المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌من كملت له الشروط وجب عليه السعي (على الفور) - حاشية الروض المربع لابن قاسم - جـ ٣

[عبد الرحمن بن قاسم]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الجنائز

- ‌ هديه صلى الله عليه وسلم في الجنائز أكمل الهدي

- ‌ لا يؤخذ من الميت شيء

- ‌فصل في الكفن

- ‌ تكفن المرأة في خمسة أثواب

- ‌إذا اجتمعت جنائز: قدم إلى الإمام أفضلهم

- ‌ المطلوب في صفتها ستة أشياء

- ‌فصلفي حمل الميت ودفنه

- ‌كره جلوس تابعها حتى توضع)

- ‌اللحد أفضل من الشق)

- ‌كره لمصاب تغيير حاله

-

- ‌كتاب الزكاة

- ‌باب زكاة بهيمة الأنعام

- ‌فصل في زكاة البقر

- ‌فصل في زكاة الغنم

- ‌الضأن والمعز سواء، والسوم شرط

- ‌لا أثر لخلطة من ليس من أهل الزكاة

- ‌باب زكاة الحبوب والثمار

- ‌إذا اشتد الحب، وبدا صلاح الثمر وجبت الزكاة)

- ‌ الزكاة، إنما تتكرر في الأموال النامية

- ‌يباح للنساء من الذهب والفضة ما جرت عادتهن بلبسه

- ‌باب زكاة العروض

- ‌باب زكاة الفطر

- ‌لا يعتبر لوجوبها ملك نصاب

- ‌باب إخراج الزكاة

- ‌الغنى في باب الزكاةنوعان

- ‌أهل الزكاة قسمان

- ‌ الذي عليه الدين لا يعطيه، ليستوفي دينه

- ‌من أَراد الصدقة بماله كله

-

- ‌كتاب الصيام

- ‌(يجب صوم رمضان برؤية هلاله)

- ‌الأصل أن الله علق الحكم بالهلال والشهر

- ‌إن اشتبهت الأَشهر، على نحو مأْسور، تحرى وصام

- ‌أسباب الفطر أربعة

- ‌ الصوم الشرعي الإمساك مع النية

- ‌باب ما يكره ويستحب في الصوموحكم القضاء

- ‌لا يقضى عنه ما وجب بأَصل الشرع، من صلاة وصوم

- ‌يكره الصمت إلى الليل

-

- ‌كتاب المناسك

- ‌من كملت له الشروط وجب عليه السعي (على الفور)

- ‌يحج النائب من حيث وجبا

- ‌باب المواقيت

- ‌ليس للإحرام صلاة تخصه

- ‌ ابتداء التلبية عقب إحرامه

الفصل: ‌من كملت له الشروط وجب عليه السعي (على الفور)

والاستطاعة شرط للوجوب، دون الإجزاء (1) ف‌

‌من كملت له الشروط وجب عليه السعي (على الفور)

(2) ويأْثم إن أخره بلا عذر (3) لقوله عليه السلام «تعجلوا إلى الحج – يعني الفريضة – فإن أَحدكم لا يدري ما يعرض له» رواه أحمد (4) .

(1) فلو حج كبير، أو مريض، أو فقير أجزأ إجماعًا، وحج خلق من الصحابة مع النبي صلى الله عليه وسلم ولا شيء لهم، ولم يأمرهم بالإعادة.

(2)

أي فمن كملت له الشروط الخمسة، الإسلام، والعقل، والبلوغ، والحرية، والاستطاعة، وجب عليه السعي للحج والعمرة على الفور، وهو الشروع في الامتثال عقب الأمر، من غير فصل، ولا يجوز له تأخيره، عند أحمد، وأبي حنيفة، وأكثر الشافعية، قال الشيخ: والحج على الفور، عند أكثر العلماء، وإذا خاف العنت من يقدر على الحج قدم النكاح، وحكي إجماعًا، وإلا قدم الحج.

(3)

لأن الأمر يقتضي الفورية، ولما ورد في التأخير من التأثيم، ومع العذر فلا تأثيم.

(4)

وله من حديث الفضل «من أراد الحج فليتعجل» وليست الإرادة هنا على التخيير، لانعقاد الإجماع على خلافه، بل كقوله: من أراد الصلاة فليتوضأ. وكقوله {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ} وعن عبد الرحمن بن سابط يرفعه «من مات ولم يحج حجة الإسلام، لم يمنعه مرض حابس، أو سلطان جائر، أو حاجة ظاهرة، فليمت على أي حال، يهوديًا أو نصرانيًا» رواه سعيد، وله طرق توجب أن له أصلاً، وعن الحسن، عن عمر: لقد هممت أن أبعث رجالاً إلى هذه الأمصار، فينظروا كل من كان له جدة ولم يحج، فيضربوا عليهم الجزية، ما هم بمسلمين، ما هم بمسلمين. رواه البيهقي وغيره، ولأنه أحد مباني الإسلام، فلم يجز تأخيره إلى غير وقت معين، كبقية المباني، بل أولى.

وأما تأخيره صلى الله عليه وسلم، هو وأصحابه، بناء على أنه فرض سنة تسع، فيحتمل أنه كان في آخرها، أو لعدم استطاعته، أو حاجة خوف في حقه، منعه وأكثر أصحابه، أو لأن الله كره له الحج مع المشركين عراة، أو لاستدارة الزمان، أو غير ذلك، ومن جملة الأقوال أنه فرض سنة عشر، فلا تأخير، وقال ابن القيم: لما نزل عليه فرض الحج بادر، فإن فرضه تأخر إلى سنة تسع، أو عشر، عام تبوك. وإرداف الصديق بعلي ينادي بذلك مؤذن به، وهو قول جمهور المفسرين، ولم ير أحمد بالغزو قبل الحج بأسًا، قال الشيخ: هذا مع أن الحج واجب على الفور عنده، لكن تأخيره لمصلحة الجهاد، كتأخير الزكاة الواجبة، لانتظار قوم أصلح من غيرهم، أو تضرر أهل الزكاة، وتأخير الفوائت، للانتقال عن مكان الشيطان، وهذا أجود ما ذكروه إن كان وجب عليه متقدمًا، والتقديم أفضل إجماعًا، ولو حج في آخر عمره ليس عليه إثم بالإجماع، ولو مات ولم يحج مع القدرة أثم إجماعًا.

ص: 505

(فإن زال الرق) بأَن عتق العبد محرمًا (1)(و) زال (الجنون) بأَن أَفاق المجنون، وأَحرم إن لم يكن محرمًا (2) .

