الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لأنه عليه السلام أَهل دبر الصلاة، رواه النسائي (1)(ونيته شرط)(2) فلا يصير محرمًا بمجرد التجرد، أو التلبية، من غير نية الدخول في النسك (3) لحديث «إنما الأعمال بالنيات» (4) .
(1) وعن أنس: صلى الظهر ثم ركب راحلته، وعن ابن عباس: صلى في مسجده بذي الحليفة ركعتين. وقال الشيخ: إذا كان وقتها، وإلا ف
ليس للإحرام صلاة تخصه
.
وقال ابن القيم: ولم ينقل عنه صلى الله عليه وسلم أنه صلى للإحرام ركعتين غير فرض الظهر. اهـ. وإن لم يتفق له بعد فريضة، وأراد أن يصلي، فلا يركعهما وقت نهي، للنهي عنه، وليستا من ذوات الأسباب.
(2)
كالنية في الوضوء وغيره، فإن قيل: تقدم أن الإحرام نية النسك، فكيف يقال: النية شرط في النية؟ قيل: لما كان التجرد هيئة تجامع نية النسك، ربما أطلق عليها، فاحتيج إلى التنبيه على أن تلك الهيئة ليست كافية بنفسها، بل لا بد معها من النية، فينوي بها نسكًا، كما تقدم.
(3)
بل لا بد من النية، ونية النسك كافية نص عليه، وهو مذهب مالك، والشافعي، وعنه: لا بد من النية مع التلبية، كما تواتر عنه صلى الله عليه وسلم وأصحابه، أو سوق الهدي، وفاقًا لأبي حنيفة وغيره، واختاره الشيخ وغيره، وتقدم، وحكي وجوبه عن الشافعي، وحكي اشتراطه مع التلبية عن مالك وغيره، «والتجرد» يعني من المخيط «والتلبية» يعني بالحج أو العمرة.
(4)
أي: إنما العمل بحسب ما نواه العامل. وتقدم، والاعتبار بما نواه، لا بما سبق لسانه إليه وفاقًا، وقال ابن المنذر: أجمع عليه كل من يحفظ عنه من أهل العلم.
(ويستحب قول: اللهم إني أُريد نسك كذا) أَي أَن يعين ما يحرم به، ويلفظ به (1) وأَن يقول (فيسره لي) وتقبله مني (2) .
(1) أي يعين ما يحرم به من عمرة وحج، أو عمرة، أو حج، ويلفظ بالنية بما أراد من حج، أو عمرة، أو تمتع بعمرة إلى الحج، أو قرن بين الحج والعمرة، فيقول: لبيك حجًا؛ أو عمرة؛ أو: أوجبت حجًا، أو عمرة. ومهما قال أجزأ بالاتفاق، ولا يجب شيء من هذه العبارات ونحوها بالاتفاق.
قال شيخ الإسلام: تنازع العلماء: هل يستحب أن يتكلم بذلك؟ كما تنازعوا: هل يستحب التلفظ بشيء من ذلك؟ فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يشرع شيئًا من ذلك، ولا كان يتكلم بشيء من ذلك، ولا كان يتكلم بشيء من ألفاظ النية، لا هو، ولا أصحابه، وذكر قصة ضباعة، وكان يقول في تلبيته «لبيك عمرة وحجًا» وكان يقول للواحد من أصحابه «بم أهللت؟» وقال «مهل أهل كذا من كذا» والإهلال هو التلبية، وقال: بل متى لبى، قاصدًا للإحرام، انعقد إحرامه، باتفاق المسلمين، ولا يجب عليه أن يتكلم قبل التلبية بشيء.
وقال: ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يأمر أحدًا بعبارة بعينها، وإنما يقال: أهل بالحج؛ أهل بالعمرة، أو يقال: لبى بالحج؛ لبى بالعمرة، وهذا تأويل قوله تعالى {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ} الآية فقوله: إني أريد. لا ينبغي، لأنه يكون كذبًا، إن لم يكن أراد، ويقع إخبارًا عن المحقق أنه أراده من غير حاجة، وإن نوى بعد النية، فقد أخبر الله بما في ضميره، مع أنه عالم به، فيكون مستفهمًا.
