المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ الذي عليه الدين لا يعطيه، ليستوفي دينه - حاشية الروض المربع لابن قاسم - جـ ٣

[عبد الرحمن بن قاسم]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الجنائز

- ‌ هديه صلى الله عليه وسلم في الجنائز أكمل الهدي

- ‌ لا يؤخذ من الميت شيء

- ‌فصل في الكفن

- ‌ تكفن المرأة في خمسة أثواب

- ‌إذا اجتمعت جنائز: قدم إلى الإمام أفضلهم

- ‌ المطلوب في صفتها ستة أشياء

- ‌فصلفي حمل الميت ودفنه

- ‌كره جلوس تابعها حتى توضع)

- ‌اللحد أفضل من الشق)

- ‌كره لمصاب تغيير حاله

-

- ‌كتاب الزكاة

- ‌باب زكاة بهيمة الأنعام

- ‌فصل في زكاة البقر

- ‌فصل في زكاة الغنم

- ‌الضأن والمعز سواء، والسوم شرط

- ‌لا أثر لخلطة من ليس من أهل الزكاة

- ‌باب زكاة الحبوب والثمار

- ‌إذا اشتد الحب، وبدا صلاح الثمر وجبت الزكاة)

- ‌ الزكاة، إنما تتكرر في الأموال النامية

- ‌يباح للنساء من الذهب والفضة ما جرت عادتهن بلبسه

- ‌باب زكاة العروض

- ‌باب زكاة الفطر

- ‌لا يعتبر لوجوبها ملك نصاب

- ‌باب إخراج الزكاة

- ‌الغنى في باب الزكاةنوعان

- ‌أهل الزكاة قسمان

- ‌ الذي عليه الدين لا يعطيه، ليستوفي دينه

- ‌من أَراد الصدقة بماله كله

-

- ‌كتاب الصيام

- ‌(يجب صوم رمضان برؤية هلاله)

- ‌الأصل أن الله علق الحكم بالهلال والشهر

- ‌إن اشتبهت الأَشهر، على نحو مأْسور، تحرى وصام

- ‌أسباب الفطر أربعة

- ‌ الصوم الشرعي الإمساك مع النية

- ‌باب ما يكره ويستحب في الصوموحكم القضاء

- ‌لا يقضى عنه ما وجب بأَصل الشرع، من صلاة وصوم

- ‌يكره الصمت إلى الليل

-

- ‌كتاب المناسك

- ‌من كملت له الشروط وجب عليه السعي (على الفور)

- ‌يحج النائب من حيث وجبا

- ‌باب المواقيت

- ‌ليس للإحرام صلاة تخصه

- ‌ ابتداء التلبية عقب إحرامه

الفصل: ‌ الذي عليه الدين لا يعطيه، ليستوفي دينه

إن لم يكن حيلة (1) .

(1) نص عليه وقال: إن أراد إحياء ماله لم يصح، ولم يجزئه، وقيده في الوجيز وغيره بعدم الحيلة، قال بعضهم: المراد بالحيلة أن يعطيه بشرط أن يردها عليه من دينه، فلا يجزئه، لأن من شرطها تمليكًا صحيحًا، فإذا شرط الرجوع لم يوجد، ولأنها لله، فلا يصرفها إلى نفعه. وقال ابن القيم: إذا أفلس، وأعطاه منها بقدر ما عليه، فيصير مالكًا للوفاء، فيطالبه به، وهذه حيلة باطلة، سواء شرط عليه الوفاء، أو منعه من التصرف فيما دفعه إليه، أو ملكه إياه بنية أن يستوفيه من دينه، فكل هذا لا يسقط عنه الزكاة، ولا يعد مخرجًا لها، لا شرعًا ولا عرفًا، كما لو أسقط دينه، وحسبه من الزكاة.

وقال الشيخ:‌

‌ الذي عليه الدين لا يعطيه، ليستوفي دينه

، وقال في إسقاط الدين عن المعسر: أما زكاة العين فلا يجزئ بلا نزاع، وأما قدر زكاة دينه، ففيه قولان، أظهرهما الجواز، لأن الزكاة دين، وهنا قد أخرج من جنس ما يملك، بخلاف ما إذا كان ماله عينًا، وأخرج دينًا، فالذي أخرجه دون الذي يملك، فكان بمنزلة إخراج الخبيث عن الطيب، وهذا لا يجوز، ومنع صلى الله عليه وسلم المتصدق من شراء صدقته، ولو وجدها تباع في السوق، سدًا لذريعة العود فيما خرج عنه لله، ولو بعوضه، فإن المتصدق إذا منع من تملك صدقته بعوضها، فتملكه إياها بغير عوض أشد منعًا، وأفطم للنفوس عن تعلقها بما خرجت عنه لله.

