الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب المواقيت
(1)
الميقات لغة: الحد (2) واصطلاحًا: موضع العبادة وزمنها (3) . (وميقات أهل المدينة: ذو الحليفة) بضم الحاء وفتح اللام (4) .
(1) جمع ميقات، كمواعيد وميعاد، وهو: الزمان والمكان المضروب للفعل، أو هو الوقت المعين، استعير للمكان المعين.
(2)
فالتوقيت التحديد، وبيان مقدار المدة، وأصله أن يجعل للشيء وقت يختص به، ثم اتسع فيه، فأطلق على المكان، والمراد هنا: التحديد، أو تعليق الإحرام بوقت الوصول إلى هذه الأماكن، بالشروط المعتبرة.
(3)
وهو أشهر الحج، والمواقيت: المكانية المنصوص على توقيتها، أو ما حاذاها، و «زمنُ» بالرفع عطف على المضاف، لا المضاف إليه، وليس من قبيل استعمال المشترك، بل من قبيل جمع ألفاظ المشترك، ولما كان بيت الله الحرام معظمًا مشرفًا، جعل الله له حصنًا، وهو مكة، وحمى، وهو الحرم، وللحرم حرم، وهو المواقيت، حتى لا يجوز لمن دونه، أن يتجاوزه إلا بالإحرام، تعظيمًا لبيت الله الحرام.
(4)
تصغير الحلفة، بفتح أوليه، واحدة الحلفات، نبات معروف، وهي قرية خربة، وفيها اليوم عشش قليلة، تعرف الآن بـ «أبيار علي» قال الشيخ: وتسمى وادي العقيق، ومسجدها يسمى مسجد الشجرة، وفيها بئر تسميها العامة بئر علي، لظنهم أن عليًا قاتل الجن بها، وهو كذب، فإن الجن لم يقاتلهم أحد من الصحابة، وعلى أرفع قدرًا من أن يثبت الجن لقتاله، ولا فضيلة لهذه البئر، ولا مذمة، ولا يستحب أن يرمى بها حجر ولا غيره.
بينها وبين المدينة ستة أميال أو سبعة. وهي أَبعد المواقيت من مكة. بينها وبين مكة عشرة أيام (1)(و) ميقات (أهل الشام ومصر والمغرب الجحفة) بضم الجيم وسكون الحاء المهملة (2) قرب «رابغ» (3) بينها وبين مكة ثلاث مراحل (4) .
(1) وقاله الشيخ وغيره، ولفظه: عشر مراحل، أو أقل، أو أكثر؛ بحسب اختلاف الطرق، فإن منها إلى مكة عدة طرق.
(2)
وقاله أيضًا الشيخ وغيره. وقال: كانت قرية قديمة، كبيرة، معمورة، جامعة، وكانت تسمى «مهيعة» فجحف السيل بأهلها، فسميت الجحفة، بقرب «رابغ» على يسار الذاهب إلى مكة، وهي اليوم خراب، ولهذا صار الناس يحرمون قبلها، من المكان الذي يسمى رابغًا، ومن أحرم منه فقد أحرم قبل محاذاة الجحفة، وليس الإحرام منه مفضولاً، لأنه لضرورة انبهام الجحفة على أكثر الحاج، ولعدم مائها.
(3)
وادٍ عند الجحفة، يقطعه الحاج، بين الحرمين، قرب البحر، بين البزوى والجحفة، دون عزور. قال ابن ظهير: منهل حسن، والآن هو بلدة مشهورة.
(4)
قال النووي وغيره: فيه نظر ظاهر، وإنما بينهما خمس مراحل أو ست، وهذا الواقع بلا ريب، وستة أميال من البحر، وست أو خمس مراحل من المدينة. قال الشيخ: وهذا ميقات لمن حج من ناحية المغرب، كأهل الشام، ومصر، وسائر المغرب، لكن إذا اجتازوا بالمدينة النبوية، كما يفعلونه اليوم، أحرموا من ميقات أهل المدينة، فإن هذا هو المستحب لهما بالاتفاق، فإن أخروا الإحرام إلى الجحفة ففيه نزاع.
(و) ميقات (أهل اليمن: يلملم)(1) . بينه وبين مكة ليلتان (2)(و) ميقات (أَهل نجد) والطائف (قرن) بسكون الراء (3) ويقال: قرن المنازل، وقرن الثعالب (4) على يوم وليلة من مكة (5)(و) ميقات (أهل المشرق) أي العراق، وخراسان، ونحوهما (6) .
(1) ويقال: ألملم. لغتان، وغلب على البقعة، فلا ينصرف، وهو جبل من جبال تهامة، ويقال «يرمرم» على البدل، وقيل: واد هناك يحرم منه أهل اليمن وفيه مسجد معاذ، واليمن: ما كان عن يمين الكعبة، كما أن الشام بالعكس، والنسبة إلى اليمن يماني ويمان، وإلى الشام شامي.