(1) سواء كان قنا، أو مكاتبًا، أو مدبرًا، أو أم ولد، أو معتقًا بعضه، أو معلقًا بصفة.

(2)

قبل جنونه، لا فيه، إذ المجنون لا يصح إحرامه.

ص: 506

(و) زال (الصبا) بأَن بلغ الصغير وهو محرم، (في الحج) وهو (بعرفة) قبل الدفع منه، أَو بعده إن عاد فوقف في وقته (1) ولم يكن سعى بعد طواف القدوم (2)(وفي) أي أَو وجد ذلك في إحرام (العمرة قبل طوافها صح) أي الحج والعمرة فيما ذكر (فرضًا)(3) فتجزئه عن حجة الإسلام وعمرته (4) ويعتد بإحرام ووقوف موجودين إذًا (5) .

(1) صح فرضه، وهو مذهب الشافعي، وكذا إن أسلم الكافر، ثم أحرم، قبل الدفع من عرفة أو بعده وعاد فوقف في وقته، صح فرضه، كما لو أحرم إذًا، ولأنه أتى بالنسك حال الكمال، فأجزأه، كما لو وجد قبل الإحرام.

واستدل أحمد بأن ابن عباس قال: إذا عتق العبد بعرفة أجزأت عنه حجته، وإن عتق بجمع لم تجز وعنه، ويلزمه العود إن أمكنه، لوجوب الحج على الفور مع الإمكان، كالبالغ الحر.

(2)

يعني من عتق وأفاق وبلغ.

(3)

وفاقًا لأنهما أتيا بالنسك حال الكمال، فأجزأ عنهما، كما لو وجد قبل الإحرام.

(4)

أي ممن زال رقه وجنونه وصباه في الحج بعرفة، وفي العمرة قبل طوافها، ولا تجزئه العمرة بعد طوافها، ولا في أثنائه، ولا أثر لإعادته وفاقًا في الكل.

(5)

بالتنوين أي وقت البلوغ، والحرية، وزوال الجنون.

ص: 507

وما قبله تطوع، لم ينقلب فرضًا (1) فإن كان الصغير أَو القن سعى بعد طواف القدوم قبل الوقوف لم يجزئه الحج، ولو أَعاد السعي، لأَنه لا يشرع مجاوزة عدده، ولا تكراره (2) بخلاف الوقوف، فإنه لا قدر له محدود (3) وتشرع استدامته (4) وكذا إن بلغ أَو عتق في أَثناء طواف العمرة، لم تجزئه ولو أَعاده (5)(و) يصح (فعلهما) أَي الحج والعمرة (من الصبي) نفلاً (6) .

(1) ولا اعتداد به، قاله الموفق ومن تابعه، وقدمه في التنقيح، والمنتهى، والإقناع، وقال المجد وجماعة: ينعقد إحرامه موقوفًا، فإذا تغير حاله تبينت فرضيته، كزكاة معجلة. وقال مرعي: لو حج وفي ظنه أنه صبي، أوقن، فبان بالغًا، أو حرًا أجزأ.

(2)

أي السعي وقلنا: هو ركن. كما هو المذهب، وقال غير واحد: يجزئه إذا أعاد السعي، ولو كان قد سعى مع طواف القدوم، لحصول الركن الأعظم وهو الوقوف، فلا فرق في وجود ذلك قبل السعي أو بعده.

(3)

يعني الوقوف، فإنه يكفي ولو لحظة، فلا تقدير بساعة أو نحوها.

(4)

أي الوقوف، لأن من وقف نهارًا وجب عليه أن لا يدفع إلا بعد الغروب، مع أنه يكفي لو دفع قبله.

(5)

لمضي بعض الركن حال الصغر والرق، وهو لا يشرع مجاوزة عدده، ولا تكراره.

(6)

وفاقًا، إلا أن أبا حنيفة قال: لا يتعلق به وجوب الكفارة، قال الوزير:

أي يكتب له. وكذلك أعمال البر كلها، فهي تكتب له، ولا تكتب عليه، ومعنى قول أبي حنيفة: لا يصح منه. لا يصح صحة يتعلق بها وجوب الكفارات عليه، إذا فعل محظورات الإحرام.

ص: 508

لحديث ابن عباس: أَن امرأة رفعت إلى النبي صلى الله عليه وسلم صبيًا، فقالت: أَلهذا حج؟ قال «نعم، ولك أَجر» رواه مسلم (1) ويحرم الولي في مال، عمن لم يميز (2) .

(1) ورواه الترمذي وغيره وصححه، وعن السائب بن يزيد، قال: حج بي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنا ابن سبع، وغير ذلك من الأخبار، قال الترمذي، وابن عبد البر، والوزير، وغيرهم: أجمع أهل العلم أن الصبي إذا حج قبل أن يبلغ، فعليه الحج إذا وجد وبلغ، ولا تجزئه تلك الحجة عن حجة الإسلام، وكذا عمرته، لقول ابن عباس: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أيما صبي حج ثم بلغ، فعليه حجة أخرى» رواه الشافعي والبيهقي، ولأنه فعله قبل وجوبه، فلم يجزئه إذا صار مع أهله.

(2)

أي يعقد الإحرام ولي الصبي في المال – وهو الأب، أو وصيه، أو الحاكم – عن الصبي غير المميز، حيث لم يمكنه الإحرام بنفسه، ويقع لازمًا، وحكمه كالمكلف عند الجمهور، لا الولي في النكاح، كالعم، وابن العم، فإنه لا ينعقد إحرامه بهم، وإذا عدم الولي في المال، يقوم غيره مقامه، كما في قبول الزكاة له، وهو ظاهر قوله صلى الله عليه وسلم «ولك أجر» حيث لم يستفصل، فيسأل: هل له أب حاضر، أو لا؟ ولقول جابر: حججنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعنا النساء، والصبيان، فأحرمنا عن الصبيان. رواه سعيد، فيعقد له الولي – أو من يقوم مقامه – الإحرام، ويصير الصغير بذلك محرمًا، دون الولي، ولا يحرم الولي عن مميز، وفاقًا لمالك، والشافعي، لعدم الدليل.

ص: 509

ولو محرمًا، أَو لم يحج (1) ، ويحرم مميز بإذنه (2) ويفعل ولي ما يعجزهما (3) لكن يبدأ الولي في رمي بنفسه (4) .

(1) أي ولو كان الولي محرمًا لنفسه، أو نائبًا عن غيره، أو لم يحج عن نفسه، ولا عن غيره.