قال ابن القيم: والصواب ما حكم به النبي صلى الله عليه وسلم، من المنع من شرائها مطلقًا، ولا ريب أن في تجويز ذلك، ذريعة إلى التحيل على الفقير، بأن يدفع إليه صدقة ماله، ثم يشتريها منه، بأقل من قيمتها، فمن محاسن الشريعة، سد هذه الذريعة. وقال: العلة الثانية قطع طمع نفسه عن العود في شيء أخرجه لله، بكل طريق.

ص: 326

لأنه عليه السلام أَمر بني زريق بدفع صدقتهم إلى سلمة بن صخر (1) وقال لقبيصة: «أَقم يا قبيصة، حتى تأْتينا الصدقة، فنأْمر لك بها» (2)(ويسن) دفعها (إلى أقاربه الذين لا تلزمه مؤنتهم)(3) كخاله وخالته، على قدر حاجتهم، الأَقرب فالأَقرب (4) لقوله عليه السلام «صدقتك على ذي القرابة صدقة وصلة» (5) .

(1) رواه أحمد، وفيه ابن إسحاق، ولفظه: أنه صلى الله عليه وسلم قال لسلمة «اذهب إلى صاحب صدقة بني زريق، فقل له فليدفعها إليك» .

(2)

أي بالصدقة، رواه مسلم وغيره، فدل الحديثان وغيرهما على جواز الاقتصار على شخص واحد، من الأصناف الثمانية، ولأنه لما لم يمكن استغراق الأصناف، حمل على الجنس، وكالعامل اتفاقًا، ولما في الاستيعاب من العسر، وهو منتفِ شرعًا.

(3)

ولا يرثونه، بقدر حاجتهم إجماعًا.

(4)

والأحوج فالأحوج، إجماعًا، وهي أفضل من العتق، لخبر ميمونة، مراعيًا المصلحة والحاجة، فيفرقها فيهم، على قدر حاجتهم، وإن كان الأجنبي أحوج، فلا يعطى القريب ويمنع البعيد، بل يعطى الجميع، والجار أولى من غير الجار إجماعًا، والعالم، والدَّيَّن، وذو العيلة، يقدمون على ضدهم، والصدقة زمن المجاعة لا يعدلها شيء، حتى قيل: الوصية بالصدقة، أفضل من الوصية بالحج، ومن الجهاد.

(5)

رواه الخمسة، وحسنه الترمذي، من حديث سلمان بن عامر، أي إحسان، وعطف، ورفق، وهم أولى من أعطي، للآيات، والأحاديث، ولأحمد وغيره من حديث أبي أيوب «أفضل الصدقة الصدقة على ذي الرحم الكاشح» لما فيه من الجمع بين الصدقة والصلة، والإحسان إلى من أساء إليه، وقهر النفس على بره.

ص: 327

فصل (1)

(ولا) يجزئ أن (تدفع إلى هاشمي)(2) أي من ينسب إلى هاشم، بأَن يكون من سلالته (3) فدخل فيهم آل عباس، وآل علي، وآل جعفر، وآل عقيل، وآل الحارث بن عبد المطلب، وآل أبي لهب (4) لقوله عليه السلام:«إن الصدقة لا تنبغي لآل محمد، إنما هي أَوساخ الناس» أخرجه مسلم (5) .

(1) فيمن لا يجزئ دفع الزكاة إليه، وفضل صدقة التطوع.

(2)

حكاه الوزير وغيره اتفاق الأئمة، وكذا لا تجزئ إلى هاشمية.

(3)

بضم السين ما انسل من الولد.

(4)

ابن عبد المطلب، قال الشارح وغيره: لا نعلم خلافًا في أن بني هاشم لا تحل لهم الصدقة المفروضة. وحكى الاتفاق على خمسة البطون غير واحد من أهل العلم، وأخرج بعض أهل العلم آل أبي لهب، لأن حرمة الصدقة عليهم كرامة لهم، ولذريتهم، حيث نصروه، في جاهليتهم وإسلامهم، وأبو لهب كن حريصًا على أذاه، فلم يستحقها بنوه، وعتبة ومعتب ابناه أسلما عام الفتح، وشهدا حنينًا، والطائف، ولهما عقب.

