الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
على أَن عدم توكيد ليعلم بالنُّون شَاذ عِنْد الْبَصرِيين وَهَذَا يُخَالف مَا ذكره فِي حُرُوف الْقسم من أَن الْمُضَارع إِذا كَانَ للْحَال يجب الِاكْتِفَاء بِاللَّامِ وَلَا تَأتي بالنُّون وَأنْشد هَذَا الْبَيْت هُنَاكَ.
وَأما الشذوذ فَفِي الْمُضَارع الْمُسْتَقْبل إِذا جَاءَ بِاللَّامِ دون النُّون فَهَذَا الَّذِي نَقله عَن الْبَصرِيين هُنَاكَ وَتقدم شرح الْبَيْت فِي الشهد الرَّابِع عشر بعد الثَّمَانمِائَة.
وَأنْشد بعده
(الشَّاهِد الثَّانِي وَالْخَمْسُونَ بعد التسْعمائَة)
وَهُوَ من شَوَاهِد س: المتقارب
(
فإمَّا تريني ولي لمةٌ
…
فَإِن الْحَوَادِث أودى بهَا)
على أَن إِن الشّرطِيَّة المقرونة ب مَا الزَّائِدَة يلْزم توكيد شَرطهَا بالنُّون عِنْد الزّجاج. وَترك توكيد جيد عِنْد غَيره.
وَهَذَا الْبَيْت يدل لغير الزّجاج فَإِنَّهُ لم يُؤَكد فعل الشَّرْط فِيهِ.
فإمَّا تثقفنهم فِي الْحَرْب وإِمَّا تخافن من قومٍ خِيَانَة. وَقد تَخْلُو من التوكيد بهَا.
كَمَا فِي قَوْله:
فإمَّا تريني ولي لمةٌ الْبَيْت وَقَول الآخر: الْبَسِيط
(يَا صَاح إِمَّا تجدني عير ذِي جدةٍ
…
فَمَا التخلي عَن الخلان من شيمي)
انْتهى.
وَقَالَ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي: يقرب التوكيد من الْوُجُوب بعد إِمَّا. وَذكر ابْن جني أَنه قرئَ: فإمَّا تَرين بياء سَاكِنة بعْدهَا نون الرّفْع على حد قَوْله: الْبَسِيط
لم يُوفونَ بالجار فَفِيهَا شذوذان: ترك نون التوكيد وَإِثْبَات نون الرّفْع مَعَ الْجَازِم. انْتهى.
وَقد اسْتشْهد بِهِ سِيبَوَيْهٍ على حذف التَّاء من أودت فَإِن فَاعله ضمير الْحَوَادِث وَفِي مثله يجب التَّأْنِيث فَتَركه الشَّاعِر لضَرُورَة الشّعْر.
قَالَ الأعلم: دَعَاهُ إِلَى حذفهَا أَن القافية مردفة بِالْألف وسوغ لَهُ حذفهَا أَن تَأْنِيث الْحَوَادِث غير حَقِيقِيّ وَهِي فِي معنى الْحدثَان. وَقَالَ ابْن خلف: ذكر أودى وَفِيه ضمير الْحَوَادِث وَهُوَ يحْتَمل أَحدهمَا: أَن يكون حمل الْحَوَادِث على معنى الْحدثَان فَذكر أَو على حذف مُضَاف كَأَنَّهُ قَالَ: فَإِن مر الْحَوَادِث أودى
بهَا. وَالْوَجْه الأول أَجود فِي الْقيَاس.
فَإِن قيل: فهلَاّ قَالَ: أودت بهَا وَمَا الضَّرُورَة إِلَى ذَلِك فَالْجَوَاب أَن القوافي مردفة بِالْألف فَلَو قَالَ أودت لذهب الردف وَهُوَ الْألف وَذَهَبت القافية.