(2)

أي ويحرم المميز عن نفسه بإذن وليه، لأنه يصح وضوءه، فيصح إحرامه، ولا يصح بغير إذن وليه، لأنه يؤدي إلى لزوم مال، فلم ينعقد بنفسه، كالبيع، واختار المجد: يصح كصوم وصلاة.

(3)

كرمي وتلبية، لحديث جابر: لبينا عن الصبيان، ورمينا عنهم؛ رواه أحمد، وابن ماجه، وعن عمر في الرمي، وأبي بكر، أنه طاف بابن الزبير في خرقة، رواهما الأثرم، وعن عائشة، أنها كانت تجرد الصبيان إذا دنوا من الحرم، وقال عطاء: يفعل به كما يفعل بالكبير، ويشهد المناسك كلها، إلا أنه لا يصلي عنه، وكل ما أمكن الصغير – مميزًا كان أو دونه – فعله بنفسه، كالوقوف، والمبيت، لزمه فعله، بمعنى أنه لا يصح أن يفعل عنه، لعدم الحاجة إليه، ويجتنب في حجة ما يجتنب الكبير من المحظورات، والوجوب متعلق بالولي، لأن الصغير لا يخاطب بخطاب تكليفي، وزيادة نفقته في السفر عن نفقة الحضر في مال وليه، عند جمهور الأصحاب.

(4)

أي عن نفسه، لا عن غيره، كما في النيابة في الحج، وهذا استدراك من قوله: ويفعل ولي. الخ، لدفع توهم: أنه يبدأ في رمي بموليه، فإنه لو بدأ برمي عن موليه وقع عن نفسه هو، وقيده بعضهم بما إذ كان حجه فرضًا، وإن أمكن الصبي أن يناوله النائب الحصى ناوله، وإن أمكن أن يضعها في كفه فيجعل يده كالآلة فحسن، ليوجد من الصبي نوع عمل.

ص: 510

ولا يعتد برمي حلال (1) ، ويطاف به لعجز راكبًا أَو محمولاً (2) . (و) يصحان من (العبد نفلاً) لعدم المانع (3) .

(1) لأنه لا يصح لنفسه رمي، فلا يصح عن غيره، إلا الطواف لوجوده من الصبي، كمحمول مريض، ولم يوجد من الحامل إلا النية.

(2)

كالمريض، ولفعل أبي بكر، قال الشيخ: وإن لم يمكنه الطواف ماشيًا، فطاف راكبًا، أو محمولاً، أجزأ بالاتفاق. وتعتبر نية طائف به، لتعذر النية منه، إن لم يكن مميزًا، فإن لم يمكن الطواف به راكبًا، ولا محمولاً، طاف عنه وليه، قال الزركشي: لا يخلو من ثمانية أحوال «أحدها» نويا جميعًا عن الحامل فقط، فيصح له بلا ريب «الثاني» نويا جميعًا عن المحمول، فتختص الصحة به أيضًا «الثالث» نوى كل منهما عن نفسه، فيصح الطواف للمحمول، دون الحامل، جعلا للحامل كالآلة، وأخذ الأجرة عن المحمول يدل على أنه قصده به، وحسن أبو محمد صحة الطواف منهما كل لنفسه، لأنه لا يصرفه عن نفسه، ولأن كلا منهما طائف بنية صحيحة، كالحمل بعرفات، وذكر ذلك ابن الزاغوني احتمالاً، وصاحب الفروع قولاً، وهو مذهب أبي حنيفة. قال «والرابع، والخامس» نوى أحدهما عن نفسه، ولم ينو الآخر شيئًا، فيصح للناوي، دون غيره، «السادس، والسابع، والثامن» لم ينو أحد منهما، أو نوى كل منهما عن صاحبه، فلا يصح لواحد منهما، والسعي كالطواف، صرح به الشافعية، وقال غير واحد: هو كالعبادات المتنوعة، لتعلقه بأماكن، وأزمان، فيفتقر كل جزء منه إلى نية، وذكر القاضي وغيره أن نية الحج تشمل أفعاله كلها، إلا البدل وهو الهدي.

(3)

ولكونه من أهل العبادة، فصحا منه إجماعًا، وإن عتق فعليه الحج إن استطاع، وقال الترمذي: أجمع أهل العلم على أن المملوك إذا حج في حال رقه ثم عتق، فعليه الحج إذا وجد إلى ذلك سبيلاً، ولا يجزئ عنه ما حج في حال رقه.

ص: 511

ويلزمانه بنذره (1) ولا يحرم به، ولا زوجة، إلا بإذن سيد وزوج (2) فإن عقداه فلهما تحليلهما (3) ولا يمنعها من حج فرض كملت شروطه (4) .

(1) أي يلزم الحج والعمرة العبد بنذره بلا خلاف، لأنه مكلف، فصح نذره كالحر، ولا يجوز له تحليله منه، لوجوبه، كما لو أحرم بواجب بأصل الشرع، وفي رواية: إن كان نذره بإذنه.

(2)

وفاقًا، لتفويت حق الزوج والسيد بالإحرام.

(3)

أي فإن عقد قن، أو امرأة الإحرام بلا إذن سيد وزوج، ولم يكن منذورًا، فللسيد والزوج منعهما منه وفاقًا، لأن حقهما لازم، فملكا إخراجهما منه، كالاعتكاف، وإن لم تقبل تحليله أثمت، وله مباشرتها، ويكونان كالمحصر، لأنهما في معناه، فإن نذره بإذن سيد فليس له تحليله، ولا لزوج تحليلها من منذور، ولو لم يأذن فيه، ومفهومه أنهما إن فعلاه انعقد إحرامهما، لأنه عبادة بدنية، فصحت بغير إذن كالصوم.

(4)

أي ولا يمنع الزوج زوجته، من حج فرض كملت شروطه، ولا يحللها منه، وفاقًا، لأنه واجب بأصل الشرع، أشبه الصوم والصلاة، وقال الشيخ: ليس للزوج منع زوجته من الحج الواجب، مع ذي رحم، عليها أن تحج وإن لم يأذن في ذلك، حتى إن كثيرًا من العلماء أو أكثرهم يوجبون لها النفقة عليه مدة الحج. وهذا مستدرك مما أجمله الشارح قبل، وأفردها بالفرض دون العبد، لأنه لا يجب عليه حج بحال بخلافها، ولو لم تستكمل شروطه فله منعها، وإن أحرمت به بلا إذنه لم يملك تحليلها، ويستحب أن تستأذنه.

