المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ لا يؤخذ من الميت شيء - حاشية الروض المربع لابن قاسم - جـ ٣

[عبد الرحمن بن قاسم]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الجنائز

- ‌ هديه صلى الله عليه وسلم في الجنائز أكمل الهدي

- ‌ لا يؤخذ من الميت شيء

- ‌فصل في الكفن

- ‌ تكفن المرأة في خمسة أثواب

- ‌إذا اجتمعت جنائز: قدم إلى الإمام أفضلهم

- ‌ المطلوب في صفتها ستة أشياء

- ‌فصلفي حمل الميت ودفنه

- ‌كره جلوس تابعها حتى توضع)

- ‌اللحد أفضل من الشق)

- ‌كره لمصاب تغيير حاله

-

- ‌كتاب الزكاة

- ‌باب زكاة بهيمة الأنعام

- ‌فصل في زكاة البقر

- ‌فصل في زكاة الغنم

- ‌الضأن والمعز سواء، والسوم شرط

- ‌لا أثر لخلطة من ليس من أهل الزكاة

- ‌باب زكاة الحبوب والثمار

- ‌إذا اشتد الحب، وبدا صلاح الثمر وجبت الزكاة)

- ‌ الزكاة، إنما تتكرر في الأموال النامية

- ‌يباح للنساء من الذهب والفضة ما جرت عادتهن بلبسه

- ‌باب زكاة العروض

- ‌باب زكاة الفطر

- ‌لا يعتبر لوجوبها ملك نصاب

- ‌باب إخراج الزكاة

- ‌الغنى في باب الزكاةنوعان

- ‌أهل الزكاة قسمان

- ‌ الذي عليه الدين لا يعطيه، ليستوفي دينه

- ‌من أَراد الصدقة بماله كله

-

- ‌كتاب الصيام

- ‌(يجب صوم رمضان برؤية هلاله)

- ‌الأصل أن الله علق الحكم بالهلال والشهر

- ‌إن اشتبهت الأَشهر، على نحو مأْسور، تحرى وصام

- ‌أسباب الفطر أربعة

- ‌ الصوم الشرعي الإمساك مع النية

- ‌باب ما يكره ويستحب في الصوموحكم القضاء

- ‌لا يقضى عنه ما وجب بأَصل الشرع، من صلاة وصوم

- ‌يكره الصمت إلى الليل

-

- ‌كتاب المناسك

- ‌من كملت له الشروط وجب عليه السعي (على الفور)

- ‌يحج النائب من حيث وجبا

- ‌باب المواقيت

- ‌ليس للإحرام صلاة تخصه

- ‌ ابتداء التلبية عقب إحرامه

الفصل: ‌ لا يؤخذ من الميت شيء

(والخلال يستعمل إذا احتيج إليه)(1) فإن لم يحتج إليها كرهت (2)(ويقص شاربه، ويقلم أظفاره) ندبًا إن طالا (3) ويؤخذ شعر إبطيه (4) ويجعل المأْخوذ معه، كعضو ساقط (5) .

(1) لشيء بين أسنانه من وسخ أو نحوه، بلا خلاف. لأن إزالة ذلك مطلوبة شرعًا، والأولى أن يكون من شجر ينقي، ولا يجرح، قال الجوهري: الخلال العود الذي يتخلل به، وما يخل به الثوب، والجمع الأخلة.

(2)

أي فإن لم يحتج إلى الماء الحار والأشنان والخلال لإزالة شيء مما تقدم كرهت، قال في الإنصاف: بلا نزاع، لعدم الحاجة إليها، فتكون كالعبث، ولأن السنة لم ترد بها.

(3)

أي شاربه وأظفاره، وهو قول سعيد بن جبير وإسحاق وغيرهما، لقول أنس: اصنعوا بموتاكم ما تصنعون بعرائسكم. والجمهور أن لا يؤخذا.

(4)

لأن ذلك تنظيف لا يتعلق بقطع عضو، أشبه إزالة الأوساخ والأدران، ويعضد ذلك العمومات في سنن الفطرة، وعنه:

‌ لا يؤخذ من الميت شيء

، لا شعره ولا ظفره وفاقًا، لأن أجزاء الميت محترمة، فلا تنتهك بهذا. ولأنه قطع شيء منه، فلم يستحب، كالختان، ولم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن الصحابة في هذا شيء، فيكره فعله، وهو ظاهر الخرقي وغيره، ولأنه لا حاجة إلى قصها.

(5)

أي ويجعل المأخوذ من الميت من شعر وظفر معه في كفنه، لأنه جزء منه، وقيل: بعد إعادة غسل ندبًا، كعجل عضو ساقط منه معه، وهذا التشبيه وإن كان ظاهره الوجوب، فليس تشبهًا من كل وجه، ولأحمد عن أم عطية قال: يغسل رأس الميتة، فما سقط من شعرها في أيديهم غسلوه ثم ردوه في رأسها. ولأن دفن الشعر والظفر مستحب في حق الحي، فالميت أولى، وإن كان مقطوع الرأس، أو كانت أعضاؤه مقطعة لفق بعضها إلى بعض بالتمقيط والطين الحر حتى لا يتبين تشويهه.

