الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
دون مَا جاوره.
وَإِن أَرَادَ بالمنزل الدَّار حَتَّى أنّث فَذَلِك أَيْضا خلل. وَلَو سلم من هَذَا كُله وَمِمَّا نكره ذكره كَرَاهِيَة التَّطْوِيل لم نشكّ فِي أنّ شعر أهل زَمَاننَا لَا يقصر عَن الْبَيْتَيْنِ بل يزِيد عَلَيْهِمَا ويفضلهما.
انْتهى مَا أوردهُ الباقلاّني وَلَا يخفى مَا فِي بعضه من التعسّف.
وَأنْشد بعده
(الشَّاهِد الثَّامِن وَالثَّمَانُونَ بعد الثَّمَانمِائَة)
الطَّوِيل
(أيا دَار سلمى بالحروريّة اسلمي
…
إِلَى جَانب الصّمّان فالمتثلّم)
(أَقَامَت بَين البردين ثمّ تذكّرت
…
منازلها بَين الدّخول فجرثم)
(ومسكنها بَين الْفُرَات إِلَى اللّوى
…
إِلَى شعبٍ ترعى بهنّ فعيهم
)
على أَنه يسْتَعْمل فِي تَحْدِيد الْأَمَاكِن إِلَى محذوفاً مِنْهَا العاطف كَمَا فِي الْبَيْت الْأَخير فإنّ وَاو الْعَطف محذوفة من إِلَى الثَّانِيَة على خلاف الْقيَاس.
وَظَاهر كَلَامه أَن الْوَاو لَا تسْتَعْمل مَعَ إِلَى فِي التَّحْدِيد الْمَذْكُور وَلم يقل بِهِ أحد وَإِن لم يكن هَذَا الظَّاهِر مُرَاده فَكَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَن يَقُول: يجوز بدل يسْتَعْمل على أنّ ذكر تَحْدِيد الْأَمَاكِن لَا فَائِدَة الْجَوَاز سمع أَبُو زيد بن من الْعَرَب: أكلت خبْزًا لَحْمًا تَمرا وَهُوَ مَذْهَب الفارسيّ وَمن تبعه.
وَالْمَنْع وَهُوَ قَول ابْن جني فِي سر الصِّنَاعَة وَمن تبعه وَتَأَول مَا ذكر على أَنه من بدل البداء.
وَكَانَ يَنْبَغِي الِاكْتِفَاء بِالْبَيْتِ الثَّالِث لِأَنَّهُ مَوضِع الشَّاهِد وَحذف مَا قبله.
وَهَذِه الأبيات مطلع قصيدة للنابغة الْجَعْدِي الصَّحَابِيّ كَذَا أوردهَا الْأَصْبَهَانِيّ فِي الأغاني وَزَاد بعْدهَا بَيْتا وَهُوَ:
(ليَالِي تصطاد الرّجال بفاحمٍ
…
وأبيض كالإغريض لم يتثلّم)
وَرَوَاهَا ابْن الشجري فِي أَمَالِيهِ كَذَا:
(أيا دَار سلمى بالحزون أَلا اسلمي
…
نحيّيك عَن شحطٍ وَإِن لم تكلّمي)
(عفت بعد حيٍّ من سليمٍ وعامرٍ
…
تفانوا ودقّوا بَينهم عطر منشم)
(ومسكنها بَين الْفُرَات إِلَى اللّوى
…
إِلَى شعبٍ ترعى بهنّ فعيهم)
(أَقَامَت بِهِ البردين ثمّ تذكّرت
…
منازلها بَين الجواء فجرثم)
(ليَالِي تصطاد الرّجال بفاحمٍ
…
وأبيض كالإغريض لم يتثلّم)
ولنتكلم عَن الرِّوَايَة الأولى أَولا: أيا: حرف نِدَاء وَالدَّار: الْمنزل مؤنث سَمَاعي. وسلمى: اسْم امْرَأَة وَالْبَاء من قَوْله بالحرويّة مُتَعَلقَة
بِمَحْذُوف حَال من دَار. وَأَرَادَ: بالرّملة الحرورية فَإِن حروراء بالمدّ وَيقصر بالمهملات: اسْم رَملَة وعثة بِنَاحِيَة الدّهناء بِفَتْح الدَّال وَسُكُون الْهَاء)
بعْدهَا نون يمدّ وَيقصر.