ص: 512

ولكل من أَبوي حر بالغ منعه من إحرام بنفل، كنفل جهاد (1) ولا يحللانه إن أَحرم (2)(والقادر) المراد فيما سبق (3)(من أَمكنه الركوب (4)

(1) أي لهما منعه من نفل الحج، كما أن لهما منعه من نفل الجهاد، مع أنه فرض كفاية، لأن بر الوالدين فرض عين، واستغربه ابن مفلح وغيره، وقالوا: المعروف اختصاص الجهاد بهذا الحكم، والمراد – والله أعلم – أنه لا يسافر لمستحب إلا بإذنهما كسفر الجهاد، وأما ما يفعله في الحضر نحو ذلك فلا يعتبر فيه إذن، وإن لم يعتبره أحد، ولا وجه له، والعمل على خلافه، كصلاة النافلة.

(2)

أي بالحج والعمرة، لوجوبه بالشروع فيهما، ولا يجوز للولد طاعتهما في ترك الحج الواجب، أو التحلل منه، وكذا كل ما وجب من صلاة وصوم، وكالجماعة والجمع، والسفر للعلم الواجب، لأنه فرض عين، وهذا المستحب مقدم على فرض الكفاية، وتلزم طاعتهما في غير معصية فيحرم، ولو كانا فاسقين في ظاهر كلام أحمد، قال الشيخ: فيما نفع فيه لهما ولا ضرر عليه، فإن شق عليه ولم يضره وجب. وفي رواية: لا طاعة لهما إلا في البر، وفي رواية: لا طاعة لهما في مكروه، أو ترك مستحب. وقال: ليس للأبوين منع ولدهما من الحج الواجب، لكن يستطيب أنفسهما، فإن أذنا له وإلا حج. وقال: إذا وجب على المحجور عليه، لم يكن لوليه منعه منه على الوجه الشرعي. اهـ. وليس لولي سفيه مبذر منعه من حج الفرض، ولا يحلله، ويدفع نفقته إلى ثقة ينفق عليه في الطريق، ويتحلل بصوم إذا أحرم بنفل إن زادت نفقته على نفقة الإقامة.

(3)

أي المستطيع كما تقدم في قوله عند قول الماتن: المكلف القادر.

(4)

من غير ضرر يلحقه لكبر أو زمانه، أو مرض لا يرجى برؤه، أو ثقل لا يقدر معه أن يركب إلا بمشقة شديدة، أو كان معضوبًا كما سيأتي.

ص: 513

ووجد زادًا وراحلة) بآلتهما (1)(صالحين لمثله)(2) لما روى الدارقطني بإسناده عن أَنس عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله عز وجل {مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} قال: قيل يا رسول الله ما السبيل؟ قال «الزاد والراحلة» (3) .

(1) أي آلة الراحلة من رحل، وقتب، ومحمل، ونحوها، حيث اعتبرت في حقه، بكراء، أو شراء، لذهابه وعودته، ويعتبر الزاد مع قرب المسافة وبعدها، إن احتاج إليه، فإن وجده في المنازل، لم يلزمه حمله، إن وجده يباع بثمن مثله، والزاد ما يحتاج إليه من مأكول، ومشروب، وكسوة، وتعتبر الراحلة مع بعد المسافة فقط – ولو قدر على المشي – وهو ما تقصر فيه الصلاة، لا فيما دونها من مكي وغيره، ويلزمه المشي إلا مع عجز لكبر ونحوه.

(2)

فالمعتبر شرعًا في حق كل أحد ما يليق بحاله، عرفًا وعادة، لاختلاف أحوال الناس، فإن كان ممن يكفيه الرحل والقتب، ولا يخشى السقوط، اكتفي بذلك، وإلا اعتبر وجود محمل، وهو «الهودج» ، وفي معناه الشقدف المتعارف «ومحارة» يركب فيها الواحد والاثنان، وما أشبه ذلك مما لا يخشى سقوطه عنه، ولا مشقة فيه، وإن لم يكن يقدر على خدمة نفسه اعتبر من يخدمه، ومن أمكنه من غير ضرر يلحق بغيره، مثل من يكتسب بصناعة كالخراز، أو مقارنة من ينفق عليه، أو يكتري لزاده، ولا يسأل الناس استحب له الحج، ويكره لمن حرفته المسألة، وهذا مذهب أبي حنيفة، والشافعي، وأكثر أهل العلم، وقال مالك: ليس الزاد والراحلة من شروط وجوبه، فإذا قدر راجلا، وله صنعة، أو من عادته السؤال فهو مستطيع.

(3)

ورواه البيهقي وغيره، وسنده إلى الحسن صحيح، ورواه الحاكم من

طريق آخر وثقه أحمد، وعن ابن عباس عند ابن ماجه والدارقطني نحوه، وعن جماعة من الصحابة، يقوي بعضها بعضًا للاحتجاج بها، ومنها حديث ابن عمر: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما يوجب الحج؟ قال «الزاد والراحلة» قال الترمذي: العمل عليه عند أهل العلم. وقال شيخ الإسلام بعد سرد الآثار فيه: هذه الأحاديث مسندة من طرق حسان، ومرسلة، وموقوفة، تدل على أن مناط الوجوب الزاد والراحلة. ولأن الخطاب إنما هو للمستطيع، لأن (من) بدل من (الناس)، فتفيد الآية: ولله على المستطيع. ولانتفاء تكليف ما لا يطاق عقلاً وشرعًا، ولأنه عبادة تتعلق بقطع مسافة بعيدة، فكان ذلك شرطًا كالجهاد، ومتى وصل وفعل أجزأه بلا نزاع، فليس شرطًا في الصحة والإجزاء كما تقدم.

ص: 514

وكذا لو وجد ما يحصل به ذلك (1)(بعد قضاء الواجبات) من الديون، حالة أَو مؤجلة (2) والزكوات، والكفارات، والنذور (3)(و) بعد (النفقات الشرعية) له ولعياله (4) .

(1) أي القادر من أمكنه الركوب، ووجد من نقد أو عرض، أو غيرهما ما يحصل به الزاد والراحلة، لأن ملك الثمن كملك المثمن، ونقل ابن الجوزي الإجماع على أن اكتساب الزاد والراحلة لا يجب، فتقرر أن تحصيل سبب الوجوب لا يجب.

(2)

لأن ذمته مشغولة به، وهو محتاج لبراءتها، فتجب مقدمة على الحج، وإن ترك حقًا يلزمه من دين وغيره حرم وأجزأه، لتعلقه بذمته.

