الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَالْبَيْت من معلقَة لبيد الصَّحَابِيّ قَالَ شارحها أَبُو الْحُسَيْن الزوزني: يَقُول أَشْتَرِي الْخمر غَالِيَة السّعر باشتراء كل زقً أدكن أَو خابية سَوْدَاء قد فض ختامها وأغترف مِنْهَا. وتحرير الْمَعْنى: اشْتِرَاء الْخمر للندماء عِنْد غلاء السّعر واشتراء كل زقً مقير أَو خابية مقيرة. وَإِنَّمَا قيرا لِئَلَّا يرشحا بِمَا فيهمَا وليسرع صَلَاحه وانتهاؤه وَهُوَ إِدْرَاكه.
وَقَوله: قدحت وفض ختامها فِيهِ تَقْدِيم وَتَأْخِير تَقْدِيره: فض ختامها وقدحت لِأَنَّهُ مَا لم يكسر ختامها لَا يُمكن اغتراف مَا فِيهَا من الْخمر انْتهى.
وترجمة لبيد تقدّمت فِي الشَّاهِد الثَّانِي وَالْعِشْرين بعد الْمِائَة.
وَأنْشد بعده: السَّرِيع
)
(يَا لهف زيابة لِلْحَارِثِ الصا
…
بح فالغانم فالآيب)
وَتقدم شَرحه فِي الشَّاهِد الْحَادِي وَالْخمسين بعد الثلثمائة فِي أول بَاب الْعَطف.
وأنشده بعده
(الشَّاهِد السَّابِع وَالثَّمَانُونَ بعد الثَّمَانمِائَة)
وَهُوَ من شَوَاهِد س:
الطَّوِيل
(فتوضح فالمقراة لم يعف رسمها
…
لما نسجتها من جنوبٍ وشمأل)
على أَن الْفَاء الدَّاخِلَة على الْأَمَاكِن بِمَعْنى إِلَى أَي: منَازِل بَين الدُّخُول إِلَى حومل إِلَى توضح إِلَى المقراة.
-
وَهَذَا أحد جوابين أجَاب بهما الشَّارِح عَن إشكاله وَهُوَ أَن الْفَاء تَقْتَضِي التَّفْرِيق وَهُوَ منافٍ لما تفهمه بَين من الِاجْتِمَاع لِأَن البينية نِسْبَة وَأَقل مَا تستدعيه منتسبان. وَأَنت إِذا قلت: المَال بَين زيد وَعَمْرو فقد أفدت احتواءهما واجتماعهما على ملكه.
وَلِهَذَا الْإِشْكَال أنكر الْأَصْمَعِي وَمن تبعه رِوَايَة الْفَاء وَقَالَ: إِنَّمَا الرِّوَايَة: وحومل وتوضح والمقراة.
قَالَ العسكري فِي كتالب التَّصْحِيف: تكلم النَّاس فِي قَوْله: بَين الدُّخُول فحومل قَالَ أَبُو إِسْحَاق الزيَادي: الرِّوَايَة: بَين الدُّخُول فحومل وَلَا يكون فحومل. لِأَنَّك لَا تَقول: رَأَيْتُك بَين زيد فعمرو.
وَهَذَا سَمعه الزيَادي من الْأَصْمَعِي فَسَأَلت ابْن دُرَيْد عَن الرِّوَايَة فَحكى مَا قَالَ الْأَصْمَعِي وَلم يزدْ عَلَيْهِ فَسَأَلت أَبَا بكر مُحَمَّد بن عَليّ بن إِسْمَاعِيل فَقلت: قَالَ الْأَصْمَعِي: لَا يجوز أَن تَقول: رَأَيْته بَين زيد فعمرو.
وَكَانَ يُنكر بَين الدُّخُول فحومل. فأملي عَليّ الْجَواب فَقَالَ: إِن لكل حرف من حُرُوف الْعَطف معنى فالواو تجمع بَين الشَّيْئَيْنِ نَحْو: قَامَ زبد وَعَمْرو فَجَائِز أَن يَكُونَا كِلَاهُمَا قاما فِي حَالَة وَاحِدَة وَأَن يكون قَامَ الأول بعد الثَّانِي وَبِالْعَكْسِ. وَالْفَاء إِنَّمَا هِيَ دَالَّة على أَن الثَّانِي بعد الأول وَلَا مهلة بَينهمَا.
فَقَالَ الْأَصْمَعِي وَكَانَ ضَعِيفا
فِي النَّحْو غير أَنه كَانَ ذَا فطنة: أطبقت الروَاة على بَين الدُّخُول وحومل وَلَا يجوز فحومل لِأَنَّهُ لَيْسَ يقْصد أَن يكون بَيَانا لشيئين أَحدهمَا بعد الآخر ثمَّ يكون الشَّيْء بَينهمَا إِنَّمَا يُرِيد أَنَّهُمَا لَا يَجْتَمِعَانِ وَهُوَ بَينهمَا كَمَا تَقول: زيد بَين الْكُوفَة)
وَالْبَصْرَة وَلَا تَقول: فالبصرة فقد أَجَاد فطنة. انْتهى.
-
وَقد أجَاب الشَّارِح على تَقْدِير صِحَة رِوَايَة الْفَاء بجوابين: أَحدهمَا: أَنَّهَا بِمَعْنى إِلَى لدخولها فِي الْأَمَاكِن فَلَا تدل على التَّرْتِيب الْمُقْتَضِي للتفريق. وَهَذَا الْجَواب مركب من قَوْلَيْنِ لِأَن الَّذِي يَقُول: إِن الْفَاء بِمَعْنى إِلَى لَا يشْتَرط فِي مدخولها أَن يكون مَكَانا. وَمن ذكر دُخُولهَا على الْمَكَان لَا يَقُول إِنَّهَا بِمَعْنى إِلَى وَإِنَّمَا هِيَ عِنْده بِمَعْنى الْوَاو لمُطلق الْجمع وَلَا تفِيد ترتيباً وَالْأول قَول بعض البغداديين.