(2)
وكذا قال الشيخ وغيره، بينهما مرحلتان، فإذا أتى من سواكن إلى جدة، فإن رابغ ويلملم يكونان أمامه، فيصل جدة قبل محاذاتهما، فيحرم منها، لأنها على مرحلتين من مكة.
(3)
بلا خلاف، إلا ما غلط فيه الجوهري، فقال: بفتح الراء؛ والمراد نجد اليمن، ونجد الحجاز، وهو ما بين جرش إلى سواد الكوفة، ويقال: أوله من ناحية العراق ذات عرق، وآخره سواد العراق.
(4)
هو قرن المنازل، بلدة، أو اسم الوادي، «وقرن» الجبل الصغير المنفرد، وبه جبل صغير منفرد، فلعل القرية سميت به، وفي القاموس وغيره: أو اسم الوادي، ويعرف الآن بالسيل، لكثرة ممر السيل والغيول به، «وقرن الثعالب» كما في المصباح: جبل مطل على عرفات.
(5)
وقال الشيخ: مرحلتان. وهو كذلك.
(6)
مما يليهما من البلدان، وعلى جهتهما.
(ذات عرق) منزل معروف (1) سمي بذلك لأَن فيه عرقًا، وهو الجبل الصغير (2) وبينه وبين مكة نحو مرحلتين (3)(وهي) أَي هذه المواقيت (لأَهلها) المذكورين (4)(ولمن مر عليها من غيرهم) أَي من غير أَهلها (5) ومن منزله دون هذه المواقيت يحرم منه لحج وعمرة (6) .
(1) قرية قديمة، من علاماتها المقابر القديمة، ثبت بالنص، وقيل: سنه عمر رضي الله عنه، وتبعه عليه الصحابة، واستمر العمل عليه، وقال ابن عبد البر: ميقات بالإجماع.
(2)
المشرف على العقيق، وقيل: عرق الأرض السبخة، تنبت الطرفاء، ويعرف اليوم بريع الضريبة.
(3)
قاله الشيخ، وقال: فالثلاثة متساوية، أو متقاربة، وهذه المواقيت كلها ثبتت بالنص والإجماع، وقال بعضهم:
عرق العراق يلملم اليمني
…
وذو الحليفة يحرم المدني
والشام جحفة إن مررت بها
…
ولأهل نجد قرن فاستبن
(4)
يعني الذين تقدم ذكرهم.
(5)
ممن يريد حجًا أو عمرة، ويجب عليه الإحرام منها بالإجماع، ويحرم تأخيره عنها بلا نزاع، لمن أراده، فإن مر الشامي أو المدني أو غيرهما، على غير ميقات بلده، كالشامي يمر بذي الحليفة، فإنه يحرم من الميقات الذي مر عليه، لأنه صار ميقاتًا له، وحكاه النووي إجماعًا، ونوزع بخلاف أبي ثور، وعطاء، وبعض المالكية، ولا يلتفت إلى خلافهم، لاستفاضة النصوص بالتوقيت.
(6)
أي يحرم من موضعه، ولو من غير أهلها، كأهل عسفان، لا من الحرم، فلا يجوز دخوله إلا محرمًا لمن قصد النسك، فإن كان له منزلان جاز أن يحرم من أقربهما إلى مكة، والأولى أن يحرم من البعيد.
(ومن حج من أهل مكة فـ) إنه يحرم (منها)(1) لقول ابن عباس: وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل المدينة ذا الحليفة، ولأَهل الشام الجحفة، ولأَهل نجد قرنًا، ولأَهل اليمن يلملم، «هن لهن (2) ولمن أَتى عليهن، من غير أَهلهن، ممن يريد الحج والعمرة (3) ومن كان دون ذلك فمهلُّه من أَهله (4) وكذلك أهل مكة يهلون منها» متفق عليه (5) .
(1) أي من مكة، وكذا من كان بها من غير أهلها، وسواء كان بمكة أو في الحرم، فقوله: من أهل مكة. ليس بقيد، إذ من كان بها من غير أهلها فحكمه كذلك إجماعًا.
(2)
مقتضاه «لهم» ، لكن عدل عن ذلك للتشاكل، أي لأهلها، الذين تقدم ذكرهم «ووقت» حد، بمعنى: أوجب.
(3)
أي وهذه المواقيت، مواقيت لمن مر بهن، من غير أهلهن، أي أهل تلك البلدان المذكورة، ممن يريد الحج والعمرة، فيجب أن لا يجاوزها إلا محرمًا بالاتفاق.
(4)
أي يهل بالحج أو العمرة، أو بهما من دويرة أهله، وفي رواية «ومن كان دون ذلك فمن حيث أنشأ» أي فميقاته من حيث أنشا الإحرام، إذ السفر من مكانه إلى مكة، قال الحافظ: وهذا متفق عليه.