(5)

وأول الحديث: أن المطلب بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب، والفضل ابن العباس انطلقا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال المطلب: ثم تكلم أحدنا فقال: يا رسول الله جئنا لتؤمرنا على هذه الصدقات، فنصيب ما يصيب الناس من المنفعة، ونؤدي إليك ما يؤدي الناس. فقال «إن الصدقة لا تحل لآل محمد» الحديث، وعن أبي هريرة قال: أخذ الحسن تمرة من تمر الصدقة، فجعلها في فيه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «كخ كخ، إرم بها، أما علمت أنا لا نأكل الصدقة» وفي رواية «إنا لا تحل لنا الصدقة» يعني المفروضة، متفق عليه، وعن جعفر بن محمد، عن أبيه، قال: إنما حرمت علينا الصدقة المفروضة، فكل من حرمت عليه الزكاة، فله أخذها هدية وفاقًا، لأكله مما تصدق به على أم عطية، ولا خلاف في إباحة المعروف إلى الهاشمي، وفي الصحيحين «كل معروف صدقة» .

ص: 328

لكن تجزئ إليه إن كان غازيًا، أو غارمًا لإصلاح ذات البيت، أو مؤلفًا (1)(و) لا إلى (مطلبي) لمشاركتهم لبني هاشم في الخمس، اختاره القاضي وأصحابه، وصححه ابن المنجا، وجزم به في الوجيز وغيره (2) . والأَصح: تجزئ إليهم، اختاره الخرقي، والشيخان، وغيرهم (3) .

(1) لجواز الأخذ بذلك مع الغنى، وعدم المنة فيه، واختار الشيخ، والقاضي، وأبو البقاء، وأبو صالح، وأبو طالب البصري، وأبو يوسف، والإصطخري، وغيرهم: جواز الأخذ لبني هاشم إذا منعوا الخمس، لأنه محل حاجة وضرورة. وقال الشيخ: يجوز لهم الأخذ من زكاة الهاشمي.

(2)

وفاقًا لمالك والشافعي.

(3)

كشيخ الإسلام وجزم به ابن البناء، وصاحب المنور، والمنتهى، والإقناع قال في العمدة: وآل محمد، بنو هاشم وموالهيم، وإذا أطلق الأصحاب الشيخين، فالمراد بهما الموفق والمجد، وفي العصور الأخيرة المراد بالشيخ: شيخ الإسلام أحمد ابن تيمية رحمهم الله تعالى.

ص: 329

لأَن آية الأَصناف – وغيرها من العمومات – تتناولهم (1) ومشاركتهم لبني هاشم في الخمس، ليس لمجرد قرابتهم، بدليل أَن بني نوفل وبني عبد شمس مثلهم، ولم يعطوا شيئًا من الخمس (2) وإنما شاركوهم بالنصرة مع القرابة، كما أَشار إليه عليه السلام بقوله «لم يفارقوني في جاهلية ولا إسلام» (3) والنصرة لا تقتضي حرمان الزكاة (4)(و) لا إلى (مواليهما)(5) لقوله عليه السلام «وإن مولى القوم منهم» رواه أبو داود،

(1) وخرج بنو هاشم بالنص، فبقي من عداهم على الأصل.

(2)

ولأن بني المطلب في درجة بني أمية، وهم لا تحرم عليهم الزكاة إجماعًا، فكذا هم، وقياسهم على بني هاشم لا يصح، لأنهم أقرب إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأشرف.

(3)

رواه أبو داود وغيره وفيه «وإنما نحن وهم شيء واحد» .

(4)

وتقدم أنه كرامة لهم، وعلله صلى الله عليه وسلم بكونها أوساخ الناس، فحرمت عليه صلى الله عليه وسلم، وآله بني هاشم، ومواليهم فقط، لشرفهم.

(5)

وهم الذين أعتقهم بنو هاشم، يعني وبنو المطلب، أما موالي بن هاشم. فهو المذهب، وفاقًا لأبي حنيفة، وأكثر الشافعية، والصحيح من مذهب مالك، وتحريم الصدقة على موالي بني هاشم، كتحريمها عليهم، قال الطحاوي: تواترت عنه صلى الله عليه وسلم الآثار بذلك. ولم يذكر بعض الأصحاب موالي آل بني المطلب، والأكثر ذكرهم، وأومأ أحمد في رواية إلى الجواز، وهو مذهب مالك، لأنهم ليسوا من آل محمد.

ص: 330

والنسائي، والترمذي وصححه (1) لكن على الأَصح، تجزئ إلى موالي بني المطلب كإليهم (2) ولكل أَخذ صدقة التطوع (3) ووصية أَو نذر لفقراء (4) لا كفارة (5)(ولا إلى فقيرة تحت غني منفق)(6) .

(1) من حديث أبي رافع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث رجلاً من بني مخزوم على الصدقة، فقال لأبي رافع: اصحبني، كيما تصيب منها، فقال: لا، حتى آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأسأله. فانطلق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله، فقال «إنا لا تحل لنا الصدقة، وإن مولى القوم منهم» وتجوز لموالي مواليهم، لأنهم ليسوا من القوم، ولا من مواليهم.