قَالَ العسكري: قَالَ بعض البغداديين: أَرَادَ قفا نبك مَا بَين الدُّخُول إِلَى حومل إِلَى توضح إِلَى المقراة. فالفاء فِي مَوضِع إِلَى فأضمر مَا مَعَ بَين كَقَوْلِك: هُوَ أحسن النَّاس قرنا فَقدما وَلم يضمر وَنَقله ابْن هِشَام أَيْضا فِي الْمُغنِي فَقَالَ: وَقَالَ بعض البغداديين: الأَصْل مَا بَين الدُّخُول فَحذف مَا دون بَين كَمَا عكس من قَالَ: الْبَسِيط يَا أحسن النَّاس مَا قرنا إِلَى قدمٍ أَصله مَا بَين قرن فَحذف بَينا وَأقَام قرنا مقَامهَا وَمثله: إِن الله
لَا يستحي أَن يضْرب مثلا مَا بعوضةً فَمَا فَوْقهَا قَالَ: وَالْفَاء نائبة عَن إِلَى وَيحْتَاج على هَذَا القَوْل إِلَى أَن يُقَال: وَصحت إِضَافَة بَين إِلَى الدُّخُول لَا شتماله على مَوَاضِع أَو لِأَن التَّقْدِير بَين مَوَاضِع الدُّخُول انْتهى.
وَالثَّانِي: هُوَ قَول الْجرْمِي قَالَ أَبُو حَيَّان فِي الارتشاف وَابْن هَاشم فِي الْمُغنِي: وَقَالَ الْجرْمِي: لَا تفِيد الْفَاء التَّرْتِيب فِي الْبِقَاع وَلَا فِي الأمطار بِدَلِيل
قَوْله: بَين الدُّخُول فحومل وَقَوْلهمْ: مُطِرْنَا مَكَان كَذَا فمكان كَذَا وَإِن كَانَ وُقُوع الْمَطَر فيهمَا فِي وَقت وَاحِد. انْتهى.
وَهَذَا أقرب من الْقَوْلَيْنِ الآخرين وأسهل. وَالْقَوْل الثَّانِي يحْتَاج إِلَى مَعُونَة وَقد بَينهَا ابْن هِشَام بقوله: وَيحْتَاج على هَذَا القَوْل إِلَى أَن يُقَال: وَصحت إِضَافَة بَين إِلَى الدُّخُول لاشْتِمَاله على الْمَوَاضِع
…
. إِلَخ.
وَذَلِكَ لِأَن الدُّخُول مُفْرد وَالْفَاء غَايَة وَبَين مَوضِع للتوسط إِنَّمَا بَين اثْنَيْنِ منفصلين نَحْو: المَال بَين زيد وَعَمْرو وَإِمَّا بَين اثْنَيْنِ مُجْتَمعين فِي لَفْظَة نَحْو: المَال بَين الرجلَيْن وَإِمَّا بَين جمَاعَة مفرقة نَحْو: المَال بَين زيد وَعَمْرو وَبكر وَإِمَّا بَين جمَاعَة مجتمعة فِي لَفظه نَحْو: المَال بَين الرِّجَال أَو بَين الْقَوْم فَلَا تُضَاف إِلَى مُفْرد لفظا وَمعنى إِلَّا أَن أول بِمَا يدل على التَّعَدُّد. وَفِيه أَيْضا تكلّف وَهُوَ ادِّعَاء حذف مَا.)
وَهَذَا لَا يجوز عِنْد الْبَصرِيين سَوَاء كَانَت مَا مَوْصُولَة إِذْ لَا يحذف الْمَوْصُول وَتبقى صلته أم مَوْصُوفَة إِذْ شَرط حذف الْمَوْصُوف بِالْجُمْلَةِ أَو بالظرف أَن يكون بَعْضًا من مجرور بِمن أَو فِي.
وَإِنَّمَا احْتَاجَ إِلَى تقديرها لِأَن نبك فعل مُتَعَدٍّ بِنَفسِهِ يطْلب مَفْعُولا
يُقَال: بكيته وَيَتَعَدَّى بالحرف أَيْضا يُقَال: بَكَيْت عَلَيْهِ وَله. وَأما بكيته بِالتَّشْدِيدِ فَمَعْنَاه: جعلته باكياً كأبكيته بِالْهَمْزَةِ.
وَتَقْدِير الشَّارِح: أَي منَازِل بَين الدُّخُول خير مِنْهُ أَشَارَ بِهِ إِلَى أَن بَين مفعول لنبك بِتَقْدِير مُضَاف أَي: قفا نبك منَازِل بَين الدُّخُول.
وَفِي الْقَوْلَيْنِ إِشَارَة إِلَى أَن بَين لَيْسَ حَالا من سقط اللوى وَلَا صفة لَهُ.
قَالَ ابْن الملا تبعا للعيني: بسقط اللوى: صفة منزل وَبَين الدُّخُول صفة سقط اللوى أَي: من منزل كَائِن بسقط اللوى الْكَائِن بَين الدُّخُول.
وَإِنَّمَا قَدرنَا مُتَعَلق الصّفة الثَّانِيَة اسْما مُعَرفا وَإِن كَانَ الْمَشْهُور تَقْدِيره فعلا أَو اسْما مُنْكرا رِعَايَة لجَانب الْمَعْنى. وَلَا يحسن جعل الظّرْف حَالا إِذْ لَيْسَ الْقَصْد إِلَّا التَّقْيِيد.
-
وَلنَا عَنْهُمَا غنية بجعله صفة ثَانِيَة لمنزل أَو بَدَلا من سقط اللوى مَعَ أَن فِي قَوْله مُخَالفَة لقَولهم: الْجمل والظروف بعد المعارف أَحْوَال وَبعد النكرات صِفَات.
وَلَا يخفي أَنه لَا حَاجَة إِلَى ادّعاء حذف مَا أَو حذف مُضَاف لِأَن المبكيّ من أَجله مَذْكُور وَهُوَ قَوْله: من ذكرى حبيب ومنزل وَمن فِيهِ بِمَعْنى اللَّام تعليلية والمبكيّ من أَجله والمبكيّ عَلَيْهِ مآلهما وَاحِد.
وَالْأولَى حمل تَقْدِير الشَّارِح هَذَا الْمُضَاف عَلَيْهِ بجعله ظرفا لنبك أَو بَدَلا من منزل فَيقْرَأ بِالْجَرِّ فَيكون أَشَارَ بِهِ إِلَى أَن المبكيّ من أَجله منَازِل لَا منزل وَاحِد لِأَن الْمَوَاضِع أَرْبَعَة وأقلّ منازلها مثلهَا.
وَالْقَوْل الثَّالِث وَهُوَ قَول الشَّارِح المركّب مِنْهُمَا مُحْتَاج إِلَى المعونة الَّتِي ذَكرنَاهَا إِذْ لَا يصحّ إلاّ بِتَقْدِير بَين أَمَاكِن الدُّخُول إِلَى حومل.