ص: 46

وحرم حلق رأسه (1) وأخذ عانته، كختن (2)(ولا يسرح شعره) أي يكره ذلك، لما فيه من تقطيع الشعر من غير حاجة إليه (3) .

(1) وهو مذهب الجمهور، لأن ذلك إنما يكون لزينة ونسك، وليس من السنة في الحياة، وظاهر كلام جماعة: لا يكره.

قال في الفروع: وهو أظهر. ومذهب الجمهور أولى، لعدم الأمر به، وعدم نقل فعله.

(2)

أي ويحرم حلق شعر عانته، في قول جمهور أهل العلم، لما فيه من لمس عورته أو نظرها، وهو محرم، فلا يرتكب لأجل مندوب، وهذا لو ندب إليه، بل يحرم كما يحرم ختن ميت أقلف، ولو في حال وجوبه قبل موته، لأنه قطع لعضو منه، وقد زال المقصود منه.

وقال الوزير وغيره: أجمعوا على أن الميت إذا مات وهو غير مختون أنه يترك على حاله، ولا يختن.

(3)

وهو مذهب مالك وأبي حنيفة، وروي عن عائشة أنها مرت بقوم يسرحون شعر ميتهم، فنهتهم عن ذلك.

وقال الشافعي: يسرح تسريحًا خفيفًا، واستحبه ابن حامد وأبو الخطاب، وتسريحه مشطه، وأصل التسريح الإرسال، والشعر بتلبيده، فيسترسل بالمشط، واستخرج ابن دقيق العيد من الخبر استحباب تسريح شعر المرأة وتضفيره، وورد في مسلم: مشطناها ثلاثة قرون. لكن قال أحمد: أي ضفرناها. وأنكر المشط، وفي البخاري: نقضنه ثم غسلنه، ثم جعلنه ثلاثة قرون.

ص: 47

(ثم ينشف) ندبًا (بثوب) كما فعل به صلى الله عليه وسلم (1)(ويضفر) ندبًا (شعرها) أي الأُنثى (ثلاثة قرون (2) ويسدل وراءَها) (3) لقول أم عطية: فضفرنا شعرها ثلاثة قرون، وألقيناه خلفها. رواه البخاري (4) .

(وإن خرج منه) أي الميت (شيءٌ بعد سبع) غسلات (5)(حشي) المحل (بقطن) ليمنع الخارج، كالمستحاضة (6) .

(1) رواه أحمد، وتنشيفه متفق عليه عند الأئمة وغيرهم، ولئلا يبتل كفنه فيفسد به، ولا ينجس ما نشف به وفاقًا.

(2)

أي ثلاث ضفائر قرنيها وناصيتها، والقرن الخصلة من الشعر، وأصل الضفر الفتل، وقالت: مشطناها ثلاثة قرون. وهذا مذهب مالك والشافعي، وجمهور العلماء.

(3)

أي يرسل ويرخى خلفها، وفاقًا للشافعي وإسحاق وابن المنذر وغيرهم، وقيل: مع الجانبين والحديث حجة عليهم.

(4)

ولابن حبان «اجعلن رأسها ثلاثة قرون» قالت أم عطية: ضفرنا رأسها ناصيتها وقرنيها ثلاثة قرون، وألقيناه خلفها. وفي حديث أم سليم «واضفرن شعرها ثلاثة قرون» «وضفرنا» بضاد وفاء مخففة، وفيه استحباب ضفر شعر المرأة، وجعله ثلاثة قرون، وهي ناصيتها وقرناها، يعني جانبي رأسها، وتسمية الناصية قرنًا تغليب، وفيه استحباب جعل ضفائرها خلفها.

(5)

حصل الإنقاء بها، لم يزد عليها، وتقدم أن ذلك راجع إلى الغاسل.

(6)

وقال أبو الخطاب وغيره: يلجم المحل بالقطن، فإن لم يمتنع حشاه به، إذ الحشو يوسع المحل، فلا يفعل إلا عند الحاجة.

ص: 48

(فإن لم يستمك) بالقطن (فبطين حر) أي خالص (1) لأن فيه قوة تمنع الخارج (2)(ثم يغسل المحل) المتنجس بالخارج (3)(ويوضأُ) الميت وجوبًا، كالجنب إذا أحدث بعد الغسل (4) .

(وإن خرج) منه شيء (بعد تكفينه لم يعد الغسل)(5) دفعًا للمشقة (6) ولا بأس بقول غاسل له: انقلب يرحمك الله. ونحوه (7) .

(1) طين أبيض، لا رمل فيه، والحر الطيب، وخيار كل شيء.

(2)

ولو قبل السبع.

(3)

إجماعًا كالحي.

(4)

لتكون طهارته كاملة.

(5)

وفاقًا، سواء كان في السابعة أو قبلها.

وقال الموفق: لا نعلم فيه خلافًا، إذا كان الخارج يسيرًا، وظاهره لا فرق في الخارج أن يكون قليلاً أو كثيرًا، وعنه: من الكثير. وإن وضع على الكفن، ولم يلف، ثم خرج منه شيء، فقال ابن تميم: يعاد غسله.

