الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(حُرُوف التَّنْبِيه)
أنْشد فِيهَا: الوافر أَلا رجلا جزاه الله خيرا على أنّ أَلا قد تَجِيء عِنْد الْخَلِيل حرف تحضيض.
قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وَسَأَلت الْخَلِيل رحمه الله عَن قَوْله:
(أَلا رجلا جزاه الله خيرا
…
يدلّ على محصّلةٍ تبيت)
فَزعم أَنه لَيْسَ على التمنّي وَلكنه بِمَنْزِلَة قَول الرجل: فهلاّ خيرا من ذَلِك كَأَنَّهُ قَالَ: أَلا ترونني رجلا جزاه الله خيرا. وَأما يُونُس فَزعم أَنه نوّن مضطرّاً.
انْتهى.
قَالَ الأعلم: الشَّاهِد فِيهِ نصب رجل وتنوينه لِأَنَّهُ حمل على إِضْمَار فعل وَجعل أَلا حرف تحضيض وَالتَّقْدِير: أَلا ترونني رجلا.
وَلَو جعلهَا أَلا الَّتِي للتمنّي لنصب مَا بعْدهَا بِغَيْر تَنْوِين. هَذَا تَقْدِير الْخَلِيل وسيبويه. وَيُونُس يرى أَنه مَنْصُوب بالتمني. ونوّن ضَرُورَة.
وَالْأول أولى لِأَنَّهُ لَا ضَرُورَة فِيهِ. وحروف التحضيض مِمَّا يحسن إِضْمَار الْفِعْل
بعْدهَا.
والمحصّلة: الامرأة الَّتِي تحصّل الذَّهَب من تُرَاب الْمَعْدن وتخلّصه مِنْهُ طلبَهَا للمبيت.
وَفِي الْبَيْت تضمين لأنّ خبر تبيت فِي بَيت بعده وَهُوَ:
(ترجّل لمّتي وتقمّ بَيْتِي
…
وأعطيها الإتاوة إِن رضيت)
وَتقدم شَرحه فِي الشَّاهِد الثَّالِث وَالسِّتِّينَ بعد الْمِائَة.
وَأنْشد بعده: الْبَسِيط
(تعلّمن هَا لعمر الله ذَا قسما
…
فاقدر بذرعك وَانْظُر أَيْن تنسلك)
على أَنه يفصل كثيرا بَين هَا التَّنْبِيه وَبَين اسْم الْإِشَارَة بجملة الْقسم.
وَهَذَا خلاف مَا تقدّم مِنْهُ فِي بَاب اسْم الْإِشَارَة قَالَ هُنَاكَ: ويفصل هَا التَّنْبِيه عَن اسْم الْإِشَارَة بِأَنا وأخواته كثيرا نَحْو: هأنذا وبغيرها قَلِيل وَذَلِكَ إمّا قسم كَقَوْلِه: تعلّمن هَا لعمر الله ذَا قسما أَو غير قسم كَقَوْلِه: الْبَسِيط
)
وَنَحْو: الطَّوِيل فَقلت لَهُم: هَذَا لَهَا هَا وذَا ليا انْتهى.
وتقدّم هُنَاكَ فِي الشَّاهِد الثَّانِي عشر بعد الأربعمائة نقل كَلَام سِيبَوَيْهٍ عِنْد هَذَا الْبَيْت وَلَيْسَ فِيهِ مَا يدل على كَثْرَة وَقلة.
قَالَ الأعلم: الشَّاهِد فِيهِ تَقْدِيم هَا الَّتِي للتّنْبِيه على ذَا وَقد حَال بَينهمَا بقوله: لعمر الله وَالْمعْنَى: لعمر الله هَذَا مَا أقسم بِهِ.
وَنصب قسما على الْمصدر المؤكّد لما قبله لِأَنَّهُ مَعْنَاهُ أقسم فَكَأَنَّهُ قَالَ: أقسم لعمر الله قسماُ. ف ذَا عِنْد الْخَلِيل هُوَ الْمَحْلُوف عَلَيْهِ فَكَأَنَّهُ قَالَ: وَالله الْأَمر هَذَا فَحذف الْأَمر وقدّم هَا.
وَعند غَيره الْمَعْنى: هَذَا مَا أقسم بِهِ.
وتعلّم بِمَعْنى اعْلَم لَا يسْتَعْمل إلاّ فِي الْأَمر.
وَقَوله: فاقدر بذرعك أَي: قدّر لخطوك. والذّرع: قدر الخطو. وَهَذَا مثل وَالْمعْنَى: لَا تكلّف مَا لَا تطِيق منّي. يتوعّده بذلك وَكَذَلِكَ قَوْله: وَانْظُر أَيْن تنسلك. والانسلاك: الدّخول فِي الْأَمر. وَالْمعْنَى: لَا تدخل نَفسك
فِيمَا لَا يَعْنِيك وَلَا يجدي عَلَيْك.
هَا إنّ تا عذرةٌ على أنّ الْفَصْل بَين هَا وَبَين تا بإنّ وَهِي غير قسم وَغير ضمير مَرْفُوع مُنْفَصِل قَلِيل.
وَهُوَ قِطْعَة من بَيت وَهُوَ:
(هَا إنّ تا عذرةٌ إِن لم تكن نَفَعت
…
فإنّ صَاحبهَا قد تاه فِي الْبَلَد)
وتا: اسْم إِشَارَة بِمَعْنى هَذِه لما ذكره قبله فِي القصيدة من يَمِينه على أَنه لم يَأْتِ بِشَيْء يكرههُ.
وتا: مُبْتَدأ وعذرة: خَبَرهَا. وَهِي بِكَسْر الْعين اسْم للْعُذْر بضَمهَا. وَقَوله: إِن لم تكن
…
إِلَخ صَاحبهَا أَي: صَاحب الْعذرَة وَيَعْنِي بِهِ نَفسه. يُرِيد: إِن لم تقبل عُذْري وترض عنّي فإنّ أختلّ حَتَّى إنّي أضلّ فِي الْبَلدة الَّتِي أَنا فِيهَا لعظم الْخَوْف الَّذِي حصل من وعيدك.
وتقدّم الْكَلَام عَلَيْهِ فِي الشَّاهِد الثَّالِث عشر بعد الأربعمائة.
وَأنْشد بعده: فَقلت لَهُم هَذَا لَهَا هَا وَذَا ليا
)
لما تقدّم قبله.
وَهَذَا عجز وصدره: وَنحن اقْتَسَمْنَا المَال نِصْفَيْنِ بَيْننَا وَأنْشد بعده: يَا ربّتما غارةٍ هُوَ قِطْعَة من بَيت وَهُوَ: السَّرِيع
(ماويّ يَا ربّتما غارةٍ
…
شعواء كاللّذعة بالميسم)
على أَن يَا فِيهِ عِنْد ابْن مَالك للتّنْبِيه لدخولها على مَا يُفِيد التقليل وَهُوَ رب.
وَفِيه نظر لِأَن رب فِي الْبَيْت للتكثير لَا للتقليل لِأَنَّهُ فِي مقَام الافتخار والتمدح كَمَا يَأْتِي بَيَانه.
وَمَا نقل عَن ابْن مَالك هُنَا قَالَه فِي بَاب تَمِيم الْكَلَام على كَلِمَات مفتقرةٍ إِلَى
ذَلِك من التنسهيل قَالَ: وَأكْثر مَا يَلِي يَا نِدَاء أَو أَمر أَو تمن أَو تقليل.
قَالَ شَارِحه المردي: يَعْنِي بالنداء الْمُنَادِي وَأطلق المُصَنّف على الَّتِي للنداء أَنَّهَا حرف تَنْبِيه لِأَنَّهَا تنبيهٌ للمخاطب. وَقد أَشَارَ إِلَيْهِ سِيبَوَيْهٍ وَكَلَامه هُنَا يدل على أَنَّهَا ذَا وَليهَا فعل أَمر لَا تكون للنداء بل لمُجَرّد التَّنْبِيه. وَهُوَ خلاف مَا قدمه فِي بَاب النداء. وَقد تدخل على الدُّعَاء كَقَوْلِه: الْبَسِيط
(يَا لعنة الله والأقوام كلهم
…
وَالصَّالِحِينَ على سمعنَا من جَار)
وعَلى حبذا كَقَوْلِه: الْبَسِيط انْتهى.
وَكَلَامه فِي بَاب النداء أَجود قَالَ فِيهِ: وَقد يحذف المنادى قبل الْأَمر
وَالدُّعَاء فتلزم يَا. وَإِن وَليهَا لَيْت أَو رب أَو حبذا فَهِيَ للتّنْبِيه لَا للنداء. انْتهى. ف يَا إِنَّمَا تكون عِنْده حرف تَنْبِيه إِذا وَليهَا أحد الثَّلَاثَة الْأَخِيرَة.