وَقد أَشَارَ إِلَيْهَا
ابْن جني فِي سر الصِّنَاعَة قَالَ: إِذا قلت: مُطِرْنَا بَين زبالة فالثّعلبية أردْت أَن الْمَطَر انتظم الْأَمَاكِن الَّتِي مَا بَين القريتين يقروها شَيْئا فَشَيْئًا بِلَا فُرْجَة فَإِذا قلت: مُطِرْنَا مَا بَين زبالة فالثّعلبية أردْت أَن الْمَطَر وَقع بَينهمَا وَلم ترد أَنه اتَّصل فِي هَذِه الْأَمَاكِن من أَولهَا إِلَى آخرهَا انْتهى.)
وَفِي صَنِيع الشَّارِح أُمُور: أَحدهَا: قَوْله: وَقد تَجِيء الْفَاء العاطفة للمفرد بِمَعْنى إِلَى أَرَادَ أَنَّهَا كَانَت عاطفة قبل مجيئها بِمَعْنى إِلَى وَأما بعده فَهِيَ متمحّضة للغاية كَمَا هُوَ ظَاهر من
كَلَامه على الْبَيْت. وَلَا يُنَافِيهِ قَوْله: حذفه أَي: حذف الْوَاو مَعَ فَاء الْعَطف
…
إِلَخ لِأَن المُرَاد فَاء الْعَطف صُورَة لَا حَقِيقَة وَفِيه أَنه لَا ضَرُورَة إِلَى تَقْدِير وَاو الْعَطف مَعهَا فَإِنَّهَا عاطفة.
وَلَا يمْنَع من عطفها كَونهَا بِمَعْنى إِلَى فَإِن أَو العاطفة تَأتي بِمَعْنى إِلَى وَبِمَعْنى إِلَّا وَلم يقل أحد إِنَّهَا مُجَرّدَة من الْعَطف فيهمَا والعطف بهَا وَاقع قطعا كَمَا فِي الْمِثَال وَالشعر وَهِي نائبة عَن إِلَى لَا أَنَّهَا بمعناها.
ثَانِيهَا: قَوْله: على مَا حكى الزجاجي: مُطِرْنَا مَا بَين زبالة فالثعلبيّة هَذِه الْحِكَايَة والتوجيه إِنَّمَا هما للكسائي وَالْفراء قَالَ فِي تَفْسِير الْآيَة: وَأما الْوَجْه الثَّالِث وَهُوَ أحبّها إليّ فَأن تجْعَل الْمَعْنى على: إِن الله
لَا يستحيي أَن يضْرب مثلا مَا بَين بعوضة إِلَى مَا فَوْقهَا.
وَالْعرب إِذا أَلْقَت بَين من كَلَام تصلح إِلَى فِي آخِره نصبوا الحرفين المخفوضين اللَّذين خفض أَحدهمَا ببين وَالْآخر بإلى فَيَقُولُونَ: مُطِرْنَا مَا زبالة فالثّعلبية وَله عشرُون مَا نَاقَة فجملاً وَهِي وَيجوز أَن تجْعَل الْقرن والقدم معرفَة فَتَقول: هِيَ حَسَنَة مَا قرنها فَقَدمهَا. فَإِذا لم تصلح إِلَى فِي آخر الْكَلَام لم يجز سُقُوط بَين من ذَلِك أَن تَقول: دَاري مَا بَين الْكُوفَة فالمدينة فَلَا يجوز أَن تَقول: دَاري مَا بَين الْكُوفَة وَالْمَدينَة لِأَن إِلَى إِنَّمَا تصلح إِذا كَانَ مَا بَين الْمَدِينَة والكوفة كُله من دَارك كَمَا كَانَ الْمَطَر آخِذا مَا بَين زبالة إِلَى الثعلبية.
قَالَ الْكسَائي: سَمِعت أَعْرَابِيًا يَقُول وَرَأى الْهلَال: الْحَمد لله مَا إهلالك إِلَى سرارك يُرِيد: مَا بَين إهلالك إِلَى سرارك. فَجعلُوا النصب الَّذِي فِي بَين فِيمَا بعْدهَا إِذا سَقَطت ليعلم أَن معنى بَين يُرَاد.
وَحكى الْكسَائي عَن بعض الْعَرَب: الشّنق مَا خمْسا إِلَى خمس وَعشْرين. والشّنق مَا لم تجب فِيهِ الْفَرِيضَة من الْإِبِل.
-
وَلَا تصلح الْفَاء مَكَان الْوَاو فِيمَا لم تصلح فِيهِ إِلَى كَقَوْلِك: دَار فلَان بَين الْحيرَة والكوفة محَال وَجَلَست بَين عبد الله فزيد محَال إلاّ أَن يكون مَقْعَدك آخِذا للفضاء الَّذِي بَينهمَا وَإِنَّمَا امْتنعت)
الْفَاء من الَّذِي لَا تصلح فِيهِ إِلَى لِأَن الْفِعْل فِيهِ لَا يَأْتِي فيتّصل وَإِلَى يحْتَاج إِلَى اسْمَيْنِ يكون الْفِعْل بَينهمَا كطرفة عين.
وصلحت الْفَاء فِي إِلَى لِأَنَّك تَقول: أَخذ الْمَطَر أَوله فَكَذَا وَكَذَا إِلَى آخِره. فَلَمَّا كَانَ الْفِعْل كثيرا
وَفِيه فَوَائِد: مِنْهَا قَوْله: هِيَ حَسَنَة مَا قرنها فَقَدمهَا. وَبِه يردّ على الدماميني فِي قَوْله: على مَا قرنا إِلَى قدم: كَون أَصله: مَا بَين قرنٍ دَعْوَى لَا دَلِيل عَلَيْهَا. وَيجوز أَن تكون مَا زَائِدَة وقرناً تَمْيِيز أَو مَنْصُوب على نزع الْخَافِض. انْتهى.
وَيَأْتِي فِي كَلَام أبي حَيَّان حَقِيقَة مَا. والقرن بِفَتْح الْقَاف وَسُكُون الرَّاء: الْخصْلَة من الشّعْر بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة.
وَمِنْهَا ضَابِط سُقُوط بَين وَهُوَ غير مَوْجُود فِي الشَّرْح.
ثَالِثهَا: قَوْله: وَلَا يجوز حذف مَا لكَونه مَوْصُولا فَإِنَّهُ لم يشْبع الْكَلَام على مَا الْوَاقِعَة مَعَ بَين فَإِنَّهُ يجوز حذفهَا فِي غير هذَيْن المثالين وَلم يشْرَح وَجه موصوليتها فيهمَا.
