الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَهَذَا الْبَيْت بَيَان لسَبَب عدم برْء النَّفس.
وترجمة الفرزدق تقدّمت فِي الشَّاهِد الثَّلَاثِينَ من أَوَائِل الْكتاب.
وَأنْشد بعده
(الشَّاهِد التَّاسِع وَالتِّسْعُونَ بعد الثَّمَانمِائَة)
(فإمَّا أَن تكون أخي بِحَق
…
فأعرف مِنْك غثي أَو سميني)
(وَإِلَّا فاطرحني واتخذني
…
عدوا أتقيك وتتقيني)
على أَنه قد تخلف إِمَّا الثَّانِيَة إِلَّا وَهِي إِن الشّرطِيَّة المدغمة بِلَا النافية أَي: وَإِلَّا تكن أخي بِحَق فاطرحني وَقد تخلفها أَو أَيْضا كَمَا قَالَ الشَّارِح وَغَيره كَقَوْلِه: الطَّوِيل
(
فَقلت لَهُنَّ امشين إِمَّا نلاقه
…
كَمَا قَالَ أَو نشف النُّفُوس فنعذرا)
والبيتان من قصيدة طَوِيلَة للمثقب الْعَبْدي أوردهَا الْمفضل فِي المفضليات: وبعدهما:
(وَمَا أَدْرِي إِذا يممت أمرا
…
أُرِيد الْخَيْر أَيهمَا يليني)
(أألخير الَّذِي أَنا أبتغيه
…
أم الشَّرّ الَّذِي هُوَ يبتغيني)
وَهَذِه آخر القصيدة وَلم يذكر فِيهَا الْمُخَاطب بهما من هُوَ وَكَأَنَّهُ مَحْذُوف مِنْهَا.
وَقَوله: فإمَّا أَن تكون بِتَأْوِيل مصدر مَنْصُوب على أَنه مفعول لفعل مَحْذُوف وَالتَّقْدِير: بَين إِمَّا كونك أَخا وَإِمَّا كونك عدوا. وَإِمَّا لأحد الشَّيْئَيْنِ. وَجعل بَعضهم ذَلِك الْمصدر مُبْتَدأ مَحْذُوف الْخَبَر تَقْدِيره: فإمَّا أخوتك الصادقة حَاصِلَة. هَذَا كَلَامه.
والجيد أَن يكون خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف. وَالتَّقْدِير: إِمَّا شَأْنك كونك أَخا صَادِقا كَمَا قَالَ سِيبَوَيْهٍ فِي قَوْله: كَمَا يَأْتِي.
وَجعل مثله أَبُو عَليّ فِي البغداديات مُبْتَدأ مَحْذُوف الْخَبَر قَالَ فِي قَوْله تعال: يَا ذَا القرنين إِمَّا أَن تعذب يَنْبَغِي أَن يكون رفعا وارتفاعه على الِابْتِدَاء أَي: إِمَّا
الْعَذَاب شَأْنك أَو أَمرك أَو اتِّخَاذ الْحسن. انْتهى.
قَالَ الْعَيْنِيّ: قَوْله: بِحَق فِي مَحل نصب صفة لأخي.
وَلَا يخفى أَن الظّرْف بعد الْمعرفَة حَال وَبعد النكرَة صفة بِحَسب الِاقْتِضَاء وَهنا وَقع بعد معرفَة فَكيف يكون صفة على أَنه لَا اقْتِضَاء هُنَا بِحَسب الْمَعْنى وَإِنَّمَا هُوَ نَائِب عَن الْمَفْعُول الْمُطلق وَالتَّقْدِير: تكون أخي كوناً ملتبساً بِحَق.
وَقَوله: فأعرف بِالنّصب: مَعْطُوف على تكون. وَقَوله: غثي أَو سميني كَذَا هُوَ ب أَو. فِي المفضليات وَغَيرهَا.)
قَالَ ابْن الْأَنْبَارِي: أَي: فأعرف نصحك من غشك. وَهِي نُسْخَة قديمَة مضبوطة صَحِيحَة جدا.
وَرُوِيَ فِي الشَّرْح وَمُغْنِي اللبيب وشروح الألفية: غثي من سمني فَمن الأولى ابتدائية فِي الرِّوَايَتَيْنِ وَمن الثَّانِيَة للبدل كَقَوْلِه تَعَالَى:
أرضيتم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا من الْآخِرَة.
وَأنْكرهُ قوم فَقَالُوا: التَّقْدِير: أرضيتم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا بَدَلا من الْآخِرَة فالمفيد للبدلية متعلقها الْمَحْذُوف. وَأما هِيَ فللابتداء.
وَقَالَ ابْن مَالك: من الدَّاخِلَة على ثَانِي المتضادين مَعْنَاهَا الْفَصْل نَحْو: وَالله يعلم الْمُفْسد من المصلح.