(6)

لأنه يحتاج إلى إخراج وإعادة غسله، وتطييب أكفانه، وتجفيفها، أو إبدالها، فيتأخر دفنه، وهو خلاف السنة في تعجيله، ثم لا يؤمن بعد، ولا يحتاج إلى إعادة وضوئه، ولا غسل موضع النجاسة، دفعًا لهذه المشقة.

(7)

كأرحني، لقول الفضل للنبي صلى الله عليه وسلم: أرحني. وقول علي: طبت حيًا وميتًا.

ص: 49

ولا بغسلة في حمام (1)(ومحرم) بحج أو عمرة (ميت كحي (2) يغسل بماءٍ وسدر) لا كافور (3) .

(ولا يقرب طيبًا) مطلقًا (4)(ولا يُلبس ذكر مخيطًا) من قميص ونحوه (5)(ولا يغطى رأسه (6) ولا وجه أنثى) محرمة (7) .

(1) نقله مهنا، وكحي والحمام هو المغتسل المشهور، وتقدم.

(2)

أي في أحكامه، لبقاء إحرامه، فيجنب ما يجنب المحرم في حياته، لبقاء الإحرام، والطيب والحنوط غير واجبين، بل مستحبين.

(3)

لأنه طيب، وتقدم تعريف الكافور، وهو طيب مشهور، ويأتي نهيه أن يقرب طيبًا، لأنه يحرم بحال الإحرام، فكذا بعد موت المحرم.

(4)

ذكرًا كان أو أنثى، في بدنه أولاً، ما لم يحصل التحلل الأول، للخبر، وفي رواية «ولا تقربوه طيبًا» ولبي داود وغيره «ولا تمسوه بطيب» قال في الإنصاف: لكن لا يجب الفداء على الفاعل به، ما يوجب الفدية لو فعله حيًا، على الأصح من المذهب، فإن حصل التحلل الأول فلا يمنع كحي.

(5)

كسراويل، ولا ما يعمل كالمخيط، كما يأتي في الإحرام.

(6)

للخبر الآتي، وفي رواية «ولا تغطوا وجهه» فلا يغطى وجهه، والأشهر في أكثر الروايات والأصح ذكر الرأس فقط، فقال أحمد: يغطى وجهه ورجلاه وسائر بدنه. قال الخلال: والعمل على أنه يغطى جميع المحرم إلا رأسه، وتجوز الزيادة على ثوبيه إذا كفن، كبقية كفن حلال.

(7)

أي ولا يغطى وجه المرأة المحرمة، فتلبس القميص وتخمر، كما تفعل في حياتها، ولا تقرب طيبًا، ولا يغطى وجهها، لأنه يحرم عليها في حياتها، على ما سيأتي فكذا بعد موتها.

ص: 50

ولا يؤخذ شيءٌ من شعرهما وظفرهما (1) لما في الصحيحين من حديث ابن عباس، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في محرم مات «اغسلوه بماءٍ وسدر، وكفنوه في ثوبيه، ولا تحنطوه ولا تخمروا رأسه، فإنه يبعث يوم القيامة ملبيًا» (2) ولا تمنع معتدة من طيب (3) وتزال اللصوق لغسل واجب، عن لم يسقط من جسده شيء بإزالتها (4) .

(1) وهو مذهب أبي حنيفة وأحد قولي الشافعي، وشدد مالك فيه، حتى اوجب التعزير على فاعله في غير المحرم، ففي المحرم أولى.

(2)

وفي رواية «ولا تمسوه طيبًا، فإنه يبعث يوم القيامة ملبدًا» وللنسائي «ولا تمسوه بطيب، فإنه يبعث يوم القيامة محرمًا» وقوله «اغسلوه بماء وسدر» يدل على وجوب الغُسل بالماء، وهو إجماع، وبالسدر، وقوله «وكفنوه في ثوبيه» أنه يكفن المحرم في ثيابه التي مات فيها، لتلبسه فيها بتلك العبادة الفاضلة، «ولا تحنطوه» يعني بالطيب الذي يوضع للميت، «ولا تخمروا رأسه» أي لا تغطوه، وفيه دلالة على بقاء حكم الإحرام، وأصرح منه التعليل بأنه «يبعث يوم القيامة ملبيًا» وفي رواية «ملبدًا» وفي رواية «محرمًا» ، وجامع الكلام فيه أنه يجب تجنيبه ما يجب اجتنابه حال إحرامه، وهو مذهب الجمهور، للخبر المذكور.

(3)

إذا ماتت وهي في العدة، لسقوط الإحداد بموتها، ومنعها منه حال الحياة، لأنه يدعو إلى نكاحها، وقد فات ذلك بموتها.

(4)

فتزال ويغسل ما تحتها، ليحصل تعميم البدن بالغسل، وكالحي، واللصوق بفتح اللام ما يلصق على الجرح من الدواء، ثم أطلق على الخرقة ونحوها، إذا شدت على العضو، وكذا الجبائر المانعة من إيصال الماء إلى الجسد.

ص: 51

فيمسح عليها كجبيرة الحي (1) ويزال خاتم ونحوه ولو ببرده (2)(ولا يغسل شهيد معركة)(3) .

(1) أي فإن خيف سقوط شيء من جسده مسح عليها، كما يمسح على جبيرة الحي.

(2)

بالمبرد، يعني الخاتم ونحوه، كسوار وحلقة، لأن تركه معه إضاعة مال بغير مصلحة.

