الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَأنْشد بعده
(الشَّاهِد السَّادِس وَالْعشْرُونَ بعد التسْعمائَة)
(أم هَل كبيرٌ بَكَى لم يقْض عبرته
…
إِثْر الْأَحِبَّة يَوْم الْبَين مشكوم)
على أَنه يجوز أَن تَأتي هَل بعد أم.
-
وَلَيْسَ فِيهِ جمع استفهامين فَإِن أم عِنْد الشَّارِح كَمَا تقدم فِي حُرُوف الْعَطف مُجَرّدَة عَن الإستفهام إِذا وَقع بعْدهَا أَدَاة اسْتِفْهَام حرفا كَانَت أم اسْما.
وَأم المنقطعة عَن الشَّارِح حرف اسْتِئْنَاف بِمَعْنى بل فَقَط أَو مَعَ الْهمزَة بِحَسب الْمَعْنى وَذَلِكَ فِيمَا إِذا لم يُوجد بعْدهَا أَدَاة اسْتِئْنَاف. وَلَيْسَت عاطفة عِنْده وفَاقا للمغاربة.
قَالَ الْمرَادِي فِي الجنى الداني: إِن قلت: أم المنقطعة هَل هِيَ عاطفة أَو لَيست بعاطفة قلت: المغاربة يَقُولُونَ: إِنَّهَا لَيست بعاطفة لَا فِي مفردٍ وَلَا فِي جملَة.
وَذكر ابْن مَالك أَنَّهَا قد تعطف الْمُفْرد كَقَوْل الْعَرَب: إِنَّهَا لإبل أم شَاءَ. قَالَ: فَأم هُنَا لمُجَرّد الإضراب عاطفة مَا بعْدهَا على مَا قبلهَا كَمَا يكون مَا بعد بل فَإِنَّهَا بمعناها. انْتهى.
قَالَ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي: لَا تدخل أم المنقطعة على مُفْرد وَلِهَذَا قدرُوا الْمُبْتَدَأ فِي: إِنَّهَا لإبل أم شَاءَ. وخرق ابْن مَالك فِي بعض كتبه إِجْمَاع النَّحْوِيين فَقَالَ: لَا حَاجَة لتقدير مُبْتَدأ.
وَزعم أَنَّهَا تعطف الْمُفْردَات كبل وقدرها ببل دون
همزَة. وَاسْتدلَّ بقول بَعضهم: إِن هُنَاكَ)
لإبلاً أم شَاءَ بِالنّصب. فَإِن صحت رِوَايَته فَالْأولى أَن يقدر لشاء ناصب أَي: أم أرى شَاءَ.
وَمِمَّنْ ذهب إِلَى أَن أم عاطفة ابْن يعِيش ثمَّ اضْطربَ كَلَامه فِي نَحْو: أم هَل وَفِي: أم كَيفَ.
فَتَارَة ادّعى تَجْرِيد أم عَن الإستفهام وَتارَة ادّعى التَّجْرِيد عَن هَل.
قَالَ فِي فصل حرفي الإستفهام: من الْمحَال اجْتِمَاع حرفين بِمَعْنى وَاحِد. فَإِن قيل: فقد تدخل على هَل أم وَهِي اسْتِفْهَام نَحْو: أم هَل كَبِير بَكَى
…
الْبَيْت فَالْجَوَاب أَن أم فِيهَا مَعْنيانِ: أَحدهمَا: الِاسْتِفْهَام.
وَالْآخر: الْعَطف فَلَمَّا احْتِيجَ إِلَى معنى الْعَطف فِيهَا مَعَ هَل خلع مِنْهَا
دلَالَة الِاسْتِفْهَام وَبَقِي الْعَطف بِمَعْنى بل للترك وَلذَلِك قَالَ سِيبَوَيْهٍ: إِن أم تَجِيء بِمَعْنى لَا بل للتحويل من شَيْء إِلَى شَيْء. وَلَيْسَ كَذَلِك الْهمزَة لِأَنَّهَا لَيْسَ فِيهَا إِلَّا دلَالَة وَاحِدَة. انْتهى كَلَامه.
وَقَوله: من الْمحَال اجْتِمَاع حرفين بِمَعْنى وَاحِد هُوَ فِي هَذَا تَابع لِابْنِ جني وَقد ذكرنَا فِي الشَّاهِد السَّادِس بعد التسْعمائَة: أَنه لَا مَانع من اجْتِمَاعهمَا للتَّأْكِيد كَقَوْلِه: وَلَا للما بهم أبدا دَوَاء والعطف هُنَا على قَوْله من عطف الْجمل وَلَيْسَ لَهَا تشريك فِي غير الْوُجُود.
