الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(الشَّاهِد الرَّابِع وَالْخَمْسُونَ بعد التسْعمائَة)
المنسرح
(لَا تهين الْفَقِير علك أَن
…
تركع يَوْمًا والدهر قد رَفعه)
على أَن نون التوكيد الْخَفِيفَة تحذف لالتقاء الساكنين وَالْأَصْل: لَا تهينن الْفَقِير فحذفت النُّون وَبقيت الفتحة دَلِيلا عَلَيْهَا لكَونهَا مَعَ الْمُفْرد الْمُذكر. فَإِن لم تلاق النُّون سَاكِنا فَلَا تحذف إِلَّا للضَّرُورَة.
وَرَوَاهُ الجاحظ فِي الْبَيَان: لَا تحقرن الْفَقِير وَرَوَاهُ غَيره: وَلَا تُعَاد الْفَقِير فَلَا شَاهد فِيهِ.
قَالَ ابْن عُصْفُور فِي كتاب الضرائر: وَذَلِكَ نَحْو مَا أنْشدهُ أَبُو زيد فِي
نوادره: المنسرح
(اضْرِب عَنْك الهموم طارقها
…
ضربك بِالسَّيْفِ قونس الْفرس)
قَالَ ابْن خروف: إِنَّمَا جَازَ ذَلِك على التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير فَتوهم اتِّصَال النُّون من اضربن بالساكن بعده. وَالصَّحِيح أَنه حذفهَا تَخْفِيفًا لما كَانَ حذفهَا لَا يخل بِالْمَعْنَى وَكَانَت الفتحة الَّتِي فِي الْحَرْف قبلهَا دليلةً عَلَيْهَا. وَيدل على صِحَة ذَلِك قَول الشَّاعِر أنْشدهُ الجاحظ فِي الْبَيَان لَهُ:
الطَّوِيل
(خلافًا لقولي من فيالة رايه
…
كَمَا قيل قبل الْيَوْم خَالف تذكرا)
وَقَوله الآخر أنْشدهُ الْفَارِس: الْبَسِيط
(إِن ابْن أحوص مغرورٌ فَبَلغهُ
…
فِي ساعديه إِذا رام الْعلَا قصر)
يُرِيد: فبلغنه.
وَقَول الآخر: السَّرِيع
(
يَا رَاكِبًا بلغ إِخْوَاننَا
…
من كَانَ من كِنْدَة أَو وَائِل)
يُرِيد: بلغن إِخْوَاننَا.
أَلا ترى أَن النُّون من خالفن وبلغنه وبلغن لَا يُمكن أَن يُقَال إِنَّهَا حذفت على توهم اتصالها بساكن. وَمثل ذَلِك مَا أنْشدهُ أَبُو زيد فِي نوادره: الرجز
(فِي أَي يومي من الْمَوْت أفر
…
أيوم لم يقدر أم يَوْم قدر)
يُرِيد: لم يقدرن وَدخلت النُّون على الْفِعْل الْمَنْفِيّ بلم كَمَا دخلت عَلَيْهِ فِي قَول الآخر: يحسبه الْجَاهِل مَا لم يعلمَا
وَلَا يجوز مثل هَذَا فِي سَعَة الْكَلَام إِلَّا شاذاً نَحْو قِرَاءَة أبي جَعْفَر الْمَنْصُور: ألم نشرح لَك)
صدرك: بِفَتْح الْحَاء.
وَالْبَيْت من أَبْيَات للأضبط بن قريع السَّعْدِيّ أوردهَا القالي فِي أَمَالِيهِ عَن ابْن دُرَيْد عَن ابْن
(لكل هم من الهموم سعه
…
والمسي وَالصُّبْح لَا فلاح مَعَه)
(مَا بَال منسره مصابك لَو
…
يملك شَيْئا من أمره وزعه
)
(أذود عَن حَوْضه ويدفعني
…
يَا قوم من عاذري من الخدعه)
(حَتَّى إِذا مَا انجلت عمايته
…
أقبل يلحى وغيه فجعه)
(قد يجمع المَال غير آكله
…
وَيَأْكُل المَال غير من جمعه)
(فاقبل من الدَّهْر مَا أَتَاك بِهِ
…
من قر عينا بعيشه نَفعه)
(وصل حبال الْبعيد إِن وصل ال
…
حَبل وأقص الْقَرِيب إِن قطعه)
(وَلَا تُعَاد الْفَقِير علك أَن
…
تركع يَوْمًا والدهر قد رَفعه)
انْتهى.