(2)
أي يسر لي هذا النسك، لأني محتاج في أداء أركانه، وواجباته، ومستحباته إلى تحمل المشقة، وتقبله مني، كما قال الخليل {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} فيطلب التيسير، لأن سؤال التيسير يكون في العسير، لا في اليسير، وسؤال القبول في العمل الذي هو الطريق إلى الوصول.
وأَن يشترط فيقول (وإن حبسني حابس، فمحلي حيث حبستني)(1) لقوله صلى الله عليه وسلم لضباعة بنت الزبير حين قالت له: إني أُريد الحج، وأَجدني وجعة. فقال «حجي واشترطي، وقولي: اللهم محلي حيث حبستني» متفق عليه (2) زاد النسائي في رواية إسنادها جيد «فإن لكِ على ربك ما استثنيت» (3) .
(1) أي يستحب أن يشترط إن كان خائفًا خاصة، قاله شيخ الإسلام وغيره، وهو ظاهر نص حديث ضباعة، وإن لم يكن خائفًا لا يشترط، جمعًا بين الأدلة. قال الشيخ: ولم يأمرها صلى الله عليه وسلم أن تقول قبل التلبية شيئًا، لا اشتراطًا ولا غيره، ولا أمر بذلك كل من حج، وإنما أمرها أن تشترط على ربها، لما كانت شاكية، فخاف أن يصدها المرض عن البيت، وإن اشترط على ربه خوفًا من العارض فقال: إن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني. كان حسنًا. اهـ. ونقل أبو داود: إن اشترط فلا بأس، وعند مالك وأبي حنيفة لا فائدة للاشتراط، لأن ابن عمر كان ينكر الاشتراط في الحج، ويقول: أليس حسبكم سنة نبيكم صلى الله عليه وسلم، إنه لم يشترط. رواه النسائي، وصححه الترمذي، «ومحل» بكسر الحاء المهملة، أي الموضع الذي اتحلل فيه، وفي المطلع: بفتح الحاء وكسرها، فالفتح مقيس، والكسر سماع.
(2)
وفي السنن قال «قولي: لبيك اللهم لبيك، ومحلي من الأرض حيث تحبسني» وصححه الترمذي وغيره، قال الشيخ: المقصود بهذا اللفظ أنه أمرها بالاشتراط في التلبية.
(3)
أي تحللين بدون هدي ونحوه.
فمتى حبس بمرض، أَو عدو، أَو ضل عن الطريق، حل ولا شيء عليه (1) . ولو شرط: أَن يحل متى شاء (2) أو إن أفسده لم يقضه؛ لم يصح الشرط (3) ولا يبطل الإحرام بجنون، أو إغماء، أَو سكر كموت (4) ولا ينعقد مع وجود أحدها (5) والأنساك: تمتع، وإفراد، وقران (6)(وأَفضل الأنساك التمتع) فالإفراد، فالقران (7) .
(1) إذا قال ذلك، إلا أن يكون معه هدي، فيلزمه نحره، فاستفاد باشتراطه شيئين «أحدهما» أنه إذا عاقه عائق فله التحلل «والثاني» متى حل فلا دم عليه، ولا صوم، وإن نوى الاشتراط، ولم يتلفظ به لم يفد، لقوله «قولي محلي» والقول لا يكون إلا باللسان.
(2)
لم يصح الشرط، لوجوب الإتمام.
(3)
لأنه لا عذر له في ذلك.
(4)
لخبر المحرم الذي وقصته راحلته.
(5)
أي الجنون، وما عطف عليه.
(6)
وهو مخير بينها، ذكره جماعة إجماعًا، لحديث عائشة «من أراد منكم أن يهل بحج فليفعل، ومن أراد أن يهل بحج وعمرة، فليفعل، ومن أراد أن يهل بعمرة فليفعل» قالت: وأهل بالحج، وأهل به ناس معه، وأهل ناس بالعمرة والحج، وأهل ناس بالعمرة. متفق عليه.
(7)
فأما التمتع فهو أفضل، لأن الله نص عليه في كتابه العزيز، وقال عمران: نزلت آية التمتع في كتاب الله، وأمرنا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم لم تنزل آية تنسخها، ولم ينه عنها، حتى مات، أخرجاه، وأحاديث التمتع متواترة، رواها عنه صلى الله عليه وسلم أكابر الصحابة، وهو قول عمر، وابن عباس، وجمع، وهو المذهب، ومذهب الشافعي.