(3)

وهو المقتول بأيديهم، وأضيف إلى المعركة لتعلق الحكم بها، والمعركة والمعرك والمعترك موضع العراك والمعاركة، أي القتال، «وشهيد» فعيل بمعنى مفعول، من أبنية المبالغة في شاهد، والشهيد في الأصل من قتل مجاهدًا في سبيل الله أي فيكره تغسيله، كما في التنقيح والمنتهى، لما يتضمنه الغسل من إزالة أثر العبادة، المستطاب شرعًا، وقطع أبو المعالي والموفق وابن مفلح وغيرهم بالتحريم رواية واحدة، وهو مذهب جمهور الأئمة مالك والشافعي وأبي حنيفة وغيرهم من السلف والخلف.

وفي حاشية التنقيح: فالمذهب إذًا التحريم، ولا يُوَضيَّان، حيث لا يُغَسّلان، ولو وجب قبل، لأنه أثر العبادة والشهادة، والحكمة – والله أعلم – إبقاء أثر الشهادة عليهم، والتعظيم لهم، وقيل الترك علامة، لأنا لا نعلم فضلهم إلا بذلك، وهم {أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} ، قيل: سمي الشهيد شهيدًا لذلك، وقيل لأن الله ورسوله شهدا له بالجنة، أو لأن ملائكة الرحمة يشهدونه، أو لأنه ممن يشهد يوم القيامة على الأمم. أو لأنه شهد له بالإيمان وخاتمة الخير، بظاهر عمله، أو لأن له شاهدًا بحاله وهو دمه، أو لأن روحه تشهد دار السلام.

قال شيخ الإسلام: وما أخبر الله به من حياة الشهيد ورزقه، وما جاء في الحديث من دخول أرواحهم الجنة، ليس مختصًا به، كما دل على ذلك النصوص الثابتة، ويختص بالذكر، لكون الظان يظن أنه يموت فينكل عن الجهاد، فأخبر بذلك، لتزول المانعة من الإقدام على الجهاد والشهادة، كما نهي عن قتل الأولاد خشية الإملاق، لأنه هو الواقع، وإن كان لا يجوز مع عدم خشيته. اهـ. والشهداء ثلاثة، شهيد في الدنيا والآخرة، وهو من قاتل في سبيل الله حتى قتل، لترتب أحكام الشهداء عليه، من ترك تغسيل ونحوه، ولإرادته وجه الله والدار الآخرة، وفي الآخرة فقط، من أصابه جرح في سبيل الله، ثم مات منه بعد مدة، وفي الدنيا فقط، وهو من قاتل في سبيل الله، وسريرته باطلة، فتجرى عليه أحكام الشهيد، من ترك غسل وغيره.

ص: 52

(ومقتول ظلمًا)(1) ولو أنثيين أو غير مكلفين (2) لأنه صلى الله عليه وسلم في شهداء أُحد أمر بدفنهم بدمائهم، ولم يغسلهم (3) .

(1) كمن قتله نحو لص، ومن قتله الكفار صبرًا، في غير الحرب لا يغسل وفاقًا.

واختار الخلال والموفق وغيرهما: يغسل ويصلى عليه، وهو مذهب مالك والشافعي، لأن رتبته دون رتبة شهيد المعركة، واستأنسوا بقصة عمر وعلي وابن الزبير وغيرهم، ولم ينكر، والمقتول بمثقل يغسل ويصلى عليه إجماعًا، وقيس عليه المقتول ظلمًا في البلد بحديد أو غيره، وهو مذهب جمهور أهل العلم مالك والشافعي وأحمد وغيرهم.

(2)

وهو مذهب مالك والشافعي وصاحبي أبي حنيفة، وجماهير أهل العلم، لأنهم مسلمون، أشبهوا المكلف، وشذ أبو حنيفة في غير المكلف، واحتج بأنه لا ذنب له، وهو باطل من وجوه عديدة.

(3)

رواه البخاري وغيره، ولأبي داود بإسناد على شرط مسلم، عن جابر

قال: رمي رجل بسهم في صدره أو حلقه فمات، فأدرج في ثيابه كما هو، ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. وذكر الإمام أحمد أنه نهى عن تغسيلهم، وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في قتلى أحد:«لا تغسلوهم، فإن كل جرح أو كل دم يفوح مسكًا يوم القيامة» وله أيضًا قال: «زملوهم بدمائهم، فإنه ليس أحد يكلم في سبيل الله إلا أتى يوم القيامة جرحه يدمي، لونه لون دم، وريحه ريح مسك» وثبت من غير وجه أنه لا يغسل، وعثمان لم يغسل، لأنه أجهز عليه في مصرعه.

وقال إمام الحرمين: معتمدنا الأحاديث الصحيحة: أنه لم يصل عليهم، ولم يغسلوا، قال الشافعي: لعل الحكمة في ترك الغسل والصلاة، لأن يلقوا الله بكلومهم، لما جاء أن ريح دمهم ريح المسك، واستغنوا بإكرام الله لهم، عن الصلاة عليهم، مع التخفيف على من بقي من المسلمين، لما يكون فيمن قاتل في الزحف من الجراحات، وخوف عود العدو، ورجاء طلبهم، وهمهم بأهلهم، وهم أهلهم بهم، والصحيح لئلا يزول أثر العبادة المطلوب بقاؤها، كما دلت عليه الأخبار.