وَرُوِيَ أَيْضا:)
فَإِن تنكري لامريءٍ لمةً وَرُوِيَ: فإمَّا تري لمتي بدلت وَرُوِيَ أَيْضا:
فَإِن تعهديني ولي لمةٌ يُرِيد: أَن القافية مؤسسة. والتأسيس هُوَ الْألف الْوَاقِع قبل حرف الروي وَهُوَ الْبَاء هُنَا.
واللمة بِالْكَسْرِ: الشّعْر الَّذِي يلم بالمنكب. والحوادث: جمع حَادِثَة.
وأودى بهَا: ذهب بهَا وَالْمرَاد ذهب بمعظمها لِأَن قَوْله: ولي لمة: حَال من الْيَاء ومحال أَن تكون لَهُ لمة فِي حَال قد ذهب الْحَوَادِث بجميعها.
وَمعنى أودى بهَا: ذهب ببهجتها وحسنها. وَمعنى بدلت: ذهب بَعْضهَا بالصلع وشاب بقيتها فَإِن جوادث الدَّهْر أهلكتها. يَعْنِي أَن مُرُور الدَّهْر يُغير كل شَيْء.
وَقَالَ الْعَيْنِيّ: لم يقل: أودت لِأَن تَأْنِيث الْحَوَادِث مجازي لِأَنَّهُ جمع وَاسم الْجمع وَاسم الْجِنْس كلهَا تأنيثها مجازي لِأَنَّهُنَّ فِي معنى الْجَمَاعَة وَالْجَمَاعَة مؤنث مجازي.
وَلأَجل هَذَا جَازَ التَّأْنِيث فِي قَوْله تَعَالَى: كذبت قبلهم قوم نوحٍ والتذكير أَيْضا نَحْو: وَكذب بِهِ قَوْمك هَذَا كَلَامه وَكَأَنَّهُ
لم يعرف الْفرق بَين الْإِسْنَاد إِلَى مجازي التَّأْنِيث الظَّاهِر وَبَين الْإِسْنَاد إِلَى ضَمِيره. والرؤية هُنَا بصرية.
وَقَوله: ولي لمة أَي: لمة مُغيرَة. وَقَوله: فَإِن الْحَوَادِث
…
إِلَخ هَذَا عِلّة الْجَواب الْمَحْذُوف وَالتَّقْدِير: فَلَا عجب فَإِن الْحَوَادِث
…
. إِلَخ.
وَالْبَيْت من قصيدة للأعشى مَيْمُون مدح بهَا أساقفة نَجْرَان وَقَبله:
(لجارتنا إِذْ رَأَتْ لمتي
…
تَقول: لَك الويل أَنى بهَا)
(بِمَا قد ترى كجناح الغدا
…
ف ترنو الكعاب لإعجابها
)
فإمَّا تريني
…
إِلَخ.
وجارة الرجل: زَوجته. وَقَوله: أَنى بهَا أَي: كَيفَ صنعت بهَا حَتَّى تَغَيَّرت كَذَا.
ووقله: بِمَا قد ترى
…
إِلَخ الْبَاء سَبَبِيَّة مُتَعَلقَة بترنو وَهِي مَكْفُوفَة بِمَا وَترى بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول ونائب الْفَاعِل ضمير اللمة والغداف بِضَم الْغَيْن الْمُعْجَمَة: الْغُرَاب الْأسود.)
وترنو: نديم النّظر. والكعاب بِفَتْح الْكَاف: الْجَارِيَة الَّتِي نهد ثديها وارتفع وَيُقَال الكاعب أَيْضا. والإعجاب: مصدر أعجبه الشَّيْء أَي: استحسنه.
وَمن أبياتها يُخَاطب نَاقَته:
(فكعبة نَجْرَان حتمٌ عَليّ
…
ك حَتَّى تناخي بأبوابها)
(تزوري يزِيد وَعبد الْمَسِيح
…
وقيساً هم خير أَرْبَابهَا)