قَالَ ابْن حبيب: الدهناء: رمال فِي طَرِيق الْيَمَامَة إِلَى مكّة وَهِي منَازِل بني تَمِيم لَا يعرف طولهَا وَأما عرضهَا فَثَلَاث لَيَال وَهِي على أَرْبَعَة
لَيَال من هجر وَيُقَال فِي الْمثل: أوسع من الدهناء. كَذَا فِي مُعْجم الْبكْرِيّ.
والحروراء أَيْضا: قَرْيَة بِظَاهِر الْكُوفَة ينْسب إِلَيْهَا الحرورية وَهِي طَائِفَة من الْخَوَارِج كَانَ أوّل اجْتِمَاعهم بهَا وتحكيمهم حِين خالفوا عليّاً رضي الله عنه وَالنِّسْبَة إِلَيْهِ حروريٌّ. كَذَا فِي الْعباب للصاغاني. وَهَذِه الْكَلِمَة لم يوردها الْبكْرِيّ فِي مُعْجَمه.
وَلَيْسَ المُرَاد قَرْيَة الْكُوفَة وإلاّ لقَالَ: بحروراء.
وَقَوله: اسلمي دُعَاء لدار سلمى بالسلامة لَهَا.
وَقَوله: إِلَى جَانب حَال من دَار أَيْضا: أَي ممتدّة إِلَى جَانب الصّمّان بِفَتْح الصَّاد الْمُهْملَة وَتَشْديد الْمِيم.
قَالَ الْبكْرِيّ فِي مُعْجَمه: هُوَ جبل ينقاد ثَلَاث لَيَال وَلَيْسَ لَهُ ارْتِفَاع سوى الصّمان لصلابته وَتخرج من الْبَصْرَة على طَرِيق الْمُنْكَدر لمن أَرَادَ مَكَّة فتسير إِلَى كاظمة ثَلَاثًا ثمَّ إِلَى الدّوّ ثَلَاثًا ثمَّ إِلَى الصّمّان ثَلَاثًا ثمَّ إِلَى الدهناء ثَلَاثًا.
وَقَوله: فالمتثلم مَعْطُوف على جَانب قَالَ الْبكْرِيّ: هُوَ بِضَم أَوله وَفتح ثَانِيه وَفتح الثَّاء الْمُثَلَّثَة وَفتح اللَّام الْمُشَدّدَة: مَوضِع بِالْعَالِيَةِ. انهتى.
والعالية: مافوق نجد إِلَى تهَامَة. وَلم يذكرهَا البكريّ فِي مُعْجَمه.
وَقَوله أَقَامَت بِهِ البردين بِفَتْح الْمُوَحدَة: مثنّى برد وَأَرَادَ بِهِ طرفِي الشتَاء. والبردان أَيْضا: الْغَدَاة والعشيّ.
وَيجب أَن يكون هَذَا الْبَيْت بعد قَوْله: ومسكنها الْبَيْت ليعود ضمير بِهِ إِلَى الْمسكن كَمَا فِي رِوَايَة ابْن الشجري وإلاّ كَانَ يَنْبَغِي أَن يَقُول: أَقَامَت بهَا البردين ليعود ضمير بهَا إِلَى الدَّار فَإِنَّهَا مُؤَنّثَة كَمَا ذكرنَا. وَإِن أرجعنا ضمير بِهِ إِلَيْهَا بِاعْتِبَار الْمنزل فَهُوَ تعسّف.
وَقَوله: وَبَين الدّخول فجرثم أَي: بَين مَوَاضِع الدُّخُول فمواضع جرثم. والدّخول تقدّم
شَرحه فِي الشَّاهِد المتقدّم وَالرِّوَايَة الصَّحِيحَة: بَين الجواء فجرثم.
قَالَ الْبكْرِيّ فِي مُعْجَمه: جرثم بِضَم الْجِيم وَسُكُون الرَّاء وَضم الْمُثَلَّثَة قَالَ أَبُو سعيد: هُوَ مَاء)
من مياه بني أسيد ثمَّ من بني فقعس وجرثم تجاه الجواء يدلّ على ذَلِك قَول الْجَعْدِي.
وَقَالَ فِي الجواء: هُوَ بِكَسْر الْجِيم بعْدهَا وَاو وبالمدّ: جبل يَلِي رحرحان بَينه وَبَين الرّبذة ثَمَانِيَة فراسخ. وَقد ذكرته فِي رسم الربذَة وَذكر فِيهَا: هِيَ بِفَتْح الرَّاء والْمُوَحدَة والذال الْمُعْجَمَة هِيَ الَّتِي جعلهَا عمر رضي الله عنه حمى لإبل الصّدقة.