ص: 53

وروى أبو داود عن سعيد بن زيد، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «من قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد، ومن قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد» وصححه الترمذي (1) .

(1) وهو مستفيض عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولأنهم مقتولون بغير حق، أشبهوا قتلى الكفار، قال شيخ الإسلام: وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «الغريق شهيد، والمبطون شهيد، والحريق شهيد، والمرأة النفساء شهيدة، وصاحب الهدم شهيد» وجاء ذكر غير هؤلاء، وذكر أن من غلب على ظنه عدم السلامة، ليس له ركوب البحر للتجارة، فإن فعل فغرق فيه لا يقال: إنه شهيد، وذكر في الإقناع وغيره أن الشهداء غير شهيد المعركة كثيرون، منهم المطعون والمبطون والغريق والشريق والحريق، وصاحب الهدم، وذات الجنب، والمجنون، والنفساء، واللديغ، ومن قتل دون ماله، أو دمه أو أهله أو دينه، أو مظلمة، وفريس السبع، ومن صرعته دابته، والمتردي من رؤوس الجبال، ومن مات في سبيل الله، ومن طلب الشهادة بنية صادقة، وموت المرابط، وأمناء الله في أرضه، وصاحب الفتوة، ومن أغربها موت الغريب، وأغرب منه موت العاشق إذا عف وكتم، والمراد أنهم شهداء في ثواب الآخرة، لا في أحكام الغسل والصلاة، وقال ابن الجوزي: وكل متجرد لله في جهاد نفسه فهو شهيد، كما ورد عن بعض الصحابة: رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر. اهـ. ومن مات وهو يطلب العلم تأليفًا أو تدريسًا أو حضورًا، وعدهم السيوطي والأجهوري ثلاثين، وزيدت إلى أربعين، وإلى خمسين، ومنهم: من سعى على من يمونه.

ص: 54

(إلا أن يكون) الشهيد أو المقتول ظلمًا (جنبًا)(1) أو وجب عليهما الغسل لحيض أو نفاس أو إسلام (2) .

(1) أي قبل أن يقتل، فيغسل، وهذا الصحيح من المذهب، وفاقًا لأبي حنيفة وإحدى الروايتين عن الشافعي، وعنه: لا يُغَسّل الشهيد ولو جنبًا، وهو مذهب مالك وغيره.

وروى ابن إسحاق «إن صاحبكم لتغسله الملائكة» يعني حنظلة، فسألوا أهله، فقالت: خرج وهو جنب، حين سمع الهائعة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «فلذلك غسلته الملائكة» ورواه أبو داود وغيره.

(2)

فيغسل شهيد المعركة، والمقتول ظلمًا إن كان وجب عليه الغسل قبل قتله، لحيض أو نفاس، لأن ذلك الغسل واجب لغير الموت، فلم يسقط كغسل الجنابة، وعنه: لا يغسل الشهيد لحيض ونفاس، وفاقًا لمالك وغيره، وكل شهيد غسل لا عن نحو جنابة صلي عليه وجوبًا، وأما الإسلام فجزم في المغني والشرح وغيرهما أنه

لا يغسل له، ولم يذكرا خلافه، لأن أصرم بني عبد الأشهل أسلم يوم أحد، ثم قتل، ولم يأمر صلى الله عليه وسلم بغسله، وإن قتل وعليه حدث أصغر لم يوضأ، بخلاف نجاسة، وفاقًا، لا الدم وفاقًا.

ص: 55

(ويدفن) وجوبًا (بدمه)(1) إلا أن تخالطه نجاسة فيغسلا (2)(في ثيابه) التي قتل فيها (3)(بعد نزع السلاح والجلود عنه)(4) لما روى أبو داود وابن ماجه عن ابن عباس، أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتلى أُحد أن ينزع عنهم الحديد والجلود، وأن يدفنوا في ثيابهم بدمائهم (5) .

(1) لما تقدم من أمره عليه الصلاة والسلام بدفن قتلى أحد بدمائهم، قال الموفق: لا نعلم فيه خلافًا، إلا عن الحسن، وابن المسيب، ولأنه أثر عبادة، يستطاب شرعًا، فاستحب بقاؤه.

(2)

أي الدم والنجاسة، لأن درء المفاسد – ومنه غسل النجاسة – مقدم على جلب المصالح، ومنه بقاء دم الشهيد عليه، جزم به غير واحد، وقال أبو المعالي: لو لم تزل إلا بالدم لم يجز.

(3)

وجوبًا للخبر، وروى أحمد وغيره «وزملوهم في ثيابهم» وعليه الجمهور، وقال النووي وغيره: وهو قول العلماء كافة، لحديث «كفنوه في ثوبيه» ولم يستفصل، ولا يزاد على ثيابه، ولا ينقص منها، وفي الإقناع: وظاهره ولو كانت حريرًا. قال في المبدع: ولعله غير مراد. ويأتي.

(4)

من نحو فروة وخف، وهو مذهب جمهور أهل العلم.