(2)

ولم يتعرض الموفق لمواليهم، قال القاضي: لا نعرف فيهم رواية. والمراد «بالأصح» ما اصطلحوه وتقدم.

(3)

أي ممن سبق أنه لا يجوز دفع الزكاة إليهم، من بني هاشم وغيرهم إجماعًا، لقوله «كل معروف صدقة» وقوله «إنما حرمت علينا الصدقة المفروضة» قال في المبدع: ولا خلاف في جواز اصطناع المعروف إليهم. وفي الفروع: موادهم بجواز المعروف: الاستحباب؛ ولهذا احتجوا بقوله «كل معروف صدقة» ولأنهم إنما منعوا من الزكاة، لأنها من أوساخ الناس، والتطوع ليس كذلك.

(4)

إجماعًا، لأنه لا يقع عليهما اسم الزكاة، قال في الفروع: ومعلوم أن هذا للاستحباب إجماعًا، وإنما عبروا بالجواز، لأنه أصل لم يختلف في تحريمه.

(5)

لأنها صدقة واجبة بالشرع، أشبهت الزكاة، بل أولى، لأن مشروعيتها لمحو الذنب، فهي من أشد أوساخ الناس.

(6)

وهو مذهب مالك والشافعي، كغناها بدينها عليه، وفاقًا، وكولد صغير فقير، أبوه موسر وفاقًا، بل أولى، للمعاوضة.

ص: 331

ولا إلى فقير ينفق عليه من وجبت عليه نفقته من أَقاربه، لاستغنائه بذلك (1)(ولا إلى فرعه) أَي ولده وإِن سفل، من ولد الابن (2) أَو ولد البنت (3)(و) لا إلى (أَصله) كأَبيه، وأُمه، وجده، وجدته، من قبلهما وإن علوا (4) .

(1) أي بتلك النفقة، فلم يجز دفعها إليه، قال في الإنصاف: لا يجوز دفعها إلى غني، بسبب نفقة لازمة، على الصحيح من المذهب، وأختاه الأكثر، وحكي إجماعًا، في الولد الصغير.

(2)

في حال تجب نفقتهما إجماعًا، وكذا إن لم تجب، وفاقًا لأبي حنيفة والشافعي، لاتصال منافع الملك بينهما عادة، فيكون صارفًا لنفسه، وجوزها مالك، لسقوط نفقتهم عنده، وشيخ الإسلام وغيره، مع حاجتهم وعجزه و «سفل» أي نزل، بفتح الفاء من النزول، وبضمها، اتضع قدره بعد رفعة.

(3)

نص عليه، وهو مذهب أبي حنيفة، والشافعي.

(4)

لأن ملك أحدهما في حكم ملك الآخر. وإذا كان كذلك لم يزل ملكه عنه، ومن شرط الزكاة زوال الملك، ولأن الإجماع قد انعقد على أنه لا يجوز دفع الزكاة إلى والديه، في الحال التي تجب عليه نفقتهما، وإن كانت لا تجب لم تجز على الصحيح من المذهب، وقال شيخ الإسلام: يجوز دفع الزكاة إلى الوالدين والولد، إذا كانوا فقراء، وهو عاجز عن الإنفاق عليهم، وهو أحد القولين في مذهب أحمد، ويشهد له العمومات. وقال: الأقوى جواز دفعها إليهم في هذه الحال، لأن المقتضى موجود، والمانع مفقود، فوجب العمل بالمقتضى، السالم عن المعارض المقاوم. وقال أيضًا: إن كان محتاجًا إلى النفقة، وليس لأبيه ما ينفق عليه، ففيه نزاع، والأظهر أنه يجوز له أخذ زكاة أبيه، وأما إن كان مستغنيًا بنفقة أبيه، فلا حاجة به إلى زكاته.

وقال: إذا كانت الأم فقيرة، ولها أولاد صغار، ولهم مال، ونفقتها تضر بهم، أعطيت من زكاتهم، وإذا كان على الولد دَيْنٌ لا وفاء له، جاز أن يأخذ النفقة من زكاة أبيه، في أظهر القولين، في مذهب أحمد وغيره.

وفي الصحيح – في الرجل الذي وضع صدقته عند رجل، فجاء ولد المتصدق فأخذها ممن هي عنده – فقال النبي صلى الله عليه وسلم للمتصدق «لك ما نويت» وقال للآخذ «لك ما أخذت» .

قال ابن رجب: إنما يمنع من دفع زكاته إلى ولده، خشية أن تكون محاباة، وإذا وصلت إليه من حيث لا يشعر، كانت المحاباة منتفية، وهو من أهل الاستحقاق.