(5)
أي يهلون من مكة، فلا يحتاجون إلى الخروج إلى الميقات للإحرام منه، بل منها، كالآفاقي الذي بينها وبين الميقات، وقال جابر: أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نحرم، فأهللنا من الأبطح. رواه مسلم. وظاهره: لا ترجيح لموضع على آخر، وعن ابن عمر نحو حديث ابن عباس؛ ولمسلم عن جابر نحوه، وعن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم وقت لأهل العراق ذات عرق، رواه أبو داود، والنسائي، وثبت بتوقيت عمر، ولعله خفي النص، فوافقه برأيه، فإنه موفق للصواب، والصواب أن هذه الخمسة منصوصة عن النبي صلى الله عليه وسلم، للأحاديث الجياد والحسان، التي يجب العمل بمثلها، وقال الخطابي: معنى التحديد في هذه المواقيت، أن لا تتعدى، ولا تتجاوز إلا باستصحاب الإحرام.
ومن لم يمر بميقات، أَحرم إذا علم أَنه حاذى أَقربها منه (1) . لقول عمر: انظروا إلى حذوها من طريقكم. رواه البخاري (2) ويسن أَن يحتاط (3) فإن لم يحاذ ميقاتًا أَحرم عن مكة بمرحلتين (4)(وعمرته) أي عمرة من كان بمكة، يحرم لها (من الحل)(5) .
(1) أي ومن كان طريقه بين ميقاتين مثلاً، أحرم إذاغلب على ظنه أنه حاذى أقربهما منه، بحيث أنه إذا حاذى أحدهما، يبقى بينه وبينه يوم، وإذا حاذى الآخر يبقى بينه وبينه يومان، وهو عند محاذاة أحدهما غير محاذ للآخر، فيحرم إذا حاذى الأقرب إليه، ولو كان الآخر أبعد.
(2)
ولفظه: فانظروا حذوها من طريقكم.
(3)
مع جهل المحاذاة، فيحرم من حذو الأبعد، لأن هذا من باب التقدير، ليخرج من العهدة، وكذا من أول كل ميقات، وهو الطرف الأبعد عن مكة، ويتعين الاحتياط عند المحاذاة، إذا لم يظهر له، والاحتياط: أن يجعل المعدوم كالموجود، والموهوم كالمحقق، وإن أحرم من الطرف الأقرب جاز، لإحرامه من الميقات، وصدق الاسم عليه، والعبرة بالبقعة.
(4)
لأنه لا ميقات دونهما، والمرحلتان ثلاثون ميلاً.
(5)
ومن التنعيم أفضل، وهو أدناه.
لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر عبد الرحمن بن أبي بكر أَن يعمر عائشة من التنعيم، متفق عليه (1) . ولا يحل – لحر مسلم مكلف أَراد مكة أَو الحرم – تجاوز الميقات بلا إحرام (2) .
(1) فدل على أن من كان بمكة يحرم منه، وهو أقرب الحل من الحرم، فالتنعيم من الحل، بين مكة وسرف، على فرسخين من مكة، سمي بالتنعيم، لأن جبلاً عن يمينه اسمه نعيم، وآخر عن شماله اسمه ناعم، والوادي نعمان بفتح النون، وإن أحرم من مكة، أو من الحرم انعقد للخبر، ويأتي الكلام على الاعتمار من مكة، إن شاء الله تعالى.
(2)
لأنه صلى الله عليه وسلم وقت المواقيت، وللشافعي قول: يجب، صححه جماعة، لإطباق الناس عليه. ولأن الإحرام لتعظيم هذه البقعة الشريفة، فإن الله جعل البيت معظمًا، وجعل المسجد الحرام فناء له، وجعل مكة فناء للمسجد الحرام، وجعل الميقات فناء للحرم، والشرع ورد بكيفية تعظيمه، وهو الإحرام على هيئة مخصوصة، فلا يجوز تركه، وهو مذهب أبي حنيفة، ومالك، ولم ينقل عن أحد من الصحابة أنهم تجاوزوها بغير إحرام، وعن ابن عباس مرفوعًا – وفيه ضعف - «لا يدخل أحد مكة إلا بإحرام» وصح من قوله رضي الله عنه، واختاره الأكثر، لأنه من أهل فرض الحج، ولعدم تكرر حاجته، وأما من أراد النسك فباتفاق الأئمة، حكاه الوزير وغيره.