(5)

وله شواهد في الصحيح وغيره، تقضي بمشروعية دفن الشهيد بما قتل فيه من الثياب، ونزع الحديد، والجلود عنه، وكل ما هو آلة حرب، وروي عن علي أنه قال: ينزع من الشهيد الفرو والخف، والقلنسوة والعمامة، والمنطقة والسراويل، إلا أن يكون أصابها دم.

ص: 56

(وإن سلبها كفن بغيرها) وجوبًا (1)(ولا يصلى عليه) للأَخبار (2) .

(1) كغيره من سائر الموتى.

(2)

منها حديث جابر في قتلى أحد: أمر بدفنهم في دمائهم، ولم يغسلوا، ولم يصل عليهم. رواه البخاري وغيره، ومنها حديث أنس في شهداء أحد: لم يغسلوا، ولم يصل عليهم، رواه أحمد وأبو داود وغيرهما، قال الشافعي: جاءت الأخبار كأنها عيان، من وجوه متواترة، أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل على قتلى أحد، وتقدم عنه الحكمة في ذلك.

قال الوزير: تركها مشروع، ولا يلائم علو مقام الشهيد أن يحضر فيه من هو دون منزلته، في مقام الشفيع فيه، والمتوسل له، ولأن الموطن موطن اشتغال بالحرب، فلا يشرع فيه ما يشغل عن الحرب، شغلاً لا يؤمن معه استظهار العدو.

وقال ابن القيم: حديث جابر في ترك الصلاة عليهم صحيح صريح، والذي يظهر من أمر شهداء أحد أنه لم يصل عليهم عند الدفن، وذكر ما ورد في الصلاة عليهم، ثم قال: والصواب أنه مخير بين الصلاة عليهم وتركها، لمجيء الآثار بكل واحد من الأمرين.

وأصح الأقوال أنهم لا يغسلون، ويخبر في الصلاة عليهم، وبهذا تتفق جميع الأحاديث، والشهيد بغير قتل، كالمبطون والمطعون والغريق ونحو ذلك مما تقدم يغسل ويصلى عليه بلا نزاع.

وقال الشارح وغيره: لا نعلم فيه خلافًا إلا ما حكي عن الحسن في النفساء، وقد صلى عليها النبي صلى الله عليه وسلم وهو قول العامة ولأنه ليس بشهيد معركة، ولا ملحقًا به.

ص: 57

لكونهم أحياء عند ربهم (1)(وإن سقط عن دابته)(2) أو شاهق بغير فعل العدو (3) .

(أو وجد ميتًا ولا أثر به)(4) أو مات حتف أنفه (5) .

(1) والمراد حياة برزخية، لا كحياة الدنيا، والصلاة إنما شرعت على الأموات، وقيل لغناهم عن الشفاعة، فإن الشهيد يشفع في سبعين من أهله.

(2)

حاضر صف القتال، بغير فعل العدو، فمات غسل وصلي عليه، وفاقًا لمالك وأبي حنيفة والجمهور، لعدم مباشرتهم قتله، أو تسببهم فيه، أشبه من مات بمرض، قال في المبدع: وشرطه أن يكون بغير فعل العدو، فأما إذا كان بفعلهم فلا.

(3)

غسل وصلي عليه، وفاقًا لمالك وأبي حنيفة وغيرهما، لعدم مباشرتهم قتله ولأن الأصل وجوب الغسل والصلاة، فلا يسقط بالاحتمال. والشاهق المرتفع من الجبال والأبنية ونحوها.

(4)

غسل وصلي عليه، وفاقًا لمالك والشافعي وغيرهما، لأن الأصل وجوب الغسل، فلا يسقط يقين ذلك بالشك في مسقطه، فإن كان به أثر لم يغسل ولم يصل عليه.

(5)

يعني حاضر صف القتال، غسل وصلي عليه، وفاقًا لأبي حنيفة ومالك، والحتف الهلاك، والمراد بموته حتف أنفه الموت على فراشه، كأنه سقط لأنفه فمات، وذلك لأنهم كانوا يتخيلون أن روح المريض تخرج من أنفه، فقولون: مات حتف أنفه، لأنه يموت ونفسه تخرج من أنفه، فإن جرح خرجت من جراحته.

ص: 58

أو برفسة أو عاد سهمه عليه (1)(أو حمل فأكل) أو شرب أو نام أو بال أو تكلم أو عطس (أو طال بقاؤُه عرفًا، غسل وصلي عليه) كغيره (2) ويغسل الباغي ويصلى عليه (3) .

(1) أي فقتله، أو عاد سيفه عليه فقتله، أو رفسته دابة، أي صدمته برجلها في صدره ونحوه فقتلته، غسل وصلي عليه، وهذا مذهب مالك وأبي حنيفة، لأنه لم يمت بفعل العدو، ولا مباشرته، ولا تسببه، ومذهب الشافعي، ونصره القاضي: لا يغسل ولا يصلى عليه، لأن عامر بن الأكوع بارز رجلاً يوم خيبر، فعاد عليه سيفه فقتله، فلم يفرد عن الشهداء بحكم.