ص: 332

إلا أن يكونوا عمالاً، أو مؤلفين، أو غزاة، أو غارمين لذات بين (1) ولا يجزئ أيضًا إلى سائر من تلزمه نفقته (2) ما لم يكن عاملاً، أو غازيًا، أو مؤلفًا أو مكاتبًا، أو ابن

(1) لأنهم إذا كانوا عمالاً، إنما يعطون أجرة عملهم، أو مؤلفين فللتأليف، أشبه ما لو كانوا أجانب.

(2)

من أقاربه، أو مواليه، ممن يرثه بفرض أو تعصيب، كأخت، وعم، وعتيق، حيث لا حاجب، لغناه بوجوب النفقة، ولأن نفعها يعود إلى الدافع، وفي المبدع: ظاهر المذهب – وقدمه في الفروع – أنه يجوز دفعها إلى غر عمودي نسبه، ممن يرثه بفرض أو تعصيب، لقوله «والصدقة على ذي الرحم صدقة وصلة» فلم يفرق بين الوارث وغيره، وذكر الرواية الثانية، وأنها الأشهر.

ثم قال: وظاهره: أن من لا تلزمه نفقته – ولو ورثه – يجزئ الدفع إليه، قال في الإنصاف، وهو المذهب، نقله الجماعة، وكذا إذا لم يفضل عنه ما ينفقه عليهم، فأما ذووا الأرحام فالأصح أنه يدفع إليهم، لضعف قرابتهم.

ص: 333

سبيل، أو غارمًا لإصلاح ذات بين (1) ويجزئُ إلى من تبرع بنفقته، بضمه إلى عياله (2) أو تعذرت نفقته من زوج، أو قريب، بنحو غيبة أو امتناع (3)(ولا) تجزئُ (إلى عبد) كامل رق (4) غير عامل أو مكاتب (5)(و) لا إلى (زوج) فلا يجزئها دفع زكاتها إليه، ولا بالعكس (6) .

(1) فتجزئ، لا تختلف الرواية في ذلك، لأنه يعطى لغير النفقة الواجبة، وتقدم أن عمودي النسب يعطون لذلك، فهؤلاء أولى.

(2)

كيتيم غير وارث، اختاره الأكثر، منهم الموفق، والشارح، والشيخ وغيرهم، وفاقًا لأبي حنيفة والشافعي، لوجود المقتضي، ولدخوله في العمومات، ولا نص ولا إجماع يخرجه، وفي الصحيح أن امرأة عبد الله سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن بني أخ لها، أيتام في حجرها، أفتعطيهم زكاتها؟ قال «نعم» ولهذا لو دفع إليه شيئًا في غير مؤنته التي عوده إياها، جاز وفاقًا.

(3)

كمن غصب له مال وفاقًا، وكذا من تعطلت منافع عقاره، جاز له الأخذ، لوجود المقتضي مع عدم المانع.

(4)

من قن ومدبَّرٍ، ومعلق عتقه بصفة، وقال أبو محمد: لا أعلم فيه خلافًا، لأن نفقته واجبة على سيده، فهو غني بغناه. وظاهره: ولو كان سيده فقيرًا، وذكره في الإنصاف الصحيح من المذهب، ومفهومه أن من بعضه حر يأخذ بقدر حريته، بنسبته من كفايته.

(5)

لأن المكاتب في الرقاب، والعامل يأخذ أجرة عمله.

(6)

أي ولا يجزئ دفع زكاته إليها، حكاه ابن المنذر وغيره إجماعًا، لأنها مستغنية بنفقتها عليه، كما لو دفعها إليها على سبيل الإنفاق عليها، وحكاه

الأصحاب قولاً واحدًا فيهما، لأن كل واحد منهما يتبسط في مال الآخر، وعنه: يجوز؛ اختاره القاضي، وأصحابه، وأبو محمد، وهو مذهب الشافعي، لدخولها في عموم {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} ولحديث زينب امرأة عبد الله بن مسعود، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «تصدقن يا معشر النساء، ولو من حليكن» قالت: فرجعت إلى عبد الله، فقلت: إنك رجل خفيف ذات اليد، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا بالصدقة، فأته فاسأله: إن كان ذلك يجزئ عني، وإلا صرفتها إلى غيركم. قالت: فقال عبد الله: بل ائتيه أنت. قالت: فانطلقت، فإذا امرأة من الأنصار، حاجتها حاجتي، قالت: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ألقيت عليه المهابة؛ قالت: فخرج علينا بلال، فقلنا: ائت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبره أن امرأتين بالباب، يسألانك أتجزئ الصدقة عنهما، على أزواجهما، وعلى أيتام في حجورهما، ولا تخبر من نحن. قالت: فدخل بلال، فسأله فقال له «من هما؟» قال: امرأة من الأنصار، وزينب. قال «أي الزينبات؟» قال: امرأة عبد الله. فقال «لها أجران، أجر القرابة، وأجر الصدقة» متفق عليه، وقال مالك: إن كان يصرفه في غير نفقتها، لأولاد فقراء عنده من غيرها، أو نحو ذلك جاز.