وقال الشيخ: ليس لأحد أن يجاوز الميقات، إذا أراد الحج والعمرة إلا بإحرام، وإن قصد مكة لتجارة أو لزيارة، فينبغي له أن يحرم، وفي الوجوب نزاع. اهـ. وظاهر مذهب الشافعي الجواز، وعن أحمد نحوه، صححه ابن عقيل، وهو ظاهر الخرقي، واستظهره في الفروع، للخبر، وحكاه أحمد عن ابن عمر، وأنه ينبني على عموم المفهوم، قال الزركشي: وهو ظاهر النص، والأصل عدم الوجوب، ومن قال بجوازه – لمن لم يقصد النسك – كره تركه، إلا أن يتكرر دخوله، وأما من لا يجب عليه كالعبد والصبي، فلا يلزمه الإحرام منه، لأنه لا يلزمه الحج، فلأن لا يلزمه الإحرام بطريق الأولى، واحترز بقوله: أراد مكة أو الحرم. عمن تجاوزه غير مريد له، فلا يحرم بغير خلاف، ولأنه صلى الله عليه وسلم هو وأصحابه، أتوا بدرًا مرتين، وكانوا يسافرون للجهاد، فيمرون بذي الحليفة بغير إحرام، ولو تجاوزه الحر المسلم المكلف بلا إحرام، وهو مريد مكة، لم يلزمه قضاء الإحرام، جزم به وصححه غير واحد، من الأصحاب وغيرهم، ولأنه قد ثبت بالاتفاق أن الحج والعمرة – عند من أوجبها – إنما تجب مرة واحدة، فلو وجب على كل من دخل مكة أن يحج ويعتمر، لوجب أكثر من مرة.
إلا لقتال مباح أَو خوف (1) أو حاجة تتكرر، كحطاب، ونحوه (2) .
(1) كقتال كفار بمكة، وبغاة، لدخوله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة، وعلى رأسه المغفر، ولم ينقل عنه صلى الله عليه وسلم، ولا عن أحد من أصحابه الإحرام يومئذ، ولا خلاف في ذلك، وألحق الخوف بالقتال المباح.
(2)
كرسول سلطان، وبريد، وناقل ميرة، ولصيد، واحتشاش، ونحو ذلك، لقول ابن عباس: لا يدخل إنسان مكة إلا محرمًا، إلا الجمالين، والحطابين، وأصحاب منافعها، احتج به أحمد، وكذا مكي يتردد إلى قريته بالحل، إذ لو وجب لأدى إلى ضرر ومشقة، وهو منفي شرعًا، ثم إن بدا له، أو لمن لم يرد الحرم، أحرم من موضعه، لأنه حصل دون الميقات، على وجه مباح، وحاصله أن المار على الميقات، أو ما يحاذيه، لا يجوز له تجاوزه بلا إحرام، بسبعة شروط، أربعة وجودية، الإسلام والحرية، والتكليف، وإرادة مكة أو الحرم؛ وثلاثة عدمية: القتال المباح، والخوف، والحاجة المتكررة، وإن دخل من لا يجوز له تجاوز الميقات من غير إحرام، طاف وسعى، وحلق أو قصر، وقد حل.
فإن تجاوزه لغير ذلك (1) لزمه أن يرجع ليحرم منه (2) إن لم يخف فوت حج (3) أو على نفسه (4) وإن أحرم من موضعه فعليه دم (5) . وإن تجاوزه غير مكلف (6) .
(1) أي من الأعذار المتقدمة: القتال والخوف، والحاجة المتكررة.
(2)
تداركًا لإثمه أو تقصيره، لأنه واجب، أمكنه فعله، فلزمه، كسائر الواجبات، ووجوبه بالسبعة الشروط المتقدمة، فإن أحرم منه فلا دم عليه، لأنه أتى بالواجب عليه، كما لو لم يتجاوزه.
(3)
فإن خاف لم يلزمه رجوع، ويحرم من موضعه، وعليه دم.
(4)
أو على أهله، أو ماله، ونحو ذلك، فإن خاف ذلك أو شيئًا منه، أحرم من موضعه، وعليه دم.
(5)
أي موضعه الذي دون الميقات، لعذر أولا وفاقًا، لحديث ابن عباس مرفوعًا «من ترك نسكًا فعليه دم» ولتركه الواجب، وإن رجع محرمًا إلى الميقات، لم يسقط الدم برجوعه، وفاقًا لمالك، وعنه: يسقط، لإتيانه بالواجب. وإن أفسد نسكه هذا، لم يسقط دم المجاوزة، ومن مر في الحرم، قبل مضيه إلى عرفة فلا دم، لإحرامه قبل ميقاته، كمحرم قبل المواقيت، وهذا مذهب أبي حنيفة، والشافعي.
(6)
فلا دم عليه، لأنه ليس من أهل فرض الحج، وكذا رقيق، أو كافر، قال الشيخ: إنما يجب الإحرام على الداخل، إذا كان من أهل وجوب الحج، وأما العبد، والصبي، والمجنون، فيجوز لهم الدخول بغير إحرام، لأنه إذا لم تجب عليهم حجة الإسلام وعمرته، فلأن لا يجب عليهم ما هو من جنسه، بطريق الأولى.
ثم كلف أَحرم من موضعه (1) وكره إحرام قبل ميقات (2) ويحج قبل أشهره، وينعقد (3) .
(1) لأنه حصل دون الميقات، على وجه مباح، فكان له أن يحرم منه، كأهل ذلك الموضع، وكذا رقيق أو كافر.
