الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإن قصد بلدًا، واحتاج قبل وصوله إليها، أُعطي ما يصل به إلى البلد الذي قصده، وما يرجع به إلى بلده (1) وإن فضل مع ابن سبيل، أَو غاز، أَو غارم، أَو مكاتب شيءٌ رده (2) وغيرهم يتصرف بما شاء، لملكه له مستقرًا (3)(ومن كان ذا عيال، أَخذ ما يكفيهم)(4) .
(1) وإن كان فقيرًا في بلده، أعطي لفقره ما يكفيه سنة، ولكونه ابن سبيل ما يوصله، ولا خلاف في استحقاق ابن السبيل، وبقاء سهمه، ويدخل في ابن السبيل الضيف، قاله ابن عباس وغيره، والسائلون يعطون منها، وذكر غير واحد أنها جعلت لسد خلة المساكين، ومعونة الإسلام، وتقويته، فيلحق به من كان في مصلحة عامة للمسلمين، مدة قيامه بها.
(2)
لأنهم لا يملكون ذلك من كل وجه، بل ملكًا مراعى، ولزوال السبب، فيجوز رد الفاضل، بزوال الحاجة، بخلاف الأصناف الأربعة، المذكورين أول الآية.
(3)
فلا يردون شيئًا، لأن اللام في ذلك للملك، فثبت لهم ملكًا مستقرًا، ف
أهل الزكاة قسمان
، قسم يأخذ بسبب يستقر الأخذ به، بلا نزاع في الجملة، وهو الفقر، والمسكنة، والعمالة، والتأليف، وقسم يأخذ بسبب لا يستقر الأخذ به، وهو الكتابة، والغرم، والغزو، والسبيل، فالقسم الأول، من أخذ شيئًا، صرفه فيما شاء، كسائر ماله؛ والثاني إذا أخذ شيئًا منها، صرفه فيما أخذه له فقط، لعدم ثبوت ملكه عليه، من كل وجه، فإنما ملكه مراعى، فإن صرفه في الجهة التي استحق الأخذ بها، وإلا استرجع منه، فالتعبير في الآية باللام للملك، وفي القسم الثاني ينادي على المراعاة في ذلك بـ «في» وهي للظرفية.
(4)
أي ومن كان من الفقراء والمساكين ذا عيال، أخذ ما يكفي عياله، لأن الدفع للحاجة، فيتقدر بقدرها.
لأَن كل واحد من عائلته مقصود دفع حاجته (1) ويصدق من ادعى عيالاً، أَو فقرًا، ولم يعرف بغنى (2) .
(1) فيعتبر له ما يعتبر للمنفرد.
(2)
لأن الظاهر صدقه، ولا يكلف يمينًا، ولا إقامة بينة، لأن ذلك لا يعلم إلا منه، ومن جهل حاله، وقال: لا كسب لي؛ ولو كان جلدًا، يخبره أنها لا تحل لغني، ولا لقوي مكتسب، وهو مذهب أبي حنيفة، ومالك، ويعطيه بلا يمين وفاقًا، للخبر الصحيح، قال في الفروع: وإخباره بذلك يتوجه وجوبه، ولا يعطى أحد منهم مع غنى، لحديث قبيصة «لا تحل إلا لأحد ثلاثة» وتقدم، وحديث أبي سعيد «إلا لخمسة، العامل عليها، ومشتريها، والغارم، والغازي، ومسكين أهدى منها لغني» ، وفي رواية «وابن سبيل منقطع به» ، وإن كان غنيًا في بلده، وهذا مجمع عليه، ولقوله «لا تحل الصدقة لغني ولا لذي مرة سوي» .
رواه أبو داود والترمذي، وهو مفهوم الآية، ولو ادعى الفقر من عرف بغنى، لم يقبل إلا ببينة، وعن أحمد: يعتبر ثلاثة، للخبر. وفي الإنصاف: من ادعى أنه مكاتب، أو غارم، أو ابن سبيل، لم يقبل إلا ببينة بلا نزاع، وإن ادعى أنه غارم لذات البين، أغنى عن إقامة البينة.
