الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال ابن حجر في شرح الأربعين: في شعبان. انتهى (1) فصام رسول الله صلى الله عليه وسلم تسع رمضانات إجماعًا (2)
(يجب صوم رمضان برؤية هلاله)
(3) لقوله تعالى {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} (4) .
(1) أي انتهى كلام ابن حجر، وصوبه في الإمداد، وفيه: أركانه ثلاثة: صائم، ونية، وإمساك عن المفطرات. اهـ. يعني حقيقة وحكما، وحكمه الأخروي نيل الثواب، والدنيوي سقوط الواجب إن كان لازمًا.
(2)
حكاه غير واحد من أهل العلم بالأخبار والسير، لفرضه في السنة الثانية في شعبان، وأكثر صيامه تسعًا وعشرين، والشهر ينقص أحيانًا، ويكمل، وثوابهما واحد، في الفضل المرتب على رمضان، لا المترتب على كل يوم، فيفوق الكامل.
(3)
بإجماع المسلمين، ويستحب ترائي الهلال، ليلة الثلاثين من شعبان، احتياطًا لصومهم، وحذارًا من الاختلاف، وعن عائشة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحفظ من شعبان، ما لا يتحفظ من غيره، ثم يصوم لرؤية رمضان، فإن غم عليه، عد ثلاثين، ثم صام. رواه أحمد، وأبو داود، والدارقطني، وقال: هذا إسناد صحيح. ويستحب قول ما ورد إذا رآه، ومنه «الله أكبر» ثلاثًا «اللهم أهله علينا بالأمن والإيمان، والسلامة والإسلام، والتوفيق لما تحب وترضى، ربي وربك الله، هلال رشد وخير» الحمد لله الذي جاء بشهر رمضان، وذهب بشهر شعبان.
(4)
وهذا إيجاب من الله حتم، على من شهد شهر رمضان كله، فليصم الشهر كله، وقبله قوله {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} أي فرض عليكم وأوجب {كَمَا} فرض {عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} إلى قوله {شَهْرُ رَمَضَانَ} أي كتب عليكم صيام شهر رمضان، ولا نزاع في ذلك.
ولقوله عليه السلام «صوموا لرؤْيته، وأَفطروا لرؤْيته» (1) والمستحب قول: شهر رمضان؛ كما قال الله تعالى (2) ولا يكره قول: رمضان (3)(فإن لم ير) الهلال (مع صحوٍ، ليلة الثلاثين) من شعبان (أَصبحوا مفطرين)(4) وكره الصوم، لأَنه يوم الشك المنهي عنه (5) .
(1) أي صوموا لرؤية هلال شهر رمضان، فيجب صومه برؤيته، بإجماع المسلمين «وأفطروا لرؤيته» أي هلال شوال إجماعًا، هو حديث متواتر، قاله الطحاوي وغيره، ولانعقاد الإجماع على وجوبه بالرؤية، وللعلم بدخوله ثلاث طرق، الرؤية، والشهادة عليها أو الإخبار، وإكمال شعبان ثلاثين.
(2)
أي في كتابه العزيز {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ} .
(3)
لوروده في السنة الصحيحة، ولم يثبت فيه نهي، وما روي «لا تقولوا رمضان، فإنه اسم من أسماء الله تعالى» موضوع، قاله الشيخ وغيره، ولا يسمى به إجماعًا، وسمي شهر الصوم رمضان، قيل: لحر جوف الصائم فيه ورمضه، والرمضاء: شدة الحر. وقيل: لما نقلوا أسماء الشهور عن اللغة القديمة، سموها بالأزمنة التي وقعت فيها، فوافق هذا الشهر أيام شدة الحر ورمضه. وقيل: لأنه يحرق الذنوب. وروي مرفوعًا، وقيل غير ذلك، وثبت «رمضان سيد الشهور» .
(4)
بلا نزاع، وهو ما يلي التاسع والعشرين من شعبان، لأنه لا يعلم كونه من رمضان، وسمي شعبان من تشعب القبائل، وتفرق اللغات، ويقال لأول ليلة وثانية وثالثة هلال، ثم هو قمر، وقيل: الأولى والثانية. وقيل: إلى أن يستدير بخطة دقيقة، وقيل: إلى أن يبهر ضوءه سواد الليل، والصحو ذهاب الغيم.
(5)
وهو مذهب مالك، والشافعي، وجمهور أهل العلم، وقال عمار:
من صام اليوم الذي يشك فيه، فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم. رواه أبو داود، والترمذي وصححه، وقال: العمل عليه عند أكثر أهل العلم. ورواه البخاري تعليقًا، وروي – من غير وجه النهي عن صومه – مرفوعًا عن حذيفة، وابن عباس، وغيرهما، قال أبو عمر: نهى صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم الشك، اطراحًا لأعمال الشك. وهذا أصل عظيم من الفقه أن لا يدع الإنسان ما هو عليه، من الحال المتيقنة، إلا بيقين في انتقالها.