ص: 334

وتجزئ إلى ذوي أرحامه، من غير عمودي النسب (1) .

(1) ممن لا يرثه بفرض، أو تعصيب، بنسب أو ولاء، كأخ، وابن عم، لأن الوارث منهما تلزمه مؤنته، فلا يدفع زكاته إليه، وغير الوارث يجوز بلا نزاع، قال ابن عباس: إذا كان ذو قرابة لا يعولهم، يعطيهم من زكاة ماله، وإلا فلا يعطهم. اهـ. ومن سواهم يجوز إعطاؤه، كعمته وبنت أخيه، ولو ورثه، لضعف قرابتهم، وعنه: يجوز ولو لعمودي نسبه، لعموم قوله «الصدقة على المسكين صدقة، وهي لذي الرحم ثنتان صدقة وصلة» رواه أحمد، والترمذي وغيرهما، والصدقة والرحم عامان، ولأحمد وغيره عن أبي أيوب «أفضل الصدقة على ذي الرحم الكاشح» .

ص: 335

(إن أعطاها لمن ظنه غير أهل) لأخذها (فبان أهلاً) لم تجزئه، لعدم جزمه بنية الزكاة، حال دفعها لمن ظنه غير أهل لها (1)(أو بالعكس) بأن دفعها لغير أهلها، ظانًا أنه أهلها (لم تجزئه)(2) لأنه لا يخفى حاله غالبًا (3) وكدين الآدمي (4)(إلا) إذا دفعها (لغني ظنه فقيرًا) فتجزئه (5) .

(1) كما لو هجم وصلى، فبان في الوقت، وفي الفروع: ويتوجه تخريج من الصلاة، إذا أصاب القبلة، ولأن العبرة المواساة وقد حصلت.

(2)

بأن دفعها لهاشمي، أو عبده، أو وارثه، أو كافر، وهو لا يعلم، لم تجزئه، وتقدم، وأما الكافر فحكى ابن المنذر وغيره: أنها لا تجزئ الكافر إجماعًا، وفي الصحيحين «أخبرهم أن الله افترض عليهم صدقةـ تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم» والكافر ليس منهم، لأنها مواساة تجب للمسلم على المسلم، فلم تجب للكافر كالنفقة، ويستثنى منه ما إذا كان مؤلفًا، أو عاملاً، على رواية، زاد في المستوعب: أو غارمًا لذات البين، أو غازيًا، وذلك بخلاف صدقة التطوع، لقصة أسماء.

(3)

ولا يعذر بالجهالة، قال الشارح: رواية واحدة، ولأنه ليس بمستحق لها، ولأنه لا يبرأ بالدفع إلى من ليس من أهلها، فاحتاج إلى العلم به، لتحصل البراءة، والظن يقوم مقام العلم، لتعذره، أو عسر الوصول إليه.

(4)

إذا دفع مدِينُه دَيْنَه الذي عليه، إلى غير ربه، ظانًا أنه ربه، فبان أنه غيره، ضمن، لاشتراط تمليك المعطى.

(5)

وهو مذهب أبي حنيفة، وأحد القولين عن الشافعي، واختاره أكثر الأصحاب، وجزم به في الوجيز، للمشقة، ولخفاء ذلك عادة.

ص: 336

لأن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى الرجلين الجلدين، وقال «إن شئتما أعطيتكما منها، ولاحظ فيها لغني، ولا لقوي مكتسب» (1)(وصدقة التطوع مستحبة)(2) .