وَقَالَ ابْن يعِيش أَيْضا فِي فصل الْحِكَايَة: وَأما مَا حَكَاهُ أَبُو عَليّ من قَوْلهم: ضرب منٌ منا فَهِيَ حِكَايَة نادرة.
ووجهها أَنَّهَا جردت من الدّلَالَة على
اسْتِفْهَام حَتَّى صَارَت اسْما كَسَائِر الْأَسْمَاء يجوز إعرابها وتثنيتها وجمعهَا كَمَا جردوا أياً من الِاسْتِفْهَام حَيْثُ وصفوا بهَا فَقَالُوا: مَرَرْت بِرَجُل أَي رجل. وَقد فعلوا ذَلِك فِي مَوَاضِع.
فَمن ذَلِك قَول الآخر: أم هَل كبيرٌ بَكَى
…
. . الْبَيْت فقد خلع الِاسْتِفْهَام من هَل دون أم لِأَن هَل قد اسْتعْمل فِي غير الِاسْتِفْهَام نَحْو: هَل أَتَى على الْإِنْسَان حينٌ أَي: قد أَتَى. وَنَحْو: هَل جَزَاء الْإِحْسَان إِلَّا الْإِحْسَان أَي مَا جَزَاء الْإِحْسَان فَكَانَ اعْتِقَاد نزع الِاسْتِفْهَام مِنْهَا أسهل من اعْتِقَاد نَزعه من أم.
فَأَما قَول الشَّاعِر:
أم كَيفَ ينفع مَا تُعْطِي الْعلُوق بِهِ الْبَيْت)
فَإِنَّهُ يَنْبَغِي أَن يعْتَقد نزع دَلِيل الِاسْتِفْهَام من أم وقصرها على الْعَطف لَا غير.
أَلا ترى أَنا لَو نَزَعْنَا الِاسْتِفْهَام من كَيفَ للَزِمَ إعرابها كَمَا أعربت من. هَذَا كَلَامه وأَنْت ترى اضطرابه.
فَللَّه در الشَّارِح الْمُحَقق مَا أبعد مرامه وأدق كَلَامه.
وَقَبله:
(هَل مَا علمت وَمَا اسْتوْدعت مَكْتُوم
…
أم حبلها إِذْ نأتك الْيَوْم مصروم)
وَهُوَ مطلع القصيدة وَقد أوردهَا الْمفضل فِي المفضليات وَشَرحهَا ابْن الْأَنْبَارِي وَأورد لَهُ قصيدة أُخْرَى طَوِيلَة مطْلعهَا:
الطَّوِيل
(طحا بك قلبٌ فِي الحسان طروب
…
بعيد الشَّبَاب عصر حَان مشيب)
(يكلفني ليلى وَقد شط وَليهَا
…
وعادت عوادٍ بَيْننَا وخطوب)
وهما من أَبْيَات تَلْخِيص الْمِفْتَاح. والقصيدتان جيدتان.
-
روى صَاحب الأغاني بِسَنَدِهِ إِلَى حَمَّاد الراوية قَالَ: كَانَت الْعَرَب تعرض أشعارها على قُرَيْش فَمَا قبلوه مِنْهُمَا كَانَ مَقْبُولًا وَمَا ردُّوهُ مِنْهَا كَانَ مردوداً فَقدم عَلَيْهِم عَلْقَمَة بن عَبدة فأنشدهم قصيدته الَّتِي يَقُول فِيهَا: هَل مَا علمت وَمَا اسْتوْدعت مَكْتُوم فَقَالُوا: هَذِه سمط الدّرّ. ثمَّ عَاد إِلَيْهِم فِي الْعَام الْمقبل فأنشدهم: طحا بك قلبٌ فِي الحسان طروب فَقَالُوا هَاتَانِ سمطا الدّرّ.
وَقَوله: هَل مَا علمت
…
إِلَخ هَل هُنَا دخلت على الْجُمْلَة الإسمية فَإِن مَا: مَوْصُولَة مُبْتَدأ وَمَا: الثَّانِيَة مَعْطُوف عَلَيْهَا ومكتوم: خبر الْمُبْتَدَأ والفعلان فِي الْخطاب الأول بِالْبِنَاءِ للمعلوم وَالثَّانِي بِالْبِنَاءِ للْمَجْهُول.
والمكتوم: المستور. وَأم عِنْد الشَّارِح حرف اسْتِئْنَاف بِمَعْنى بل لِأَنَّهَا مُنْقَطِعَة وفيهَا معنى الْهمزَة كَمَا يَأْتِي وَجُمْلَة حبلها مصروم: من الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر استئنافية وَإِذ: تعليلية مُتَعَلقَة بمصروم بِمَعْنى مَقْطُوع.