وقال الشيخ: هو يوم شك أو يقين من شعبان، ينهى عن صومه بلا توقف، لأن الأصل والظاهر عدم الهلال، فصومه تقدم لرمضان بيوم، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عنه، وأصول الشريعة أدل على هذا القول منها على غيره، فإن المشكوك في وجوبه لا يجب فعله، ولا يستحب، بل يستحب ترك فعله احتياطًا، فلم تحرم أصول الشريعة الاحتياط، ولم توجبه بمجرد الشك. اهـ. وكذا إن كان غير يوم شك، فقد نهى عنه صلى الله عليه وسلم فقال «لا تقدموا رمضان بيوم ولا بيومين، إلا أن يكون صوم يصومه رجل، فليصم ذلك الصوم» رواه الجماعة، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال الترمذي: والعمل عليه عند أهل العلم وله عن ابن عباس – وصححه، من غير وجه - «لا تصوموا قبل رمضان» ولأبي داود وغيره، عن حذيفة مرفوعًا «لا تقدموا الشهر حتى تروا الهلال، أو تكملوا العدة» وللترمذي وصححه «إذا بقي نصف من شعبان فلا تصوموا» وذلك لئلا يتخذ ذريعة إلى أن يلحق بالفرض ما ليس منه، ويستثنى النذر، والورد، كمن عادته صوم الخميس، فوافق آخر الشهر، وصوم يوم وفطر يوم، للخبر، ومن عليه قضاء، وكره الشافعي وأحمد صومه قضاء، فتطوع أولى.
(وإن حال دونه) أَي دون هلال رمضان (1) .
(1) أيُّ حائل، ومرادهم المانع الذي يمتنع مع وجوده رؤية الهلال، صغيرًا كان أو كبيرًا.
بأن كان في مطلعه ليلة الثلاثين من شعبان (غيم (1) أَو قتر) بالتحريك أَي غبرة، وكذا دخان (2)(فظاهر المذهب يجب صومه)(3) .
(1) وهو السحاب، وجمعه غيوم وغيام، وكذلك الضباب، وقيل: أن لا يرى شمسًا من شدة الدجن.
(2)
أي حال بين الأبصار وبين رؤية الهلال دخان، وهو معروف، ويقال له: العثان، والغبرة في الهواء، وقال أبو زيد: القترة ما ارتفع من الغبار، فلحق بالسماء، والغبرة ما كان أسفل في الأرض، وذكر بعضهم أن البعد مانع كالغيم، وكمن بينه وبينه شيء يحول، كالجبل ونحوه، وكالمسجون.
(3)
أي الظاهر البائن، الذي ليس يخفى أنه المشهور في المذهب، أنه يجب صومه، وعنه: لا يجب صومه قبل رؤية هلاله، أو إكمال شعبان ثلاثين، نص عليه وجزم به صاحب الإقناع وغيره وفاقًا، وقال الشيخ: هي المذهب الصريح، المنصوص عنه، وذهب إليها المحققون في مذهب أحمد وغيرهم، بل يكره أو يحرم، ورواية حنبل تحريمه، وفاقًا للأئمة الثلاثة واختاره القاضي، وأبو الخطاب، وابن عقيل، وابن رزين، وابن مندة، والشيخ، وجميع أصحابه، وهو ما دلت عليه الأحاديث الصحيحة المتواترة.
واختاره إمام هذه الدعوة، ومن أخذ عنه، ونهوا عن صيامه، لوجوه، منها أن تلك الليلة من شعبان، بحسب الأصل، ولا تكون من رمضان إلا بيقين، ومنها النهي الصحيح الصريح عن تقدم رمضان بيوم أو يومين، ومن صامه فقد تقدم رمضان، ومنها الأحاديث الصحيحة الصريحة بالنهي عن صيامه، كقوله «فإن غم عليكم، فأكملوا العدة ثلاثين» من غيره وجه، والأمر بالشيء نهي عن ضده، ومنها حديث عمار: من صام اليوم الذي يشك فيه، فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم.
ونحوه عن حذيفة، وابن عباس، وغيرهما، ومنها رواية المروذي: إن يوم الثلاثين من شعبان إذا غم الهلال، يوم الشك؛ وهو قول جمهور أهل العلم والأئمة الأربعة وغيرهم، وجزم به شيخ الإسلام وغيره، والأصحاب كرهوا صومه كما ترى، واستدلوا بفعل صحابي، خالفه غيره من الصحابة، وقوله إنما هو حجة مع عدم المخالف، فكيف إذا خالف نصوص السنة.
أَي صوم يوم تلك الليلة، حكمًا ظنيًا، احتياطيًا، بنية رمضان (1) قال في الإنصاف: وهو المذهب عند الأصحاب، ونصروه، وصنفوا فيه التصانيف (2) .
(1) للخروج من عهدة الوجوب، بنية أنه من رمضان، وقال ابن عقيل وغيره: لا يجوز تقديم يوم لا يتحقق من رمضان، للنهي عنه، وقيل: للتحريم. نقله حنبل، وهو مذهب مالك، والشافعي. وقال الشيخ: قولهم «احتياطًا» بناء على ما تأولوه من الحديث، وبناء على أن الغالب على شعبان هو النقص، فيكون الأظهر طلوع الهلال، كما هو الغالب، فيجب بغالب الظن، وقالت طائفة: لا يجوز. كابن عقيل، والحلواني، وهو قول أبي حنيفة، ومالك، والشافعي، استدلالاً بما جاء من الأحاديث، وبناء على أن الوجوب لا يثبت، بل نهي عن صوم يوم الشك، لما يخالف، من الزيادة في الفرض.