(1) رواه أحمد، وأبو داود، والنسائي وغيرهم، من حديث عبيد الله بن عدي بن الخيار أن رجلين أخبراه أنهما أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألانه من الصدقة، فقلب فيهما البصر، ورآهما جلدين، الحديث، وللنسائي، في الذي وضعها في يد غني قال «قد تقبلت» وتقدم حديث الذي أخذ ولده صدقته، فقال صلى الله عليه وسلم «لك ما نويت، وله ما أخذ» قال ابن رجب وغيره: ولهذا لو دفع صدقته إلى من يظنه فقيرًا، وكان غنيًا في نفس الأمر، أجزأته على الصحيح، لأنه إنما دفع إلى من يعتقد استحقاقه، والفقر أمر خفي، لا يكاد يطلع على حقيقته، وعنه: لا تجزئه، اختاره الآجري، والمجد وغيرهما، وفاقًا لمالك والشافعي، كما لو بان عبده ونحوه. وكحق الآدمي، ولبقاء ملكه، لتحريم الأخذ، ويرجع على الغني، بها أو بقيمتها ذكره القاضي وغيره رواية واحدة، لأن الله حصرها في الفقراء، وللترمذي وأبي داود، عن عمر مرفوعًا «لا تحل الصدقة لغني ولا للذي مرة سوي» ، وفي رواية له «ولا لذي مرة قوي» وللنسائي عن أبي هريرة قال «لاحظ فيها لغني، ولا لقوي مكتسب» وتقدم: «لا تحل لغني إلا لخمسة عامل، أو غاز، أو غارم، أو مشتريها بماله، أو مهداة إليه» قال الباجي: فإن دفعها لغني غير هؤلاء، عالمًا بغناه، لم تجزئه بلا خلاف، وقال أحمد: الغني المانع من أخذ الزكاة، أن يكون له كفاية على الدوم، بتجارة، أو صناعة، أو أجرة عقار وغيره، وإلا فلا، وإن ملك نصبًا.

(2)

إجماعًا، بل سنة كل وقت، لإطلاق الحث عليها في الكتاب والسنة، وقال غير واحد: هي أفضل من الجهاد، لا سيما إذا كان زمن مجاعة، على

المحاويج، خصوصًا صاحب العائلة، خصوصًا القرابة، ومن الحج، لأنه متعد، والحج قاصر، وهو ظاهر كلام المجد وغيره، وصوبه في تصحيح الفروع وغيره، وأفضل من العتق، لقوله لميمونة «لو أعطيتها أخوالكِ، كان أعظم لأجركِ» متفق عليه.

ص: 337

حث الله عليها في كتابه العزيز، في آيات كثيرة (1) وقال عليه السلام «إن الصدقة لتطفئ غضب الرب، وتدفع ميتة السوء» رواه الترمذي وحسنه (2) .

(1) ورغب فيها، فقال تعالى {وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى} الآية، وعده من البر وقال {وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} وغير ذلك من الآيات في الحث على الصدقة. وقال {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً} .

(2)

وفي الصحيحين «سبعة يظلهم الله في ظله، يوم لا ظل إلا ظله» وذكر منهم «رجلاً تصدق بصدقة فأخفاها، حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه» ولابن حبان وغيره «كل امرئ في ظل صدقته، حتى يقضي بين الناس» وفي الصحيحين «من تصدق بعدل تمرة، من كسب طيب – ولا يصعد إليه إلا الطيب – فإن الله يقبلها بيمينه، ثم يربيها لصاحبها، حتى تكون مثل الجبل» وغير ذلك مما هو معلوم، وسرًا أفضل، لقوله {وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} لأنه أبعد عن الرياء، إلا أن يترتب مصلحة راجحة، من اقتداء الناس به، والكل مقبول إذا كانت النية صادقة، وبطيب نفس أفضل منها بدونه، لخبر «طيبة بها نفسه» وفي الصحة أفضل منها في غيرها، لقوله:«وأنت صحيح شحيح تأمل الغنى وتخشى الفقر» .

ص: 338

(و) هي (في رمضان) وكان زمان ومكان فاضل، كالعشر، والحرمين أَفضل (1) لقول ابن عباس: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أَجود الناس، وكان أَجود ما يكون في رمضان، حين يلقاه جبرئيل. الحديث، متفق عليه (2)(و) في (أوقات الحاجات أفضل)(3) وكذا على ذي رحم (4) لا سيما مع عداوة، وجار (5) .

(1) لأجل مضاعفة الحسنات، وهذا مما لا نزاع فيه، ويأتي «ما من أيام العمل فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر» وفضل الحرمين الشريفين مشهور، ويأتي.

(2)

أي: كان صلى الله عليه وسلم أجود الناس في خصال الخير، وأكثرهم جودًا، وكان أجود ما يكون في رمضان، فإن الحسنة فيه بسبعين حسنة فيما سواه، وللترمذي عن أنس مرفوعًا: أي الصدقة أفضل؟ أي أعظم أجرًا، قال «صدقة في رمضان» وفيه إعانة على أداء الصوم المفروض، ومن فطر صائمًا كان له مثل أجره، وكذا الصدقة.

(3)

لقوله تعالى {أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ} ولأبي سعيد مرفوعًا «من أطعم مؤمنًا جائعًا، أطعمه الله من ثمار الجنة، ومن سقى مؤمنًا على ظمأ، سقاه الله من الرحيق المختوم يوم القيامة» .