وقال الترمذي: أهل الحديث يختارون التمتع بالعمرة في الحج وهو قول الشافعي، وأحمد، وإسحاق ولإتيانه بأفعالهما كاملة، على وجه اليسر والسهولة، والتمتع مأخوذ من المتاع أو المتعة، وهو الانتفاع والنفع، وأما القران فهو أفضل لمن ساق الهدي، اختاره الشيخ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم حج قارنًا، وقال:«من كان معه هدي فليهل بالحج مع العمرة، ثم لا يحل حتى يحل منهما جميعًا» .
وقال ابن القيم: محال أن يكون حج أفضل من حج خير القرون، وأفضل العالمين مع نبيهم، وقد أمرهم أن يجعلوها عمرة، إلا من ساق الهدي، فمن المحال أن يكون غيره أفضل منه إلا حج من قرن، وساق الهدي، كما اختاره الله لنبيه، فأي حج أفضل من هذين، وقد ذهب طائفة من السلف والخلف إلى إيجاب القران على من ساق الهدي، والتمتع على من لم يسقه، منهم ابن عباس، لفعله، وأمره صلى الله عليه وسلم، وأما الإفراد فلأن فيه إكمال النسكين، وهو أفضلها عند مالك، والشافعي، فهو أفضل بهذا الاعتبار.
قال الشيخ: والتحقيق أنه يتنوع باختلاف حال الحاج، فإن كان يسافر سفرة للعمرة، وللحج سفرة أخرى، أو يسافر إلى مكة قبل أشهر الحج، ويعتمر، ويقيم بها، فهذا: الإفراد له أفضل، باتفاق الأئمة، وأما إذا فعل ما يفعله غالب الناس، وهو أن يجمع بين العمرة والحج، في سفرة واحدة، ويقدم مكة في أشهر الحج، فهذا إن ساق الهدي فالقران أفضل له، وإن لم يسق الهدي فالتحلل من إحرامه بعمرة أفضل.
فإنه قد ثبت بالنقول المستفيضة، التي لم يختلف في صحتها أهل العلم بالحديث، أن النبي صلى الله عليه وسلم لما حج حجة الوداع هو وأصحابه، أمرهم جميعهم أن
يحلوا من إحرامهم، ويجعلوها عمرة، إلا من ساق الهدي، فإنه أمره أن يبقى على إحرامه حتى يبلغ الهدي محله يوم النحر، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد ساق الهدي، هو وطائفة من أصحابه، وقرن هو بين الحج والعمرة.
ولم يعتمر بعد الحج أحد ممن كان مع النبي صلى الله عليه وسلم إلا عائشة وحدها، لأنها كانت قد حاضت، فلم يمكنها الطواف، فأمرها أن تهل بالحج، وتدع أفعال العمرة، لأنها كانت متمتعة، ثم إنها طلبت من النبي صلى الله عليه وسلم أن يعمرها، فأرسلها مع أخيها عبد الرحمن، فاعتمرت من التنعيم.
ولم يكن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين أحد يخرج من مكة ليعتمر إلا لعذر، لا في رمضان، ولا في غيره، والذين حجوا معه، ليس فيهم من اعتمر بعد الحج من مكة إلا عائشة، ولا كان هذا من فعل الخلفاء الراشدين، والذين استحبوا الإفراد من الصحابة، إنما استحبوا أن يحج في سفره، ويعتمر في أخرى، ولم يستحبوا أن يحج ويعتمر بعد ذلك عمرة مكية، بل هذا لم يكونوا يفعلونه قط، إلا أن يكون شيئًا نادرًا، وتنازع السلف هل تجزئه عن عمرة الإسلام أو لا؟
قال أحمد: لا أَشك أنه عليه السلام كان قارنا، والمتعة أحب إلي. انتهى (1) وقال: لأنه آخر ما أَمر به النبي صلى الله عليه وسلم (2) .
(1) وقال: إذا دخل بعمرة، يكون قد جمع الله له حجة وعمرة ودمًا.