(2)
من ذلك «إيجاب الصوم ليلة الغمام» للقاضي أبي يعلى و «رد اللوم والضيم، في صوم يوم الغيم» لابن الجوزي و «درء اللوم» ليوسف بن عبد الهادي وغيرهم، وقابلهم آخرون، فصنفوا أيضًا في كراهته وتحريمه، منهم محمد بن عبد الهادي، ولا تترك الأحاديث الصحيحة لقول مقلد بلا حجة ولا برهان، ولا يحتج بقول على قول، بل يتعين الأخذ بالحجج الشرعية، وقال شيخ الإسلام: يجوز صومه، ويجوز فطره، وهو مذهب أبي حنيفة وغيره، وهو مذهب أحمد المنصوص الصريح
عنه، وهو مذهب كثير من الصحابة، والتابعين أو أكثرهم، وأصول الشريعة كلها متقررة على أن الاحتياط ليس بواجب، ولا محرم، وتحريمه، وإيجابه فيه بعد عن أصول الشريعة، والأحاديث المأثورة في الباب إذا تؤملت، إنما يصرح غالبها بوجوب الصوم بعد إكمال العدة، ولو قيل بجواز الأمرين، واستحباب الفطر، لكان أولى.
وردوا حجج المخالف، وقالوا: نصوص أَحمد تدل عليه انتهى (1) وهذا قول عمر وابنه، وعمرو بن العاص، وأبي هريرة، وأنس، ومعاوية، وعائشة، وأسماء ابنتي أبي بكر الصديق، رضي الله عنهم (2) .
(1) قال في الفروع: كذا قالوا، ولم أجد عن أحمد أنه صرح بالوجوب ولا أمر به، فلا تتوجه إضافته إليه، ولهذا قال شيخنا: لا أصل للوجوب في كلام أحمد، ولا في كلام أحد من الصحابة. واحتج الأصحاب بحديث ابن عمر وفعله، وليس بظاهر في الوجوب، وإنما هو احتياط قد عورض بنهي، واحتجوا بأقيسة تدل على الاحتياط فيما ثبت وجوبه، أو كان الأصل، كثلاثين من رمضان، وفي مسألتنا لم يثبت الوجوب، والأصل بقاء الشهر. وقال: ولكن الثابت عن أحمد، أنه كان يستحب صيامه، اتباعًا لعبد الله بن عمر، وغيره من الصحابة، ولم يكن عبد الله بن عمر يوجبه على الناس، بل كان يفعله احتياطًا، وكان الصحابة فيهم من يصوم احتياطًا، ومنهم من لا يصوم، مثل كثير من الصحابة، ومنهم من كان ينهى عنه، كعمار وغيره، فأحمد كان يصومه احتياطًا، وأما إيجابه فلا أصل له.
(2)
قال الشيخ: وقد روي عنهم وعن غيرهم النهي عن صوم يوم الشك،
والأمر بإكمال العدة، وذكره عن عمر، وعلي، وابن عمر، وابن مسعود، وابن عباس، وأبي سعيد، وأنس، وأبي هريرة، وحذيفة، وعمار، وعائشة، رضي الله عنهم، فيقابل ما روي عنهم بما ذكر الشارح، وتبقى النصوص التي لا دافع لها، وما عليه جماهير العلماء، وعمرو بن العاص، هو ابن وائل، بن هاشم، بن سعيد، بن سهم، بن عمرو، بن هصيص، بن كعب بن لؤي، القرشي، السهمي، أحد دهاة العرب، وأمير مصر، أسلم قبل الفتح، وتوفي سنة 43هـ، وله 99، ومعاوية هو ابن أبي سفيان، بن صخر، بن حرب، بن أمية، بن عبد شمس، بن عبد مناف، القرشي الأموي، أمير المؤمنين، كاتب الوحي، ولد قبل البعثة بخمس، وتأمر عشرين سنة، وعشرينًا خليفة، حلمه، وفقهه، وفصاحته مشهورة، مات سنة ستين، وأسماء بنت أبي بكر، كانت تحت الزبير، وهي ذات النطاقين، توفيت بعد قتل ابنها عب دالله بيسير، ولها مائة سنة.
لقوله صلى الله عليه وسلم «إنما الشهر تسعة وعشرون يومًا، فلا تصوموا حتى تروا الهلال، ولا تفطروا حتى تروه، فإن غم عليك فاقدروا له» (1) قال نافع: كان عبد الله بن عمر إذا مضى من الشهر تسعة وعشرون يومًا، يبعث من ينظر له الهلال، فإن رؤي فذاك، وإن لم ير، ولم يحل دون منظره سحاب ولا قتر؛ أصبح مفطرًا، وإن حال دون منظره سحاب
(1) بكسر الدال وضمها، يقال: قدرت الشيء، أقدره، وأقدره، بكسر الدال وضمها؛ وقدرته، وأقدرته؛ كلها بمعنى، «وغم» أي حال بينكم وبينه سحاب ونحوه، وفي لفظ غبي وغمي، وهو بمعنى «غم» من: غممت الشيء؛ إذا غطيته.
أو قتر أصبح صائمًا (1) . ومعنى «اقدروا له» أي ضيقوا، بأن يجعل شبعان تسعًا وعشرين، وقد فسره ابن عمر بفعله، وهو راويه، وأعلم بمعناه، فيجب الرجوع إلى تفسيره (2) .
(1) رواه أحمد، وأبو داود، وعبد الرازق، وغيرهم، قال الشيخ: ثبت أن ابن عمر روى أن الشهر يكون مرة تسعة وعشرين، ومرة ثلاثين، والفارق بينهما هو الرؤية فقط.
(2)
بل يجب الرجوع إلى روايته، وثبت عنه مرفوعًا، من غير وجه «لا تصوموا حتى تروه، ولا تفطروا حتى تروه» فنهى صلى الله عليه وسلم عن الصوم قبل رؤيته، وعن الفطر قبل رؤيته، ورؤيته إحساس الأبصار به، فمتى لم يره المسلمون: كيف يجوز ذلك؟ وذهب جماهير أهل العلم، من السلف والخلف، إلى أن معنى «اقدروا له» إتمام العدد ثلاثين، أو: احسبوا تمام ثلاثين، وثبت من غير وجه، من حديث أبي هريرة وغيره «صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم، فعدوا ثلاثين» وصححه الترمذي وغيره، وقال: العمل عليه عند أهل العلم، كرهوا أن يتعجل الرجل بصيام، قبل دخول رمضان، لمعنى رمضان، وإن كان يصوم صومًا، فوافق صيامه، فلا بأس به عندهم، وله عن ابن عباس مرفوعًا «لا تصوموا قبل رمضان، صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، فإن حال دونه غيابة، فأكملوا ثلاثين يومًا» وصححه، وذكر أنه روي من غير وجه.
وقال الحافظ الزركشي: السنة الصحيحة ترد تأويلهم. اهـ. فتفسير الشارع وبيانه، أولى من رجوع إلى ظن تفسير، بفعل ثبت عنه تفسيره بخلافه، مرفوعًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يجوز خلاف ما تواتر عنه صلى الله عليه وسلم «صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم، فأكملوا شعبان ثلاثين» «فاقدروا له» معناه، احسبوا له قدره، وذلك ثلاثون، من: قدر الشيء. ليس من الضيق في شيء، وصرح الراوي بمعناه، عن أفصح العرب صلى الله عليه وسلم، تصريحًا لا يقبل التأويل، وأيضًا فليس قول أحدهم، حجة على الآخر بالاتفاق، بل يجب الرد إلى الشرع، وقوله «فإن غم عليكم فأكملوا العدة» فاصل في المسألة، وابن عمر رضي الله عنه له أفعال انفرد بها، لم يتابع عليها، كغسل داخل عينيه في الوضوء، وتتبع المواضع التي مر بها النبي صلى الله عليه وسلم، ليصلي فيها، وغير ذلك، وكذلك لغيره من الأفاضل، وكل يؤخذ من قوله، وكذا فعله، ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ويجزئ صوم ذلك اليوم، إن ظهر منه (1) وتصلى التراويح تلك الليلة (2) .
(1) أي من رمضان، بأن ثبتت رؤيته بموضع آخر، لأن صومه وقع بنية رمضان، لمستند شرعي، أشبه الصوم، وقال الشيخ: إن صام بنية مطلقة، أو معلقة، بأن ينوي: إن كان غدًا من رمضان، كان عن رمضان، وإلا فلا، فإن ذلك يجزئه، في مذهب أبي حنيفة، وأحمد، والقول الثاني: لا يجزئه إلا بنية أنه من رمضان، وأصلها أن تعيين النية لشهر رمضان، هل هو واجب؟ فيه ثلاثة أقوال «احدها» لا يجزئه إلا أن ينوي رمضان، فإن صام بنية مطلقة، أو معلقة، أو بنية النفل، أو النذر لم يجزئه، كالمشهور من مذهب الشافعي وأحمد، وتحقيق المسألة أن النية تتبع العلم، فإن علم أن غدًا من رمضان، فلا بد من التعيين في هذه الصورة، فإن نوى نفلاً، أو صومًا مطلقًا لم يجزئه، لأن الله تعالى أمره أن يقصد أداء الواجب عليه، فإذا لم يفعل الواجب، لم تبرأ ذمته، وأما إذا كان لا يعلم أن غدًا من رمضان، فهنا لا يجب عليه التعيين، ومن أوجب التعيين مع عدم العلم، فقد أوجب الجمع بين الضدين.
(2)
احتياطًا، لأنه عليه الصلاة والسلام وعد من صامه وقامه بالغفران، ولا
يتحقق قيامه كله إلا بذلك، وتثبت سائر أحكامه، كوجوب كفارة، ونحو ذلك، ما لم يتحقق أنه من شعبان، واختار أبو حفص والتميميون وغيرهم: لا تصلي التراويح، ولا تثبت بقية الأحكام، اقتصارًا على النص، قال في الفروع: وهو الأشهر، عملاً بالأصل.