(2)

من وجوب غسل وصلاة وفاقًا، لأن سعد بن معاذ أصابه سهم يوم الخندق، فحمل إلى المسجد، ثم مات بعد ذلك، فغسله رسول الله صلى الله عليه وسلم وصلى عليه، وعمر حمل، وغسل وصلي عليه بحضرة الصحابة، ولم ينكر ذلك أحد، فثبت أنه إجماع.

ولا بد أن تكون هذه الأمور بعد حمله من المعركة، فأما لو كانت قبل حمله من المعركة، مثل أن أكل أو شرب بعد جرحه، وهو في المعركة، ثم مات فيها، فحكمه حكم شهيد المعركة، لا يغسل ولا يصلى عليه، فإن قتلى أحد تكلموا بعد جراحهم، ولم يغسلوا، ولم يصل عليهم، إلا أن يطول مكثه فيها، فيحتمل أن يغسل، كما نقل عن أحمد فيمن أقام فيها يومًا إلى الليل، يغسل، وقيل يصلى عليه إن حمل فأكل، وأما الشرب والكلام فلا، صححه المجد وأبو محمد، لأن الشرب والكلام يوجد ممن هو في السياق، وصوبه في الإنصاف.

(3)

وكذا كل عاص، كسارق وشارب خمر، ومقتول قصاصًا أو حدًا، أو غيرهم، قال أحمد: ما نعلم أنه صلى الله عليه وسلم ترك الصلاة على أحد إلا على الغال وقاتل نفسه.

ص: 59

ويقتل قاطع الطريق، ويغسل ويصلى عليه، ثم يصلب (1)(والسقط إذا بلغ أربعة أشهر غسل وصلي عليه) وإن لم يستهل (2) لقوله عليه السلام «والسقط يصلى عليه، ويدعى لوالديه بالمغفرة والرحمة» رواه أحمد وأبو داود (3) .

(1) أي بعد الصلاة عليه، ولا نزاع في أنه يصلى عليه، كسائر المسلمين، وصلبه مد باعيه على جذع ونحوه.

(2)

أصل الاستهلال رفع الصوت، أي يصوت عند الولادة، وفاقًا للشافعي، فهو كمولود حيًا، ولأنه نسمة نفخ فيها الروح، ولأنه يبعث فيسمى، ليدعى باسمه يوم القيامة، وسئل أحمد: متى تحب أن يصلى على الطفل؟ قال: إذا أتى عليه أربعة أشهر، لأنه ينفخ فيه الروح، اعتمد في ذلك على حديث ابن مسعود، في قوله يعني بعد الأربعة «ثم ينفخ فيه الروح» متفق عليه، وهذا مذهب أهل الظاهر.

وقال العبدري: إن كان له أربعة أشهر ولم يتحرك، لم يصل عليه عند جمهور العلماء، وإن لم يكن له إلا دون أربعة أشهر لم يصل عليه بلا خلاف. وقال الوزير وغيره: لا يغسل ولا يصلى عليه إذا لم يبلغ أربعة أشهر اتفاقًا قالوا: لأنه لا يبعث قبلها وهو قول كثير من الفقهاء، وقال الموفق وغيره: يلف في خرقة ويدفن، ولا يغسل ولا يصلى عليه، لعدم وجود الحياة، بلا خلاف، وقبل الأربعة الأشهر لا يكون نسمة، بل كسائر الجمادات، والسقط بكسر السين وضمها وفتحها، ثلاث لغات مشهورات، الولد لغير تمام.

(3)

ورواه ابن حبان والحاكم وصححه، وقال: على شرط البخاري بلفظ «السقط يصلى عليه، ويدعى لوالديه بالعافية والرحمة» وله شواهد، ورواه النسائي والترمذي أيضًا وصححه، لكن بلفظ «والطفل يصلى عليه» ، واحتج به أحمد، وفي سنن ابن ماجه مرفوعًا «صلوا على أطفالكم، فإنهم من أفراطكم» وحكى الموفق وابن المنذر وغير واحد إجماع المسلمين على وجوب الصلاة على الطفل، لهذا الخبر، ولعموم النصوص الواردة بالصلاة على المسلمين، وهو داخل في عمومهم، وإن وجد بدار حرب، وعليه علامة المسلمين، غسل وصلي عليه، ونقل ابن المنذر وغيره الإجماع أنه إذا وجد الطفل في بلاد المسلمين ميتًا، يجب غسله ودفنه في مقابرنا.

ص: 60

وتستحب تسميته (1) فإن جهل أَذكر هو أَم أُنثى؟ سمي بصالح لهما (2)(ومن تعذر غسله) لعدم الماء أَو غيره كالحرق والجذام والتبضيع (يمم) كالجنب إذا تعذر عليه الغسل (3) وإن تعذر غُسْل بعضه غُسِل ما أَمكن، ويمم للباقي (4) .

(1) قيل: ولو ولد قبل أربعة أشهر، لأنه يبعث فيسمى، ليدعى يوم القيامة باسمه، وهو ظاهر كلام أحمد.

(2)

كهبة الله وطلحة، قاله الشيخ وغيره.

(3)

وفاقًا للشافعي، لأن غسل الميت طهارة على البدن، فقام التيمم – عند العجز عن الغسل – مقامه كالجنابة، وكذا من به جدري ونحوه يمنع الغسل، فإنه ييمم ويصلى عليه، على حسب حاله.