(2)
أي كره أن يحرم بالحج أو العمرة، قبل الميقات الذي وقته الشارع، وروى الحسن أن عمران بن حصين: أحرم من مصر، فبلغ عمر، فغضب، وقال: يتسامع الناس أن رجلاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أحرم من مصره، وقال: إن عبد الله بن عامر أحرم من خراسان، فلما قدم على عثمان، لامه فيما صنع، وكرهه له. رواهما سعيد والأثرم. وقال البخاري: كره عثمان أن يحرم من خراسان أو كرمان، ولأبي يعلى عن أبي أيوب مرفوعًا «يستمتع أحدكم بحله ما استطاع، فإنه لا يدري ما يعرض له في إحرامه» وهو أفضل، لموافقته الأحاديث الصحيحة، وفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه أخر إحرامه من المدينة إلى الحليفة، إجماعًا في حجة الوداع، وكذا في عمرة الحديبية، وقال ابن عباس: من السنة أن لا يحرم بالحج إلا في أشهره. وفيه حديث مرفوع «لا ينبغي أن يحرم بالحج إلا في أشهره» وسنده لا بأس به. قاله ابن كثير وغيره؛ ولما فيه من المشقة، وعدم الأمن من المحظور.
(3)
أي ويكره: أن يحرم بالحج قبل أشهر الحج، قال في الشرح: بغير خلاف علمناه. لقول ابن عباس: من السنة أن لا يحرم بالحج، إلا في أشهر الحج. رواه البخاري. وقال تعالى {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} أي وقت الحج أشهر معلومات، أو: أشهر الحج أشهر معلومات. فحذف المضاف، وأقيم المضاف إليه مقامه، ولأنه أحرم بالعبادة قبل وقتها، فأشبه ما لو أحرم قبل الميقات المكاني، وينعقد الإحرام قبل الميقات المكاني، وينعقد أيضًا الإحرام بالحج قبل أشهره، وهو مذهب أبي حنيفة، ومالك، وحكى ابن المنذر وغيره الصحة في تقدمه على الميقات المكاني، إجماعًا، لأنه فعل جماعة من الصحابة والتابعين، ولم يقل أحد قبل داود: إنه لا يصح. ولكنه مكروه، وقوله {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} أي معظمه في أشهره، كقوله صلى الله عليه وسلم «الحج عرفة» .
وميقات العمرة الزماني جميع العام، ولا يكره الإحرام بها، يوم عرفة، والنحر، والتشريق، وهو مذهب مالك، والشافعي، وداود وغيرهم، والمذهب: في رمضان أفضل، لخبر «عمرة في رمضان تقضي حجة» أو قال «حجة معي» وفي رواية «تعدل» ولأحمد «تجزئ حجة» وقيل: وفي غير أشهر الحج، لأنه يكثر القصد إلى البيت في كل السنة، والنبي صلى الله عليه وسلم. إنما اعتمر في أشهر الحج، مخالفة لهدي المشركين.
وقال ابن سيرين: ما أحد من أهل العلم يشك أن عمرة في أشهر الحج، أفضل من عمرة في غير أشهر الحج. قال ابن القيم: وهذا دليل على أن الاعتمار في أشهر الحج، أفضل من سائر السنة، بلا شك، سوى رمضان، لخبر أم معقل، ولكن لم يكن الله ليختار لنبيه صلى الله عليه وسلم إلا أولى الأوقات، وأحقها بها، فكانت في أشهر الحج، نظير وقوع الحج في أشهره، وهذه الأشهر، قد خصها الله بهذه العبادة، وجعلها وقتًا لها، والعمرة حج أصغر، فأولى الأزمنة بها أشهر الحج.
(وأشهر الحج: شوال، وذو القعدة، وعشر من ذي الحجة)(1) .
(1) بكسر الحاء على الأشهر، وتفتح، وذو القعدة، بالفتح، وتكسر، والحديث، رواه ابن عمر مرفوعًا، وهو مذهب أبي حنيفة، والشافعي، وقاله جمع من الصحابة، منهم عمر وعلي وابن مسعود، وابن الزبير وابن عباس وابن عمر. وقال مالك: وذو الحجة جميعه، وفائدة الخلاف عنده: تعلق الدم، بتأخير طواف الإفاضة، عن أشهر الحج، وعند الشافعي: جواز الإحرام فيها، وعندنا وأبي حنيفة: تعلق الحنث، وقال الوزير وغيره: ليس له فائدة تخصه
حكمية. وتقدم أن «شوال» ، من: شالت الإبل بأذنابها للطراق؛ وذو القعدة، لقعودهم فيها عن القتال والترحال. وذو الحجة، لإقامتهم الحج فيه.
منها يوم النحر، وهو يوم الحج الأَكبر (1) .