وَالْحَبل اسْتِعَارَة للوصل والْمحبَّة. ونأتك أَصله نأت عَنْك فَحذف عَن وَوصل الضَّمِير بِالْفِعْلِ)
ونأت بِمَعْنى بَعدت.
وَالْمعْنَى: هَل تكْتم الحبيبة وَتحفظ مَا علمت من ودها لَك وَمَا استودعته مِنْهَا من قَوْلهَا: أَنا على
الْعَهْد لَا أَحول عَنْك وشيمتي الْوَفَاء لَك.
بل انصرم حبلها مِنْك لبعدها عَنْك فَإِن من غَابَ عَن الْعين غَابَ عَن الْقلب. وَهَذِه شِيمَة الغواني كَمَا قَالَ الشَّاعِر: الطَّوِيل
(
وَإِن حَلَفت لَا ينْقض النأي عهدها
…
فَلَيْسَ لمخضوب البنان يَمِين)
وقدرنا الْهمزَة مَعَ أم لِأَن الْمَعْنى يقتضيها كَمَا تقدم من الشَّارِح من أَنَّهَا لَا يجب تقديرها مَعَ أم وَقد قدرهَا ابْن جني فِي الْمُحْتَسب على طَريقَة الْبَصرِيين قَالَ فِي سُورَة الطّور: وَمن ذَلِك قِرَاءَة النَّاس: أم هم قومٌ طاغون وَقَرَأَ مُجَاهِد: بل هم وَهَذَا هُوَ الْموضع الَّذِي يَقُول أَصْحَابنَا فِيهِ: إِن أم المنقطعة بِمَعْنى بل للترك والتحول إِلَّا أَن مَا بعد بل مُتَيَقن وَمَا بعد أم مَشْكُوك فِيهِ مسؤول عَنهُ. وَذَلِكَ كَقَوْل عَلْقَمَة بن عَبدة: هَل مَا علمت الْبَيْت كَأَنَّهُ قَالَ: بل أحبلها إِذْ نأتك مصروم.
ويؤكده قَوْله بعده: أم هَل كَبِير بَكَى الْبَيْت أَلا ترى إِلَى ظُهُور حرف الِاسْتِفْهَام وَهُوَ هَل وَفِي قَوْله: أم هَل كَبِير بَكَى حَتَّى كَأَنَّهُ قَالَ: بل هُوَ كَبِير. ترك الْكَلَام الأول وَأخذ فِي اسْتِفْهَام مُسْتَأْنف. انْتهى.
وَلم يذكر ابْن الْأَنْبَارِي فِي شَرحه من هَذَا شَيْئا وَإِنَّمَا نقل مَا يتَعَلَّق بِمَعْنَاهُ قَالَ: قَالَ الضَّبِّيّ: أَي هَل مَا علمت وَمَا اسْتوْدعت من حبها مَكْتُوم عِنْدهَا أم منتشر. وَغَيره قَالَ: مَعْنَاهُ هَل مَا علمت مِمَّا كَانَ بَيْنك وَبَينهَا وَمَا اسْتوْدعت من حبها مَكْتُوم عِنْدهَا فَهِيَ على الْوَفَاء أم قد صرمتك.
وَقَالَ الرستمي: الْمَعْنى هَل تكْتم السِّرّ الَّذِي علمت وَمَا كَانَ بَينهَا وَبَيْنك وتكتم مَا هَذَا مَا أوردهُ. وَقَول الرستمي غير مُنَاسِب للنسيب وَالْمذهب الغرامي وَقد تبعه
الأعلم فَقَالَ: هَل تبوح بِمَا استودعتك من سرها يأساً مِنْهَا أم تصرم حبلها لنأيها عَنْك وَبعدهَا.
انْتهى.
وَقَوله: أم هَل كَبِير بَكَى
…
. إِلَخ أم: هُنَا مُنْقَطِعَة أَيْضا بِمَعْنى بل ومجردة عَن الِاسْتِفْهَام)
لدخولها على هَل كَمَا تقدم عَن الشَّارِح قَالَ ابْن عُصْفُور فِي الضرائر: تقدم كَبِير على بَكَى ضَرُورَة.
وَإِذا وَقع بعد أدوات الِاسْتِفْهَام مَا عدا الْهمزَة اسْم وَفعل فَإنَّك تقدم الْفِعْل على الِاسْم فِي سَعَة الْكَلَام وَلَا يجوز تَقْدِيم الِاسْم على الْفِعْل إِلَّا فِي ضَرُورَة شعر كالبيت وَلَوْلَا الضَّرُورَة لقَالَ: أم هَل بَكَى كَبِير.
هَذَا كَلَامه وَتَبعهُ ابْن عقيل والمرادي فِي شرح التسهيل.