(4)

أي لما تعذر غسله كالجنابة، وإن أمكن صب الماء عليه بلا عرك صب عليه الماء، بحيث يعم بدنه، وترك عركه لتعذره، وإن يمم الميت لعدم الماء، وصلي عليه، ثم وجد الماء قبل دفنه، وجب غسله لإمكانه، وتعاد الصلاة عليه، وكذا فيها كالحي، ولو دفن قبل الغسل من أمكن غسله وجب نبشه، إن لم يخف تفسخه أو تغيره، ومثله من دفن قبل تكفينه، أو موجهًا إلى غير القلة، وهذا مذهب مالك والشافعي، ويجوز نبشه لغرض صحيح، كتحسين كفنه، وكدفنه في بقعة فاضلة، ومجاورة رجل صالح، إلا الشهيد فلا ينقل، ولو نقل رد إلى مصرعه، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم، وحمل الميت إلى غير بلده لغير حاجة مكروه.

ص: 61

(و) يجب (على الغاسل ستر ما رآه) من الميت (إن لم يكن حسنًا)(1) فيلزمه ستر الشر، لا إظهار الخير (2) ونرجو للمحسن، ونخاف على المسيء (3) .

(1) لحديث «ليغسل موتاكم المأمونون» رواه ابن ماجه بسند ضعيف، وكونه أمينًا ليوثق به في تكميل الغسل، وستر العيب، وغير ذلك، ولأحمد عن عائشة مرفوعًا «من غسل ميتًا، وأدى فيه الأمانة، ولم يفش عيبه، خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه» وللحاكم «من غسل ميتًا وكتم عليه، غفر له أربعين مرة» وعموم قوله «من ستر مسلمًا ستره الله يوم القيامة» وقوله: في الغيبة «ذكرك أخاك بما يكره» وغير ذلك، وقال جمع: إلا على مشهور ببدعة أو فجور ونحوه، فيتسحب إظهار شره، وستر خيره، ليرتدع نظيره، وفي الحديث «لا تسبوا الأموات، فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا» .

(2)

ولابن حبان والحاكم «اذكروا محاسن موتاكم، وكفوا عن مساويهم» ولأن في إظهار الشر إذاعة للفاحشة، وغيبة له، وهي محرمة، وأما إظهار الخير فيباح ليترحم عليه، ويكثر المصلون عليه، والدعاء له.

(3)

هذا أمر كلي، أي ونرجو للمحسن أن يوفى أجره كما وعد تبارك وتعالى، ونخاف على المسيء من عذاب الله أن يؤاخذه بإساءته {وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} .

ص: 62

ولا نشهد إلا لمن شهد له النبي صلى الله عليه وسلم (1) . ويحرم سوء الظن بمسلم ظاهر العدالة (2) ويستحب ظن الخير بالمسلم (3) .

(1) يعني بجنة أو نار، بإجماع أهل السنة والجماعة. قال الشيخ: أو تتفق الأمة على الثناء عليه، أو الإساءة، ولعله مراد الأكثر، وأنه الأكثر ديانة، وظاهر كلامه أيضًا: ولو لم تكن أفعال الميت موافقة لقولهم، وإلا لم تكن علامة مستقلة، وفي الصحيحين أنه مر بجنازة فأثنوا عليها خيرًا، فقال «وجبت» ثم بأخرى فأثنوا عليها شرًا فقال «وجبت» فقال عمر: ما وجبت؟ قال «هذا أثنيتم عليه خيرًا، فوجبت له الجنة، وهذا أثنيتم عليه شرًا، فوجبت له النار، أنتم شهداء الله في الأرض» والحديث على عمومه، فمن ألهم الناس الثناء عليه، كان دليلاً، سواء كانت أفعاله مقتضية أو لا، وهذا الإلهام يستدل به على تعيينها. اهـ.

ويشرع ثناء الناس على الميت، وهو جائز مطلقًا، بخلاف الحي على تفصيل فيه، وروى الإمام أحمد «ما من مسلم يموت، فيشهد له ثلاثة أبيات من جيرانه الأدنين بخير، إلا قال الله: قد قبلت شهادة عبادي على ما علموا، وغفرت له ما لم يعلموا» .

وللحاكم قال: «ما هذه الجنازة؟» قالوا: جنازة فلان الفلاني، كان يحب الله ورسوله، ويعمل بطاعة الله، ويسعى فيها، فقال «وجبت» وقال ضد ذلك في التي أثنوا عليها شرًا، «وجبت، أنتم شهداء في أرضه، أيما مسلم شهد له أربعة، وثلاثة، واثنان بخير، أدخله الله الجنة» وفي الأثر «إذا أردتم أن تعلموا ما للميت عند الله، فانظروا ما يتبعه من حسن الثناء» قال الشيخ: وتواطؤ الرؤيا كتواطيء الشهادات.

(2)

بخلاف من ظاهره الفسق، فلا حرج بسوء الظن به، وحديث «إياكم والظن» محمول على ما لم تعضده قرينة، تدل على صدقه.

(3)

حيًا وميتًا، ولا ينبغي تحقيق ظنه في ريبة، وعلم منه أنه لا حرج بظن السوء لمن ظاهره الشر.

ص: 63