وَرَوَاهَا أَيْضا ابْن الْأَعرَابِي والجاحظ وَصَاحب الحماسة البصرية والشريف فِي حماسته وَابْن قُتَيْبَة فِي كتاب الشُّعَرَاء وَصَاحب الأغاني وَغَيرهم بِتَقْدِيم بَعْضهَا على بعض وَطرح أَبْيَات مِنْهَا.
قَالَ الْجَوْهَرِي: المسي بِضَم الْمِيم وَكسرهَا وَسُكُون السِّين: اسْم من الإمساء. وَالصُّبْح: اسْم من الإصباح. وَأنْشد هَذَا الْبَيْت. والفلاح: الْبَقَاء. وَرُوِيَ بِهِ أَيْضا.
وَرُوِيَ أَيْضا: مَا بَال من غيه مصيبك. والغي: الخيبة والحرمان. وَيُقَال: غوى من بَاب رمى.
قَالَ المرقش: الطَّوِيل
(فَمن يلق خيرا يحمد النَّاس أمره
…
وَمن يغو لَا يعْدم على الغي لائما)
وَجُمْلَة: لَو يملك من الشَّرْط وَالْجَزَاء حَالية ويروى: لَا مَوضِع لَو
وَهُوَ غير صَحِيح. ووزعه يزعه وزعاً: كَفه وَمنعه بالزاي الْمُعْجَمَة.
يَقُول: مَا بَال من تتألم لخيبته وَفَقره فَإِذا وجد شَيْئا من الْخَيْر كَفه عَنْك. وَقَوله: أذود عَن حَوْضه هَذَا مثل للحماية وَدفع الْمَكْرُوه عَنهُ.
والخدعة بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة وَفتح الدَّال: بطن من بني سعد بن زيد مَنَاة ابْن تَمِيم وهم قومه.
قَالَه صَاحب الأغاني وَغَيره.)
والعماية بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة: الشدَّة الَّتِي تَلْتَبِس مِنْهَا الْأُمُور. يُقَال: عمي عَلَيْهِ الْأَمر: إِذا الْتبس.
وَأَقْبل: شرع ويلحى: يلوم. وغيه: ضلاله. وفجعه: أَصَابَهُ بمكروه.
وَقَوله: وصل حبال الْبعيد يَعْنِي: تقرب إِلَى الْبعيد من النّسَب إِذا طلب قربك واهجر الْقَرِيب من نسبك إِذا هجرك. وَمَا قَالَه تَمْثِيل لما قُلْنَا.
وَقَوله: لَا تهين الْفَقِير
…
إِلَخ الإهانة: الْإِيقَاع فِي الْهون بِالضَّمِّ والهوان بِالْفَتْح وهما بِمَعْنى الذل وَمثله فِي الْمَعْنى قَول الآخر: الطَّوِيل
(عَسى سائلٌ ذُو حاجةٍ إِن منعته
…
من الْيَوْم سؤالاً أَن يكون لَهُ غَد)
وَاسْتشْهدَ بِهَذَا الْبَيْت فِي التَّفْسِير عِنْد قَوْله تَعَالَى: واركعوا مَعَ الراكعين على أَن الرُّكُوع هُوَ الخضوع والانقياد كَمَا فِي الْبَيْت.
وَجُمْلَة والدهر قد رَفعه: حَال من ضمير تركع.
وَقَالَ الْعَيْنِيّ: الرُّكُوع: الانحناء والميل وَمن ركعت النَّخْلَة إِذا انحنت ومالت. أَرَادَ بِهِ الانحطاط من الْمرتبَة والسقوط من الْمنزلَة. انْتهى.
وَنقل الشَّيْخ خَالِد فِي التَّصْرِيح أَن هَذَا الشّعْر قيل قبل الْإِسْلَام بِخَمْسِمِائَة عَام.
-
وَكَانَ سَبَب هَذَا الشّعْر على مَا فِي الأغاني عَن أبي ملحم أَن أم الأضبط كَانَت عَجِيبَة بنت دارم بن مَالك بن حَنْظَلَة وخالته الطموح بنت دارم.