وَأول أجبل حمى الرّبذة فِي غربيّها: رحرحان بَينهمَا بريدان ويلي رحرحان من غربيّه جبل يُقَال لَهُ: الجواء وهم على طَرِيق الرّبذة إِلَى الْمَدِينَة المنوّرة بَينه وَبَين الرّبذة أحد وَعِشْرُونَ ميلًا.
وَلَيْسَ بالجواء مَاء وَأقرب الْمِيَاه إِلَيْهِ مَاء للسُّلْطَان يُقَال لَهُ: العزّافة بأبرق العزّاف بَينه وَبَين الجواء ثَلَاثَة أَمْيَال انْتهى.
-
وَوجه الْعَطف بِالْفَاءِ فِي الْبَيْتَيْنِ قد شَرحه الشَّارِح فِي الْبَيْت الْآتِي.
وَقَوله: ومسكنها بَين الْفُرَات
…
إِلَخ بعد أَن خَاطب الدَّار بالنداء ودعا لَهَا الْتفت إِلَى الْإِخْبَار عَن مسكن حبيبته فَقَالَ: ومسكنها بَين الْفُرَات هُوَ مُبْتَدأ وَخبر والفرات: نهر الْكُوفَة وَأَرَادَ بَين مَوَاضِع الْفُرَات.
وَفِي الأغاني وَبَعض نسخ هَذَا الشَّرْح: العروب بدل الْفُرَات وَهُوَ تَحْرِيف مِنْهُ.
وَقَوله: إِلَى اللّوى
مُتَعَلق بِحَال محذوفة وَصَاحب الْحَال الضَّمِير المستقرّ فِي بَين أَي ممتدّاً إِلَى اللوى بِكَسْر اللَّام وَالْقصر وَهُوَ كَمَا قَالَ التّوّزيّ: مَوضِع مَعْرُوف من أَرض بني تَمِيم.
وَقَوله: إِلَى شعب مَعْطُوف بواو محذوفة والشّعب: جمع شُعْبَة وَهُوَ مسيل مَاء من ارْتِفَاع إِلَى بطن الْوَادي أَصْغَر من التّلعة قَالَه ابْن الشجري.
وترعى: فعل مضارع وفاعله مستتر ضمير سلمى وَهُوَ من رعيت الْمَاشِيَة أرعاها رعياً إِذا أَخَذتهَا إِلَى المرعى وَيُقَال أَيْضا: رعت الْمَاشِيَة ترعى رعياً فَهِيَ راعية إِذا سرحت بِنَفسِهَا يسْتَعْمل مُتَعَدِّيا ولازماً كَذَا فِي الْمِصْبَاح.
وَضمير بهنّ للشّعب ومفعول ترعى مَحْذُوف أَي: ترعى ماشيتها فِي الشّعب لكَون نبته أوفر فالباء فِي بهنّ ظرفية مُتَعَلقَة بترعى وَجُمْلَة ترعى: صفة لشعب.
وَرَأَيْت فِي هَامِش بعض نسخ هَذَا الشَّرْح: ترعى بِضَم أَوله وَفتح الْعين: اسْم مَوضِع مَنْقُول من الْفِعْل وَمثله توضح انْتهى.
وَهُوَ خطأ وَاضح على أَنه غير مَوْجُود هَذَا الْمَكَان فِي مُعْجم الْبكْرِيّ وَغَيره.)
وَقَوله: فعيهم أَي: فَإلَى عيهم بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الْمُثَنَّاة التَّحْتِيَّة وَفتح الْهَاء قَالَ الْبكْرِيّ: هُوَ جبل بالغور بَين مكّة وَالْعراق وَقد ذكرته فِي رسم بيشة. وَقَالَ فِيهَا: هِيَ بِكَسْر الْمُوَحدَة والشين الْمُعْجَمَة: وَاد من أَوديَة تهَامَة.
-
وَلم يجر لعيهم فِيهَا ذكرا البتّة وَأما رِوَايَة ابْن الشجري فنتقول: قَوْله: الحزون: جمع حزن بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون الزاء الْمُعْجَمَة وَهُوَ مَا غلظ من الأَرْض وهوخلاف السّهل وَكَأَنَّهُ أَرَادَ حزن بني يَرْبُوع فَجَمعه بِمَا حوله وَلَيْسَ الحزون اسْم مَوضِع بِعَيْنِه.