(1) الذي قال فيه الرسول صلى الله عليه وسلم حين خطب الناس بمنى، «وأي يوم هذا؟» ثم قال «أليس يوم الحج الأكبر؟» قالوا: بلى. ولحديث ابن عمر مرفوعًا: «يوم النحر يوم الحج الأكبر» ، وإنما فات الحج بفجر يوم النحر بخروج وقت الوقوف، لا لخروج وقت الحج.
باب الإحرام (1)
لغة: نية الدخول في التحريم (2) لأَنه يحرم على نفسه بنيته ما كان مباحًا له قبل الإحرام، من النكاح، والطيب، ونحوهما (3) وشرعًا:(نية النسك) أي نية الدخول فيه (4) لا نية أَن يحج أَو يعتمر (5) .
(1) والتلبية، وما يتعلق بهما.
(2)
كأن الرجل يحرم على نفسه النكاح والطيب، وأشياء من اللباس، كما يقال «أشتى» دخل في الشتاء، و «أربع» إذا دخل في الربيع، حكاه ابن فارس وغيره، ومنه – في الصلاة - «تحريمها التكبير» وقال الجوهري وغيره: الحرم بالضم الإحرام، وأحرم بالحج.
(3)
كتقليم الأظفار، وحلق الرأس، وأشياء من اللباس، ونحو ذلك مما سيأتي بيانه.
(4)
فلا ينعقد بدونها، وهو مذهب مالك، والشافعي، وقيل: مع التلبية، أو سوق الهدي، وهو مذهب أبي حنيفة، واختاره الشيخ وغيره، وقاله الشافعي، وجماعة من المالكية.
(5)
فإن ذلك لا يسمى إحرامًا، وكذا التجرد، وسائر المحظورات، ليس داخلاً في حقيقته، بدليل كونه محرمًا بدون ذلك، ولا يصير محرمًا بترك المحظورات، عند عدم النية، فذات الإحرام مع النية، وجودًا وعدمًا، قال
الشيخ: ولا يكون الرجل محرمًا بمجرد ما في قلبه، من قصد الحج ونيته، فإن القصد ما زال في القلب منذ خرج من بلده، بل لا بد من قول، أو عمل يصير به محرمًا، هذا هو الصحيح من القولين.
(سن لمريده) أي لمريد الدخول في النسك، من ذكر وأُنثى (غسل)(1) ولو حائضًا ونفساء، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أسماء بنت عميس – وهي نفساء – أَن تغتسل. رواه مسلم (2) .
(1) فإنه صلى الله عليه وسلم اغتسل لإحرامه، رواه الترمذي وحسنه، وكان ابن عمر يتوضأ أحيانًا، ويغتسل أحيانًا، والغسل أفضل، وللحاكم وغيره عنه: من السنة أن يغتسل إذا أراد أن يحرم؛ ولأنه أعم، وأبلغ في التنظيف، والمراد منه تحصيل النظافة، وإزالة الرائحة، قال الشيخ: ولم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن أصحابه في الحج، إلا ثلاثة أغسال، عند الإحرام، والغسل عند دخول مكة، والغسل يوم عرفة، وما سوى ذلك – كالغسل لرمي الجمار، والطواف. والمبيت بمزدلفة – فلا أصل له، لا عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن أصحابه، ولا استحبه جمهور الأئمة، لا مالك، ولا أبو حنيفة، ولا أحمد، وإن كان قد ذكره طائفة من متأخري أصحابه، بل هو بدعة، إلا أن يكون هناك سبب يقتضي الاستحباب، مثل أن يكون عليه رائحة يؤذي الناس بها، فيغتسل لإزالتها.
وقال: فتركه الاغتسال للمبيت، والرمي، والطواف سنة، والقول بخلاف ذلك خلاف السنة. اهـ. واستحب بعض الحنفية أن يجامع أهله، أو جاريته، إن كان تحصينًا للفرج، وحفظًا للنظر، ولا خلاف أن الجماع مباح قبل الإحرام بطرفة عين، وينعقد الإحرام بلا خلاف.
(2)
وغيره، فدل على سنية غسلها، وسنية الاغتسال مطلقًا، لأن النفساء إذا أمرت به، مع أنها غير قابلة للطهارة، فغيرها أولى، ولا يضر حدث بين غسل
وإحرام، بل يحصل له المسنون، وفيه صحة إحرام النفساء، ومثلها الحائض، وأولى منهما الجنب، وهو إجماع، ولفظه: أتينا ذا الحليفة، فولدت أسماء محمد بن أبي بكر، فأرسلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف أصنع؟ فقال «اغتسلي، واستثفري بثوب، وأحرمي» .
وأَمر عائشة أَن تغتسل لإهلال الحج وهي حائض (1)(أَو تيمم لعدم) أي عدم الماء (2) أو تعذر استعماله لنحو مرض (3)(و) سن له أيضًا (تنظف) بأخذ شعر، وظفر، وقطع رائحة كريهة (4) لئلا يحتاج إليه في إحرامه، فلا يتمكن منه (5) . (و) سن له أيضًا (تطيب) في بدنه (6) .