وَقد تكفّل بِبَيَان ذَلِك جَمِيعه أَبُو حَيَّان فِي تَذكرته قَالَ: إِذا أتيت ببين
صلَة ل مَا فَقيل أعجبني مَا بَيْنكُمَا فسقوط مَا جَائِز وتقضي على بَين بِالرَّفْع ولفظها مَنْصُوب. وَلَك أَن ترفع بَين الْفِعْل وَتُعْطِي حقّ الْأَسْمَاء فتضمر مَا وَلَا تضمر الَّذِي فَإِنَّهَا تكون وقتا ومحلاً فَالْأول كَقَوْلِهِم: لَا أكلّمك مَا دَامَ للزّيت عاصر فَمَا مَوْضُوعَة فِي مَوضِع أبدا وانتصابها فِيهِ كانتصاب لَا أكلّمك القارظ العنزيّ.
وَالثَّانِي كَقَوْلِهِم: جلس مَا بَين الدَّاريْنِ واستوى مَا بَين المنزلتين وَأقَام مَا بَين المسجدين فَلَمَّا أَتَت مَا محلاًّ أَي: ظرفا ووقتاً ضارعت المحلّ الَّذِي بعْدهَا فَكفى مِنْهَا. واختصت بَين بالنيابة عَن مَا لأنّ مَا تكون شرطا وَبَين يشرط بهَا فِي قَوْلهم: بَيْنَمَا أنصفني ظَلَمَنِي وبينما اتَّصل بِي قطعني.
وَأما
الَّذِي فَلَا يعرف لَهُ ذَلِك وَلَا يسْتَعْمل فِيهِ. ول مَا معنى ثانٍ هُوَ الْجَزَاء فِي أصل البنية وإقرارها على لفظ الَّذِي وَذَلِكَ قَول الْعَرَب: مُطِرْنَا مَا زبالة فالثّعلبية فزرود.
حَكَاهُ الْكسَائي عَن الْعَرَب وَمَعْنَاهُ: مُطِرْنَا مَا بَين زبالة إِلَى الثعلبية فنابت زبالة عَن بَين وَجعل نصب بَين فِيهَا ونسقت الثعلبية فزرود عَلَيْهَا ونصبت مَا بمطرنا على أَن لَفظهَا الَّذِي ولزمت الْفَاء مَكَان إِلَى وَلم يصلح مَكَانهَا وَاو وَلَا ثمَّ وَلَا أَو وَلَا لَا لِأَنَّهَا تحفظ تَأْوِيل الْجَزَاء)
وتجري فِي هَذَا الْكَلَام مجْراهَا فِي: إِن زرتني فَأَنت محسن وَلَا يجوز: وأَنْت لِأَنَّهُ لَا يُوصل الشَّرْط إِلَّا بِالْفَاءِ
إِذْ كَانَت تفعل ذَلِك فِي ضَربته فبكي.
وأصل الْكَلَام: إِن اتّصل الْمَطَر إِلَى زبالة فالثعلبية فَهُوَ مُطِرْنَا فَذَلِك الَّذِي يَنْبَغِي. فتحوّلت مَا إِلَى لفظ الَّذِي وَأَصلهَا الشَّرْط ولزمت الْفَاء مراقبة لذَلِك الأَصْل ونابت عَن إِلَى وَلَوْلَا الشَّرْط الَّذِي بنيت الْمَسْأَلَة عَلَيْهِ لم يعْطف وَاحِد بِالْفَاءِ على مخفوض بَين إِذْ لَا يُقَال فِيمَا تعرّى من معنى الشَّرْط: المَال بَين أَبِيك فأخيك.
وَحكى الْكسَائي وَالْفراء بن الْعَرَب: هِيَ أحسن النَّاس مَا قرنا فَقدما مَعْنَاهُ: مَا بَين قرن إِلَى قدم فلزمت الْفَاء لأنّ مَا شَرط فِي الأَصْل ومحسّنة ذَلِك حسن إِلَى فِي مَوضِع الْفَاء وانتصب مَا فِي هَذِه الْمَسْأَلَة على التَّفْسِير وانتصب الْقرن بِنصب بَين الْمسْقط وعطفت الْقدَم على الْقرن.
ثمَّ نقل كَلَام الْفراء وَقَالَ: وَمَا فِي ذَا الْمَعْنى لَا تسْقط فخطأ أَن يُقَال: مُطِرْنَا زبالة فالثّعلبية لِأَن مَا وَبَين اسْم وَاحِد يدْخل طرفاه فِيهِ وَمَا هِيَ الحدّ بَين
الشَّيْئَيْنِ دَلِيل هَذَا: أَن الَّذِي يَقُول: لَهُ عليّ مَا بَين الْألف إِلَى الْأَلفَيْنِ يدل ب مَا على اسْتِيفَاء مَا بَين الْألف والألفين.
وَلَو قَالَ: جَلَست مَا بَين الدَّاريْنِ لم يكن جَامعا لكل مَا بَينهمَا فَأَتَت الْفَاء لمَذْهَب الشَّرْط وَإِن لم يذكر حرف الشَّرْط كَمَا لَزِمت الْفَاء مَعَ أما فَقيل: أمّا عبد الله فقائم لِأَن الْمَعْنى: مهما يكن من شَيْء فعبد الله قَائِم.
وَالْفرق بَين جَلَست مَا بَين عبد الله فزيد وَجَلَست بَين عبد الله فزيد: أَن مَا إِذا حضرت كَانَ الَّذِي بَين الطَّرفَيْنِ مجلوساً فِي جَمِيعه وَإِذا لم تكن مَا احْتمل الْكَلَام جُلُوسًا فِي بعض الَّذِي بَين المكانين.
فَإِذا قيل: عبد الله مَا بَين أَخِيك وَأَبِيك فَمَا منتصبة على انتصاب المحلّ وَأَصلهَا الشَّرْط وَمَا فَإِن قيل: عبد الله بَين أَخِيك فأبيك فموضع عبد الله بعض مَا بَين الْمَوْضِعَيْنِ
وَيجوز استغراق الْمَكَان كلّه.
وَلم يذكر الْفراء: زيد مَا أَخَاك وأباك. قَالَ أَبُو بكر: هُوَ عِنْدِي خطأ لِأَن مَا مَوْضُوعَة للْعُمُوم وَبَين لَا تحذف إلاّ بعْدهَا اعْتِمَادًا عَلَيْهَا مَعَ خلَافَة الَّذِي يَليهَا لَهَا.
