التمر ليطعمه للمساكين، فأخبره بحاجته قال «أطعمه اهلك» ولم يأمره بكفارة أخرى، ولم يذكر له بقاءها في ذمته (3) بخلاف كفارة حج (4) وظهار ويمين ونحوها (5) ويسقط الجميع، بتكفير غيره عنه بإذنه (6) .

(1) مما يجزئ في فطرة، ولما يأتي في الظهار.

(2)

قال الوزير: أجمعوا على أنه إذا عجز عن كفارة الوطء، حين الوجوب، سقطت، إلا الشافعي، في أحد قوليه. اهـ. وكذا كفارة الوطء في الحيض، تسقط بالعجز، دون ما عداهما.

(3)

فدل الحديث، على أنه لما لم يجد شيئًا، يطعمه المساكين، سقطت عنه الكفارة.

(4)

أي فدية تجب في الحج، على ما سيأتي، فتبقى في الذمة.

(5)

ككفارة قتل، فإنها تبقى في الذمة، لعموم أدلتها للوجوب حال الإعسار، ولأنه القياس، خولف في رمضان للنص، قال القاضي وغيره: وليس الصوم سببًا، وإن لم تجب إلا بالصوم والجماع، لأنه لا يجوز اجتماعهما.

(6)

إن كان حيًا، وبدونه إن كان ميتًا، ولا يفتقر إلى إذن وليه، أو فعله، سواء كان عن كفارة وطء نهار رمضان أو حج، أو ظهار أو يمين، أو قتل، وإن كفر عنه غيره بإذنه فله أكلها، إن كان أهلاً، وكذا لو ملكه ما يكفر به.

ص: 420