وَقد شرح كَلَامه هَذَا فِي التَّوْضِيح شرحاً شافياً قَالَ عِنْد قَول ورقة بن نَوْفَل: يَا لَيْتَني أكون حَيا إِذْ يخْرجك قَوْمك: يظنّ أَكثر النَّاس أَن يَا الَّتِي
تَلِيهَا لَيْت حرف نِدَاء والمنادى مَحْذُوف فتقدير قَول ورقة: يَا مُحَمَّد لَيْتَني كنت حَيا وَتَقْدِير قَوْله تَعَالَى: يَا لَيْتَني كنت مَعَهم: يَا قوم لَيْتَني.)
وَهَذَا الرَّأْي عِنْدِي ضَعِيف لِأَن قَائِل ياليتني د يكون وَحده فَلَا يكون معهة منادى لَا ثَابت وَلَا مَحْذُوف كَقَوْل مَرْيَم عليها السلام: يَا لَيْتَني مت قبل هَذَا.
وَلِأَن الشَّيْء إِنَّمَا يجوز حذفه مَعَ صِحَة الْمَعْنى بِدُونِهِ إِذا كَانَ الْموضع الَّذِي ادعِي فِيهِ حذفه مُسْتَعْملا فِيهِ ثُبُوته كحذف المنادى قبل أَمر أَو دُعَاء فَإِنَّهُ يجوز حذفه لِكَثْرَة ثُبُوته فَإِن الْآمِر والداعي يحتاجان إِلَى توكيد اسْم الْمَأْمُور والمدعو بتقديمه على الْأَمر وَالدُّعَاء.
وَاسْتعْمل ذَلِك كثيرا حَتَّى صَار مَوْضِعه منبهاً عَلَيْهِ إِذا حذف. فَحسن حذفه لذَلِك.
فَمن ثُبُوته قبل الْأَمر: يَا آدم اسكن أَنْت وزوجك الْجنَّة ويَا بني إِسْرَائِيل اذْكروا نعمتي ويَا بني آدم خُذُوا زينتكم
ويَا إِبْرَاهِيم أعرض عَن هَذَا ويَا يحيى خُذ الْكتاب ويَا بني أقِم الصَّلَاة ويَا أَيهَا النَّبِي اتَّقِ الله.
وَمن ثُبُوته قبل الدُّعَاء: يَا مُوسَى ادْع لنا رَبك ويَا أَبَانَا اسْتغْفر
لنا ويَا مَالك ليَقْضِ علينا رَبك.
وَمن حذف المنادى الْمَأْمُور فِي قِرَاءَة الْكسَائي: أَلا يَا اسجدوا أَرَادَ: أَلا يَا هَؤُلَاءِ اسجدوا. فَحسن حذف المنادى قبل الْأَمر وَالدُّعَاء اعتياد ثُبُوته فِي مَحل ادِّعَاء الْحَذف. بِخِلَاف لَيْت فَإِن المنادى لم تستعمله الْعَرَب قبلهَا ثَابتا. فادعاء حذفه بَاطِل لخلوه من دَلِيل فَيتَعَيَّن كَون لَا الَّتِي تقع قبلهَا لمُجَرّد التَّنْبِيه مثل أَلا وَهَا وَمثل يَا الْوَاقِعَة قبل لَيْت فِي تجردها للتّنْبِيه الْوَاقِعَة قبل حبذا فِي قَول الشَّاعِر:
(يَا حبذا جبل الريان من جبلٍ
…
وحبذا سَاكن الريان من كَانَا)
وَقبل رب فِي قَول الراجز: الرجز
(يَا رب سارٍ بَات مَا توسدا
…
إِلَّا ذارع العيس أَو كف اليدا)
انْتهى كَلَامه بِاخْتِصَار.
وَقَوله: ماوي يَا ربتما غَارة منادى مرخم ماوية اسْم امْرَأَة. وَمَا فِي ربتما زَائِدَة وغارة: مجروة بربت. وَالشعرَاء بِالْعينِ الْمُهْملَة: الْغَارة المنتشرة.
واللذعة بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة وَالْعين الْمُهْملَة: مصدر لذعته النَّار أَي: أحرقته. والميسم: مَا يوسم بِهِ الْبَعِير بالنَّار. وَجَوَاب رب فِي الْبَيْت الَّذِي بعده وَهُوَ: السَّرِيع
(
ناهبتها الْغنم على طيعٍ
…
أجرد كالقدح من الساسم))
أَي: نهبت بالغارة الْغَنِيمَة على فرس طيع منقاد لراكبه. والقدح بِالْكَسْرِ: السهْم بل أَن يراش.
والساسم: خشب الآبنوس. وَهَذَا كَمَا ترى افتخار لَا يَلِيق بِهِ الْقلَّة.
وَتقدم الْكَلَام عَلَيْهِ فِي الشَّاهِد السِّتين بعد السبعمائة.