وَأَقُول: هَذَا لَيْسَ مِنْهُ فَإِن هَل دَاخِلَة على جملَة اسميه نَحْو: هَل زيد قَائِم أَي: هَل كَبِير مَوْصُوف بِهَذِهِ الصّفة مشكوم.
فكبير: مُبْتَدأ وَبكى: صفته ومشكوم: خَبره فَإِن الْمُحدث بِهِ مشكوم لَا بَكَى كَمَا يشْهد بِهِ الْمَعْنى. وَلَو كَانَ بَكَى هُوَ الْمُحدث بِهِ نَحْو: هَل زيد قَامَ لَكَانَ كَمَا قَالَ ضَرُورَة فِي الشّعْر
وَقَالَ الأعلم: أَرَادَ بالكبير نَفسه أَي: هَل تجازيك ببكائك على إثْرهَا وَأَنت شيخ. والمشكوم: الْمجَازِي. والشكم: الْعَطِيَّة جَزَاء فَإِن كَانَت ابتدائية فَهِيَ الشكد. انْتهى.
وَقَالَ الْعَيْنِيّ: أَرَادَ بالكبير قيس بن الخطيم. وَلَا أعلم لَهُ وَجها ومناسبة هُنَا.
وَقَالَ ابْن الْأَنْبَارِي: المشكوم: المجزي وَقد شكمته أشكمه شكماً من بَاب نصرته نصرا وَالِاسْم الشكم بِالضَّمِّ وَهُوَ الْمُكَافَأَة بِحسن الصَّنِيع.
وإثر الْأَحِبَّة بِكَسْر الْهمزَة وَسُكُون الْمُثَلَّثَة وفتحهما لُغَة. والبين: الْفِرَاق. وإثر وَيَوْم متعلقان ببكي.
وَقَوله: لم يقْض عبرته هُوَ صفة ثَانِيَة لكبير. وَالْعبْرَة بِالْفَتْح: الدمعة.
-
قَالَ الضَّبِّيّ: لم يقْض عبرته أَي: لم يشتف من الْبكاء لِأَن فِي ذَلِك رَاحَة كَمَا قَالَ امْرُؤ الْقَيْس: الطَّوِيل وَإِن شفائي عبرةٌ لَو صببتها وَقَالَ غَيره: أَي لم ينفذ مَاء شؤونه وَلم يخرج دمعه كُله لِأَنَّهُ إِذا لم يُخرجهُ كَانَ أَشد لأسفه واحتراق قلبه.
وَحكي عَن أبي بكر بن عَيَّاش أَنه كَانَ يشْتَد حزنه حَتَّى يكَاد يَحْتَرِق قلبه وَلَا يقدر على إِظْهَاره قطرةٍ من دُمُوعه فَوقف ذُو الرمة بكناسة الْكُوفَة ينشد وحضره أَبُو بكر وَهُوَ ينشد:)
الطَّوِيل
(لَعَلَّ انحدار الدمع يعقب رَاحَة
…
من الوجد أَو يشفي نجي البلابل)
فتعاطى الْبكاء بعد ذَلِك فَكَانَ إِذا حزن وَاشْتَدَّ حزنه يتعاطى الْبكاء فيبكي ويسيل دمعه فيستريح لذَلِك.
روى صَاحب الأغاني بِسَنَدِهِ إِلَى الْعَبَّاس بن هِشَام عَن أَبِيه قَالَ: مر رجلٌ من مزينة على بَاب رجلٍ من الْأَنْصَار وَكَانَ يتهم بامرأته فَلَمَّا حَاذَى بَابه تنفس ثمَّ تمثل:
(هَل مَا علمت وَمَا اسْتوْدعت مَكْتُوم
…
أم حبلها إِذْ نأتك الْيَوْم مصروم)
قَالَ: فعلق بِهِ الرجل فرفعه إِلَى عمر رضي الله عنه فاستعداه عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ
المتمثل: وَمَا عَليّ أَن أنشدت بَيت شعر فَقَالَ لَهُ عمر: مَا لَك لم تنشده قبل أَن تبلغ إِلَى بَابه وَلَكِنَّك عرضت بِهِ مَعَ مَا تعلمه من القالة فِيك. ثمَّ أَمر بِهِ فَضرب عشْرين سَوْطًا. انْتهى.
وعلقمة بن عَبدة شَاعِر جاهلي تقدّمت تَرْجَمته فِي الشَّاهِد الثَّانِي عشر بعد الْمِائَتَيْنِ.
وأنشده بعده: على أَن الِاسْتِفْهَام يجوز أَن يَقع بعد أم الْمُجَرَّدَة من الِاسْتِفْهَام كَمَا ذكرنَا.
وَتقدم شَرحه مفصلا فِي الشَّاهِد السَّادِس بعد التسْعمائَة.