وَبَين من أَسمَاء الْمَوَاضِع الَّتِي لَيست نَاسا فَلَا يخلف بَين بعْدهَا إلاّ مَا لَا يكون من أَسمَاء)
الأناسيّ مثل الْقرن والقدم والإهلال والسّرار والناقة والجمل وَمَا يجْرِي مجْرى ذَلِك.
وَمن قَالَ: دَاري مَا الْكُوفَة فالحيرة وَهُوَ يذهب إِلَى مَا بَين الْكُوفَة إِلَى الْحيرَة لم يصب لأنّ هَذَا الْكَلَام لَا يَسْتَقِيم إلاّ بِأَن تكون الدَّار مالئة كلّ الْموضع الَّذِي بَين الْكُوفَة والحيرة وَمَا شوهدت دَار كَذَا.
فَإِن لم تذكر مَا لم يبطل أَن يُقَال: دَاري بَين الْكُوفَة فالحيرة على أَن الدَّار آخذة بعض مَا بَين الْكُوفَة والحيرة وَلَو قَالَ: لَهُ عليّ مَا الْألف والألفين يُرِيد مَا بَين الْألف إِلَى الْأَلفَيْنِ كَانَ
الْكَلَام مُسْتَقِيمًا لوُقُوع مَا وَبَين على جَمِيع مَا بَين الطَّرفَيْنِ وَدخُول الطَّرفَيْنِ فيهمَا أَعنِي فِي مَا وَبَين.
هَذَا مَا لخّصناه من تذكرة أبي حَيَّان وفيهَا فَوَائِد تتَعَلَّق ببين دون مَا تركناها لعدم تعلّق غرضنا بهَا.
وَقَول الشَّارِح: وَمثل قَوْله قفا نبك
…
إِلَخ مثل: مُبْتَدأ مُضَاف وَقَوله: الْفَاء فِيهِ بِمَعْنى إِلَى هَذِه الْجُمْلَة خبر الْمُبْتَدَأ ويروى فِي بعض النّسخ: وَمثله قَوْله بالضمير على أَنه مُبْتَدأ وَخبر وَهَذِه رِوَايَة فَاسِدَة.
وَقَوله: البيتان مُبْتَدأ مَحْذُوف الْخَبَر أَي مقروءان والمعهود فِي مثله الْبَيْتَيْنِ بِالنّصب بِتَقْدِير: اقرا وَالْجُمْلَة فيهمَا اعْتِرَاض. وَإِنَّمَا لم يكتبهما لشهرتهما.
وَهَذَا هُوَ الْجَواب الأول.
وَأما الْجَواب الثَّانِي فَهُوَ قَوْله: وَيجوز أَن يكون الْمَعْنى: قفا نبك بَين منَازِل الدُّخُول يُرِيد أنّ المتعدد الَّذِي تُضَاف إِلَيْهِ بَين مَحْذُوف دلّ عَلَيْهِ مَا قبله وقدّر فِي الْمَوَاضِع الْأَرْبَع لِأَن الْمَعْطُوف شَرطه غَالِبا أَن يحلّ مَوضِع الْمَعْطُوف عَلَيْهِ.
-
وقدّره بَعضهم بَين مَوَاضِع الدُّخُول فَتكون بَين مُضَافَة إِلَى مُتَعَدد مَحْذُوف. وَأجَاب بَعضهم بأنّ كلا من الدُّخُول وحومل وتوضح والمقراة مَوضِع وسيع يشْتَمل على منَازِل ومواضع فأضيف بَين إِلَيْهَا لاشْتِمَاله على مُتَعَدد تَقْديرا فَلَا حذف وَعَلَيْهِمَا تكون الْفَاء عاطفة وتفيد تَرْتِيب الْبكاء بَين منَازِل هَذِه الْمَوَاضِع.
وَلم يقدّر الشَّارِح هُنَا مَفْعُولا لنبك فَيحْتَمل أَنه جعل الْمَفْعُول بَين وَيحْتَمل أنّ نبك لَازم أَي: نُحدث الْبكاء بَين منَازِل هَذِه الْمَوَاضِع فَتكون بَين ظرفا للبكاء. وَهَذَا أولى لأنّ المبكيّ من أَجله تقدّم.)
وَهَذَا الْجَواب هُوَ الجيّد وَالْجَوَاب الأول غير جيد كَمَا بيّنّاه.
وَقَول الشَّارِح الْمُحَقق: وَكَذَا فِي غير هَذَا الْموضع أَشَارَ بِهِ إِلَى مَا تقدم من قَوْلهم: مُطِرْنَا مَا بَين زبالة فالثعلبية فَإِن التَّقْدِير مَا بَين أَمَاكِن زبالة فأماكن الثعلبية.
وَمن قَوْلهم: هِيَ أحسن النَّاس مَا بَين قرن إِلَى قدم فإنّك تقدّر مَا بَين أَجزَاء قرن وَمَا بَين قرن فَقدم أَي: مَا بَين أَجزَاء قرن فأجزاء قدم وَمَا قرنا فَقدما: مَا بَين أَجزَاء قرن فأجزاء قدم.
وَكَذَا تقدّر فِي قَوْله تَعَالَى: مثلا مَا بعوضة فَمَا فَوْقهَا على قَول الْفراء: مَا بَين أَمْثَال بعوضة فأمثال فَوْقهَا. وَكَذَا يقدّر فِي قَوْلهم: الْحَمد لله مَا إهلالك إِلَى سرارك: مَا بَين أَوْقَات إهلالك.
وَسكت ابْن هِشَام عَن الْآيَة وَعَن قَوْلهم: مَا قرنا إِلَى قدم لوضوح التَّقْدِير.
وَقَالَ الدماميني: لم يتَعَرَّض إِلَى الِاعْتِذَار عَن بعوضة وَقرن على هَذَا القَوْل فتأمّله.
وَقد تأمّله بَعضهم فَقَالَ: وَغَايَة مَا يظْهر أَن تكون إِلَى الَّتِي الْفَاء بمعناها للمعيّة على مَا يَقُول الْكُوفِيُّونَ وَمعنى: مَا بَين قرن مَعَ قدم وَمَا بَين بعوضة مَعَ مَا فَوْقهَا: مَا بَينهمَا.
-
وَأما إِن بقيت إِلَى على مَعْنَاهَا فَلَا يظْهر لصِحَّة إِضَافَة بَين
إِلَى قرن وبعوضة وَجه إِذْ لايمكن هَذَا كَلَامه وَهُوَ غنيّ عَن الردّ لظُهُور خلله.