(2)
أي أمر به أصحابه، الذين كانوا معه في حجة الوداع، لما طافوا طواف القدوم.
ففي الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم «أمر أصحابه – لما طافوا وسعوا – أن يجعلوها عمرة إلا من ساق هديًا» (1) .
(1) فليبق على إحرامه، وإن لم يسق الهدي يجعل الحج عمرة، ويصير حلالاً بعد فراغه من أفعال العمرة، ولا ينقلهم إلا إلى الأفضل، وقال «انظروا ما آمركم به فافعلوا» وأخبرهم «أنه لأبد الأبد» فلم ينسخ، ومن ساق الهدي فالأفضل له البقاء على إحرامه، كما فعله صلى الله عليه وسلم، وأمر به، وفضل سوق الهدي مشهور.
وزمن إشعار الهدي إذا وصل إلى الميقات، إن كان ساقه مسافرًا به، وإن أرسله مع غيره فمن بلده. وعن ابن عباس: قلد نعلين، وأشعر الهدي في الشق الأيمن، بذي الحليفة، وأماط عنه الدم. صححه الترمذي، وقال: العمل عليه عند أهل العلم، من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم.
قال وكيع: لا تنظروا إلى قول أهل العراق في هذا، فإن الإشعار سنة، وقولهم بدعة. وقال أحمد: لا ينبغي أن يسوقه حتى يشعره، ويجلله بثوب أبيض، ويقلده نعلاً، أو علاقة قربة، سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وتقليد الغنم مذهب العلماء، إلا مالكًا، ولعله لم يبلغه الحديث، فعن عائشة: كنت أفتل قلائد هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم كلها غنمًا. صححه الترمذي وقال: العمل عليه عند بعض أهل العلم. واتفقوا على أنها لا تشعر، لضعفها عن الجرح، ولاستتاره بالصوف.
وأما البقر فيستحب عند الشافعي ومن وافقه الجمع بين الإشعار والتقليد كالإبل، والمذهب أنه إن كان لها أسنمة أشعرت، وإلا فلا، لأنه تعذيب لها، وللترمذي فيما عطب «انحرها، ثم اغمس نعلها في دمها، ثم خل بين الناس وبينها فيأكلوها» وصححه وقال: العمل عليه عند أهل العلم.
وثبت على إحرامه لسوقه الهدي. وتأَسف بقوله «لو استقبلت من أَمري ما استدبرت ما سقت الهدي، ولأَحللت معكم» (1)(وصفته) أَي التمتع (أَن يحرم بالعمرة في أشهر الحج (2) ويفرغ منها (3) ثم يحرم بالحج في عامه) من مكة، أَو قربها، أَو بعيد منها (4) .
(1) بفتح الهمزة، وسكون الحاء، وفي لفظ «لو أني استقبلت من أمري ما استدبرت، لم أسق الهدي، وجعلتها عمرة، فمن كان منكم ليس معه هدي فليحل، وليجعلها عمرة» ولا يتحلل إلا بالطواف والسعي والتقصير أو الحلق إجماعًا، ولا يتأسف إلا على الأفضل، فدل على أنه الأفضل إلا لمن ساق الهدي، وهو مذهب الجمهور.
(2)
لأنه لو لم يحرم بها في أشهر الحج، لم يجمع بين النسكين فيه، ولم يكن متمتعًا.
(3)
أي يتحلل بعد فراغه من أعمالها، لأنه لو أحرم بالحج قبل التحلل من العمرة لكان قارنا، فإذا فرغ منها، ولم يكن معه هدي، أقام بمكة حلالاً، وتجزئه هذه العمرة بلا خلاف.
(4)
لقول عمر: إذا اعتمر في أشهر الحج ثم أقام فهو متمتع، وإن خرج ورجع فليس بمتمتع. وعن ابن عمر نحوه، ولأنه لو أحرم بالعمرة في غير أشهر الحج، ثم رجع من عامه، لا يكون متمتعًا، فلأن لا يكون متمتعًا إذا لم يحج من عامه، بطريق الأولى، ويشترط أن يحج في عامه اتفاقًا، لقوله {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ} وظاهره في عامه، وجزم بعدم التقييد في المنتهى وغيره، وعليه أكثر الأصحاب.