ويجب إمساكه على من لم يبيت نيته (1) لا عتق أو طلاق معلق برمضان (2)(وإن رؤي) الهلال (نهارًا) ولو قبل الزوال (فهو لليلة المقبلة)(3) كما لو رؤي آخر النهار (4) .
(1) أي يجب إمساك يوم الغيم ونحوه، في اليوم الذي يلي التاسع والعشرين من شعبان، قالوا: وكذا يجب على الواطئ فيه الكفارة، ما لم يتحقق أنه من شعبان، والأولى العمل بالأصل، ولا يخرج عنه إلا بيقين، فلا إمساك، كما أنه لا يصام لأنه يوم شك.
(2)
ولا تثبت بقية الأحكام الشهرية بالغيم، فلا يحل دين مؤجل به، ولا تنقضي به عدة، ولا عدة إيلاء به ونحوه، عملاً بالأصل.
(3)
إجماعًا، ولعل إتيان الشارح هنا بـ «لو» إشارة إلى الخلاف عن أحمد، أنه إذا رؤي قبل الزوال، فهو لليلة الماضية، ولا أثر لرؤية الهلال نهارًا، وإنما يعتد بالرؤية بعد الغروب، أول الشهر، أو آخره، فلا يجب به صوم، ولا يباح به فطر، وروى الدارقطني عن أبي وائل قال: جاءنا كتاب عمر: إن الأهلة بعضها أكبر من بعض، فإذا رأيتم الهلال نهارًا، فلا تفطروا حتى تمسوا، أو يشهد رجلان مسلمان، أنهما رأياه بالأمس عشية.
(4)
قال الزركشي: أما بعد الزوال فللمقبلة، بلا نزاع نعلمه، لقربه منها، ولقصة عمر. اهـ. وقد صرحت أئمة المذاهب الأربعة، بأن الصحيح أنه لا عبرة برؤية الهلال نهارًا، وإنما المعتبر رؤية الهلال ليلاً.
وروى البخاري في تأْريخه مرفوعًا «من أَشراط الساعة، أَن يروا الهلال، يقولون: هو ابن ليلتين» (1)(وإذا رآه أهل بلد) أي متى ثبتت رؤْيته ببلد (لزم الناس كلهم الصوم)(2) .
(1) مرادهم بإيراده أنها تكبر الأهلة، وإن صح، فمن أجل ظنون المتأخرين، وتقدم قول عمر: إن الأهلة بعضها أكبر من بعض. ولا شك أن الله أجرى العادة بسير الشمس والقمر، وإن ثبت ما رواه البخاري، فقولهم راجع إلى كبره المعهود المتعارف، لا إلى تغير المنازل، فقد قال تعالى {وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ*لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ} وكبر الهلال، لتقدم سير الشمس عنه، فيظهر نورها عليه أكثر، قال الشيخ: وقول من يقول: إن رؤي الهلال صبيحة ثمان وعشرين، فالشهر تام، وإن لم ير فهو ناقص؛ هذا بناء على أن الاستسرار لا يكون إلا ليلتين، وليس بصحيح، بل قد يستسر ليلة تارة، وثلاث ليال أخرى.
(2)
لا خلاف في لزوم الصوم على من رآه، أو كان قريبًا منه، وقال الوزير: اتفقوا على أنه إذا رؤي بالليل، رؤية فاشية، فإنه يجب الصوم على أهل الدنيا. وظاهره: ولو اختلفت المطالع، وهو الصحيح من المذهب، والصواب أنه إنما يلزم من قرب مطلعهم، ولأصحاب أبي حنيفة قول، فيما يختلف فيه المطالع، حكاه الوزير، وقال الشافعي: إذا كانت البَلَدانِ متقاربتين. وقال ابن عبد البر: أجمعوا على أن الرؤية لا تراعى مع البعد، كالأندلس من خراسان، وخولف، وصحح النووي وغيره اعتبار اختلاف المطالع، فإن اختلاف المنازل لا نزاع فيه، بحيث أنه يطلع في إحدى البلدتين دون الأخرى، بل كلما تحركت الشمس درجة فتلك طلوع فجر لقوم، وشمس لآخرين، وغروب لبعض، ونصف ليل لغيرهم، وقدر بمسيرة شهر فأكثر.
وذكر شيخ الإسلام أن المطالع تختلف، باتفاق أهل المعرفة بهذا، وقال: إن اتفقت لزم الصوم، وإلا فلا. اهـ. وقطع به غير واحد، وصححوه، وتأخر سير القمر عن الشمس، معلوم بالحس، فإنه يطلع خلفها، ويغرب بعدها، في أخر نصف كرة الأرض، فضلاً عن كلها، فرؤية أهل المغرب، لا تكون لأهل المشرق، بخلاف عكسه.
لقوله صلى الله عليه وسلم «صوموا لرؤْيته وافطروا لرؤيته» وهو خطاب للأُمة كافة (1) فإن رآه جماعة ببلد، ثم سافروا لبلد بعيد، فلم ير الهلال به في آخر الشهر أفطروا (2) .