(3)

أي الواجبة لله، فلا فرق بين حق الله وحق الآدمي.

(4)

إلى أن يعود، بلا خلاف، لقوله «ابدأ بنفسك، ثم بمن تعول» وقوله «كفى بالمرء إثمًا أن يضيع من يقوت» ولأن ذلك مقدم على الدين، فلأن يقدم على الحج بطريق الأولى.

ص: 515

على الدوام (1) من عقار، أَو بضاعة، أَو صناعة (2)(و) بعد (الحوائج الأصلية) من كتب، ومسكن، وخادم، ولباس مثله (3) وغطاء، ووطاء، ونحوها (4) ولا يصير مستطيعًا ببذل غيره له (5) .

(1) أي عامه، والدوام مصدر: دام يدوم. إذا ثبت واستمر، والمراد هنا مدة ذهابه ورجوعه، وقال جمهور الأصحاب: طريق التصحيح أن يحمل قوله هنا على ذلك، ويمكن أن يحمل علىظاهره صرح به في الهداية، حيث قال: وأن يكون له إذا رجع ما يقوم بكفايته، من عقار، أو بضاعة أو صناعة. ومشى عليه في الإقناع، والمنتهى وشرحه وغيرهم، لتضرره بذلك كالمفلس، قال في الإنصاف: والصحيح من المذهب أنه يعتبر أن يكون له إذا رجع ما يقوم بكفايته، وكفاية عياله، على الدوام، وعليه أكثر الأصحاب.

(2)

أي من أجور عقار، أو ربح بضاعة، أو من صناعة ونحوها، وكثمار، وعطاء من ديوان ونحو ذلك، لكن إن فضل عن حاجته، وأمكن بيعه وشراؤه قدر الكفاية منه، ويفضل له ما يحج به لزمه.

(3)

لأن المفلس يقدم به على غرمائه، والمراد: ومسكن للسكنى، أو يحتاج إلى أجرته لنفقته، أو نفقة عياله.

(4)

كأوانٍ، وما لا بد له منه، وإلا لم يلزمه، لتضرره بإنفاق ما في يده إذًا.

(5)

مالاً أو مركوبًا، وهذا مذهب أبي حنيفة ومالك، ولو كان الباذل له قريبه كأبيه ونحوه، لأجل المنة، كبذل إنسان نفسه ليحج عن نحو مريض مرضًا لا يرجى برؤه، وليس له ما يستنيب به، قال الشيخ: وكل عبادة اعتبر فيها المال، فإنما المعتبر ملكه، لا القدرة على ملكه، كتحصيله بصنعة، أو قبول هبة، أو مسألة،

أو أخذ من صدقة، أو بيت مال. اهـ. ومذهب الشافعي: يلزمه ببذل ولده، إذا كان قد أدى عن نفسه، فإن قبل المال المبذول، وقدر به، وجب عليه الحج إجماعًا.

ص: 516

ويعتبر أَمن الطريق (1) بلا خفارة (2) .

(1) للنفس والمال، من ظالم، أو عدو، أو سبع، أو غير ذلك، لأن عدم أمن ذلك ضرر، وهو منفي شرعًا، ولا يتأتى الحج بدونه، قال ابن الجوزي: العاقل إذا أراد سلوك طريق يستوي فيها احتمال السلامة والهلاك، وجب عليه الكف عن سلوكها. واختاره الشيخ، وقال: أعان على نفسه، فلا يكون شهيدًا. وإن غلب لم يلزمه السلوك، وذكره المجد إجماعًا في البحر، قال أحمد: روي مرفوعًا «من ركب البحر حال ارتجاجه فمات، برئت منه الذمة» وإن كان غالبه السلامة وجب، وفاقًا لأبي حنيفة ومالك، وعن الشافعي رواية كالجماعة، وهل يستنيب لعدم أمن الطريق وغيره، قال سليمان بن علي: القادر على حج الفرض لا يستنيب، ولو مع خوف الطريق.

(2)

بتثليث الخاء، والفتح أشهر، اسم لجعل الخفير، يقال: خفرت الرجل. حميته، وأجرته من طالبه، فأنا خافره، لقوله تعالى {مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} فإن الخائف غير مستطيع، فإن لم يمكنه سلوكه إلا بها لم يجب، وظاهره: ولو يسيرة. كظاهر المنتهى وغيره، لأنها نكرة في سياق النفي، وعليه الجمهور، زاد الموفق وغيره: إذا أمن الغدر من المبذول له. ولعله مراد من أطلق، واستظهر بعضهم أنها ليست من قبيل المنهي عنه، لأنه إنما يبذلها ليتوصل بها إلى واجب، فهي جائزة اتفاقًا، وإذا جازت، وتوقف الواجب عليها، وجبت كثمن الزاد، وقال الشيخ: الخفارة تجوز عند الحاجة إليها، إلا في الدفع عن المستخفر، ولا يجوز مع عدمها، كما يأخذه السلطان من الرعايا، وقاله أبو الخطاب وغيره، وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي.

ص: 517

يوجد فيه الماء والعلف على المعتاد (1) وسعة وقت، يمكن فيه السير على العادة (2)(وإن أعجزه) عن السعي (كبر، أو مرض لا يرجى برؤه)(3) .

(1) أي بالمنازل في الأسفار، لأنه لو كلف حمل مائه وعلف بهائمه فوق المعتاد من ذلك لأدى إلى مشقة عظيمة، فإن وجد على العادة، ولو بحمل الماء من منهل إلى منهل، والعلف من موضع إلا آخر لزمه، لأنه المعتاد، واستمر عمل المسلمين عليه.

(2)

أي ويشترط للوجوب سعة وقت، لتعذر الحج مع ضيق وقته، كما يعتبر أمن الطريق، وقاله أبو الخطاب وغيره؛ وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي، وعنه: أن سعة الوقت، وأمن الطريق، وقائد الأعمى، ودليل الجاهل، ونحو ذلك من شروط لزوم الأداء، اختاره الأكثر، وفاقًا للمالكية، وصححه في الفروع، فيأثم إن لم يعزم على الفعل، ولو مات قبل وجود هذين الشرطين أخرج من ماله من ينوب عنه، دون القول أنهما من شرائط الوجوب، والمراد: من كملت له الشروط سوى هذين، والفرق بنيهما أن ما كان شرطًا في الوجوب، إذا مات لم يجب في ماله، وما كان شرطًا في الأداء وجب.