(1) متفق عليه، ولأبي داود عن ابن عباس مرفوعًا «النفساء، والحائض، تغتسل وتحرم، وتقضي المناسك كلها، غير أن لا تطوف بالبيت» والحكمة فيه التنظف، وقطع الرائحة الكريهة، وتخفيف النجاسة.
(2)
ولو قال: لعذر. لكان أشمل.
(3)
وخوف وعطش وتقدم، وقيل: لا يستحب له التيمم؛ اختاره الموفق، والشارح، وغيرهما، وصوبه في الإنصاف.
(4)
لقول إبراهيم: كانوا يستحبون ذلك. رواه سعيد.
(5)
أي مما يحتاج إليه، من نحو ظفر، لأن الإحرام يمنع من ذلك، ولأنه عبادة، فسن فيه، كالجمعة، وقال الشيخ: إن احتاج إليه فعل، وليس من خصائص الإحرام، ولم يكن له ذكر، فيما نقله الصحابة، لكنه مشروع بحسب الحاجة.
(6)
ولو امرأة، سواء كان بما تبقى عينه كالمسك، أو أثره كالعود، والبخور، وماء الورد، وهو مذهب مالك، والشافعي، وقال الشيخ: إن شاء المحرم أن
يتطيب في بدنه فهو حسن، ولا يؤمر المحرم قبل الإحرام بذلك، فإن النبي صلى الله عليه وسلم فعله، ولم يأمر به الناس، وظاهره: كراهة تطييب ثوبه كما سيأتي، وهو المذهب، قاله في المبدع.
بمسك، أَو بخور (1) أو ماء ورد، ونحوها (2) لقول عائشة: كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم لإحرامه قبل أَن يحرم، ولحله قبل أَن يطوف بالبيت (3) . وقالت: كأني أنظر إلي وبيص المسك، في مفارق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محرم. متفق عليه (4) .
(1) بفتح الموحدة: ما يتبخر به من الألوَّة وغيرها. وإن كان يبقى أثره، أو تبقى عينه، كالمسك، طيب معروف.
(2)
من أنواع الطيب الذي يبقى أثره أو عينه، وهذا مذهب مالك، والشافعي.
(3)
رواه البخاري وغيره، والمراد أنها كانت تطيبه عند إرادته فعل الإحرام، لأجل دخوله فيه، ولهما عنها: عند إحرامه، قبل أن يحرم. أي يدخل في الإحرام، والمراد بدنه، لا ثيابه، لما يأتي من النهي عنه.
(4)
فدل على تخصيص البدن بالطيب، واستحبابه، واستدامته، ولو بقي لونه ورائحته، بلا نزاع، «والوبيص» بفتح الواو، وكسر الموحدة، آخره صاد مهملة، البريق واللمعان، يقال: وبص وبيصًا. برق ولمع، وقيل: الوبيص زيادة على البريق. والمراد به التلألؤ، فدل على وجود عين باقية، لا الريح فقط، قال ابن القيم: ومذهب الجمهور: جواز استدامة الطيب، للسنة الصحيحة: أنه كان يرى وبيص الطيب في مفارقه بعد إحرامه. اهـ. ولأنه غير متطيب بعد الإحرام، وحديث صاحب الجبة عام حنين، سنة ثمان، وحديث عائشة عام حجة الوداع، سنة عشر، فهو ناسخ، ويستحب لها خضاب بحناء، لحديث ابن عمر: من السنة أن تدلك المرأة يديها في حناء.
وكره أن يتطيب في ثوبه (1) وله استدامة لبسه (2) ، ما لم ينزعه، فإن نزعه فليس له أَن يلبسه قبل غسل الطيب منه (3) ومتى تعمد مس ما على بدنه من الطيب (4) أَو نحاه من موضعه، ثم رده إليه (5) أو نقله إلى موضع آخر فدى (6) لا إن سال بعرق أَو شمس (7)(و) سن له أيضًا (تجرد من مخيط)(8) .
(1) أي كره لمريد الإحرام أن يتطيب – بأي نوع من أنواع الطيب – في ثوبه، إزاره، أو ردائه، وحرمه الآجري.
(2)
ولو بقي لونه ورائحته، عند جمهور العلماء، من الصحابة، والتابعين، قال ابن القيم: للسنة الصحيحة.
(3)
أي من الثوب المطيب، لأن الإحرام يمنع الطيب ولبس المطيب، دون الاستدامة، لقوله «لا تلبسوا شيئًا من الثياب مسه ورس أو زعفران» .
(4)
فعلق الطيب بها فدى، لاستعماله الطيب.
(5)
يعني بعد إحرامه فدى.
(6)
لأنه ابتداء للطيب، فحرم فعله، ووجبت الفدية.
