الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَأنْشد بعده
(الشَّاهِد الثَّالِث بعد التسْعمائَة)
وَهُوَ من شَوَاهِد سِيبَوَيْهٍ: الطَّوِيل
(
لعمري مَا أَدْرِي وَإِن كنت دارياً
…
بِسبع رمين الْجَمْر أم بثمان
)
على أَن الْهمزَة قد تحذف فِي الشّعْر قبل أم الْمُتَّصِلَة فَإِن التَّقْدِير: أبسبع رمين الْجَمْر أم بثمان.
قَالَ سِيبَوَيْهٍ فِي بَاب المنقطعة: زعم الْخَلِيل أَن قَول الأخطل: الْكَامِل كذبتك عَيْنك أم رَأَيْت بواسطٍ الْبَيْت كَقَوْلِك: إِنَّهَا لإبل أم شَاءَ. وَيجوز فِي الشّعْر أَن تُرِيدُ ب كذبتك الِاسْتِفْهَام وتحذف الْألف.
قَالَ الْأسود بن يعفر: الطَّوِيل
(لعمرك مَا أَدْرِي وَإِن كنت دارياً
…
شعيث ابْن سهم أم شعيث ابْن منقر)
وَقَالَ أَبُو الْحسن لعمر بن أبي ربيعَة:
(لعمرك مَا أَدْرِي وَإِن كنت دارياً
…
بِسبع رمين الْجَمْر أم بثمان)
انْتهى.
قَالَ الأعلم: الشَّاهِد فِي الأخرين حذف ألف الِاسْتِفْهَام ضَرُورَة لدلَالَة أم عَلَيْهَا. وَلَا يكون هَذَا إِلَّا على تَقْدِير الْألف لِأَن قَوْله: مَا أَدْرِي يَقْتَضِي وُقُوع الْألف وأم مُسَاوِيَة لَهَا. انْتهى.
وَكَذَا جعله ابْن عُصْفُور ضَرُورَة وعمم سَوَاء كَانَت مَعَ أم أم لَا. قَالَ: وَمِنْه حذف همزَة الِاسْتِفْهَام إِذا أَمن اللّبْس للضَّرُورَة كَقَوْل الْكُمَيْت: الطَّوِيل
(طربت وَمَا شوقاً إِلَى الْبيض أطرب
…
وَلَا لعباً مني وَذُو الشيب يلْعَب)
يُرِيد: أَو ذُو الشيب يلْعَب.
ثمَّ أنْشد الْبَيْتَيْنِ وَقَالَ: وَقد حذفت مَعَ أم فِي الشاذ فِي قِرَاءَة ابْن مُحَيْصِن: سواءٌ عَلَيْهِم أنذرتهم)
أم لم تنذرهم بِهَمْزَة وَاحِدَة من غير مد وَكَأن الَّذِي سهل حذفهَا كَرَاهِيَة اجْتِمَاع همزتين مَعَ قُوَّة الدّلَالَة عَلَيْهَا.
أَلا ترى أَن سَوَاء تدل عَلَيْهَا بِمَا فِيهَا من معنى التَّسْوِيَة إِذْ التَّسْوِيَة لاتكون إِلَّا بَين اثْنَيْنِ وَيدل عَلَيْهَا مَجِيء أم بعد ذَلِك. انْتهى.
وَذهب جمَاعَة إِلَى أَن الْهمزَة يجوز حذفهَا إِن كَانَت مَعَ أم وَإِلَّا فَلَا.
وَذهب الْأَخْفَش وَتَبعهُ طَائِفَة إِلَى جَوَاز حذفهَا مُطلقًا. وَهُوَ ظَاهر كَلَام ابْن مَالك فِي التَّوْضِيح قَالَ: قد كثر حذف الْهمزَة إِذا كَانَ معنى مَا حذفت مِنْهُ لَا يَسْتَقِيم إِلَّا بتقديرها كَقَوْلِه تَعَالَى: وَتلك نعْمَة.
قَالَ أَبُو الْفَتْح وَغَيره: أَرَادَ: أَو تِلْكَ نعْمَة. ذَلِك قِرَاءَة ابْن مُحَيْصِن: سَوَاء عَلَيْهِم أنذرتهم بِهَمْزَة وَاحِدَة. وَمن ذَلِك قِرَاءَة أبي جَعْفَر: سواءٌ
عَلَيْهِم استغفرت لَهُم بِهَمْزَة وصل.
وَمن حذفهَا فِي الْكَلَام الفصيح قَوْله صلى الله عليه وسلم َ: يَا أَبَا ذَر عيرته بِأُمِّهِ أَرَادَ: أعيرته وَمِنْه قَوْله صلى الله عليه وسلم َ: أَتَانِي جِبْرِيل فبشرني من مَاتَ لَا يُشْرك بِاللَّه شَيْئا دخل الْجنَّة. قلت: وَإِن سرق وزنى قَالَ: وَإِن سرق
وزنى.
أَرَادَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ: أَو إِن سرق وزنى. وَمِنْه حَدِيث ابْن عَبَّاس أَن رجلا قَالَ: إِن أُمِّي مَاتَت وَعَلَيْهَا صَوْم شهر أفأقضيه وَفِي بعض النّسخ: فأقضيه.
وَمِنْه أَن الْحسن أَو الْحُسَيْن أَخذ تَمْرَة من تمر الصَّدَقَة فَجَعلهَا فِي فِيهِ فَنظر إِلَيْهِ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ فأخرجها من فِيهِ وَقَالَ: أما علمت وَفِي بعض النّسخ: مَا علمت. انْتهى.
وَالْبَيْت من قصيدة لعمر بن أبي ربيعَة المَخْزُومِي قَالَهَا فِي عَائِشَة بنت طَلْحَة بن عبيد الله التَّيْمِيّ الصَّحَابِيّ.
وَقَبله:
(لقد عرضت لي بالمحصب من منى
…
مَعَ الْحَج شمسٌ سيرت بيمان)
(فَلَمَّا الْتَقَيْنَا بالثنية سلمت
…
ونازعني الْبَغْل اللعين عناني)
(بدا لي مِنْهَا معصمٌ حَيْثُ جمرت
…
وكفٌ خضيبٌ زينت ببنان)
فوَاللَّه مَا أَدْرِي وَإِن كنت دارياً
…
...
…
...
…
... . الْبَيْت
…
(
فَقلت لَهَا عوجي فقد كَانَ منزلي
…
خصيبٌ لكم ناء عَن الْحدثَان))
(فعجنا فعاجت سَاعَة فتكلمت
…
فظلت لَهَا العينان تبتدران)
عرضت: ظَهرت. والمحصب بِالْحَاء وَتَشْديد الصَّاد الْمَفْتُوحَة الْمُهْمَلَتَيْنِ: مَوضِع رمي الْجمار وشمس: أَي: امْرَأَة كَالشَّمْسِ سيرت فِي طرف يمَان بِخِلَاف الشَّمْس الْحَقِيقِيَّة فَإِنَّهَا تسير نَحْو الْمغرب.
وحرفه ابْن الملا فَكَتبهُ: شبهت بيمان وَقَالَ: هُوَ صفة مَحْذُوف أَي: بسيفٍ يمَان شبهها بِهِ فِي البريق واللمعان. هَذَا كَلَامه.
والثنية عِنْد جَمْرَة الْعقبَة. وَلَا يبعد أَن يكون سيرت بثمان أَي: مَعَ نسْوَة ثَمَان وَبِه يظْهر وَجه قَوْله: بِسبع رمين الْجَمْر بالنُّون إِلَّا أَنه يكون فِي ثَمَان الْآتِي إيطاء.
وَقَوله: ونازعني أَي: جاذبني. والنزع: الجذب. وبدا: ظهر. والمعصم بِكَسْر الْمِيم: مَوضِع السوار من الساعد.
وجمرت بِالْجِيم وَتَشْديد الْمِيم: رمت جمتار المنسك وَهِي ثَلَاث جمرات: الْجَمْرَة الأولى وَالْوُسْطَى وجمرة الْعقبَة.
وخضيب: مخضوبة بِالْحِنَّاءِ أَو بغَيْرهَا. والبنان: أَطْرَاف الْأَصَابِع وَقيل: الْأَصَابِع.
فَإِن قيل: مَا معنى تزين الْكَفّ بالبنان وَهِي من تَمام الْخلقَة والزينة إِنَّمَا تكون
بِمَا زَاد عَلَيْهَا فَالْجَوَاب: أَن تِلْكَ الْكَفّ زينت بلطافة البنان وحسنها أَو بمغايرة خضابها فِي اللَّوْن خضاب الْكَفّ.
على أَنا نقُول: لَو أُرِيد أَن الزِّينَة حصلت بِذَات البنان لاستقام
وَيكون إِشَارَة إِلَى مَا خص الله بِهِ النَّوْع الإنساني من الْأَعْضَاء المتناسبة بِالنِّسْبَةِ إِلَى سَائِر الْحَيَوَان. كَذَا فِي شرح الْمُغنِي لِابْنِ الملا.
وروى ابْن المستوفي المصراع هَكَذَا: وكف لَهَا مخضوبة ببنان فَلَا يرد السُّؤَال وَالْجَوَاب.
وَقَوله: لعمري مَا أَدْرِي رُوِيَ كَذَا بِالْيَاءِ وَالْكَاف. وَرُوِيَ أَيْضا: فوَاللَّه مَا أَدْرِي. والدراية: علم يتخيل. وَجُمْلَة مَا أَدْرِي: جَوَاب الْقسم.