قَالَ ابْن هِشَام: فِيهِ نظر لِأَن الْفَصْل مُسْتَفَاد من الْعَامِل وَالظَّاهِر أَن من للابتداء أَو بِمَعْنى عَن. انْتهى.
قَالَ الْعَيْنِيّ: قَوْله: غثي بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الثَّاء الْمُثَلَّثَة من غث اللَّحْم يغث ويغث بِكَسْر الْغَيْن وَفتحهَا غثاثة وغثوثة فَهُوَ غث وغثيث إِذا كَانَ مهزولاً. وَكَذَلِكَ غث حَدِيث الْقَوْم وأغث أَي: ردؤ وَفَسَد. وَالْمعْنَى هَا هُنَا:
أعرف مِنْك مَا يفْسد مِمَّا يصلح. انْتهى.
وَقَالَ الدماميني: الغث: الرَّدِيء. والسمين: الْجيد. أَي: فأعرف مِنْك مساوي من محاسني فَإِن الْمُؤمن مرْآة أَخِيه. أَو فأعرف مَا يضرني مِنْك مِمَّا يَنْفَعنِي وأميز بَينهمَا. انْتهى.
وَقَوله: وَإِلَّا فاطرحني أَي: اتركني. وَهُوَ بتَشْديد الطَّاء افتعال من الطرح.
وَقَوله: وَمَا أَدْرِي مَا يممت
…
إِلَخ مَا: نَافِيَة وأدري: أعلم وَجُمْلَة أَيهمَا يليني: فِي مَحل المفعولين لأدري لِأَنَّهُ مُعَلّق عَن الْعَمَل باسم الِاسْتِفْهَام. وَإِذا: ظرف لأدري.
ويممت: قصدت. وأمراً كَذَا فِي المفضليات وَفِي غَيرهَا: وَجها. وَرُوِيَ أَيْضا: أَرضًا. وَجُمْلَة أُرِيد: حَال من فَاعل يممت.
وَأوردهُ الْفراء عِنْد تَفْسِير قَوْله تَعَالَى: لَيْسُوا سَوَاء من أهل الْكتاب أمةٌ قائمةٌ قَالَ: ذكر أمة وَلم يذكر بعْدهَا أُخْرَى وَالْكَلَام مَبْنِيّ على أُخْرَى لِأَن سَوَاء لابد لَهَا من اثْنَيْنِ فَمَا زَاد كَأَنَّك قلت: لَا تستوي أمة صَالِحَة وَأُخْرَى كَافِرَة وَقد تستجيز الْعَرَب إِضْمَار أحد الشَّيْئَيْنِ إِذا كَانَ فِي الْكَلَام دَلِيل عَلَيْهِ.
ثمَّ أنْشد هذَيْن الْبَيْتَيْنِ وَغَيرهمَا.)
وَكَذَا أنشدهما عِنْد قَوْله تَعَالَى: إِنَّا جعلنَا فِي أَعْنَاقهم أغلالاً فَهِيَ إِلَى الأذقان قَالَ: كني عَن هِيَ وَهِي للأيمان وَلم تذكر. وَذَلِكَ أَن الغل لَا يكون إِلَّا فِي الْيَمين والعنق جَامعا للْيَمِين والعنق فَيَكْفِي ذكر أَحدهمَا من صَاحبه. ثمَّ أنشدهما فَقَالَ: كنى عَن الشَّرّ وَإِنَّمَا ذكر الْخَيْر وَحده.
وَذَلِكَ أَن الشَّرّ يذكر مَعَ الْخَيْر. انْتهى.
وَكَأَنَّهُ يُرِيد أَن التَّقْدِير: أُرِيد الْخَيْر لَا الشَّرّ. وَلَا يجوز أَن يكون التَّقْدِير: أُرِيد
الْخَيْر وَالشَّر لِأَنَّهُ غير مرادٍ لَهُ بِدَلِيل مَا بعده فَيكون من حذف الْمَعْطُوف بِلَا النافية وَهُوَ غَرِيب.
وَقَوله: أألخير الَّذِي
…
إِلَخ هَذَا بدل من أَي وَلِهَذَا قرن بِحرف الِاسْتِفْهَام. والهمزة الثَّانِيَة من أألخير همزَة وصل دخلت عَلَيْهَا همزَة الِاسْتِفْهَام وَكَانَ الْقيَاس أَن يَسْتَغْنِي عَنْهَا لَكِنَّهَا لم تحذف وخففت بتسهيلها بَين بَين إِذْ لَولَا ذَلِك لم يتزن الْبَيْت. وَلَا سَبِيل إِلَى دَعْوَى تحقيقها لِأَنَّهُ لَا قَائِل بِهِ.