هَذَا وَقد أورد سِيبَوَيْهٍ المصراع الأول فِي بَاب وُجُوه القوافي فِي الإنشاد من أَوَاخِر كِتَابه قَالَ: أما إِذا ترنّموا فَإِنَّهُم يلحقون الْألف وَالْيَاء وَالْوَاو مَا ينوّن وَمَا لَا ينوّن لأَنهم أَرَادوا مدّ الصَّوْت وَذَلِكَ كَقَوْل امرىء الْقَيْس: قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزلي الْبَيْت إِلَى آخر مَا ذكره.
قَالَ الأعلم: الشَّاهِد فِيهِ وصل اللَّام فِي حَال الْكسر بِالْيَاءِ للترنّم وَهُوَ مد الصَّوْت.
وَقَوله: قفا نبك فِيهِ أَرْبَعَة أَقْوَال: أَحدهَا: لأكْثر أهل اللُّغَة أَنه خطاب لرفيق وَاحِد قَالُوا: لِأَن الْعَرَب تخاطب الْوَاحِد بخطاب الِاثْنَيْنِ قَالَ الله تَعَالَى مُخَاطبا لمَالِك: ألقيا فِي جهنّم وَقَالَ الشَّاعِر: الطريل
(فَإِن تزجراني يَا ابْن عَفَّان أنزجر
…
وَإِن تدعاني أحم عرضا ممنّعا)
وَقَالَ آخر: الوافر
(
وَقلت لصاحبي لاتحبسانا
…
بِنَزْع أُصُوله واجدزّ شيحا))
وَحكي عَن الْحجَّاج أَنه قَالَ: يَا حرسي اضربا عُنُقه. وَلعلَّة فِيهِ أَن أقل أعوان الرجل فِي إبِله وَمَاله اثْنَان وَأَقل الرّفْقَة ثَلَاثَة فَجرى كَلَام الرجل على مَا قد ألف من خطابه لصاحبيه. قَالُوا: وَالدَّلِيل على أَن امْرأ الْقَيْس خَاطب وَاحِدًا قَوْله فِي هَذِه القصيدة: الطَّوِيل أصاح ترى برقاً أريك وميضه الْبَيْت وَقَالَ ابْن النّحاس: هَذَا شَيْء يُنكره حذاق الْبَصرِيين لِأَنَّهُ إِذا خُوطِبَ الْوَاحِد مُخَاطبَة الِاثْنَيْنِ وَقع الْإِشْكَال. وَفِيه نظر فَإِن الْقَرِينَة تدفع اللّبْس.
ثَانِيهَا: للمبرد قَالَ: التَّثْنِيَة لتأكيد الْفِعْل وَالْأَصْل: قف قف بالتكرير للتَّأْكِيد فَلَمَّا كَانَ الْفِعْل لَا يثني ثني ضَمِيره. وَكَذَا ألقيا واضربا وتزجراني وتدعاني وتحبسانا.
ثَالِثهَا: للزجاج أَنه مثنى حَقِيقَة خطابا لصاحبيه. وَكَذَا ألقيا خطاب للملكين. وَيرد عَلَيْهِ مَا عداهما فَإِنَّهُ لَا يتَصَوَّر فِيهِ مَا زَعمه.
رَابِعهَا: أَن أَصله قفن بنُون التوكيد الْخَفِيفَة فأبدل النُّون ألفا إِجْرَاء للوصل مجْرى الْوَقْف. ونبك مجزوم فِي جَوَاب الشَّرْط. وَبِه اسْتشْهد الْمرَادِي فِي شرح الألفية.
والسقط مثلث الأول: مَا تساقط من الرمل. واللوى كإلى: مَا
النَّوَى من الرمل. وَسقط اللوى: حَيْثُ يسترق الرمل فَيخرج مِنْهُ إِلَى الجدد. وَإِنَّمَا وصف الْمنزل بِهِ لأَنهم كَانُوا لَا ينزلون إِلَّا فِي صلابة من الأَرْض لتَكون أثبت لأوتاد الْأَبْنِيَة والخيام وَأمكن لحفر النؤي وَإِنَّمَا يكون ذَلِك حَيْثُ
قَالَ التبريزي فِي شرح المعلقات: الْبَاء من بسقط يجوز أَن تتَعَلَّق بقفا وبنبك وبمنزل. وَقَالَ الزوزني: هِيَ صفة لمنزل أَو لحبيب أَو مُتَعَلق بنبك. فتأملها مَعَ مَا سبق.
وَالدُّخُول بِفَتْح الدَّال وَضم الْخَاء الْمُعْجَمَة قَالَ أَبُو عبيد الْبكْرِيّ فِي مُعْجم مَا استعجم: هُوَ مَوضِع اخْتلف فِي تحديده فَقَالَ مُحَمَّد بن حبيب: الدُّخُول وحومل فِي بِلَاد أبي بكر بن كلاب وَأنْشد لكثير: الْكَامِل
(أَمن ال قتلة بِالدُّخُولِ رسوم
…
وبحوملٍ طللٌ يلوح قديم)
وَقَالَ أَبُو الْحسن: الدُّخُول وحومل: بلدان بِالشَّام. وَأنْشد: قفا نبك الْبَيْتَيْنِ. وَقَالَ أَبُو الْفرج: هَذِه كلهَا مَوَاضِع مَا بَين أمرة إِلَى أسود الْعين إِلَّا أَن أَبَا عُبَيْدَة يَقُول: إِن المقراة لَيْسَ موضعا وَإِنَّمَا يُرِيد الْحَوْض الَّذِي يجْتَمع فِيهِ المَاء.
وَقَالَ فِي أمرة: بِفَتْح الْهمزَة وَالْمِيم وَالرَّاء الْمُهْملَة: هِيَ بلد كريم سهل فِي حمى ضرية من نَاحيَة)
الْبَصْرَة وَبَينه وَبَين الستار الَّذِي هُوَ جبل من حمى ضرية خَمْسَة أَمْيَال. وأسود الْعين: جبل على طَرِيق الْحَاج الْبَصْرِيّ للمصعد بَينه وَبَين حمى ضرية سَبْعَة وَعِشْرُونَ ميلًا فَيكون مَا بَين أمرة وأسود اثْنَيْنِ وَعشْرين ميلًا.