(4)

قرابة، وهم عشيرتك الأدنون، ويشمل الأصول، والفروع، والحواشي، والصدقة عليهم أفضل، إجماعًا.

(5)

لقوله «أن تصل من قطعك، وتعطي من منعك، وتعفو عمن ظلمك» ولقوله «أفضل الصدقة على ذي الرحم الكاشح» أي العدو، المظهر للعداوة.

ص: 339

لقوله تعالى {يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ * أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ} (1) ولقوله عليه السلام «الصدقة على المسكين صدقة، وعلى ذي الرحم اثنتان، صدقة وصلة» (2)(وتسن) الصدقة (بالفاضل عن كفايته و) كفاية (من يمونه)(3) لقوله عليه السلام «اليد العليا، خير من اليد السفلى، وابدأْ بمن تعول،

(1) أي أطعم يتيمًا ذا قرابة بينه وبينه، أو فقيرًا مدقعًا، لقد لصق بالتراب، {ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ} أي برحمة الناس، والشفقة عليهم، ولقوله تعالى {وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى} وقوله {وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} وغير ذلك.

(2)

رواه الخمسة وغيرهم، والصدقة هي ما دفع لمحض التقرب إلى الله، فرضًا كانت أو تطوعًا، وهي واحدة على المساكين، وعلى ذي القرابة ثنتان، صدقة، وصلة، إحسان، وعطف، ورفق، وفي الصحيحين «أجران، أجر القرابة، وأجر الصدقة» ولأنه أولى الناس بالمعروف، ويسن أن يفرقها فيهم، على قدر حاجتهم، ويبدأ بالأحوج فالأحوج، وإن كان الأجنبي أحوج، فلا يعطي القريب، ويمنع البعيد، بل يعطي الجميع، والجار أولى من غيره، والعالم، وذو العيلة كما تقدم.

(3)

بسبب متجر، أو غلة ملك، أو وقف، أو صنعة، أو عطاء من بيت المال، ونحو ذلك، قال تعالى {وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ} ، يعني الفضل عن حاجته، وحاجة عياله، وذلك أن لا يجهد مالك، ثم تقعد تسأل الناس، وفي الخبر «ابن آدم، إنك إن تبذل الفضل خير لك، وإن تمسك شر لك، ولا تلام على كفاف» .

ص: 340

وخير الصدقة عن ظهر غنى» متفق عليه (1)(ويأْثم) من تصدق (بما ينقصها) أي ينقص مؤنة تلزمه (2) وكذا لو أَضر بنفسه، أَو غريمه، أَو كفيله (3) لقوله عليه السلام «كفى بالمرء إثمًا أن يضيع من يقوت» (4) .

(1) من حديث حكيم بن حزام، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له «اليد العليا» وهي المعطية «خير من اليد السفلى» وهي السائلة «وابدأ» أيها المتصدق «بمن تعول» أي تمون، ممن تلزمك نفقته، فقدمه على التصدق على غيرهم، تقديمًا للواجب، على المندوب، فيبدأ بنفسه، وعياله، لأنهم الأهم، «وخير الصدقة، ما كان عن ظهر غنى» أي عفوًا، فقد فضل عن غنى، أو فضل عن العيال، والظهر قد يزاد في مثل هذا، إشباعًا للكلام، وتمكينًا، كأن صدقته مستندة إلى ظهر قوي من المال، فأفضل الصدقة ما بقي صاحبها بعد إخراجها مستغنيًا، بقي له ما يستظهر به على حوائجه، ومصالحه.

(2)

لتركه الواجب، ولأبي داود عن جابر مرفوعًا «يأتي أحدكم بما يملك، فيقول: هذه صدقة! ثم يقعد يتكفف الناس، خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى» .

(3)

في مال أو بدن، فالاختيار للمرء أن يبقي لنفسه قوتًا، فلا يضر بها، ويترك واجبًا لمندوب، مع اليسار، فكيف مع ترك حق واجب لنفسه، أو غريمه، أو كفيله، وإذا لم يضر فالأصل الاستحباب.

(4)

رواه أبو داود وغيره، وله عن أبي هريرة قال: أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالصدقة، فقال رجل: يا رسول الله عند دينار. فقال «تصدق به على نفسك» فقال: عندي آخر. قال «تصدق به على ولدك» قال: عندي آخر. قال «تصدق به على زوجتك» قال: عندي آخر. قال «تصدق به على خادمك» قال: عندي آخر. قال «أنت أبصر» ولمسلم «أفضل دينار ينفقه الرجل، دينار ينفقه على عياله» وقال أبو قلابة: وأي رجل أعظم أجرًا، من رجل ينفق على عيال صغار، يعفهم، أو ينفعه الله بهم، ويغنيهم؟

ص: 341