فحارب بَنو الطارح قوما من بني سعد فَجعل الأضبط يدس إِلَيْهِم الْخَيل وَالسِّلَاح وَلَا يُصَرح بنصرهم خوفًا من أَن يتحزب قومه حزبين مَعَه وَعَلِيهِ
وَكَانَ يُشِير عَلَيْهِم بِالرَّأْيِ فَإِذا أبرمه نقضوه وخالفوا عَلَيْهِ وأروه مَعَ ذَلِك أَنهم على رَأْيه فَقَالَ فِي ذَلِك هَذِه الأبيات.
وَهُوَ الأضبط بن قريع بن عَوْف بن كَعْب بن سعد بن زيد مَنَاة بن تَمِيم. وقريع بِضَم الْقَاف قَالَ ابْن قُتَيْبَة فِي كتاب الشُّعَرَاء: الأضبط بن قريع السَّعْدِيّ هُوَ من عَوْف ابْن كَعْب بن سعد رَهْط الزبْرِقَان بن بدر ورهط بني أنف النَّاقة. وَكَانَ قومه أساؤوا مجاورته فانتقل مِنْهُم إِلَى غَيرهم فَرجع إِلَى قومه وَقَالَ: بِكُل وادٍ بَنو سعد. وَهُوَ جاهلي قديم.
وَكَانَ أغار على بني الْحَارِث بن كَعْب فَقتل مِنْهُم وَأسر وجدع وخصى ثمَّ بنى أطماً وَبنت الْمُلُوك حول ذَلِك الأطم مَدِينَة صنعاء فَهِيَ الْيَوْم قصبتها. وَهُوَ الْقَائِل: يَا قوم من عاذري من الخدعه)
وَأول الشّعْر: لكل ضيقٍ من الْأُمُور سعه
مَعَ أَرْبَعَة أَبْيَات أخر. انْتهى.
وَزعم خضر الْموصِلِي أَن أول هَذَا الشّعْر عِنْد ابْن قُتَيْبَة هُوَ المصراع الْمُتَقَدّم. وَلَيْسَ كَذَلِك كَمَا ترى.
قَالَ صَاحب الأغاني: كَانَ الأضبط بن قريع مفركاً بتَشْديد الرَّاء الْمَفْتُوحَة وَهُوَ الَّذِي تبْغضهُ زَوجته. وَكَانَ فِي الْحَرْب يتَقَدَّم أَمَام الصَّفّ وَيَقُول: الرجز
(أَنا الْفَتى تفركه حلائله
…
أَلا فَتى معشقٌ أنازله)
وَاجْتمعَ نساؤه لَيْلَة يتسامرن فتعاقدن على أَن يصدقن الْخَبَر عَن فرك الأضبط فأجمعن أَن ذَلِك لِأَنَّهُ بَارِد الكمرة فَقَالَت لإحداهن خَالَتهَا: أفتعجز إحداكن إِذا كَانَت لَيْلَتهَا أَن تسخن كمرته بِشَيْء من دهن.
فَلَمَّا سمع قَوْلهَا صَاح: يَا آل عَوْف فثار النَّاس وظنوا أَنه قد أُتِي فتسارعوا إِلَيْهِ. فَقَالُوا: مَا بالك فَقَالَ: أوصيكم أَن تسخنوا الكمر فَإِنَّهُ لَا حظوة لبارد الكمرة. فانصرفوا ضاحكين وَقَالُوا: تَبًّا لَك أَلِهَذَا دَعوتنَا. انْتهى.
وَنقل السُّيُوطِيّ فِي شرح أَبْيَات الْمُغنِي عَن الحماسة البصرية أَن الأضبط ابْن قريع السَّعْدِيّ من شعراء الدولة الأموية. وَلم يتعقبه بِشَيْء. وَهَذَا عَجِيب مِنْهُ.
والأضبط مَعْنَاهُ فِي اللُّغَة: الَّذِي يعْمل بكلتا يَدَيْهِ. وَالْمَرْأَة ضبطاء. يُقَال: صبط الرجل بِالْكَسْرِ يضْبط بِالْفَتْح ضبطاً بِالسُّكُونِ.
وَأنْشد بعده: وحاتم الطَّائِي وهاب المئي
وَتقدم شَرحه فِي الشَّاهِد الرَّابِع وَالْأَرْبَعِينَ بعد الْخَمْسمِائَةِ. وَفِي غَيره أَيْضا.