(3)

كالسَّل، لزمه أن يقيم من يحج عنه ويعتمر فورًا، من حيث وجبا، قال الزركشي وغيره: هذان شرطان لوجوب المباشرة بلا ريب، وإذا عدمهما، وبقيت الشروط موجودة فيه، ووجد مالاً فاضلاً عن حاجته المعتبرة، وافيًا بنفقة راكب، وجب عليه أن يقيم من يحج عنه ويعتمر من بلده، للخبر، أو من الموضع الذي أيسر منه، وظاهره أن المرجو برؤه ليس له أن يستنيب كالمحبوس، وفي الإنصاف: لو رجي زوال علته لم يجز أن يستنيب وهو صحيح، فإن فعل لم يجزئه بلا نزاع.

ص: 518

أو ثقل لا يقدر معه على ركوب إلا بمشقة شديدة (1) أو كان نضو الخلقة (2) لا يقدر أَن يثبت على راحلة إلا بمشقة غير محتملة (3)(لزمه أَن يقيم من يحج ويعتمر عنه) فورًا (4)(من حيث وجبا) أَي من بلده (5) .

(1) غير محتملة، لزمه أن يقيم من يحج ويعتمر عنه على الفور، «والثقل» بكسر ففتح، ضد الخف، وأصله في الأجساد، ثم يقال في المعاني.

(2)

بكسر النون والخاء، وهو المهزول، ويسمى العاجز عن السعي لزمانة ونحوها «المعضوب» من «العضب» وهو القطع، كأنه قطع من كمال الحركة والتصرف، ويقال: بالصاد كأنه ضرب على عصبه، فانقطعت أعضاؤه.

(3)

فإن كانت مشقة خفيفة تحتمل فلا، «وحمل، وتحمل، واحتمل» ، بمعنى.

(4)

ومن أمكنه السعي لزمه ذلك، لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، كالسعي إلى الجمعة، ومن وجد الاستطاعة وهو معذور، أو طرأ عليه العذر وجب عليه، باتفاق أهل العلم، ووجه جواز دفع المال أن الحج واجب على المستطيع بماله، فلا بد أن يخرج هذا المال في الحج.

(5)

أو من الموضع الذي أيسر منه إن كان غير بلده، فتعتبر الجهة، فلو حج عنه من غير جهة بلده – ولو كانت أبعد مسافة – لم يصح، وقيل: يجزئ من ميقاته، وهو مذهب مالك، والشافعي، ويقع الحج عن المحجوج عنه، ويؤخذ منه جواز نيابة اثنين في حجة واحدة، كل واحد يأتي ببعضها، ولا بد لفاعل ما بقي من إحرام.

ص: 519

لقول ابن عباس: إن امرأة من خثعم قالت: يا رسول الله إن أبي أدركته فريضة الله في الحج شيخًا كبيرًا، لا يستطيع أن يستوي على الراحلة، أفأحج عنه؟ قال «حجي عنه» متفق عليه (1)(ويجزئ) الحج والعمرة (عنه) أي عن المنوب عنه إذًا (2)(وإن عوفي بعد الإحرام) قبل فراغ نائبه من النسك أَو بعده (3) .

(1) ولحديث أبي رزين المتقدم، ولأنه عبادة تجب الكفارة بإفسادها، فجاز أن يقوم غيره فيه، كالصوم، سواء وجب عليه حال العجز أو قبله، وهو مذهب الشافعي، ولو كان النائب امرأة عن رجل، ولا كراهة، قال الشيخ: يجوز للرجل الحج عن المرأة، باتفاق أهل العلم، وكذا العكس، على قول الأئمة الأربعة، وخالف فيه بعض الفقهاء. اهـ. وتصح الاستنابة عن المعضوب، والميت في النفل اتفاقًا، وقال الترمذي: قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب غير حديث، والعمل عليه عند أهل العلم، من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وغيرهم، وبه يقول الشافعي، وأحمد. وقال مالك: إذا أوصى أن يحج عنه حج عنه، ولأنه عبادة تجب الكفارة بإفسادها فجاز أن يقوم غيره فيه كالصوم، سواء وجب عليه حال العجز أو قبله، ولا تشترط العدالة في النائب، إن كان متبرعًا، أو عينه الموصي، ولا يستنيب الوصي إلا عدلاً ولو ظاهرًا، فلا يحتاج لتزكيته، قال في الفروع: ويجزئ بلا مال، وفاقًا لمالك، والشافعي، وقول للحنفية، للخبر، ولشبهه بالدين.

(2)

حيث أعجزه عن السعي إلى الحج كبر، أو مرض لا يرجى برؤه ونحوه.

(3)

كما لو لم يبرأ، وكالمتمتع إذا شرع في الصوم، ثم قدر على الهدي، قال الشيخ: إذا أحج عن نفسه ثم برأ لا يلزمه إعادة الحج، من غير خلاف أعلمه.

ص: 520

لأنه أتى بما أمر به، فخرج من العهدة (1) ويسقطان عمن لم يجد نائبًا (2) ومن لم يحج عن نفسه، لم يحج عن غيره (3) .

(1) ولا يرجع عليه بما أنفق قبل أن عوفي، بل بعده، لعزله إذًا، فإن لم يعلم النائب بزوال عذر مستنيبه، فهل يقع النسك عن النائب، أو عن المستنيب؟ رجح ابن نصر الله وقوعه عن المستنيب، ولزوم النفقة عليه، ومفهوم عبارته: أنه لو عوفي بعد إحرام أجزأه، ولو كان قبل الميقات. قال الحجاوي: وهو كذلك. وذكر غير واحد أنهم اتفقوا على أنه إن عوفي قبل إحرام النائب عن المعضوب، لم يجزئه حج النائب عن المعضوب، للقدرة على المبدل، قبل الشروع في البدل، كالمتيمم يجد لماء، وكما لو استناب من يرجى زوال علته، والجمهور أيضًا على أنه لا يجزئه ولو عوفي بعد الإحرام، لأنه تبين أنه لم يكن مأيوسًا منه، قال في المبدع: وهو الأظهر عند الشيخ تقي الدين. وقال الموفق: الذي ينبغي أن لا يجزئه. قال الشيخ: وهو أظهر الوجهين.

(2)

فإذا وجد النائب بعد لم تلزم الاستنابة إلا أن يكون مستطيعًا إذ ذاك، وإلا أن يقال: هو شرط للزوم الأداء، فيبقى في ذمته إلى أن يجد نائبًا.