وَقَالَ فِي حومل: هُوَ اسْم رملةٍ تركب القف وَهِي بأطراف الشَّقِيق وناحية الْحزن لبني يَرْبُوع وَقَالَ فِي توضح: بِضَم أَوله وَكسر الضَّاد الْمُعْجَمَة بعْدهَا حاء مُهْملَة: مَوضِع مَا بَين رمل السبخة وأود. وَقَالَ الْحَرْبِيّ: توضح من حمى ضرية.
-
وَقَالَ فِي أود: هُوَ بِضَم الْهمزَة وبالدال الْمُهْملَة: مَوضِع بِبِلَاد مَازِن. وَقَالَ ابْن حبيب: أود لبني يَرْبُوع بالحزن. وَقيل: أود والمقراة: حدا الْيَمَامَة. وَفِي شعر جرير أود لبني يَرْبُوع.
وَضبط المقراة هِيَ بِكَسْر الْمِيم وَإِسْكَان الْقَاف.
وَقَالَ التبريزي: هَذِه الْمَوَاضِع الَّتِي ذكرهَا مَا بَين أمرة إِلَى أسود الْعين وَهُوَ جبل وَهِي منَازِل بني كلاب. والمقراة فِي غير هَذَا الْموضع: الغدير الَّذِي يجْتَمع فِيهِ المَاء من قَوْلهم: قريت المَاء فِي الْحَوْض إِذا جمعته.
وزبالة بِضَم الزَّاي المجمعة بعْدهَا بَاء مُوَحدَة قَالَ الْبكْرِيّ: بلد ويدلك أَنَّهَا قريب من زرود قَول الشماخ يصف نَاقَته: الطَّوِيل
(وراحت رواحاً من زرود فنازعت
…
زبالة جلباباً من اللَّيْل أخضرا)
قَالَ مُحَمَّد بن سهل: زبالة من أَعمال المدينه سميت بضبطها المَاء وَأَخذهَا مِنْهُ كثيرا من قَوْلهم: إِن فلَانا لشديد الزبل للقرب.
وَقَالَ ابْن الْكَلْبِيّ عَن أَبِيه: سمّيت بزبالة بنت مَسْعُود من العماليق نزلت موضعهَا فسمّيت بهَا.
وَقَالَ أَيْضا فِي الثعلبية: بِفَتْح الثَّاء الْمُثَلَّثَة وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة هِيَ بِئْر منسوبة إِلَى ثَعْلَبَة بن مَالك بن دودان بن أَسد هُوَ أول من احتفرها وَهِي من أَعمال الْمَدِينَة وَهِي مَاء لبني أَسد.
وزرود: حَبل رمل.
-
وَقَوله: لم يعف رسمها هُوَ مَوضِع التَّعْلِيل للبكاء لِأَنَّهُ لَو عفت هَذِه الْمَوَاضِع أَو عَفا رسمها لاستراح العاشق وَفِي بَقَائِهَا أَشد حزن لَهُ كَقَوْل ابْن أَحْمَر: الوافر
(ألاليت الْمنَازل قد بلينا
…
فَلَا يرمين عَن شزنٍ حَزينًا)
أَي: فَلَا يرمين عَن تحرّف.)
يُقَال: شزن فلَان ثمَّ رمى أَي: تحرّف فِي أحد شقّيه وَذَلِكَ أشدّ لرميه أَي: ليتها بليت حَتَّى لاترمي قُلُوبنَا بالأحزان والأوجاع.
وَعَفا الشَّيْء يعْفُو عفوا وعفوّاً وعفاء: درس وانمحى وعفاه غَيره: درسه. والرسم: مَا لصق بِالْأَرْضِ من آثَار الديار مثل البعر والرّماد.
وَقَوله: لم نسجتها تَعْلِيل لعدم العفاء والامّحاء. قَالَ الْأَصْمَعِي: إِن الرّيحين إِذا اختلفتا على الرَّسْم لم يعفواه فَلَو دَامَت عَلَيْهِ وَاحِدَة لعفته لِأَن الرّيح الْوَاحِدَة تسفي على الرَّسْم فيدرس وَإِذا اعتورته ريحَان فسفت عَلَيْهِ إِحْدَاهمَا فغطّته ثمَّ هبّت الْأُخْرَى كشفت عَن الرَّسْم مَا وَقيل: مَعْنَاهُ: لم يعف رسمها للريح وَحدهَا إِنَّمَا عَفا للريح والمطر وترادف السنين.
وَقيل: مَعْنَاهُ لم يعف رسم حبّها من قلبِي وَإِن نسجتها الرّيحان فعفتها مَعَ الأمطار والسنين.
وَالْمعْنَى الْجيد هُوَ الأول. وفاعل نسجت ضمير مَا وهَا ضمير الْمَوَاضِع الْأَرْبَعَة. وَمن بَيَان لما فَتكون مَا عبارَة عَن ريح الْجنُوب وَالشمَال وهما ريحَان متقابلان.
-
وَهَذَانِ البيتان أول معلقَة امرىء الْقَيْس وَتَقَدَّمت تَرْجَمته فِي الشَّاهِد التَّاسِع وَالْأَرْبَعِينَ من أَوَائِل الْكتاب. وَتقدم أَيْضا شرح غَالب هَذِه القصيدة فِي مَوَاضِع مُتعَدِّدَة مَعَ بَيَان سَبَب نظمها.
ومصراع الْبَيْت الأول مدح بِحسن الِابْتِدَاء وعجزه غير ملائم لَهُ. والممدوح مطلع قصيدة للنابغة الذبياني: الطَّوِيل
(كليني لَهُم يَا أُمَيْمَة ناصب
…
وليلٍ أقاسيه بطيء الْكَوَاكِب)
وَتقدم بَيَان حسنه فِي الشَّاهِد السَّابِع وَالثَّلَاثِينَ بعد الْمِائَة.
قَالَ ابْن أبي الإصبع فِي تَحْرِير التحبير: لعمري لقد أحسن ابْن المعتز فِي اخْتِيَاره بَيت النَّابِغَة لحسن الِابْتِدَاء فَإِنِّي أظنّه نظّر بَين هَذَا الِابْتِدَاء وَبَين ابْتِدَاء امرىء الْقَيْس فَرَأى ابْتِدَاء امرىء الْقَيْس على تقدّمه وَكَثْرَة مَعَاني ابْتِدَائه متفاوت الْقسمَيْنِ جدا لِأَن صدر الْبَيْت جمع بَين عذوبة اللَّفْظ وسهولة السّبك وَكَثْرَة الْمعَانِي بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْعَجز وألفاظ الْعَجز غَرِيبَة بِالنِّسْبَةِ إِلَى فَثَبت أنّ بَيت امرىء الْقَيْس وَإِن كَانَ أَكثر معَان من بَيت النَّابِغَة فبيت النَّابِغَة أفضل من جِهَة ملايمة أَلْفَاظه ومساواة قسميه.