والإفراد أن يحرم بحج، ثم بعمرة بعد فراغه منه (1) والقران أن يحرم بهما معًا (2) أو بها ثم يدخله عليها قبل شروعه في طوافها (3) ومن أحرم به، ثم أدخلها عليه لم يصح إحرامه بها (4) .
(1) أي يحرم بالحج وحده من الميقات، ثم يقف بعرفة، ويفعل أفعال الحج، فإذا تحلل فقالوا: يخرج إلى التنعيم، فيحرم بالعمرة، ويفعل أفعالها، إن لم يكن أتى بها قبل. وقال المجد: لا يأتي في أشهر الحج بغيره. قال الزركشي: وهو أجود. وتقدم أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لم يعتمروا بعد الحج، إلا ما كان من عائشة، وأن الذين استحبوا الإفراد من الصحابة، إنما استحبوا أن يحج في سفرة، ويعتمر في أخرى، ولم يستحبوا أن يحج ويعتمر بعد ذلك، حتى تنازعوا: هل تجزئه أو لا؟
(2)
أي جميعًا، ينوي بالحج والعمرة من الميقات، ويطوف لهما، ويسعى، لفعله صلى الله عليه وسلم، كما هو مستفيض في بضعة وعشرين حديثًا، صحيحة، صريحة في ذلك، ومن ذكر أنه متمتع، فالمراد متعة القران، وهو لغة القرآن، والقران مصدر من: قرنت بين الشيئين.
(3)
أي العمرة قبل شروعه في طوافها، إلا لمن معه هدي، فيصح ولو بعده، وسواء كان في أشهر الحج، أولا، لقول عائشة: أهللنا بالعمرة، ثم أدخلنا عليها الحج. وفي الصحيح أنه أمرها بذلك، وفعله ابن عمر، وقال: هكذا صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم. متفق عليه، ويقتصر على أفعال الحج وحده، وهذا مذهب مالك، والشافعي.
(4)
أي ومن أحرم بالحج، ثم أدخل عليه العمرة، لم يصح إحرامه بها، لأنه لم يرد به أثر، ولم يستفد به فائدة، ولم يصر قارنا، بل مفردًا، لأنه لا يلزمه
بالإحرام الثاني شيء، وعمل القارن، كعمل المفرد في الإجزاء، ويسقط ترتيب العمرة، ويصير الترتيب للحج، وتندرج أفعال العمرة في الحج، قال الشيخ، وابن القيم وغيرهما: إذا التزم المحرم أكثر مما كان لزمه جاز، باتفاق الأئمة، فلو أحرم بالعمرة، ثم أدخل عليها الحج، جاز بلا نزاع، وإذا أحرم بالحج، ثم أدخل عليه العمرة، لم يجز عند الجمهور، وهو مذهب مالك، والشافعي، وأحمد، وجوزه أبو حنيفة، بناء على أن القارن يطوف ويسعى مرتين، أما لو أراد أن يفسخ الحج إلى عمرة مفردة، لم يجز بلا نزاع، وإنما الفسخ جائز، لمن نيته أن يحج بعد العمرة، والمتمتع من حين يحرم بالعمرة فهو داخل في الحج.
(و) يجب (على الأٌفقي) وهو من كان مسافة قصر فأكثر من الحرم (1) إن أَحرم متمتعًا، أَو قارنا (دم) نسك (2) لاجبران (3) .
(1) والأفقي بضمتين نسبة إلى الأفق، وهو الناحية من الأرض أو السماء، وقال ابن خطيب الدهشة: لا يقال: آفاقي؛ فلا ينسب إلى الجمع، بل إلى الواحد.
(2)
إجماعًا في المتمتع، ونص عليه أحمد في القارن، ولا يجب على المفرد إجماعًا، قال الوزير وغيره: أجمعوا على أن المفرد إذا تم حجه بشرائطه، وتوقي محظوراته، لم يجب عليه دم، واتفقوا على استحباب التطوع بالهدي إذا لم يجب عليه.