(3)

وهذا مذهب الشافعي، وكرهه أبو حنيفة، ومالك، وكذا من عليه حج قضاء أو نذر لم يصح أن يحج عن غيره، ولا عن نذره، ولا نافلته، فإن فعل انصرف إلى حجة الإسلام، وفاقًا للشافعي، لحديث ابن عباس، أنه صلى الله عليه وسلم سمع رجلاً يقول: لبيك عن شبرمة؛ قال «حججت عن نفسك؟» قال: لا. قال «حج عن نفسك» أي استدمه «ثم حج عن شبرمة» وإسناده جيد، وصححه البيهقي وغيره، واحتج به أحمد وغيره، ولأنه حج عن غيره، قبل حجه عن نفسه، فلم يجزئه، كما لو كان صبيًا، والعمرة كالحج، ويرد النائب ما أخذه، لوقوعه عن نفسه، ومن أتى بواجب أحدهما فله فعل نذره ونفله قبل الآخر، والنائب كالمنوب عنه، ويصح أن ينوب في الحج من حج عن نفسه مفردًا، مع بقاء العمرة في ذمته.

ص: 521

ويصح أن يستنيب قادر وغيره، في نفل حج أَو بعضه (1) والنائب أَمين فيما يعطاه ليحج منه (2) .

(1) كالصدقة، ولأنها لا تلزم القادر، ولا غير القادر بنفسه، فجاز أن يستنيب فيها، كالمعضوب، وعنه: لا يستنيب. قال في المبدع: ومحلها إذا أدى حجة الإسلام، وهو قادر على الاستنابة عليها بنفسه، أما لو كان قادرًا، ولم يؤد الفرض، لم يصح أن يستنيب في التطوع، لأنه ممنوع بنفسه، فنائبه أولى، ذكره الموفق والشارح.

(2)

فيركب وينفق بالمعروف، ويضمن ما زاد على ذلك، أو على نفقة طريق أبعد من الطريق القريب، إن لم يكن عذر، وفي الفروع وغيرها: يركب وينفق بالمعروف منه، أو مما اقترضه أو استدانه لعذر، ويرد ما فضل، إلا أن يؤذن له فيه، لأنه لا يملكه، وله صرف نقد بآخر لمصلحة، وشراء ماء لطهارته، وقال ابن قندس: من ضمن الحج بأجرة أو بجعل فلا شيء له، ويضمن ما تلف بلا تفريط، يعني إن لم يتفق له إتمامها، إما لكونه أحصر أو ضل، أو تلف ما أخذه، أو مات قبل تمام الحج، ولا شيء له. اهـ.

وكرهت الإجارة، لأن ذلك بدعة، لم يكن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ولا على عهد السلف، وقال صلى الله عليه وسلم لمن استؤجر بدراهم يغزو بها، «ليس لك من دنياك وآخرتك إلا هذا» وقال تعالى {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} الآيات. والأجير يبيع عمله لمن استأجره، والحج: عَمَلٌ من شرطه أن يكون قربة لفاعله، فلا يجوز الاستئجار عليه، كغيره من القرب، وهذا لأن دخوله في عقد الإجارة، يخرجه عن أن يكون قربة، لأنه قد وقع مستحقًا للمستأجر،

وإنما كان من شرطه أن يقع قربه، لأن الله أوجب على العبد أن يعمل مناسكه كلها، وتعبده بذلك، فلو أنه عملها بعوض من الناس، لم يجزئه إجماعًا، كمن صام أو صلى بالكراء، فإذا عجز عن ذلك بنفسه، جعل الله عمل غيره، قائمًا مقام عمل نفسه، وسادًا مسده، رحمة منه تعالى ولطفًا، فلا بد أن يكون مثله، ليحصل به مقصوده، لأنه صلى الله عليه وسلم شبهه بالدين في الذمة، وإنما تبرأ ذمة المدين إذا قضي عنه الدين، من جنس ما عليه، فإذا كان هذا العامل إنما يعمل للدنيا، ولأجل العوض الذي أخذه، لم يكن حجه عبادة لله وحده، فلا يكون من جنس ما كان على الأول، وإنما تقع النيابة المحضة، ممن غرضه نفع أخيه المسلم، لرحم بينهما، أو صداقة، أو غير ذلك، وله قصد في أن يحج بيت الله الحرام، ويزور تلك المشاعر العظام، فيكون حجة لله، فيقام مقام حج المستنيب، والجعالة بمنزلة الإجارة، إلا أنها ليست لازمة، ولا يستحق الجعل حتى يعمل، والحج بالنفقة كرهه أحمد مرة، لأنه قد يكون قصده الإنفاق على نفسه مدة الحج، فلا يكون حجه لله، وإن كان شيئًا مقدرًا، مثل وصية ونحوها، فقد يكون قصده استفضال شيء لنفسه، فيبقى عاملاً لأجل الدنيا.

ص: 522

ويحتسب له نفقة رجوعه (1) وخادمه إن لم يخدم مثله نفسه (2)(ويشترط لوجوبه) أَي الحج والعمرة (على المرأة وجود محرمها)(3) .

(1) أي بعد أداء النسك، إن لم يقم بمكة، فوق مدة قصر بلا عذر، قال في الفروع: ويتوجه احتمال: ولا عادة به. فمن ماله، وإن اتخذها دارًا سقطت.

(2)

لأنه من المعروف، وإن مات أو ضل أو مرض، أو تلف بلا تفريط لم يضمن.

(3)

أي ويشترط لوجوب الحج على المرأة شرط آخر، زيادة على ما يشترط لوجوبه على الرجل. وأما الشروط المتقدمة، فأجمعوا على أنها في ذلك كالرجل، وأخر في حقها هذا الشرط، لاستيفاء الكلام عليه، وهو قول إسحاق، وابن المنذر، ومذهب أبي حنيفة، ولم يره مالك والشافعي، قال ابن المنذر: تركوا القول بظاهر الحديث، واشترط كل واحد ما لا حجة معه عليه، والمراد بقولهم: يشترط؛ لمن لعورتها حكم، تخاف أن ينالها الرجال.

ص: 523

لحديث ابن عباس «لا تسافر امرأة إلا مع محرم، ولا يدخل عليها رجل إلا ومعها محرم» رواه أحمد بإسناد صحيح (1) ولا فرق بين الشابة والعجوز (2) .