(1) وكذا قوله «لا تصوموا حتى تروه، ولا تفطروا حتى تروه» خطاب عام، ولأنه إذا رآه أهل بلد، فقد رآه المسلمون، ولا يشترط رؤية كل إنسان إجماعًا، ولأن الشهر في الحقيقة ما بين الهلالين، وقد ثبت أن هذا اليوم منه في جميع الأحكام، وهذا مع اتفاق المطالع كما تقدم، وإذا أخبر عدلان عن أهل بلد أنهم أفطروا، وفيهم قاض، اعتمد هذا الخبر، وكذا جرت العادة، على الاعتماد على كتاب القاضي، وتقرر فيه قبول شهادة الفرع عن الأصل.
(2)
لتعلق الحكم بهم، وأما أهل تلك البلد فباعتبار المطالع كما يأتي، وكذلك إذا رآه جماعة ببلد، ثم سارت بهم ريح، في سفينة أو نحو ذلك، فوصلوا آخر الليل إلى بلد بعيدة لم ير الهلال به، لم يلزمهم الصوم أول الشهر، ولم يحل لهم الفطر آخره، ولمسلم عن كريب، قال: قدمت الشام، واستهل علي هلال رمضان وأنا بالشام، فرأيناه ليلة الجمعة، ثم قدمت المدينة في آخر الشهر، فسألني ابن عباس. فأخبرته، فقال: لكنا رأيناه ليلة السبت، فلا نزال نصوم، حتى نكمل ثلاثين أو نراه. فقال: ألا تكتفي برؤية معاوية وصيامه؟ فقال: لا، هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال الترمذي: والعمل عليه عند أكثر أهل العلم.
والمناظر تختلف، باختلاف المطالع والعروض، فكان اعتبارها أولى، ونبه غير واحد على أنه يلزم من الرؤية في البلد الشرقي، الرؤية في البلد الغربي، من غير عكس، وعليه يحمل حديث كريب، وجزم الشيخ وغيره، بأن الشمس تطلع على أهل المشرق، قبل أهل المغرب بنصف يوم، وهو نصف منزلة للقمر، وانفصال الهلال من شعاع الشمس، بخروجه من تحتها، يجعل الله فيه النور، ثم هو يزداد كلما بعد، حتى يقابلها، فيختلف باختلاف الأقطار، وكل قوم مخاطبون بما عندهم، كما في أوقات الصلاة، وأجمعوا على أنه لا اعتبار بالحساب، لقوله «صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته» ولم يقل: للحساب.
وقال الشيخ: المعتمد على الحساب في الهلال، كما أنه ضال في الشريعة، مبتدع في الدين، فهو مخطئ في العقل، وعلم الحساب، فإن العلماء بالهيئة يعرفون أن الرؤية لا تنضبط بأمر حسابي، وإنما غاية الحساب منهم، إذا عدل، أن يعرف كم بين الهلال والشمس، درجة، وقت الغروب مثلاً، لكن الرؤية ليست مضبوطة بدرجات محدودة، فإنها تختلف باختلاف حدة النظر، وكلاله، وارتفاع المكان الذي يتراءى فيه الهلال، وانخفاضه، وباختلاف صفاء الجو، وكدره، وقد يراه بعض الناس لثمان درجات، وآخرون لا يرونه لثنتي عشرة درجة، فيجب طرحه، والمعول بما عول عليه الشرع.
(ويصام) وجوبًا (برؤْية عدل) مكلف (1) ويكفي خبره بذلك (2) .
(1) لا صغير ولا مستور، فيعتبر كونه عدلاً باطنًا وظاهرًا، والعدالة ملكة تحمل على ملازمة التقوى والمروءة.
(2)
أي بدون لفظ الشهادة، لأنه من باب الرواية، فيصام بقوله: رأيت الهلال. ولو لم يقل: أشهد أو شهدت. وإن رجع المخبر فهل يقال: إن كان بعد ما شرعوا في الصيام لم يقبل، وإلا قبل كالشهادة. أو يقبل مطلقًا، كما إذا أقر الراوي أنه كاذب؟.
لقول ابن عمر: ترائى الناس الهلال، فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم أني رأيته، فصام، وأمر الناس بصيامه. رواه أبو داود (1) ، (ولو) كان (أُنثى) أو عبدًا أو بدون لفظ الشهادة (2) ولا يختص بحاكم (3) فيلزم الصوم من سمع عدلاً يخبر برؤيته (4) .
(1) ورواه غيره، وصححه ابن حبان، والحاكم، وابن حزم، وغيرهم، ولأبي داود وغيره عن ابن عباس: جاء أعرابي فقال: إني رأيت الهلال. يعني رمضان، فقال النبي صلى الله عليه وسلم «تشهد أن لا إله إلا الله؟» قال: نعم. قال «وتشهد أني رسول الله؟» قال: نعم. قال «قم يا بلال فناد في الناس فليصوموا» وأقره المنذري، وقال الترمذي: والعمل عليه عند أكثر أهل العلم، قالوا: تقبل شهادة رجل واحد في الصيام وبه يقول الشافعي وأحمد، وأهل الكوفة، وقال النووي: وهو الأصح، ولأنه خبر ديني، لا تهمة فيه، بخلاف آخر الشهر، ولأنه الأحوط.