ويستحب التعفف، لما في الحديث «ومن يستعفف يعفه الله، ومن يستغن يغنه الله» ، «لأن يأخذ أحدكم حبله، فيحتطب، خير له من أن يسأل الناس، أعطوه أو منعوه» ولا يأخذ الغني صدقة، ولا يتعرض لها، فإن أخذها مظهرًا للفاقة حرم، وفي الصحيحين «ومن يأخذ مالاً بحقه يبارك له فيه، ومن يأخذ مالاً بغير حقه، فمثله مثل الذي يأكل ولا يشبع» وقال «إن هذا المال حلوة خضرة» شبهه – بالرغبة فيه، والميل إليه، وحرص النفوس عليه – بالفاكهة الخضراء المستلذة، فإن الأخضر والحلو مرغوب فيهما «فمن أخذه بغير شره ولا إلحاح» أي بغير سؤال «بورك
له فيه، ومن أخذه بإشراف نفس، لم يبارك له فيه، وكان كالذي يأكل ولا يشبع» ويقبح السؤال مع الحاجة.
ومن له قدرة على الكسب، فصحح بعضهم أنه حرام، للأخبار، وكرهه بعضهم بشروط، إن لم يذل نفسه، ولا يلح في السؤال، ولا يؤذي المسئول، فإن فقد أحدها حرم اتفاقًا، ومن أبيح له أخذ شيء من زكاة، وصدقة، ونحوهما أبيح له سؤاله، لظاهر «للسائل حق، وإن جاء على فرس» وهذا مذهب مالك والشافعي، ولأنه يطلب حقه، ويحرم سؤال ما لا يباح أخذه، قال ابن حزم وغيره: اتفقوا على أن المسألة حرام على كل قوي على التكسب، أو غني، إلا من تحمل حمالة، أو من السلطان، أو ما لا بد له منه. اهـ. ولا بأس بمسألة شرب الماء ونحوه، والاستعارة، والاستقراض، وسؤال الشيء اليسر، صرح به أحمد وغيره، ومن أعطي من غير مسألة، ولا استشراف نفس، مما يجوز له أخذه، استحب له أخذه، فإن استشرف، بأن حدث نفسه: سيبعث إلى فلان؛ سيعطيني فلان. فلا بأس بالرد، واختار أحمد وغير واحد الرد، وقال النووي: الذي عليه الجمهور: يستحب القبول، في غير عطية السلطان، وصحح: إن غلب الحرام حرمت، وإلا أبيحت، إن لم يكن في القابض مانع.
(ويجوز صرفها) أي الزكاة (إلى صنف واحد)(1) لقوله تعالى {وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} (2) ولحديث معاذ، حين بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن، فقال:
(1) وهو مذهب مالك وأبي حنيفة، وقول عمر، وحذيفة، وابن عباس وغيرهم، ويأتي ذكر جواز صرفها إلى شخص واحد، فالصنف أولى.
(2)
فلم يذكر تعالى في هذه الآية إلا الفقراء.
«أَعلمهم أَن الله قد افترض عليهم صدقة، تؤخذ من أَغنيائهم، فترد على فقرائهم» متفق عليه (1) فلم يذكر في الآية والخبر إلا صنفًا واحدًا (2) ويجزئ الاقتصار على إنسان واحد (3) ولو غريمه أَو مكاتبه (4) .
(1) أي فقراء المسلمين بالإجماع.
(2)
فدل على جواز صرفها إليه، ولما في استيعاب الثمانية من العسر، ويستحب صرفها في الأصناف الثمانية، حيث وجب الإخراج، خروجًا من الخلاف، وتحصيلاً للإجزاء يقينًا، ولا يجب الاستيعاب، وهو مذهب مالك وأبي حنيفة، كما لو فرقها الساعي إجماعًا، فإن قيل: الآية قاضية باختصاصهم بها، ووجوب الصرف إلى كل صنف منهم. قيل: ليست قاضية بذلك. وتقدم قول علماء الإسلام أن المراد أنها لا تخرج عنهم، لا لإيجاب قسمتها بينهم، وهو مدلول الكتاب والسنة، وفعل الرسول صلى الله عليه وسلم، وخلفائه، والسلف بعدهم، قال الشيخ: ويجب تحري العدل بحسب الإمكان.
(3)
اختاره في المحرر والإنصاف، وقال في المبدع: هو قول جماهير العلماء، ونص عليه، واختاره الأصحاب، لقوله {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ} الآية ولحديث معاذ وغيره.
(4)
أي ويجوز الدفع إلى إنسان، ولو كان ذلك الإنسان غريمه، أو مكاتبه، أما الغريم فلكونه داخلاً في جملة الغارمين، ليقضي بها دينه، سواء دفعها إليه ابتداء، أو استوفى حقه منها، ثم دفعها إليه، وأما المكاتب فلكونه معه كالأجنبي في جريان الربا بينهما، ولأن الدفع تمليك، وهو من أهله، فإذا ردها إلى سيده بحكم الوفاء جاز، كوفاء الغريم.