(
حُرُوف الْإِيجَاب)
أنْشد فِيهَا
(الشَّاهِد الثَّالِث عشر بعد التسْعمائَة)
الوافر
(أَلَيْسَ اللَّيْل يجمع أم عمروٍ
…
وإيانا فَذَاك بِنَا تداني)
(نعم وَترى الْهلَال كَمَا أرَاهُ
…
ويعلوها النَّهَار كَمَا علاني)
على أَن نعم نَا لتصديق الْخَبَر الْمُثبت المؤول بِهِ الِاسْتِفْهَام مَعَ النَّفْي فَكَأَنَّهُ قيل: إِن اللَّيْل يجمع أم عَمْرو وإيانا نعم فَإِن الْهمزَة إِذا دخلت على النَّافِي تكون لمحض التَّقْدِير أَي: حمل الْمُخَاطب على أَن يقر بأمرٍ يعرفهُ وَهِي فِي الْحَقِيقَة للإنكار. وإنكار النَّفْي إِثْبَات.
وَمُرَاد الشَّارِح الْمُحَقق بِهَذَا التَّوْجِيه وَالشَّاهِد الرَّد على ابْن الطرواة فِي زَعمه أَن مَجِيء نعم بعد الِاسْتِفْهَام الدَّاخِل على النَّافِي لحن وَالْوَاجِب مَجِيء بلَى فَإِنَّهُ قد لحن سِيبَوَيْهٍ بِمثلِهِ فِي بَاب مَا يجْرِي عَلَيْهِ صفة مَا كَانَ من سَببه قَالَ فِيهِ: وَإِن زعم زاعم أَنه يَقُول: مَرَرْت بِرَجُل مخالط بدنه دَاء فَفرق بَينه وَبَين الْمنون.
قيل لَهُ: أَلَسْت قد علمت أَن الصّفة إِذا كَانَت للْأولِ فالتنوين وَغير التَّنْوِين سَوَاء
إِذا أردْت بِإِسْقَاط التَّنْوِين معنى التَّنْوِين نَحْو قَوْلك: مَرَرْت بِرَجُل ملازم أَبَاك ومررت بِرَجُل ملازم أَبِيك أَو ملازمك فَإِنَّهُ لَا يجد بدّاً من أَن يَقُول: نعم وإلاّ خَالف جَمِيع الْعَرَب والنحويين.
فَإِذا قَالَ ذَلِك قلت: أفلست
تجْعَل هَذَا الْعَمَل إِذا كَانَ منوناً وَكَانَ لشَيْء من سَبَب الأول أَو الْتبس بِهِ بِمَنْزِلَتِهِ إِذا كَانَ للْأولِ فَإِنَّهُ قَائِل: نعم. انْتهى كَلَامه.
قَالَ أَبُو حَيَّان فِي تَذكرته بعد أَن نقل كَلَام سِيبَوَيْهٍ: قد لحّن ابْن الطّراوة سِيبَوَيْهٍ فِي اسْتِعْمَاله نعم فِي هذَيْن الْمَوْضِعَيْنِ وَقَالَ: إنّما هُوَ مَوضِع بلَى لَا مَوضِع نعم.
وَهُوَ كَمَا قَالَ فِي أَكثر مَا يُوجد من كَلَام النُّحَاة وَهُوَ لَا شكّ أَكثر فِي الِاسْتِعْمَال وعَلى ذَلِك جَاءَ مَا يروون عَن ابْن عبّاس من قَوْله فِي قَول الله تَعَالَى: أَلَسْت بربّكم إِنَّهُم لَو قَالُوا: نعم)
لكفروا. وَلَكِن قد يُوجد مَعَ ذَلِك خِلَافه.
قَالَ الشَّاعِر: أَلَيْسَ اللّيل يجمع أمّ عمرٍ والْبَيْتَيْنِ ويفتقر كَلَام ابْن عَبَّاس مَعَ وجود قَول هَذَا الْقَائِل إِلَى فضل نظر وَهُوَ أَن يَقُول: نعم فِي قَول الشَّاعِر لَيْسَ بِجَوَاب لِأَن الْجَواب ب نعم إِذا جَاءَ بعد الِاسْتِفْهَام إِنَّمَا يكون تَصْدِيقًا لما بعد ألف وَلم يرد الشَّاعِر أَن يصدّق أَنه لَا يجمعه اللَّيْل مَعَ أمّ عَمْرو فَلذَلِك يكون بَنو آدمٍ إِذا قَالُوا فِي جَوَاب: أَلَسْت بربّكم: نعم كفّاراً لِأَن الْجَواب بنعم يكون تَصْدِيقًا لما بعد ألف الِاسْتِفْهَام من النَّفْي وَهُوَ الْأَكْثَر فِي الِاسْتِعْمَال وَلكنه لَا يمْتَنع مَعَ ذَلِك أَن يَقُولُوا: نعم لَا على الْجَواب وَلَكِن على التَّصْدِيق لِأَن الِاسْتِفْهَام فِي أَلَسْت
بربّكم تَقْرِير والتقرير خبر مُوجب.
فَإِذا كَانَ التَّقْرِير خَبرا مَعْنَاهُ الْإِيجَاب جَازَ أَن يَأْتِي نعم كَمَا يَأْتِي بعد الْخَبَر الْمُوجب للتصديق.
وَإِذا كَانَ الْأَمر كَذَلِك لم يكن فِي
إجَازَة نعم فِي الْآيَة وَفِي الشّعْر مُخَالفَة لِابْنِ عَبَّاس فِيمَا قَالَه لِأَنَّهُمَا لم يتواردا على معنى وَاحِد فَإِن الَّذِي مَنعه إِنَّمَا مَنعه على أنّ نعم جَوَاب وَإِذا كَانَ جَوَابا إِنَّمَا يكون تَصْدِيقًا لما بعد ألف الِاسْتِفْهَام وَالَّذِي أجَازه إِنَّمَا أجَازه على أَن تكون نعم غير جَوَاب.
وإتمام نعم فِيهِ على وَجه التَّصْدِيق كَمَا فِي قَوْلك: نعم لمن قَالَ: قَامَ زيد. انْتهى كَلَامه.
وَاخْتَصَرَهُ الْمرَادِي فِي الجنى الداني.
فقد اتّفق الشَّارِح الْمُحَقق وَأَبُو حَيَّان فِي هَذَا التَّوْجِيه.
وَقد جَاءَ فِي الحَدِيث مثل ذَلِك الشّعْر وَهُوَ قَول الْأَنْصَار للنَّبِي صلى الله عليه وسلم وَقد قَالَ لَهُم: ألستم ترَوْنَ لَهُم ذَلِك قَالُوا: نعم.
وَهَذَا التَّوْجِيه نسبه ابْن هِشَام فِي بحث نعم من الْمُغنِي إِلَى جمَاعَة من الْمُتَقَدِّمين والمتأخرين مِنْهُم الشلوبين: إِذا كَانَ قبل النَّفْي اسْتِفْهَام فَإِن كَانَ على حَقِيقَته فَجَوَابه كجواب النَّفْي الْمُجَرّد وَإِن كَانَ مرَادا بِهِ التَّقْرِير فالأكثر أَن يُجَاب بِمَا يُجَاب بِهِ النَّفْي رعياً للفظه.
وَيجوز عِنْد أَمن اللّبْس أَن يُجَاب بِمَا يُجَاب بِهِ الْإِيجَاب رعياً لمعناه أَلا ترى أَنه لَا يجوز بعده دُخُول أحدٍ وَلَا الِاسْتِثْنَاء المفرغ لَا يُقَال: أَلَيْسَ أحد فِي الدَّار وَلَا أَلَيْسَ فِي الدَّار إِلَّا زيد.
وعَلى ذَلِك جَاءَ قَول الْأَنْصَار وَقَول الشَّاعِر: نعم بعد النَّفْي المقرون بِهَمْزَة الِاسْتِفْهَام. قَالَ ابْن)
هِشَام: وعَلى هَذَا جرى كَلَام سِيبَوَيْهٍ والمخطئ مُخطئ.
وَقَالَ فِي بحث بلي: أجروا النَّفْي مَعَ التَّقْرِير مجْرى النَّفْي الْمُجَرّد فِي رده ببلى وَلذَلِك قَالَ ابْن عَبَّاس وَغَيره: لَو قَالُوا نعم لكفروا. وَوَجهه أَن نعم تَصْدِيق
للمخبر بِنَفْي أَو إِيجَاب.
-
وَلذَلِك قَالَ جمَاعَة من الْفُقَهَاء: لَو قَالَ: أَلَيْسَ لي عنْدك ألف. فَقَالَ: بلَى لَزِمته. وَلَو قَالَ: نعم. لم تلْزمهُ. وَقَالَ آخَرُونَ: تلْزمهُ فيهمَا. وجروا فِي ذَلِك على مُقْتَضى الْعرف لَا اللُّغَة.
وَنَازع السُّهيْلي وَغَيره فِي المحكي عَن ابْن عَبَّاس وَغَيره فِي الْآيَة مستمسكين بِأَن الِاسْتِفْهَام التقريري خبر مُوجب.
وَلذَلِك امْتنع سِيبَوَيْهٍ من جعل أم مُتَّصِلَة فِي قَوْله تَعَالَى: أَفلا تبصرون أم أَنا خير لِأَنَّهَا لَا تقع وَيشكل عَلَيْهِم أَن بلَى لَا يُجَاب بهَا الْإِيجَاب وَذَلِكَ مُتَّفق عَلَيْهِ.
قَالَ الدماديني: لَا إِشْكَال فَإِن هَؤُلَاءِ راعوا صُورَة النَّفْي الْمَنْطُوق بِهِ فيجاب ببلى حَيْثُ يُرَاد إبِْطَال النَّفْي الْوَاقِع بعد الْهمزَة وجوزوا الْجَواب بنعم على أَنه تَصْدِيق لمضمون الْكَلَام جَمِيعه: الْهمزَة ومدخولها وَهُوَ إِيجَاب. ودعواه الِاتِّفَاق مُنَازع فِيهَا.
أما إِن أَرَادَ الْإِيجَاب الْمُجَرّد من النَّفْي أصلا ورأساً فقد حكى فِيهِ الرضي الْخلاف.
وَأما إِن أَرَادَ مَا هُوَ أَعم حَتَّى يَشْمَل التَّقْرِير المصاحب للنَّفْي فَالْخِلَاف مَوْجُود مَشْهُور وَذكره المُصَنّف عَن الشلوبين وَغَيره فِي نعم وَهنا أَيْضا بقوله: إِنَّهُم أجروا النَّفْي مَعَ التَّقْرِير مجْرى النَّفْي الْمُجَرّد فِي رده ببلى. انْتهى.
هَذَا وَقد قَالَ أَبُو حَيَّان فِي الارتشاف: وَأما قَول جحدر: أَلَيْسَ اللَّيْل يجمع أم عَمْرو الْبَيْتَيْنِ فَلَيْسَ نصا فِي أَن التَّقْرِير يُجَاب بنعم. انْتهى.
-
فَلَا يدْفع التَّنَاقُض بَين كَلَام ابْن عَبَّاس وَكَلَام غَيره بِمَا ذكره الشَّارِح الْمُحَقق فَلَا بُد من دَلِيل سَمْعِي يبين جَوَاز ذَلِك.
قَالَ أَبُو حَيَّان: وَلم يذكر سوى بَيْتِي جحدر وَقد ذكر لَهُ عدَّة تأويلات فَلَا يقوم بِمثلِهِ حجَّة وَقد أول بِثَلَاثَة تأويلات: أَحدهَا: لِابْنِ عُصْفُور وَهُوَ أَن تكون نعم فِيهِ جَوَابا لغير مَذْكُور قَالَ أجرت لعرب التَّقْرِير فِي الْجَواب مجْرى النَّفْي الْمَحْض وَإِن كَانَ إِيجَابا فِي الْمَعْنى فَإِذا قيل: ألم أعطك درهما قيل فِي)
تَصْدِيقه: نعم وَفِي تَكْذِيبه: بلَى وَذَلِكَ لِأَن الْمُقَرّر قد يوافقك فِيمَا تدعيه وَقد يخالفك فَإِذا قَالَ: نعم لم تعلم هَل أَرَادَ نعم لم تعطني على اللَّفْظ أَو نعم أَعْطَيْتنِي على الْمَعْنى فَلذَلِك أجابوه على اللَّفْظ وَلم يلتفتوا إِلَى الْمَعْنى.
وَأما نعم فِي بَيت جحدر فجواب لغير مَذْكُور وَهُوَ مَا قدره فِي اعْتِقَاده أَن اللَّيْل يجمعه وَأم عَمْرو. وَجَاز ذَلِك لأمن اللّبْس لعلمه أَن كل أحدٍ يعلم أَن اللَّيْل يجمعه وَأم عَمْرو.
وَأما قَول الْأَنْصَار فَجَاز لزوَال اللّبْس لِأَنَّهُ قد علم أَنهم يُرِيدُونَ نعم نَعْرِف لَهُم ذَلِك. وعَلى هَذَا يحمل اسْتِعْمَال سِيبَوَيْهٍ لَهَا بعد التَّقْرِير. انْتهى.
ثَانِيهَا: لِابْنِ عُصْفُور أَيْضا: أَنه جَوَاب لما بعده كَقَوْلِهِم: نعم هَذِه أطلالهم. قَالَ: وَيجوز أَن تكون جَوَابا لقَوْله وَترى الْهلَال الْبَيْت. وَفِيه نظر لِأَن قَوْله: وَترى الْهلَال عطف على مَا قبله فَهُوَ دَاخل تَحت التَّقْرِير.
ثالثهما: لأبي حَيَّان وَتَبعهُ ابْن هِشَام قَالَ: الْأَحْسَن أَن تكون جواباُ لقَوْله: فَذَاك بِنَا تداني فَتكون الْجُمْلَة مُعْتَرضَة بَين المتعاطفين وَلَيْسَت دَاخِلَة تَحت التَّقْرِير وَتَقَدَّمت على نعم لفظا وَمعنى.
وَرَأَيْت فِي تَرْجَمَة جميل بن معمر العذري من كتاب الشُّعَرَاء لِابْنِ قُتَيْبَة رِوَايَة الْبَيْت الثَّانِي كَذَا:
أرى وضح الْهلَال كَمَا ترَاهُ وَقد رَوَاهُ السكرِي فِي كتاب اللُّصُوص فِي نُسْخَة قديمَة صَحِيحَة: بلَى وَترى الْهلَال كَمَا أرَاهُ وَعَلَيْهِمَا لَا شَاهد فِيهِ.
قَالَ ابْن هِشَام: ويتحرر على هَذَا أَنه لَو أُجِيب أَلَسْت بربكم بنعم لم يكف فِي الْإِقْرَار لِأَن الله سبحانه وتعالى أوجب فِي الْإِقْرَار بِمَا يتَعَلَّق بالربوبية الْعبارَة الَّتِي لَا تحْتَمل غير الْمَعْنى المُرَاد من الْمقر وَلِهَذَا لَا يدْخل فِي الْإِسْلَام بقوله: لَا إِلَه إِلَّا الله بِرَفْع إِلَه لاحْتِمَاله لنفي الْوحدَة فَقَط.
وَلَعَلَّ ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما إِنَّمَا قَالَ: إِنَّهُم لَو قَالُوا نعم لم يكن إِقْرَارا كَافِيا.
وَجوز الشلوبين أَن يكون مُرَاده أَنهم لَو قَالُوا نعم جَوَابا للملفوظ بِهِ على مَا هُوَ الْأَفْصَح لَكَانَ كفرا إِذا الأَصْل تطابق الْجَواب وَالسُّؤَال لفظا. وَفِيه نظر لِأَن التفكير لَا يكون بِالِاحْتِمَالِ.)
وَقَوله: وَلَعَلَّ ابْن عَبَّاس يُرِيد أَن النَّقْل الْمَشْهُور عَنهُ نقل بِالْمَعْنَى قَالَ الدماميني: وَهَذَا لَا وَجه لَهُ فَإِنَّهُ مُعَارضَة للنَّقْل الثَّابِت الْمَشْهُور بِمُجَرَّد احْتِمَال عَدمه من غير ثَبت. انْتهى.
وَقد أورد الدماميني حِكَايَة عَن الْوَجْه الأول من التأويلات لَا بَأْس بإيرادها قَالَ: أخْبرت بِمَكَّة سنة ثَمَانِي عشرَة وَثَمَانمِائَة أَن مَوْلَانَا قَاضِي الْقُضَاة أَبَا الْفضل
النويري الشَّافِعِي النَّاظر فِي الحكم للعزيز بِمَكَّة المشرفة سَأَلَ الشَّيْخ جمال الدَّين ابْن هِشَام مُصَنف هَذَا الْكتاب عَمَّا جرى بِهِ الْعرف فِي هَذِه الْأَزْمِنَة من أَن الْإِنْسَان إِذا طرق بَاب صَاحبه يَقُول: نعم نعم يُرِيد الْإِعْلَام بِحُضُورِهِ وَهل لهَذَا أصل فِي لِسَان الْعَرَب فَقَالَ: نعم وَقد ذكرت ذَلِك فِي كتابي مُغنِي اللبيب. فَقَالَ لي ذَلِك الْمخبر: لم أظفر بذلك فِي الْمُغنِي وَسَأَلت عَنهُ جمَاعَة فَلم يحصل جَوَاب.
قلت لَهُ: هُوَ فِي موضِعين: أَحدهمَا: قَوْله قبل هَذَا: إِن نعم تقع جَوَابا لسؤال مُقَدّر.
وَالثَّانِي: قَول ابْن عُصْفُور إِن نعم فِي بَيت جحدر جَوَاب لغير مَذْكُور.
وَكَذَلِكَ قَول هَذَا الطارق: نعم نعم جَوَاب لما قدره فِي اعْتِقَاده من أَن صَاحب الْمنزل لشدَّة احتفاله والتفاته إِلَيْهِ يسْأَل: هَل حضر فلَان وقاضي مَكَّة الْمشَار إِلَيْهِ هَذَا هُوَ أحد مشايخي أَخْبرنِي بمغني اللبيب عَن مُصَنفه وأجازني إجَازَة عَامَّة وَكتب لي خطة بذلك. انْتهى.
وَقَول الشَّاعِر: وَذَاكَ بِنَا تداني ذَاك إِشَارَة إِلَى جمع اللَّيْل إيَّاهُمَا. والتداني: التقارب.
والبيتان أبرد مَا قيل فِي بَاب القناعة من لِقَاء الأحباب. وَقَالَ ابْن قُتَيْبَة: وَجَمِيل مِمَّن رَضِي بِالْقَلِيلِ فَقَالَ:
الطَّوِيل
(أقلب طرفِي فِي السَّمَاء لَعَلَّه
…
يُوَافق طرفِي طرفها حِين تنظر)
ومنهما أخذت قَوْلهَا عَلَيْهِ بنت الْمهْدي العباسي أوردهُ الصولي فِي ترجمتها من كتاب الأوراق: الطَّوِيل
(أليست سليمى تَحت سقفٍ يكنها
…
وإياي هَذَا فِي الْهوى لي نَافِع
)
(ويلبسها اللَّيْل البهيم إِذا دجا
…
وتبصر ضوء الصُّبْح وَالْفَجْر سَاطِع)
(تدوس بساطاً قد أرَاهُ وأنثني
…
أطاه برجلي كل ذَا لي شَافِع))
والبيتان من قصيدة لجحدر بن مَالك الْحَنَفِيّ قَالَهَا وَهُوَ فِي سجن الْحجَّاج وأرسلها إِلَى الْيَمَامَة.
وَقد تقدم سَبَب حَبسه مَعَ تَرْجَمته فِي الشَّاهِد الْحَادِي وَالسِّتِّينَ بعد الْخَمْسمِائَةِ وَهِي هَذِه من
(تأوبني فَبت لَهَا كبيعاً
…
همومٌ لَا تُفَارِقنِي حواني)
(هِيَ العواد لَا عواد قومِي
…
أطلن عيادتي فِي ذَا الْمَكَان)
(إِذا مَا قلت قد أجلين عني
…
ثني ريعانهن عَليّ ثَانِي)
(وَكَانَ مقرّ منزلهن قلبِي
…
فقد أنفهنه فالقلب آني)
(أَلَيْسَ الله يعلم أَن قلبِي
…
يحبك أَيهَا الْبَرْق الْيَمَانِيّ)
(وأهوى أَن أُعِيد إِلَيْك طرفِي
…
على عدواء من شغلٍ وشان)
.
(نظرت وناقتاي على تعادٍ
…
مطاوعتا الأزمة ترحلان)
(إِلَى ناريهما وهما قريبٌ
…
تشوقان الْمُحب وتوقدان)
(وهيجني بلحنٍ أعجميً
…
على غُصْنَيْنِ من غربٍ وَبَان)
(فَكَانَ البان أَن بَانَتْ سليمى
…
وَفِي الغرب اغترابٌ غير داني
)
(أَلَيْسَ اللَّيْل يجمع أم عَمْرو
…
وإيانا فَذَاك بِنَا تداني)
(بلَى وَترى الْهلَال كَمَا أرَاهُ
…
ويعلوها النَّهَار كَمَا علاني)
(فَمَا بَين التَّفَرُّق غير سبعٍ
…
بَقينَ من الْمحرم أَو ثَمَان)
(فيا أخوي من جشم بن سعدٍ
…
أقلا اللوم إِن لم تنفعاني)
(إِلَى قومٍ إِذا سمعُوا بنعيٍ
…
بَكَى شُبَّانهمْ وَبكى الغواني)
(وقولا جحدرٌ أَمْسَى رهيناً
…
يحاذر وَقع مصقولٍ يماني)
(يحاذر صولة الْحجَّاج ظلما
…
وَمَا الْحجَّاج ظلاماً لجاني)
(ألم ترني غذيت أَخا حروبٍ
…
إِذا لم أجن كنت مجن جاني)
(فَإِن أهلك فَرب فَتى سيبكي
…
عَليّ مخضبٍ رخص البنان)
(وَلم أك قد قضيت دُيُون نَفسِي
…
وَلَا حق المهند والسنان)
قَوْله: تأوبني فَبت لَهَا كبيعا أَي: أَتَانِي لَيْلًا هموم من الأوب وَهُوَ