وهمزة بَين بَين عِنْد الْبَصرِيين متحركة بحركة ضَعِيفَة ينحى بهَا نَحْو
السّكُون وَلذَلِك لَا تقع إِلَّا حَيْثُ يَقع السَّاكِن غَالِبا وَلَا تقع فِي أول الْكَلَام بِحَال.
وَفِيه ردٌ على الْكُوفِيّين فِي دَعْوَى سكونها لِأَنَّهَا فِي مُقَابلَة ثَانِي حُرُوف وتدٍ مَجْمُوع وَهُوَ لَا يكون سَاكِنا وَلِأَنَّهَا لَو كَانَت سَاكِنة لزم التقاء الساكنين على غير حَده.
وَرُوِيَ: أم الشَّرّ الَّذِي لَا يأتليني قَالَ ابْن الْأَنْبَارِي: أَي لَا يألو فِي طلبي أَي: لَا يقصر فِي طلبي.
والمثقب الْعَبْدي: شَاعِر جاهلي قديم كَانَ فِي زمن عَمْرو بن هِنْد. قَالَه ابْن قُتَيْبَة فِي كتاب الشُّعَرَاء وَقَالَ اسْمه مُحصن بن ثَعْلَبَة بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون الْمُهْملَة وَفتح الصَّاد الْمُهْملَة سمي المثقب لقَوْله فِي هَذِه القصيدة:
(رددن تَحِيَّة وكنن أُخْرَى
…
وثقبن الوصاوص للعيون)
وَكَانَ أَو عَمْرو بن الْعَلَاء يَقُول: لَو كَانَ الشّعْر كُله على هَذِه القصيدة لوَجَبَ على النَّاس أَن يتعلموه. انْتهى.
-
وَقَالَ ابْن الْأَنْبَارِي: اسْمه: عَائِذ بن مُحصن بن ثَعْلَبَة بن وائلة بن عدي بن عَوْف بن دهن بن عذرة بن مُنَبّه بن نكرَة بن لكيز بن أفصى بن عبد الْقَيْس بن أفصى ابْن دعمي بن جديلة بن)
أَسد بن ربيعَة بن نزار بن معد بن عدنان. انْتهى.
والمثقب: اسْم فَاعل من ثقبٌ بالثاء الْمُثَلَّثَة وَتَشْديد الْقَاف. وصحفه الدماميني بالنُّون. وَهُوَ لقب لَهُ لقَوْله ذَاك الْبَيْت.
والعبدي: نِسْبَة إِلَى عبد الْقَيْس وَيُقَال فِي النِّسْبَة إِلَيْهِ عبقسيٌ أَيْضا.
وَقَوله: رددن تَحِيَّة
…
إِلَخ قَالَ ابْن الْأَنْبَارِي: أَي: أظهرن السَّلَام ورددنه. وكتمن أَي: سترن وَهُوَ مَا يرد من السَّلَام بعينٍ أَو بيد.
وَرُوِيَ: ظهرن بكلةٍ وسدلن أُخْرَى والكلة: مَا يرى على الهودج وَهُوَ شَبيه بالستور. والوصاوص: البراقع الصغار. أَرَادَ أَنَّهُنَّ حديثات الْأَسْنَان فبراقعهن صغَار.
(لَا تقولن إِذا مَا لم ترد
…
أَن تتمّ الْوَعْد فِي شيءٍ نعم)
(حسنٌ قَول نعم من بعد لَا
…
وقبيحٌ قَول لَا بعد نعم)
(إِن لَا بعد نعم فاحشةٌ
…
فبلا فابدأ إِذا حفت النَّدَم
)
(فَإِذا قلت نعم فاصبر لَهَا
…
بنجاح القَوْل إِن الْخلف ذمّ)
(وَاعْلَم أَن الذَّم نقصٌ للفتى
…
وَمَتى لَا يتق الذَّم يذم)
(أكْرم الْجَار وأرعى حَقه
…
إِن عرفان الْفَتى الْحق كرم)
(لَا تراني راتعاً فِي مجلسٍ
…
فِي لُحُوم النَّاس كالسبع الضرم)
(إِن شَرّ النَّاس من يكشر لي
…
حِين يلقاني وَإِن غبت شتم)
(وكلامٍ سيئٍ قد وقرت
…
أُذُنِي عَنهُ وَمَا بِي من صمم)
(فتصبرت امتعاضاً أَن يرى
…
جاهلٌ إِنِّي كَمَا كَانَ زعم)
(ولبعض الصفح والإعراض عَن
…
ذِي الْخَنَا أبقى وَإِن كَانَ ظلم)
والضرم: الشَّديد النهم أخذا من ضرم النَّار وَهُوَ التهابها. والسبع
بِضَم الْمُوَحدَة لكنه سكنه للضَّرُورَة.
ويكشر: يضْحك. ووقرت أُذُنه بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول توقر وقرا فَهِيَ موقرة من الصمم.