(7)
فلا فدية، لحديث عائشة قالت: كنا نخرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة، فنضمد جباهنا بالمسك عند الإحرام، فإذا عرقت إحدانا سال على وجهها، فيراه النبي صلى الله عليه وسلم فلا ينهاها. رواه أبو داود.
(8)
قبل نية إحرام، ليحرم عن تجرد، ويجوز أن يعقد إحرامه قبل تجرده، لكن إن استدام لبس المخيط – ولو لحظة فوق المعتاد من وقت خلعه – فدى، لأن الاستدامة كالابتداء، قال الشيخ: والتجرد من اللباس واجب في الإحرام، وليس شرطًا فيه، فلو أحرم وعليه ثياب، صح ذلك، بسنة رسول الله صلى الله عليه
وسلم، وباتفاق أئمة أهل العلم، وعليه أن ينزع اللباس المحظور. اهـ. ويخلعه ولا يشقه، ولا فدية، لأن يعلى بن أمية أحرم في جبة، فأمره صلى الله عليه وسلم بخلعها، متفق عليه، ولأبي داود: فخلعها من رأسها. ولم يأمره بشق، ولا فدية.
وهو كل ما يخاط على قدر الملبوس عليه (1) كالقميص، والسراويل (2) لأنه صلى الله عليه وسلم تجرد لإهلاله، رواه الترمذي (3)(و) سن له أيضًا أن (يحرم في إزار ورداء أبيضين) نظيفين، ونعلين (4) .
(1) لقوله صلى الله عليه وسلم في المحرم «لا يلبس القميص» ويأتي.
(2)
والبرنس، والقباء، والدرع، ونحوه مما يصنع – من لبد ونحوه – على قدر الملبوس عليه، وإن لم يكن فيه خياطة، والحكمة أن يبعد عن الترفه، ويتصف بصفة الخاشع الذليل، وليتذكر أنه محرم في كل وقت، فيكون أقرب إلى استذكاره، وأبلغ في مراقبته، وصيانته لعبادته، وامتناعه من ارتكاب المحظورات، وليتذكر الموت، ولباس الأكفان، ويتذكر به البعث يوم القيامة، والناس حفاة عراة، مهطعين إلى الداعي، بل تعظيمًا لبيت الله الحرام، وإجلالاً وإكرامًا، كما تراه في الشاهد من ترجل الراكب، القاصد إلى عظيم من الخلق، إذا قرب من ساحته، خضوعًا له، فكذا لزم القاصد إلى بيت الله، أن يحرم قبل الحلول إجلالاً، متخليًا عن نفسه، فارغًا من اعتبارها.
(3)
أي تجرد من لباسه لإحرامه، ولأمره بنزع الجبة كما تقدم.
(4)
سواء كان الإزار والرداء جديدين، أو لبيسين، وكونهما نظيفين، لأنا أحببنا له التنظف في بدنه، فكذلك في ثيابه، فالرداء على كتفه، والإزار في وسطه، ويجوز في ثوب واحد، والإزار هو هذا اللباس المعروف، الذي يشد على الحقوين فما تحتهما، وهو «الميزر» والرداء ما يرتدي به على المنكبين، وبين
الكتفين، من برد، أو ثوب ونحوه، يجعل نصفه على كتفيه، قال الشيخ: يجوز أن يحرم في جميع أجناس الثياب المباحة، من القطن، والكتان، والصوف، ويستحب في ثوبين نظيفين، فإن كانا أبيضين فهو أفضل، لحديث «خير ثيابكم البياض» وقال: السنة أن يحرم في إزار ورداء، سواء كانا مخيطين أو غير مخيطين، باتفاق الأئمة، ولو أحرم في غيرهما جاز، إذا كان مما يجوز لبسه، ويجوز أن يحرم في الأبيض، وغير الأبيض من الألوان الجائزة، وإن كان ملونًا. وقال الموفق: ولو لبس إزارًا موصلاً، أو اتشح بثوب مخيط، كان جائزًا.
لقوله عليه اسلام «وليحرم أحدكم في إزار، ورداء، ونعلين» رواه أحمد (1) . والمراد بالنعلين: التاسومة (2) . ولا يجوز له لبس السرموزة، والجمجم، قاله في الفروع (3)(و) سن (إحرام عقب ركعتين) نفلاً، أَو عقب فريضة (4) .
(1) وقال ابن المنذر: ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم. وسيأتي ما في معناه إن شاء الله تعالى.
(2)
بالمثناة فوق، فسين مهملة فواو، مشهورة، وتعرف – بنجد والحجاز – بالنعال ذوات السيور.
(3)
السرموزة، هو البابوج معرب، والجمجم بضم الجيمين هو المداس، معرب أيضًا.
(4)
نص عليه، وفاقًا لأبي حنيفة، قال ابن بطال: هو قول جمهور العلماء، وقال البغوي: عليه العمل عند أكثر العلماء، وذكر النووي استحبابه قول عامة العلماء، وقال الترمذي: والذي يستحبه أهل العلم أن يحرم دبر الصلاة.