(3)
أي لا نقص في التمتع يجبر به، لما تقدم من أفضلية التمتع على غيره، وإلا لما أبيح له التمتع بلا عذر، لعدم جواز إحرام ناقص، يحتاج أن يجبره بدم، قال أحمد: إذا دخل بعمرة يكون الله قد جمع له بين عمرة وحجة ودم. قال ابن القيم: الهدي في التمتع عبادة مقصودة، وهو من تمام النسك، وهو دم هدي، لا دم جبران، وهو بمنزلة الضحية للمقيم، ومن تمام عبادة هذا النسك، ولو كان دم جبران لما جاز الأكل منه، وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم أكل من هديه، وفي الصحيحين أنه أرسل لنسائه من الهدي الذي ذبحه عنهن، وقال تعالى {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا} وهو متناول هدي التمتع والقران قطعًا.
بخلاف أهل الحرم (1) ومن هو منه دون المسافة، فلا شيء عليه (2) لقوله تعالى {ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} (3) . ويشترط أن يحرم بها من ميقات (4) أو مسافة قصر فأكثر من مكة (5) .
(1) فلا شيء عليهم إجماعًا، لكونهم من حاضري المسجد الحرام المنصوص عليهم.
(2)
لأن من دون المسافة من حاضره، إذ حاضر الشيء من حل فيه، أو قرب منه، وهذا مذهب الشافعي، وقال مالك: هم أهل مكة؛ وقال أبو حنيفة: من كان دون المواقيت. وكذا عند الموفق ومن تبعه.
(3)
أي الحرم، فلا متعة لهم، وقيل: ومن دون مسافة القصر؛ لأنه لا يعد مسافرًا، فلا شيء عليهم، وإن استوطن مكة أفقي فحاضر، فإن دخلها متمتعًا، ناويًا الإقامة بها، بعد فراغ نسكه، أو بعد فراغه منه، لزمه دم وفاقًا، وإن استوطن مكي بلدًا بعيدًا، ثم عاد مقيمًا متمتعًا لزمه دم، جزم به الموفق وغيره، لأنه حال الشروع فيه لم يكن من حاضرها.
(4)
أي فيشترط في وجوب دم على متمتع سبعة شروط «أحدها» أن يحرم بالحج والعمرة من ميقات بلده، قال ابن المنذر، وابن عبد البر، وغيرهما: أجمع أهل العلم على أن من أحرم بعمرة في أشهر الحج، وحل منها، وليس من حاضري المسجد الحرام، ثم أقام بمكة حلالاً، ثم حج من عامه، أنه متمتع، عليه دم.
(5)
فلو أحرم من دون مسافة القصر من مكة، لم يكن عليه دم تمتع، ويكون حكمه حكم حاضري المسجد الحرام، واختار الموفق وغيره أنه ليس بشرط، وصححه في الإقناع وغيره، وعليه، فيلزمه دم التمتع، وإن سافر، قال في شرح الإقناع: وهذا غير ناهض، لأنه لم يلزم من تسميته متمتعًا وجوب الدم.
وأن لا يسافر بينهما (1) فإن سافر مسافة قصر فأحرم فلا دم عليه (2) . وسن لمفرد وقارن فسخ نيتهما بحج (3) وينويان بإحرامهما ذلك عمرة مفردة (4) لحديث الصحيحين السابق (5) .
(1) أي بين الحج والعمرة، وهو «الشرط الثاني» .
(2)
أي وليس بمتمتع، وهو مذهب الشافعي، لقول عمر: إذا اعتمر في أشهر الحج، ثم أقام، فهو متمتع، وإن خرج فليس بمتمتع. وعن ابن عمر نحوه، ولأنه مسافر، لم يترفه بترك أحد السفرين، كمحل الوفاق، وقال أبو حنيفة ومالك: إن رجع إلى أهله فلا دم عليه، «والشرط الثالث» أن لا يكون من حاضري المسجد الحرام إجماعًا، للآية «والرابع» أن يحج من عامه وفاقًا، لأن ظاهر الآية الموالاة، ولأنه أولى لو اعتمر في غير أشهر الحج، ثم حج من عامه، وخالف بعض الحنفية «والخامس» أن يحل من إحرام العمرة قبل إحرامه بالحج، وإلا صار قارنًا «والسادس» أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج، وقال أحمد: عمرته في الشهر الذي أهل فيه، وهو قول للشافعي، والقول الثاني يكون متمتعًا إذا طاف لها في شوال، وفاقًا لأبي حنيفة، ومالك «والسابع» نية التمتع في ابتداء العمرة، أو أثنائها، وعليه أكثر الأصحاب، واختار الموفق والشيخ وغيرهما: لا تعتبر، لظاهر الآية، وهو مذهب الشافعية، ولا يعتبر وقوع النسكين عن واحد، ولا كونه متمتعًا، فإن المتعة تصح من المكي لغيره، مع أنه لا دم عليه.