-
وَإِنَّمَا عظّم ابْتِدَاء معلقَة امرىء الْقَيْس فِي النُّفُوس الِاقْتِصَار على سَماع صدر الْبَيْت فَإِنَّهُ يشغل الْفِكر بحسنه عَن النّظر فِي ملايمة عَجزه أَو عدم ملايمته وَهُوَ الَّذِي قيل عِنْد سَمَاعه للمنشد:)
حَسبك فَإِن قَائِل هَذَا الْكَلَام أشعر النَّاس لِأَنَّهُ وقف واستوقف وَبكى واستبكى وَذكر الحبيب والمنزل فِي شطر بَيت وَلم يستنشد الْعَجز شغلاً بِحسن الصَّدْر عَنهُ.
وَإِذا تَأمل النَّاظر فِي النَّقْد الْبَيْت بِكَمَالِهِ ظهر لَهُ تفَاوت الْقسمَيْنِ. انْتهى.
ولعمري لقد أحسن الإِمَام الباقلاّني فِي كتاب إعجاز الْقُرْآن بإطالة لِسَانه بتزيف هَذَا المطلع حَيْثُ قَالَ: الَّذين يتعصبون لامرىء الْقَيْس ويدّعون محَاسِن الشّعْر يَقُولُونَ: هَذَا من البديع لِأَنَّهُ وقف واستوقف وَبكى واستبكى وَذكر الْعَهْد والمنزل والحبيب وتوجّع واستوجع كلّه فِي بَيت وَنَحْو ذَلِك.
وَإِنَّمَا بيّنّا هَذَا لئلاّ يَقع لَك ذهابنا عَن مَوَاضِع المحاسن إِن كَانَت ولاغفلتنا عَن مَوَاضِع الصِّنَاعَة إِن وجدت.
تأمّل أرشدك الله تعلم أَنه لَيْسَ فِي الْبَيْتَيْنِ شَيْء قد سبق فِي ميدانه شَاعِرًا ولاتقدّم بِهِ صانعاً. وَفِي لَفظه وَمَعْنَاهُ خلل فأوّل ذَلِك أَنه استوقف من يبكي لذكر الحبيب وذكراه لايقتضي بكاء الخليّ وَإِنَّمَا يصحّ طلب الإسعاد فِي مثل هَذَا على أَن يبكي لبكائه ويرقّ لصديقه فِي شدّة برحائه.
فَأَما أَن يبكي على حبيب صديقه وعشيق رَفِيقه فَأمر محَال. فَإِن كَانَ الْمَطْلُوب وُقُوفه وبكاءه أَيْضا عَاشِقًا صحّ الْكَلَام وَفَسَد الْمَعْنى لِأَنَّهُ من السّخف أَن لايغار على حَبِيبه وَأَن يَدْعُو غَيره إِلَى التغازل عَلَيْهِ والتواجد مَعَه فِيهِ.
ثمَّ فِي الْبَيْتَيْنِ مَا لَا يُفِيد من ذكر هَذِه الْمَوَاضِع وَتَسْمِيَة هَذِه الْأَمَاكِن من الدّخول وحومل وتوضح والمقراة وَسقط اللّوى وَقد كَانَ يَكْفِيهِ أَن يذكر فِي التَّعْرِيف بعض هَذَا وَهَذَا التَّطْوِيل إِذا لم يفد كَانَ ضربا من العيّ.
ثمَّ إِن قَوْله: لم يعف رسمها ذكر الْأَصْمَعِي من محاسنه أَنه بَاقٍ فَنحْن نحزن على مشاهدته فَلَو عَفا لاسترحنا.
-
وَهَذَا بِأَن يكون من مساويه أولى لِأَنَّهُ إِن كَانَ صَادِق الودّ فَلَا يزِيدهُ عفاء الرسوم إلاّ جدّة عهد وشدّة وجد. وَإِنَّمَا فزع الْأَصْمَعِي إِلَى إِفَادَة هَذِه الْفَائِدَة خشيَة أَن يعاب عَلَيْهِ فَيُقَال: أَي فَائِدَة لِأَن يعرّفنا أَنه لم يعف رسم منَازِل
حَبِيبه وأيّ معنى لهَذَا الحشو فَذكر مَا يُمكن أَن ثمَّ فِي هَذِه الْكَلِمَة خلل آخر لِأَنَّهُ عقّب الْبَيْت بِأَن قَالَ: الطَّوِيل)
فَهَل عِنْد رسمٍ دارسٍ من معوّل فَذكر أَبُو عُبَيْدَة أَنه رَجَعَ فأكذب نَفسه كَمَا قَالَ زُهَيْر: الْبَسِيط
(قف بالديار الَّتِي لم يعفها الْقدَم
…
نعم وغيّرها الْأَرْوَاح والدّيم)
وَقَالَ غَيره: أَرَادَ بِالْبَيْتِ الأول أَنه لم ينطمس أَثَره كلّه وَبِالثَّانِي أَنه ذهب بعضه حَتَّى لَا يتناقض الكلامان.
وَلَيْسَ فِي هَذَا انتصارا لِأَن معنى عَفا: درس.
واعتذار أبي عُبَيْدَة أقرب لَو صحّ وَلَكِن لم يرد هَذَا القَوْل مورد الِاسْتِدْرَاك على مَا قَالَه زُهَيْر فَهُوَ إِلَى الْخلَل أقرب.
-
وَقَوله: لما نسجتها كَانَ يَنْبَغِي أَن يَقُول: لما نسجها وَلكنه تعسّف فَجعل مَا فِي تَأْوِيل تَأْنِيث لِأَنَّهَا فِي معنى الرّيح وَالْأولَى التَّذْكِير دون التَّأْنِيث وضرورة الشّعْر قد دلّته على هَذَا التعسّف.
وَقَوله: لم يعف رسمها كَانَ الأولى أَن يَقُول: لم يعف رسمه لِأَنَّهُ ذكر الْمنزل. فَإِن كَانَ ردّ ذَلِك إِلَى هَذِه الْبِقَاع والأماكن الَّتِي الْمنزل وَاقع بَينهَا فَذَلِك خلل لِأَنَّهُ إِنَّمَا يُرِيد صفة الْمنزل الَّذِي نزله حَبِيبه بعفائه أَو بِأَنَّهُ لم يعف