(2)
أي: ولو كان المخبر به أنثى، أو عبدًا، كالرواية، أو كان إخبار الأنثى والعبد بدون لفظ الشهادة، كسائر الأخبار، ولا يجوز لمن لم يره الشهادة برؤيته، أو بما يفيدها، وإن أخبره بها عدد متواتر.
(3)
أي ولا يختص ثبوته بحكم حاكم.
(4)
لأنه من باب الرواية، ويلزم الإمساك، إن كان أهلاً للوجوب، قال بعضهم: ولو رد الحاكم قوله، لجواز أن يكون لعدم علمه بحال المخبر، وقد يجهل الحاكم من يعلم غيره عدالته. وجزم به الموفق وغيره، ويأتي أن الصوم يوم يصوم الناس.
وتثبت بقية الأحكام (1) ولا يقبل في شوال وسائر الشهور إلا ذكران، بلفظ الشهادة (2) ولو صاموا ثمانية وعشرين يومًا، ثم رأوه، قضوا يومًا فقط (3)(وإن صاموا بشهادة واحد ثلاثين يومًا، فلم ير الهلال) لم يفطروا (4) لقوله صلى الله عليه وسلم «وإن شهد اثنان فصوموا وأفطروا» (5) .
(1) إذا ثبت رؤيته بواحد، من حلول ديون ونحوها تبعًا، وكذا توابع الصوم، من تراويح، واعتكاف ونحوهما.
(2)
لقول ابن عمر وابن عباس: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يجيز على شهادة الإفطار إلا شهادة رجلين. وقال الترمذي وغيره: لم يختلف أهل العلم في الإفطار أنه لا يقبل إلا بشهادة رجلين، أي عدلين يشهدان، لأنه مما يطلع عليه الرجال غالبًا، وإنما اجتزي بواحد في الصوم احتياطًا للعبادة اهـ. إلا أبا ثور جوزه بعدل. وقال الوزير: أجمعوا أنه لا يقبل في شوال إلا عدلين ولأنه ليس بمال، ولا يقصد به المال، ولا احتياط فيه، أشبه الحدود، و «شوال» بوزن صوام، مصروف، سمي بذلك لأن الإبل فيه حال التسمية شوالاً.
(3)
احتج بقول علي، ولأنه يبعد الغلط بيومين، وثبت من غير وجه، عنه صلى الله عليه وسلم:«الشهر تسعة وعشرون» ، أي الشهر اللازم الثابت، الذي لا بد منه، تسعة وعشرون. وقال «ثلاثون» وزيادة اليوم عن التسعة والعشرين، قد تدخل فيه، وقد تخرج منه، وهذا معلوم بالشرع والحس.
(4)
كما أنه لا يعتبر عند الفطر، احتياطًا للعبادة.
(5)
رواه النسائي، ولحديث: شهد أعرابيان، فأمرهم صلى الله عليه وسلم أن يفطروا. صححه ابن المنذر وغيره، ولأن الفطر لا يستند إلى شهادة واحد،
كما لو شهد بهلال شوال، بالإجماع، بخلاف غروب الشمس ونحوه، لما عليه من القرائن التي تورث غلبة الظن، فإذا انضم إليها إخبار الثقة قوي، وربما أفاد العلم.
(أو صاموا لأجل غيم) ثلاثين يومًا، ولم يروا الهلال (لم يفطروا)(1) لأن الصوم إنما كان احتياطًا، والأصل بقاء رمضان (2) وعلم منه أنهم لو صاموا بشهادة اثنين ثلاثين يومًا ولم يروه أفطروا، صحوا كان أو غيمًا، لما تقدم (3) .
(1) وجهًا واحدًا، قال الشارح وغيره، لاستناده إلى غير بينة، والأصل كونه من شعبان.
(2)
فموافقة الأصل أولى، فلو غم لشعبان ولرمضان، وجب تقدير رجب وشعبان ناقصين، فلا يفطروا قبل اثنين وثلاثين بلا رؤية، وكذا الزيادة، لو غم رمضان وشوال، وأكملنا شعبان ورمضان، وكانا ناقصين، وكذا لو غم رجب، ولا يقع النقص متواليًا في أكثر من أربعة أشهر، ذكره النووي عن أهل العلم، وقال الشيخ: قد يتوالى شهران وثلاثة وأكثر، ثلاثين ثلاثين، وقد يتوالى شهران وثلاثة وأكثر تسعة وعشرين يومًا. وقال: قول من يقول: إن رؤي الهلال صبيحة ثمان وعشرين، فالشهر تام، وإن لم ير فهو ناقص. هذا بناء على أن الإستسرار لا يكون إلا ليلتين، وليس بصحيح، بل قد يستسر ليلة تارة، وثلاث ليال أخرى، وتقدم.
(3)
من قوله صلى الله عليه وسلم «وإن شهد شاهدان فصوموا وأفطروا» وحكاه في المستوعب وجهًا واحدًا، ولأن شهادة العدلين يثبت بها الفطر ابتداء، فتبعًا لثبوت الصوم أولى، ولأن شهادتهما بالرؤية السابقة إثبات إخبار به، عن يقين ومشاهدة، فكيف يقابلها الإخبار بنفي وعدم، ولا يقين معه، وذلك أن الرؤية يحتمل حصولها بمكان آخر.