قَالَ الْبكْرِيّ: حزن بني يَرْبُوع: قفٌّ غليظ مسيرَة ثَلَاث لَيَال وَقَالَ السكرِي فِي أشعار اللُّصُوص: الْحزن بِلَاد بني
يَرْبُوع وَهِي أطيب الْبَادِيَة مرعًى ثمَّ الصّمّان.
وَقَالَ حنيف الحناتم: من قاظ الشّرف وتربّع الْحزن وتشتّى الصّمّان فقد أصَاب المرعى والشرف: من بِلَاد بني نمير.
وَألا: حرف تَنْبِيه واسلمي: فعل أَمر مُسْند إِلَى ضمير الدَّار دَعَا لَهَا بالسلامة.
وَقَوله: نحيّيك عَن شحطٍ وَإِن لم تكلّمي نحيّيك: من التَّحِيَّة قَالَ صَاحب الْمِصْبَاح: حيّاه تحيّة أَصله الدُّعَاء بِالْحَيَاةِ ثمَّ كثر حَتَّى اسْتعْمل فِي مُطلق الدُّعَاء ثمَّ اسْتَعْملهُ الشَّرْع فِي دُعَاء مَخْصُوص وَهُوَ: سَلام عَلَيْك انْتهى.
والشّحط: الْبعد وَفعله من بَاب منع. وَقَوله: وَإِن لم تكلّمي أَصله تتكلمي بتاءين.
قَالَ ابْن الشجري: خَاطب الدَّار بقوله: أيا دَار سلمى وَبِقَوْلِهِ: اسلمي وَبِمَا
بعده ثمَّ انْصَرف وَقَوله: عفت: بِمَعْنى درست وَذهب آثارها وَقَالَ ابْن الشجري: وسليم وعامر اللَّذَان ذكرهمَا: سليم بن مَنْصُور بن عِكْرِمَة بن خصفة بن قيس بن عيلان وعامر بن صعصعة بن مُعَاوِيَة بن بكر بن هوَازن بن مَنْصُور بن عِكْرِمَة الْمَذْكُور.
وَأَرَادَ بمنشم امْرَأَة من خُزَاعَة يُقَال لَهَا: منشم بنت الْوَجِيه كَانَت تبيع الْعطر فِي الْجَاهِلِيَّة فَلَمَّا وَقعت الْحَرْب بَين جرهم وخزاعة كَانَت إِذا حضر الْقِتَال
تَجِيء بالطّيب مدقوقاً فتطيّب بِهِ فتيَان خُزَاعَة وَكَانَ من مسّ من ذَلِك الطّيب شَيْئا لم يرجع من يَوْمه إلاّ جريحاً أَو قَتِيلا فَضربت الْعَرَب الْمثل بعطرها فِي الشؤم. انْتهى.)
وَقد استقصينا الْكَلَام فِي منشم فِي شرح أَبْيَات من معلقَة زُهَيْر من بَاب الِاشْتِغَال.
وَقَوله: أفاءت بِهِ قد تقدّم شرحة مَعَ مَا قبله. قَالَ ابْن الشجري: أضمر الْمسكن بعد إِضْمَار الشّعب.
وَقَوله: ليَالِي تصطاد
…
إِلَخ ظرف مُتَعَلق بأقامت والفاحم: الشّعْر الْأسود كالفحم وَقَوله: وأبيض أَي: بثغر وَاضح برّاق كالإغريض وَهُوَ طلع النّخل شبّه أسنانها بِهِ.
وتقدّمت تَرْجَمَة النَّابِغَة الْجَعْدِي فِي الشَّاهِد السَّادِس والثمانين بعد الْمِائَة.
وَفِي قصيدة لجَابِر بن حنّي التّغلبيّ بيتان على نمط شعر الْجَعْدِي فِي خطاب الدَّار وهما:
(فيا دَار سلمى بالصّريمة فاللّوى
…
إِلَى مدفع القيقاء فالمتثلّم
)
(أَقَامَت بهَا بالصيف ثمّ تذكّرت
…
مصايرها بَين الجواء فعيهم)
وَهِي مَذْكُورَة فِي المفضليات.
قَالَ شارحها ابْن الْأَنْبَارِي: القيقاء: جمع قيقاءة وَهُوَ مَا غلظ من الأَرْض فِي ارْتِفَاع ومصايرها: موَاضعهَا الَّتِي تصير إِلَيْهَا فِي الشتَاء والجواء وعيهم: موضعان.