(3)
حيث قد نوى حجًا، مفردًا أو قارنًا أولاً، فينقض نيته بالحج، سواء طاف وسعى أو لا، وقال الشيخ: يجب على من اعتقد عدم مساغه.
(4)
لا مقرونة بحج، ويفرغ من أعمالها.
(5)
أنه صلى الله عليه وسلم، أمر أصحابه لما طافوا وسعوا، أن يجعلوها عمرة، إلا من ساق هديًا، وثبت على إحرامه.
فإذا حلا أحرما به ليصيرا متمتعين (1) ما لم يسوقا هديًا (2) أو يقفا بعرفة (3) وإن ساقه متمتع لم يكن له أَن يحل (4) فيحرم بحج إن طاف وسعى لعمرته قبل حلق (5) . فإذا ذبحه يوم النحر حل منهما (6)(وإن حاضت المرأة) المتمتعة قبل طواف العمرة (فخشيت فوات الحج أحرمت به) وجوبًا (7) .
(1) أي فإذا فرغا من عمرتهما، أحرما بالحج يوم التروية، ليصيرا متمتعين، منتفعين بإقامتهما حلالاً، إلى يوم التروية.
(2)
فإن ساق القارن أو المفرد هديًا، لم يكن لهما فسخه، لما تقدم من قوله «إلا من كان معه هدي» ولعدم ورود ما يدل على إباحة ذلك.
(3)
فإن وقفا بعرفة، لم يكن لهما فسخه، فإن من وقف بها أتى بمعظم الحج، وأمن من فوته، ولو فسخا في الحالتين فلغو.
(4)
أي من عمرته، لحديث ابن عمر: تمتع الناس بالعمرة إلى الحج، فقال النبي صلى الله عليه وسلم «من كان معه هدي فإنه لا يحل من شيء حرم عليه، حتى يقضي حجه» .
(5)
أي قبل تحلله بالحلق.
(6)
أي من الحج والعمرة معًا، لخبر ابن عمر وغيره، ولأن التمتع أحد نوعي الجمع بين الإحرامين، كالقران، والمعتمر غير المتمتع يحل بكل حال، إذا فرغ من عمرته في أشهر الحج وغيرها، وإن كان معه هدي نحره عند المروة إن أمكن، وحيث نحره من الحرم جاز.
(7)
لأنه لم يكن لها أن تدخل المسجد وتطوف بالبيت، لما تقدم في الحيض، ولما سيأتي، ولا تمنع من شيء من مناسك الحج، إلا الطواف وركعتيه إجماعًا، حكاه ابن جرير وغيره، وليس كونها خشيت فوات الحج شرطًا، لجواز إدخال
الحج على العمرة، بل لوجوبه، لأن الحج واجب فورًا، ولا سبيل إليه إلا ذلك، فتعين، وكالصورة الثانية من القران، إدخال الحج على العمرة، قبل الشروع في طوافها، وإن لم يخف فوت الحج.
(وصارت قارنة)(1) لما روى مسلم: أَن عائشة كانت متمتعة فحاضت، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم «أَهلي بالحج» (2) وكذا لو خشيه غيرها (3) . ومن أَحرم وأَطلق صح، وصرفه لما شاء (4)
(1) نص عليه، وهو مذهب مالك والشافعي، وقال أبو حنيفة: ترفض العمرة. قال أحمد: لم يقله غيره. ومراد النبي صلى الله عليه وسلم: دعي أفعال العمرة. ولأنه لا يجوز رفض نسك يمكن بقاؤه، ثم قال لها صلى الله عليه وسلم «طوافك وسعيك يكفيك لحجك وعمرتك» فأثبت لها عمرة، وإعمارها من التنعيم تطيبًا لخاطرها.