(ومن رأى وحده هلال رمضان، ورد قوله) لزم الصوم، وجميع أحكام الشهر، من طلاق وغيرة، معلق به (1) لعلمه أنه من رمضان (2) .
(1) أي الطلاق ونحوه، وكعتق، وظهار معلق بهلال رمضان، يعني إذا لم ير الحاكم الصيام بشهادة واحد، ونحو ذلك.
(2)
وفاقًا، للعموم، وكعلم فاسق بنجاسة، فلزمه حكمه، وإنما جعل من شعبان في حق غيره ظاهرًا، لعدم علمهم، ويلزمه إمساكه لو أفطر فيه، والكفارة إن جامع فيه، وإذا لم يجب صومه، وجب عليه أداء الشهادة، وإن لم يسألها، هذا المذهب، ونقل حنبل: لا يلزمه الصوم. وروي عن الحسن وابن سيرين، لأنه محكوم أنه من شعبان، أشبه التاسع والعشرين، واختاره الشيخ وغيره، وقال: لا يلزمه الصوم، ولا الأحكام المعلقة بالهلال، من طلاق وغيره.
وقال: يصوم مع الناس، ويفطر مع الناس، وهذا أظهر الأقوال، لقوله صلى الله عليه وسلم «صومكم يوم تصومون، وفطركم يوم تفطرون» وقال: فسر بعض أهل العلم هذا الحديث، فقال: إنما معنى هذا الصوم والفطر مع الجماعة، وعظم الناس، وأنه لو رأى هلال النحر وحده، لم يقف دون سائر الحاج، وأصل هذه المسألة أن الله علق أحكامًا شرعية، بمسمى الهلال والشهر، كالصوم والفطر والنحر، فقال {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} وقال {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} إلى قوله {شَهْرُ رَمَضَانَ} أنه أوجب شهر رمضان، وهذا متفق عليه بين المسلمين. وذكر تنازع الناس في الصوم، ثم قال: لكن النحر ما علمت أن أحدًا قال: من رآه يقف وحده، دون سائر الحاج. وذكر تنازعهم في الصوم وتناقضهم. ثم قال: وتناقض هذه الأقوال، يدل على أن الصحيح صنعه مثل في ذي الحجة، وحينئذ فشرط كونه هلالاً وشهرًا:
شهرته بين الناس، واستهلال الناس به، حتى لو رآه عشرة، ولم يشتهر ذلك عند عامة أهل البلد، لكون شهادتهم مردودة، أو لكونهم لم يشهدوا به، كان حكمهم حكم سائر المسلمين، فلذلك لا يصومون إلا مع المسلمين، فكما لا يقفون، ولا ينحرون، ولا يصلون العيد إلا من المسلمين، فكذلك لا يصومون إلا مع المسلمين، وهذا معنى قوله صومكم يوم تصومون ونحركم وأضحاكم الحديث. ولهذا قال أحمد: يصوم مع الإمام، وجماعة المسلمين، في الصحو والغيم. وقال: يد الله على الجماعة.
قال الشيخ: وعلى هذا تفترق أحكام الشهر، هل هو شهر في حق أهل البلد كلهم، أو ليس شهرًا في حقهم كلهم، يبين ذلك قوله تعالى {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} فإنما أمر بالصوم من شهد الشهر، والشهود لا يكون إلا لشهر اشتهر بين الناس، حتى يتصور شهوده والغيبة عنه، وقوله صلى الله عليه وسلم «إذا رأيتموه فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا» و «صوموا من الوضح، إلى الوضح» ونحو ذلك: خطاب للجماعة، لكن من كان في مكان ليس فيه غيره، إذا رآه صامه. فإنه ليس هناك غيره، وعلى هذا فلو أفطر، ثم تبين أنه رؤي في مكان آخر، وثبت نصف النهار، لم يجب عليه القضاء، وهو إحدى الروايتين عن أحمد، فإنه إنما صار شهرًا في حقهم، من حين ظهر واشتهر، ومن حينئذ وجب الإمساك، كأهل عاشوراء، الذين أمروا بالصوم في أثناء اليوم، ولم يؤمروا بالقضاء على الصحيح. اهـ. ولا يلزم طلاقه وعتقه، المعلق بهلال رمضان، وغير ذلك من خصائص الرمضانية، واختاره وفاقًا لأبي حنيفة، وذكر ابن عبد البر: أنه قول أكثر العلماء.
(أَو رأَي) وحده (هلال شوال صام) ولم يفطر (1) .
(1) نقله الجماعة، وهو مذهب أبي حنيفة ومالك، وقاله عمر وعائشة وغيرهما، قال الموفق: ولم يعرف لهما مخالف في عصرهما، فكان إجماعًا. وقال الشيخ: هو أصح القولين، ولاحتمال خطئه وتهمته، فوجب الاحتياط، وعند مالك يفطر سرًا، وحكى بعضهم الإجماع أنه لا يجوز له إظهار الفطر، وقال الشيخ: باتفاق العلماء إلا أن يكون له عذر يبيح الفطر، كمرض وسفر.