(1) وفيه إني أريد أن أخرج في جيش كذا، وامرأتي تريد الحج، فقال «اخرج معها» وفي الصحيحين: إن امرأتي خرجت حاجة، وإني اكتتبت في غزوة كذا، قال «انطلق فحج معها» وفي الصحيح وغيره «لا يحل لامرأة تسافر مسيرة يوم وليلة ليس معها محرم» سدًا لذريعة ما يحاذر من الفتنة وغلبات الطباع، وأجمعوا عليه، مع عدم الرفقة، والنساء الثقات، وأجمعوا على عدم جواز السفر للمرأة بلا محرم، في غير الحج والعمرة، والخروج من بلد الشرك، ويستثنى مواضع الضرورة، بأن يجد أجنبية منقطعة في برية، ونحو ذلك، فيباح له استصحابها، بل يجب عليه ذلك، إذا خاف عليها لو تركها بلا خلاف، لحديث عائشة في قصة الإفك، وقال أحمد: المحرم من السبيل، فمن لم يكن لها محرم، لم يلزمها الحج بنفسها، ولا بنائبها.

(2)

فيعتبر المحرم لكل من لعورتها حكم، وهي بنت سبع سنين فأكثر، لأنها محل الشهوة، ومن السفهاء من لا يرتفع عن الفاحشة، بالعجوز وغيرها، لغلبة شهوته، وقلة دينه ومروءته، وخيانته، وعند الشيخ: تحج كل امرأة آمنة، مع عدم المحرم، لزوال العلة، وقال: هذا متجه في سفر طاعة. وصحح في الفتاوى المصرية: أن المرأة لا تسافر للحج إلا مع رفقاء، أو ذي محرم.

ص: 524

وقصير السفر وطويله (1)(وهو) أَي محرم السفر (زوجها (2) أَو من تحرم عليه على التأْبيد (3) بنسب) كأَخ مسلم مكلف (4)(أو سبب مباح) كأَخ من رضاع كذلك (5) .

(1) ولا فرق بين حج الفرض والتطوع في ذلك، لأنه صلى الله عليه وسلم لم يستفصل عن حجها. وعنه: لا يعتبر المحرم إلا في مسافة القصر، وفاقًا لأبي حنيفة، كما لا يعتبر في أطراف البلد، مع عدم الخوف وفاقًا، وأما إماؤها فيسافرن معها، قال الشيخ: ولا يفتقرن إلى محرم، لأنهن لا محرم لهن في العادة الغالبة، وظاهر إطلاقهم اعتباره في حقهن.

(2)

وفاقًا، ويسمى محرمًا لها مع حلها له، لحصول المقصود، من صيانتها وحفظها، مع إباحة الخلوة بها بسفره معها.

(3)

الأبد الدهر، والأبد أيضًا الدائم، والتأبيد التخليد، لأن غير المؤبد لا يؤمن انقطاعه.

(4)

وفاقًا، فلا يجب بوجود كافر، لأنه لا يؤمن عليها، خصوصًا المجوسي وفاقًا، لأنه يعتقد حلها، وابن وأب وعم وخال، من باب أولى، وفي الفروع: ويتوجه أن مثله مسلم لا يؤمن، وأنه لا يعتبر إسلامه إن لم يؤمن عليها، ولا يجب بوجود صغير ومجنون، لعدم حصول المقصود من حفظها، وفي المنتهى: ولو عبدًا. قال الخلوتي: ولو كان رقيقًا للغير، وأما عبدها فليس محرمًا بالملك، وعلله شيخنا بأنها لا تحرم عليه أبدًا، وبأنه لا يؤتمن عليها، وكذا زوج أختها ونحوه، واشترط ابن عطوة في محرم المرأة أن يكون بصيرًا.

(5)

أو مصاهرة، كزوج أمها وفاقًا، وابن زوجها، وهو مذهب أبي حنيفة، والشافعي، لما في صحيح مسلم وغيره «لا يحل لامرأة تؤمن بالله أن تسافر سفرًا إلا ومعها أبوها أو ابنها، أو زوجها أو ذو محرم منها» .

ص: 525

وخرج من تحرم عليه بسبب محرم، كأُم المزني بها وبنتها (1) وكذا أُم الموطوءة بشبهة وبنتها (2) والملاعن ليس محرمًا للملاعنة (3) لأَن تحريمها عليه أبدًا عقوبة وتغليظ عليه، لا لحرمتها (4) ونفقة المحرم عليها (5) فيشترط لها ملك زاد وراحلة لهما (6) ولا يلزمه مع بذلها ذلك سفر معها (7) ومن أَيست منه استنابت (8) .

(1) فلا يكون الزاني بها محرمًا للبنت، ولا الزاني بالبنت محرمًا لأمها.

(2)

لأن المحرمية نعمة، فاعتبر إباحة سببها كسائر الرخص، واختار الشيخ ثبوت المحرمية بوطء الشبهة، وذكره قول أكثر العلماء، لثبوت جميع الأحكام، وذكر هو وأبو الخطاب أن الوطء في نكاح فاسد كالوطء بشبهة.

(3)

من حين تمام تلاعنهما، وستأتي صفته إن شاء الله تعالى.

(4)

التي هي المقصود فلا يكون محرمًا لها.

(5)

أي المرأة، ولو كان زوجها، فيجب عليه لها بقدر نفقة الحضر، وما زاد عليها، لأنه من سبيلها.

(6)

أي المرأة ومحرمها، لوجوب النسك عليها، وأن يكون الزاد والراحلة صالحين لمثلهما على ما تقدم.

(7)

أي لا يلزم المحرم – مع بذلها له الزاد والراحلة الصالحين لمثلهما – سفر معها، للمشقة، كحجه عن نحو كبير وعاجز، وتكون كمن لا محرم لها، وأمره عليه الصلاة والسلام الزوج، إما بعد الخطر، أو أمر تخيير، لعلمه بحاله.

(8)

أي من أيست من وجود محرم ظاهر، وعادة، لزيادة سن، أو مرض

أو غيره، مما يغلب على ظنها عدمه، بعد أن وجدته وفرطت بالتأخير حتى فقد، ونحوه استنابت من يحج عنها، ككبير عاجز، وإن تزوجت فكمعضوب، ومن لم تجده فلا يلزمها الحج، ولا يجب عليها أن تتزوج لتحج، فلا استنابة، إلا على القول بأنه شرط للزوم الأداء، قال ابن نصر الله: فإن كان حاجًا، فهل يلزمه صحبتها؟ ظاهر كلامهم هنا لزومه، لأنه إنما منع السفر، وهذا سفر حاصل، ولم يبق إلا الصحبة، وليس فيها مشقة غالبًا.

ص: 526