وأدري: يتَعَدَّى لمفعولين وَهُوَ هُنَا مُعَلّق بالاستفهام الْمُقدر فِي بِسبع وَجُمْلَة وَإِن كنت دارياً:)
اعْتِرَاض بَين أَدْرِي وَبَين معموله وَإِن وصلية.
فَإِن قلت: كَيفَ يَنْفِي الدِّرَايَة عَنهُ ثمَّ يثبتها لَهُ قلت: اخْتِلَاف زمانهما نفى التَّنَاقُض.
وَقَالَ السُّيُوطِيّ فِي شرح أَبْيَات الْمُغنِي: قَوْله: وَإِن كنت يحْتَمل أَن تكون إِن نَافِيَة أَي: وَمَا كنت دارياً فَيكون تَأْكِيدًا للجملة قبلهَا. وَيحْتَمل أَن تكون مُخَفّفَة من الثَّقِيلَة أَي: وَإِنِّي كنت قبل ذَلِك من أهل الدِّرَايَة والمعرفة حَتَّى بدا لي مَا ذكر فسلبت الدِّرَايَة. وَهَذَا الِاحْتِمَال عِنْدِي أظهر.
قلت: أما الأول فبعيد مَعَ أَن الْحمل على التأسيس خير من التَّأْكِيد. وَأما الثَّانِي فَكَانَ يلْزمه أَن يَقُول: وَإِن كنت لدارياً بِاللَّامِ الفارقة.
وَقَوله: رمين بنُون النسْوَة وَهُوَ وَاضح مَعَ مَا قدمنَا. وَقَالَ ابْن الملا: فَإِن قلت: كَانَ الظَّاهِر رمت فَلم أَتَى بضمير الْجمع قلت: للتعظيم الَّذِي يَلِيق بِأَهْل الود السَّلِيم. انْتهى.
-
أَقُول: تَعْظِيم الْغَائِب الْوَاحِد بضمير الْجمع غير مَوْجُود فِي لُغَة الْعَرَب.
وَقَالَ الدماميني: الضَّمِير عَائِد إِلَى البنان أَو إِلَى الْمَرْأَة وصواحبها.
قَالَ السُّيُوطِيّ: هَذَا الْبَيْت أنْشدهُ الزبير بن بكار بِلَفْظ:
(فوَاللَّه مَا أَدْرِي وَإِنِّي لحاسبٌ
…
بسبعٍ رميت الْجَمْر أَو بثمان)
بتاء الْمُتَكَلّم فِي رميت. وَهَذَا الْوَجْه أوجه بِلَا شكّ فَإِن الْإِخْبَار بذهوله عَن فعله لشغل قلبه بِمَا رأى أبلغ من الْإِخْبَار بذهوله عَن فعل الْغَيْر. وَفِيه سَلامَة من التَّأْوِيل الْمَذْكُور.
قَالَ ابْن الملا: وَلقَائِل أَن يَقُول: هَذَا الْكَلَام فِي حيّز الْمَنْع إِذْ لَيْسَ فِي ذُهُول الْإِنْسَان عَن فعل نَفسه وَإِن كَانَ ذَا خطر كَبِير أَمر لَا سِيمَا والشاغل مَا ذكر كَيفَ وَإِن وُقُوعه أَكثر من أَن يُحْصى بِخِلَاف ذُهُول الْإِنْسَان عَن فعل الْغَيْر المتصدي لمراقبته شُهُودًا وغيبة فَإِن الْعَادة تَقْتَضِي وَالْمذهب الغرامي يُوجب أَن من تصدى لمراقبة فعل الأحباب كَانَ أبعد من أَن يذهل وَأما دَعْوَاهُ السَّلامَة من التَّأْوِيل فَظَاهر الْمَنْع لِأَن معنى الْبَيْت على رِوَايَته: فوَاللَّه مَا أَدْرِي الْحساب وَإِنِّي لحساب لِأَن نَفْيه لدراية جَوَاب أبسبعٍ رمين أم بثمان إِنَّمَا هُوَ لانْتِفَاء كَونه دارياً إِذا ذَاك بِالْحِسَابِ كَمَا يشْهد بِهِ التخيل الصَّحِيح. وَيعود الْإِشْكَال فَيحْتَاج إِلَى التَّأْوِيل اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يكون أَرَادَ التَّأْوِيل فِي رمين. انْتهى كَلَامه.
وَقَالَ ابْن المستوفي: أَرَادَ أَنه شغل بِهن فَلم يدر عدد مَا رمينه من الجمرات. وَهَذَا معنى مبتذل إِلَّا أَنه عكس مَا ذكره غَيره. وَذَلِكَ أَن الشُّعَرَاء ذكرُوا أَنهم شغلوا وبهتوا بِمَا جرى)
عَلَيْهِم فَلم يعلمُوا مَا فعلوا بِأَنْفسِهِم كَقَوْل جران الْعود: