الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(
التَّنْوِين)
أنْشد فِيهِ: الوافر وَقَوْلِي إِن أصبت لقد أصابن وَتقدم شَرحه مفصلا فِي الشَّاهِد الرَّابِع من بَاب الْإِعْرَاب من أول الْكتاب.
وَأنْشد بعده: الرجز
وحاتم الطَّائِي وهاب المئي وَتقدم شَرحه فِي الشَّاهِد الرَّابِع وَالْأَرْبَعِينَ بعد الْخَمْسمِائَةِ فِي بَاب الْعدَد. وَفِي بَاب الْجمع أَيْضا.
وَأنْشد بعده
(الشَّاهِد الثَّانِي وَالْأَرْبَعُونَ بعد التسْعمائَة)
وَهُوَ من شَوَاهِد س: المتقارب
(فَأَلْفَيْته غير مستعتبٍ
…
وَلَا ذَاكر الله إِلَّا قَلِيلا)
على أَن حذف التَّنْوِين من ذَاكر الله لضَرُورَة الشّعْر فَإِن ذَاكِرًا بِالنّصب والتنوين مَعْطُوف على غير وَلَفظ الْجَلالَة مَنْصُوب بذاكراً وَلَو كَانَ مُضَافا إِلَى الْجَلالَة لَكَانَ حذف التَّنْوِين وَاجِبا لَا ضَرُورَة.
وَإِنَّمَا آثر حذف التَّنْوِين للضَّرُورَة على حذفه للإضافة لإِرَادَة تمثل المتعاطفين فِي التنكير والتنوين يحذف وجوبا للإضافة نَحْو: غلامك ولشببها نَحْو: لَا مَال لزيد إِذا لم تقدر اللَّام مقحمة فَإِن قدرت فَهُوَ مُضَاف ولدخول أل كَالرّجلِ ولمانع الصّرْف نَحْو: فَاطِمَة وللوقف فِي غير النصب وللاتصال بالضمير نَحْو: ضاربك فِيمَن قَالَ إِنَّه غير مُضَاف وللبناء فِي
النداء وَغَيره نَحْو: يَا رجل وَلَا رجل وَلكَون الِاسْم علما مَوْصُوفا بِابْن كَمَا فِي الشَّرْح. وحذفه فِي غير ذَلِك فَإِنَّمَا سَببه مُجَرّد التقاء الساكنين وَهُوَ غير جَائِز إِلَّا فِي الشّعْر.
وَقد نَص سِيبَوَيْهٍ عَلَيْهِ فِي بَاب الَّذِي تَرْجَمته بَاب من اسْم الْفَاعِل جرى مجْرى الْفِعْل الْمُضَارع فِي الْمَفْعُول فِي الْمَعْنى قَالَ: وَزعم عِيسَى أَن بعض الْعَرَب ينشد هَذَا الْبَيْت: فَأَلْفَيْته غير مستعتبٍ الْبَيْت لم يحذف التونين اسْتِخْفَافًا ليعاقب الْمَجْرُور وَلكنه حذفه لالقتاء الساكنين. وَذَا اضطرار.
قَالَ الأعلم: الشَّاهِد فِيهِ حذف التَّنْوِين من ذَاكِرًا لالتقاء الساكنين وَنصب مَا بعده وَإِن كَانَ الْوَجْه إِضَافَته وَفِي حذف تنوينه لالتقاء الساكنين وَجْهَان: أَحدهمَا: أَن يشبه بِحَذْف النُّون الْخَفِيفَة إِذا لقيها سَاكن كَقَوْلِك: اضْرِب الرجل يُرِيد: اضربن الرجل.
وَالْوَجْه الثَّانِي: أَن يشبه بِمَا حذف تنوينه من الْأَسْمَاء الْأَعْلَام إِذا وصف بِابْن مُضَاف إِلَى علم.
وَأحسن مَا يكون حذف التَّنْوِين للضَّرُورَة فِي مثل قَوْلك: هَذَا زيد الطَّوِيل لِأَن النَّعْت والمنعوت كالشيء الْوَاحِد يشبه الْمُضَاف والمضاف إِلَيْهِ انْتهى.
وَقَالَ ابْن خلف: تَحْرِيك التَّنْوِين لالتقاء الساكنين أَجود من حذفه إِذْ هُوَ حرف يحْتَمل التحريك)
وَالَّذِي يحذفه يُشبههُ بحروف الْمَدّ واللين.
قَالَ الْمبرد: قد قَرَأت الْقُرَّاء:: قل هُوَ الله أحد الله الصَّمد وَلَيْسَ الْوَجْه حذف التَّنْوِين لالتقاء الساكنين إِنَّمَا يحذف من الْحُرُوف لالتقاء الساكنين حُرُوف الْمَدّ واللين وَيجوز هَذَا فِي التَّنْوِين تَشْبِيها بِهن.
وَقَالَ أَبُو الْحسن: سَمِعت مُحَمَّد بن يزِيد بن الْمبرد يَقُول سَمِعت عمَارَة يقْرَأ:
وَلَا اللَّيْل سَابق النَّهَار. قَالَ أَبُو الْحسن: وَالْأولَى: سَابق النَّهَار وَلَا ذَاكر الله. وَإِنَّمَا الضرروة قَوْله: الْكَامِل وَهُوَ فِي النَّعْت أسهل مِنْهُ فِي الْخَبَر كزيد الظريف قَائِم. انْتهى.
وَحذف التَّنْوِين فِي الِاثْنَيْنِ لَا شكّ فِي شذوذه كَمَا قَالَ الشَّارِح الْمُحَقق. وَجعل ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي حذف التَّنْوِين لالتقاء الساكنين من الْقلَّة وَأورد الْبَيْت والآيتين. وَهُوَ فِي هَذَا مُخَالف لسيبويه وَالْجُمْهُور.
وَمِمَّنْ تبع سِيبَوَيْهٍ ابْن الشجري قَالَ فِي أَمَالِيهِ: وَمن حذف التَّنْوِين لالتقاء الساكنين مَا رُوِيَ عَن أبي عَمْرو فِي بعض طرقه: قل هُوَ الله أحد الله الصَّمد وحذفه على هَذَا الْوَجْه متسع فِي الشّعْر وَكَقَوْلِه: المتقارب
(حميد الَّذِي أمجٌ دَاره
…
أَخُو الْخمر ذُو الشيبة الأصلع)
وكقول الآخر: الرجز
(حيدة خَالِي ولقيطٌ وَعلي
…
وحاتم الطَّائِي وهاب المئي
)
وَقَالَ عبد الله بن قيس الرقيات: الْخَفِيف
(كَيفَ نومي على الفارش وَلما
…
تَشْمَل الشَّام غارةٌ شعواء)
(تذهل الشَّيْخ عَن بنيه وتبدي
…
عَن خدام العقيلة العذارء)
أَرَادَ: وتبدي العقيلة العذارء لَهَا عَن خدام. والخدام: الخلخال. أَي: ترفع الْمَرْأَة الْكَرِيمَة ثوبها للهرب فيبدو خلْخَالهَا. وَالْجُمْلَة الَّتِي هِيَ تبدي العقيلة موضعهَا رفع بالْعَطْف على جملَة تذهل الْوَاقِعَة نعتاً لغارة والعائد إِلَى الْمَوْصُوف من الْجُمْلَة المعطوفة مَحْذُوف تَقْدِيره: وتبدي العقيلة العذارء لَهَا عَن خدام أَي: لأَجلهَا.
والشعواء: المتفرقة. وَحكي عَن القَاضِي أبي سعيد السيرافي أَنه قَالَ: حضرت فِي مجْلِس أبي بكر بن دُرَيْد وَلم أكن قبل ذَلِك رَأَيْته فَجَلَست فِي ذيله فَأَنْشد أحد الْحَاضِرين بَيْتَيْنِ يعزيان إِلَى)
آدم عليه السلام قالهما لما قتل ابْنه قابيل هابيل وهما: الوافر
(تَغَيَّرت الْبِلَاد وَمن عَلَيْهَا
…
فَوجه الارض مغبرٌ قَبِيح)
(تغير كل ذِي حسنٍ وطيبٍ
…
وَقل بشاشة الْوَجْه الْمليح)
فَقَالَ أَبُو بكر: هَذَا شعر قد قيل فِي صدر الدُّنْيَا وَجَاء فِيهِ الإقواء. فَقلت: إِن لَهُ وَجها يُخرجهُ من الإقواء فَقَالَ: مَا هُوَ قلت:: نصب بشاشة وَحذف التَّنْوِين مِنْهَا لالتقاء الساكنين لَا للإضافة فَتكون بِهَذَا التَّقْرِير نكرَة منتصبة على التَّمْيِيز ثمَّ رفع
الْوَجْه وَصفته بِإِسْنَاد قل إِلَيْهِ فَيصير اللَّفْظ: وَقل بشاشة الْوَجْه الْمليح فَقَالَ: ارْتَفع فرفعني حَتَّى أقعدني إِلَى جنبه. انْتهى كَلَام ابْن الشجري.
أَقُول: وتوجيه السيرافي فِيهِ تخلص من ضَرُورَة إِلَى ضَرُورَة.
وَقد اسْتشْهد بِالْبَيْتِ الشَّاهِد الزَّمَخْشَرِيّ والبيضاوي عِنْد قِرَاءَة الْأَعْمَش: كل نفسٍ ذائقة الْمَوْت بترك التَّنْوِين وَنصب الْمَوْت.
وَأوردهُ الْفراء قبلهمَا عِنْد هَذَا الْآيَة. قَالَ: لَو نونت ذائقة ونصبت الْمَوْت كَانَ صَوَابا وَأكْثر مَا يخْتَار الْعَرَب التَّنْوِين وَالنّصب فِي الْمُسْتَقْبل فَإِذا كَانَ مَعْنَاهُ مَاضِيا لم يكادوا يَقُولُونَ إِلَّا بِالْإِضَافَة ويختارون أَيْضا التَّنْوِين إِذا كَانَ مَعَ الْجحْد. من ذَلِك قَوْلهم: مَا هُوَ بتاركٍ حَقه لَا يكادون يتركون التَّنْوِين وَتَركه كثير جَائِز وينشدون قَول أبي الْأسود:
(فَأَلْفَيْته غير مستعتبٍ
…
وَلَا ذَاكر الله إِلَّا قَلِيلا)
فَمن حذف النُّون وَنصب قَالَ: النِّيَّة التَّنْوِين مَعَ الْجحْد وَلَكِنِّي أسقطت النُّون للساكن وأعلمت مَعْنَاهَا. وَمن خفض أضَاف.
هَذَا كَلَامه وَهُوَ صَرِيح فِي جَوَازه فِي الْكَلَام وَالصَّحِيح مَذْهَب سِيبَوَيْهٍ.
وَالْبَيْت من أَبْيَات لأبي الْأسود الدئلي.
وروى الْأَصْبَهَانِيّ فِي كتاب الأغاني بِسَنَدِهِ عَن أبي عوَانَة قَالَ: كَانَ أَبُو الْأسود يجلس إِلَى فنَاء امرأةٍ بِالْبَصْرَةِ فيتحدث إِلَيْهَا وَكَانَت جميلَة فَقَالَت لَهُ: يَا أَبَا الْأسود هَل لَك أَن أتزوجك فَإِنِّي صناع الْكَفّ حَسَنَة التَّدْبِير قانعة بالميسور قَالَ: نعم.
فَجمعت أَهلهَا وتزوجته فَوَجَدَهَا بِخِلَاف مَا قَالَت وأسرعت فِي مَاله ومدت يَدهَا إِلَى جبايته وأفشت سره فغدا على من كَانَ حضر تَزْوِيجه إِيَّاهَا
فَسَأَلَهُمْ أَن يجتمعوا عِنْده فَفَعَلُوا)
فَقَالَ لَهُم:
المتقارب
(أريت أمرأً كنت لم أبله
…
أَتَانِي فَقَالَ اتَّخَذَنِي خَلِيلًا)
(فخاللته ثمَّ أكرمته
…
فَلم أستفد من لَدَيْهِ فتيلا)
(وألفيته حِين جربته
…
كذوب الحَدِيث سروقاً جميلاً)
(فَذَكرته ثمَّ عاتبته
…
عتاباً رَفِيقًا وقولاً جميلاً)
(فَأَلْفَيْته غير مستعتبٍ
…
وَلَا ذَاكر الله إِلَّا قَلِيلا)
(أَلَسْت حَقِيقا بتوديعه
…
وإتباع ذَلِك صرماً طَويلا)
فَقَالَ لَهُ: بلَى وَالله يَا أَبَا الْأسود فَقَالَ: تِلْكَ صاحبتكم وَقد طَلقتهَا وَأَنا أحب أَن أتسر مَا أنكرته من أمرهَا. فَانْصَرَفت مَعَهم. انْتهى.
وَقد أورد ابْن السيرافي فِي شرح أَبْيَات الْكتاب سَببا لهَذِهِ الأبيات لَا يلائمها وَتَبعهُ ابْن خلف وَابْن المستوفي وَغَيرهمَا وَهُوَ مَا لَا يكَاد يقْضِي مِنْهُ الْعجب قَالَ: سَبَب هَذَا الشّعْر أَن رجلا من بني سليم يُقَال لَهُ: نسيب بن حميد كَانَ يغشي أَبَا الْأسود وَيظْهر لَهُ محبَّة شَدِيدَة ثمَّ إِن نسيباً قَالَ لأبي الْأسود: قد أصبت مستقة أصبهانية وَهِي جُبَّة فراء طَوِيلَة الكمين فَقَالَ لَهُ أَبُو الْأسود: أرسل بهَا إِلَيّ حَتَّى أنظر إِلَيْهَا.
فَأرْسل بهَا فَأَعْجَبتهُ فَقَالَ لِنَسِيبٍ: بعنيها
بِقِيمَتِهَا. فَقَالَ: لَا بل أكسوكها.
فَأبى أَبُو الْأسود يقبلهَا إِلَّا بشرَاء فَقَالَ لَهُ: أرها لمن يبصرها ثمَّ هَات قيمتهَا. فأراها أَبُو الْأسود فَقيل لَهُ: هِيَ ثمن مِائَتي دِرْهَم.
فَذكر ذَلِك لِنَسِيبٍ فَأبى أَن يَبِيعهُ فزاده أَبُو الْأسود حَتَّى بلغ بِالثّمن مِائَتي دِرْهَم وَخمسين درهما فَأبى نسيب أَن يَبِيعهَا وَقَالَ: خُذْهَا إِذن هبة فَيَقُول: ذكرته مَا بَيْننَا من الْمَوَدَّة فَأَلْفَيْته أَي: وجدته غير مستعتب أَي: غير رَاجع بالعتاب عَن قَبِيح مَا يفعل. هَذَا كَلَامه.
وَقَوله: أريت امْرأ
…
إِلَخ سلك أَبُو الْأسود بِهَذَا الْكَلَام طَرِيق التعمية على مُخَاطبَة ليتم مَا يُرِيد وَلَو نسب هَذِه الْعُيُوب إِلَيْهَا مُصَرحًا بهَا لربما دافعوا عَنْهَا. وأريت بِمَعْنى أَخْبرنِي وَأَصله الْهمزَة فِيهِ للاستفهام وريت أَصله رَأَيْت حذف الْهمزَة وَهِي عين الْفِعْل تَخْفِيفًا.
قَالَ صَاحب الصِّحَاح: وَرُبمَا جَاءَ ماضيه بِلَا همزَة قَالَ الشَّاعِر: الْخَفِيف
(صَاح هَل ريت أَو سَمِعت براعٍ
…
رد فِي الضَّرع مَا قوى فِي الحلاب))
وَكَذَلِكَ قَالُوا فِي: أَرَأَيْت وأرأيتك وأريتك بِلَا همزَة.
-
أريت امْرأ كنت لم أبله الْبَيْت وَقَالَ الْكرْمَانِي فِي شرح البُخَارِيّ: أَرَأَيْت بِمَعْنى أَخْبرنِي وَفِيه تجوز إِطْلَاق الرُّؤْيَة وإرداة الْإِخْبَار لِأَن الرُّؤْيَة سَبَب الْإِخْبَار. وَجعل الِاسْتِفْهَام بِمَعْنى الْأَمر بِجَامِع الطّلب. انْتهى.
والرؤية هُنَا منقولة من رُؤْيَة الْبَصَر وَلِهَذَا تعدت إِلَى مفعول وَاحِد وَزعم ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي أَن أرأيتك مَنْقُول عَن الرُّؤْيَة العلمية تقضي مفعولين فَيقدر الثَّانِي إِذا لم يُوجد وَهُوَ تكلّف.
وأبله من بلاه يبلوه بلواً: إِذا جربه واختبره وخاللته: تخذته خَلِيلًا والفتيل: الشَّيْء الحقير وَأَصله مَا يُوجد فِي بطن النواة. والرفيق من الرِّفْق: ضد العنف.
وَقَوله: فَأَلْفَيْته غير مستعتب ألفي: بِمَعْنى وجد يتَعَدَّى لمفعولين كَمَا تقدم وَعند بَعضهم الْمَفْعُول الثَّانِي حَال. ومستعتب: اسْم فَاعل الرَّاجِع بالإعتاب.
واستعتب وأعتب بِمَعْنى وعتب عَلَيْهِ عتباً من بَاب ضرب وَقتل إِذا لامه فِي تسخط وأعتب: أَزَال الشكوى فالهمزة للسلب. واستعتب: طلب الإعتاب. والعتبي اسْم للإعتاب.
وَالْمعْنَى ذكرته مَا كَانَ بَيْننَا من العهود وعاتبته على تَركهَا فَوَجَدته غير طَالب رضائي.
وَقَوله: لَا ذَاكر الله روى بِنصب ذَاكر وجره فالنصب للْعَطْف على غير.
وَقَالَ بعض فضلاء الْعَجم فِي شرح أَبْيَات الْمفصل: نصب ذَاكِرًا على أَن لَا بِمَعْنى غير وَقد
والجر للْعَطْف على مستعتب وَلَا لتأكيد النَّفْي الْمُسْتَفَاد من غير وعَلى هَذِه الرِّوَايَة اقْتصر ابْن الشجري فَقَالَ: عطف نكرَة على نكرَة مجرورة بِإِضَافَة غير إِلَيْهَا وانتصاب غير على الْحَال.
انْتهى.
والتوديع هُنَا الْفِرَاق. والصرم بِالضَّمِّ: الهجر.
وترجدمة أبي الْأسود تقدّمت فِي الشَّاهِد الْأَرْبَعين من أَوَائِل الْكتاب.