(2)
لأنها معذورة، محتاجة إلى ذلك، وحديثها أصل في سقوط طواف القدوم عن الحائض، وكانت متمتعة فصارت قارنة، قال ابن القيم: وهو أصح الأقوال، والأحاديث لا تدل على غيره، ولأن إدخال الحج على العمرة، يجوز من غير خشية فوات الحج، فمعه أولى، لأنها ممنوعة من دخول المسجد. وفي الإنصاف: إذا دخلت متمتعة، فحاضت، فخشيت فوات الحج أحرمت به، وصارت قارنة، ولم تقض طواف القدوم، بلا نزاع فيه كله.
(3)
أي وكالحائض – إذا خشيت فوات الحج – غيرها إذا خشي فواته، أحرم بالحج لتعينه، وصار قارنًا، وهو مذهب مالك والشافعي، ولم يقض طواف القدوم، ويجب دم قران، وتسقط عنه العمرة لاندراجها في الحج للخبر.
(4)
وفاقًا: قال الشيخ: ولو أحرم إحرامًا مطلقًا جاز، فلو أحرم بالقصد للحج من حيث الجملة، ولا يعرف هذا التفصيل جاز، ولو أهل ولبى كما يفعل الناس قاصدًا للنسك، ولم يسم شيئًا بلفظه، ولا قصده بقلبه، لا تمتعًا، ولا إفرادًا،
ولا قرانًا، صح حجه أيضًا، وفعل واحدًا من الثلاثة، وإن أحرم بنسك ونسيه، صرفه إلى أي الأنساك شاء.
وبمثل ما أَحرم فلان. انعقد بمثله (1) وإن جهله جعله عمرة، لأَنها اليقين (2) ويصح: أَحرمت يومًا (3) أو بنصف نسك (4) لا: إن أَحرم فلان؛ فأَنا محرم. لعدم جزمه (5) .
(1) أي انعقد إحرامه، بمثل ما أحرم به فلان وفاقًا، علم به قبل الإحرام أو بعده، لحديث علي، لما سأله رسول الله صلى الله عليه وسلم «بم أحرمت؟» قال: بما أحرمت به يا رسول الله. وفي خبر أنس: أهللت بإهلاك كإهلال النبي صلى الله عليه وسلم. وعن أبي موسى أنه أحرم كذلك، ولم يكن ساق هديًا، فأمره أن يحل، ولأنه قصد الإحرام بصفة خاصة، حتى لو بطل بقي أصل الإحرام، «وفلان» مصروف، كناية عن الذكر من الناس.
(2)
أي وإن استمر الجهل به، جعل نسكه عمرة استحبابًا، لأن العمرة اليقين، والتمتع أفضل، وله صرف الحج والقران إليها مع العلم، فمع الإبهام أولى، ويجوز صرفه إلى غيرها.
(3)
وهذا مذهب الشافعي، لأنه إذا أحرم زمنًا لم يصر حلالاً فيما بعده، حتى يؤدي نسكه، ولو رفض إحرامه.
(4)
صح وهو مذهب الشافعي، لأنه إذا دخل في نسك لزمه إتمامه، فيقع إحرامه مطلقًا، ويصرفه لما شاء.
(5)
أي بالإحرام، قال في الفروع: فيتوجه أن لا يصح وفاقًا. وإن أحرم بحجتين أو عمرتين انعقد بواحدة، وهو مذهب مالك والشافعي، وفي الإنصاف: بلا نزاع. ولا ينعقد بهما كبقية أفعالهما، وكنذرهما في عام واحد، وفاقًا، فتجب إحداهما، لأن الوقت لا يصلح لهما، وإن أحرم عن اثنين، وقع عن نفسه
بلا نزاع، لأنه لا يمكن عنهما، وكذا لو أحرم عن نفسه وغيره، وإن استنابه اثنان، فأحرم عن واحد معين، ثم نسيه وتعذرت معرفته، فإن كان فرط أعاد الحج عنهما، وإن فرط الموصى إليه غرم، وإلا فمن تركه الموصيين، إن كان النائب من غير جعل، وإلا لزمه، وإن لم ينسه صح، ويؤدب من أخذ عن اثنين ليحج عنهما عامًا واحدًا.